طباعة

عثمان عبد الجبار راشد.. ذلك الأفق

الأحد, 20 نيسان/أبريل 2014 16:40
قيم الموضوع
(2 أصوات)

 

الأستاذ عثمان الجبار راشد هو صباح الخير، وصباح الحب والمواعيد والوعود الجميلة، وهو النداء الدافئ الذي يستدعيك للمقابلة مع غد محتدم بالأسئلة، ويحرضك على التفكير فيما سيأتي وفيما ستكون.

شخصية نادرة، متنوعة، متعددة الأبعاد ولا يمكن تعريفه بذلك الذي كان "بعثي" وفي حدود إسهامه بدور تأسيسي للحركة السياسية اليمنية الحديثة، منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي، اذ كان من جيل الرواد الشباب في مستوى الارتباط بفكرة ومشروع "البعث" بما هي فكرة تمرد ومقاومة وفي التأسيس لحزب البعث العربي الاشتراكي على المستوى العربي وفرع اليمن.

وبحسب الصديق والرفيق الأستاذ زين السقاف وهو شاعر، قاص، وكاتب رفيع كان الأستاذ عثمان في قاهرة أواخر خمسينيات القرن الماضي من المروضين لوحوش التنازع الاحترابي البعثي، الناصري، اليساري، وكان من أصحاب الصوت المسموع حتى بالنسبة لكائنات لا تسمع غير نفسها مثل "صدام حسين" على سبيل المثال.

عثمان عبدالجبار هو ذلك الإنسان الذي يلامس نبض الشارع والناس والأحلام والمستقبل وهو كان، بالفطرة، يحدس بما سيأتي ويهندس للسيناريوهات المرتقبة، ولمروحة واسعة من الاحتمالات والخيارات.

يلتمس الصداقة والمحبة حتى في الأجواء المفعمة بالعداوات والأحقاد، ويحرص على فسح المجال امام من يختلف معه ويخالفه في تصوراته وقناعاته، ويلتمس العذر لمن يناصبه الخصومة ويوجه نحو صدره قذائف الكراهية السامة والفاتكة.

وكما يلتمس الأعذار لمن يغدرون به ولمن كادوا، غير مرة، ان يغتالوه، فهو كريم ومتسامح من غير افتعال وعلى نحو لا يصدق وليس بالإمكان وصفه، ولا ينبغي ان يخطر على بال أحد انه عثمان كريم كـ"شيخ" قبيلة فهو يتسم بكرامة الأفق المفتوح والفسيح.. كريم في تعاطيه مع أصدقائه ورفاقه وأهله وخصومه والزهر والعطر والندى والبحر والأشجار والأغاني والأشعار والحكايا والتنظيم والإدارة، وفي غفرانه وسماحته وأدائه الرفيع حين تبوأ مناصب حزبية وحكومية قيادية كبيرة، وكان من المؤسسين للإدارة والتدبير الحكوميين الراشدين في حكومة ما بعد الاستقلال في عدن.

كان وزيرا للخدمة المدنية والعمل ووزيرا للثروة السمكية، وقياديا مؤسسا لوزارات كثيرة مثل وزارة الصناعة والكثير من المرافق في عدن.

عثمان نأى بنفسه دوما عن الاستنقاع في الصغائر وتجنب بوعي مسؤول ويقظ الالتياث في بازارات السياسة ومكائدها الرخيصة، وصراعاتها العقيمة، وحرص باستمرار، على توسيع المشتركات وإضفاء الطابع الإنساني الحميم على السياسة؛ فهو من القلائل الذين خرجوا عن القطعان الاستذئابية وصراعاتها العقيمة، ومن القلائل الذين أنهكوا أنفسهم في استعادة الإنسان وشتل حدائق الانسنة.

نأى عثمان بنفسه دوما عن ولائم التهريج والهتاف، وحرص باستمرار على توسيع المشتركات وتوطين السياسة في فضاء المدينة والتمدن وتخليصها من مخالب الوحوش التي طالما تناوشت وتناهشت السياسة وقاتلت من اجل حرفها عن مسارها وقذفها إلى مهاوي التوحش.

عثمان من المؤسسين لحزب الطليعة الشعبية اليساري الذي مثل طورا متقدما ودافعا حيويا قويا في إطار حركة اليسار اليمني والعملية السياسية اليمنية، وشكل انعطافة نوعية فارقة في مسار نضال حزب البعث العربي الاشتراكي.. هو ليس بحزبي محض أو جذري أو متشدد، ولم يعرف عنه قط انه غلّب مصلحة الحزب وتحيزاته على المشترك الإنساني والوطني قط.

على العكس من ذلك تماما عثمان يطل على الحزب من شرفة الفضاءات الإنسانية الرحيبة ويضع المشترك الإنساني الواسع في البند الأول المحدد لرؤاه ومرئياته للحزب والوطن والأسرة والصداقة.

من هنا شغف انخراطه في مضمار العمل الاجتماعي والخيري والأهلي، وهو عمل كان ولازال بمثابة المدرسة الأولى التي وضعت لبناتها أسرة عبدالجبار راشد بصفة عامة، وعثمان عبدالجبار بصفة اخص، والراحل القدير محمد عبدالجبار راشد، الشقيق الأكبر لعثمان الذي رحل عن دنيانا قبل أيام وكان المؤسس الأبرز لنادي الاتحاد العبسي في عدن، كما كان أول من بادر لتأسيس وبناء المدارس في الاعبوس والدفع بالنهضة التعليمية في هذه المنطقة التي انطلقت فيها مدارس التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي قبل الكثير من عواصم محافظات اليمن.

عثمان يرقد حالياً على سرير المرض في المستشفى، وهو الرجل الذي طالما انجد وأسعف عشرات المرضى من معارفه ومن الذين لا يعرفهم، وكان صاحب لمسات وأدوار استباقية في احتضان من ترهقهم أنواء الحياة ومكائدها وآلامها.

عثمان لا يحتاج، بالتأكيد، إلى شفقة سياسية أو رئاسية، ولا إلى برقية مواساة؛ فهو صاحب حق على الدولة التي ساهم في وضع لبناتها وتشييد عتباتها الأولى.

عثمان يحتاج إلى شيء من العرفان والوفاء والاعتذار، والى من يرد إليه بعض الجميل ويلتقيه على خط الوفاء والمحبة والرحابة.

عثمان مدرسة، وورشة، وأفق وحكمة متألقة بالتواضع، وإدارة وخبرة، معرفة، شغف، فضول وزهد وعلى من يحب هذا الرجل الرائع أن يقلع عن السجارة قبل أن يزوره وعندما يتذكره.

عثمان علامة فارقة على الانفتاح والمحبة والانسجام مع الذات والحوار المنتج والخلاق، وهو كبير وكثير وغزير المعاني والأبعاد إلى درجة يتلعثم في وصفها القلم.. عثمان يا جبار، يا جميل، يا نبيل سامحنا على كل تقصير وعلى كل تأخير في نقد الحزب والذات.

 

قراءة 2131 مرات آخر تعديل على الأحد, 20 نيسان/أبريل 2014 16:47

من أحدث