معن دماج :الفشل فـي تغيير المجتمع من الأسفل يعني ارتماء مزيد جماهير فـي العنف والطائفية

الخميس, 10 نيسان/أبريل 2014 17:28
قيم الموضوع
(12 أصوات)

يطرح الرفيق معن دماج عديد رؤى عميقة عن الأزمة الوطنية ومآلات الثورات، فضلاً عن القضايا المتعددة المفتوحة على أكـثـر من صعيد.

يرى أن الوطنية لا تسطيع أن تلعب دوراً تقدمياً ما لم تأخذ شكل مشروع تحرير وتحرر إنساني واجتماعي وطبقي.

عرف معن دماج المشغوف بعلم الفلسفة كأحد أهم القيادات الشابة في الحزب الاشتراكي. نال الماجستير عن نظرية الوجود السينيوية عند الرازي والطوسي، وهو على وشك انجاز رسالة الدكتوراه عن علاقة الماهية بالوجود عند السهر وردي والشيرازي.

كان من أبرز الفاعلين في القطاع الطلابي بجامعة صنعاء وفي هيئة التدريس.. في كثير مناشط ظل معن دماج ناضجاً ولافتاً بدأبه الاشتراكي المتجدد وبرؤيته السياسية الوطنية والفكرية عموماً..

حوار: سام أبو أصبع

الى نص الحوار :

 

ثلاث سنوات من عمر الثورة وما يزال البلد يعيش أوضاعاً قلقة وغير مستقرة في ظل ما يبدو أنه عجز كامل من قبل من يدير البلد اليوم ولعل أخطر ما يواجهه اليمنيون الملفين الاقتصادي والأمني كيف يقرأ الدكتور معن مشهد اليمن السياسي اليوم؟

- دخلت المنطقة العربية واليمن في سيرورة ثورية طويلة، لعلها ما زالت في بدايتها، ولئن بدت الانتفاضة الشعبية الثورية في اليمن تالية لتونس ومصر، فإن الحراك السياسي في اليمن كان قد بدأ قبل وقت طويل بدخول النظام السياسي والاجتماعي في أزمة ممتدة ومتطاولة كان أبرز تجلياتها حروب صعدة والحراك الجنوبي بمختلف تياراته، ولذا فإن كانت الحالات الثورية في بقية بلدان الانتفاض العربي مطالبة بإنجاز نظام سياسي واجتماعي جديد، فإنها في اليمن الى ذلك مطالبة بإعادة تعريف الهوية الوطنية والكيانية للدولة الوطنية، التي أبرز تجليات أزمتها بروز التيارات والنزعات قبل الوطنية وتعاظم تأثيرها.

حالة العجز واللايقين التي تعيشها الحكومة وأجهزة الدولة اليوم وان كانت تعبر عن الآفاق المحدودة والمغلقة للتسوية السياسية فإنها تعبر أيضاً عن فشل محاولة اختزال الأزمة الثورية الى أزمة السطح السياسي دون معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي كانت السبب العميق للحراك الثوري.

المشهد اليوم يتجلى في صعود القوى قبل الوطنية، وسيادة الاحباط، وعودة الروح لقوى النظام القديمة، ولعل محاولات فرز اليمنيين على أسس قبل وطنية - طائفية وجهوية - هو الشكل الأبرز للثورة المضادة.

ألا يفاقم ذلك من العنف المتصاعد يومياً وهناك من يفسر ذلك بالشعور العام الذي بدأ يسود الناس بأن إمكانية التغيير من خلال النظام الحالي قد انسدت تماماً. ومع وجود أزمات متعددة في الاقتصاد وفي السياسة وفي المجتمع. كيف يمكن التعامل مع كل هذه الأزمات في ظل غياب الحركة الشعبية؟

- اذا هناك شعور عام بدأ يسود بانسداد إمكانية التغيير من خلال النظام الحالي فهو أمر طيب.. في الواقع ما يسود هو نوع من الاحباط الشامل وهذا أيضاً أمر جيد لأنه يوفر أرضية للتغيير... نحن إزاء واقع جديد والمسار الثوري الذي نحن في وسطه يجد جذوره لـيس فقط في الطبيعة الاستبدادية للأنظمة القائمة بل وأساساً في الخيارات النيوليبرالية السائدة في مجال الاقتصاد - لعل أحد جذور الحراك الجنوبي الذي لا يعطى الاهتمام الكافي هو تصفية قطاع الدولة الذي كان في وجه منه قطاع تشاركي لكل المجتمع - هذه الخيارات عاجزة تماماً عن تطوير المجتمع وتصنيعه وإحداث اندماج وطني فضلاً عن إنتاج فــرص عمل لمئات الآلاف من الشباب الذين يدخلون سوق العمل كل عام ومحاولة قصر الإصلاح المطلوب الى مجرد إصلاح سياسي لن يكتب له النجاح دون تغيير عميق في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية.. أما العنف على أنواعه سواء الارهابي المتمثل في القاعدة أو السياسي الذي يريد فرض حقائق سياسية على الأرض بالقوة فهو مفهوم بل وطبيعي، والذي لم يكن يتوقعه لا شك يعيش في عالم آخر.. المسألة ليست في النقد الأخلاقي المجرد من العنف بل في الانخراط في الواقع لتغييره بالوسائل المتوفرة أي أساساً باستعادة الحركة الجماهيرية الشعبية - مهما بدا انها ضعفت وتراجعت - لتغيير المجتمع من أسفل والفشل في ذلك سيعني ارتماء مزيد من الجماهير الشعبية في خيارات العنف والنزعات الطائفية والقبل وطنية ولا محالة ان هذه الحركة الشعبية المطلوب استنهاضها ذات طابع مواطني واجتماعي وطبقي تستطيع ان تجعل الفرز داخل الحركة السياسية على أساس الموقف من المسألة الوطنية والمسألة الاجتماعية لا الخلفيات الجهوية والمذهبية، ومن المفروض في تقديري ان الحالة الشعبية والشبابية التي عرفتها ساحات الاحتجاج والانـتفــاض الـمـواطني والاجتماعي ان تكون مع حزب الحركة الوطنية -الحزب الاشتراكي- وبقية التيارات الوطنية في قلب هذه الحركة الشعبية المطلوب استنهاضها.. واذا جرت العادة على لوم الحركات الإسلامية على انتهازيتها وركوبها على الحراك الثوري في المنطقة ومحاولة حرفه باتجاه مشروعها فإنه يصعب التصديق ان حزباً يمتلك جذوراً ثورية مثل الاشتراكي لم يستوعب ضرورة تغيير موازين القوى على الأرض من خلال الانخراط أكثر في الحراك الشعبي وتجذيره وليس فقط المراهنة على العمل السياسي الفوقي والتسوية السياسية.

 • في ظل هذا التشرذم الحاد وانبعاث الهويات المحلية التي اعتقدنا بتجاوزها عبر الحالة الوطنية التي شكلتها ثورة سبتمبر وأكتوبر ما تفسيرك لحالة هذا الانبعاث وما هو أفقه؟ وفي ضوء هذه المشاريع الصغيرة وما قبل وطنية كيف يمكن إعادة القضية الوطنية الي ضمير ووجدان المواطن اليمني؟

- هناك أسباب موضوعية لانبعاث الهويات المحلية وقبل الوطنية لتخلف العلاقات الاجتماعية وانتشار الفقر والتبعية للمراكز الامبريالية والقوى الإقليمية، طبعاً مع تعثر تجربة الدولة الوطنية وأزمة دولة الوحدة ولعله يكاد يكون قانوناً سيوسياسياً عودة المجتمعات أو محاولة عودتها الى وضعها ووعيها السابق على تجاربها السياسية والاجتماعية المخفقة- بغض النظر عن إمكانية ذلك-، الأمر الآخر هو ما يمكن ان نطلق عليه مفاعيل الحدث العراقي إذ كان الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق مدشناً لمرحلة انفتاح المنطقة على الصراع الطائفي، واذا تحدثنا عن الحوثية مثلاً فإنها في جانب منها حركة احيائية زيدية مضادة على محاولات التسنين والوهبنة التي مورست لعشرات السنين كما انها مثل غيرها من النزعات الماضوية تعبر أيضاً عن خيبة أمل المجتمع في وعود الدولة الوطنية واخفاقاتها، طبعاً مع انبعاث طموحات بعض الأسر التي كانت حاكمة تماماً مثل الأسر السلطانية والمشيخية في الجنوب. اما الأسباب الذاتية فتعود لأزمة الوطنية اليمنية الذي يمكن إعادة بدايتها الى السبعينيات مع تراجع الحركة الوطنية الى مواقع دفاعية أساساً أمام مشيخات الخليج - وتصور استقلال مصير اليمن عن الواقع الجيوسياسي للجزيرة العربية أساساً والمنطقة العربية مجرد وهم - ثم مع تفجر أحداث 13 يناير المأساوية لا فقط لتفجر الصراع داخل حزب الحركة الوطنية وأداتها التنظيمية بل ولأخذ هذا الصراع شكلاً انقسامياً عشائرياً وجهوياً رغم طبيعته السياسية وبلغت أزمة الوطنية ذروتها مع توقيع اتفاقية جدة الحدودية، فمرور هذه الاتفاقية بدون أي احتجاج يذكر - باستثناء بيان اتحاد الأدباء الذي لعله كان أحد تعبيرات الوطنية اليمنية ولعل في وضعه البائـس اليوم تعبيراً عن مآلها السيئ - وبلغت ذروة المأساة مرور هذه الاتفاقية بمجلس النواب دون أي اعتراض تقريباً حيث لم يرفضها سوى نائب واحد هو الأستاذ يحيى منصور أبواصبع.. وغني عن القول إن هذه الاتفاقية كانت مستحيلة لولا حرب 94 - بالنسبة للحزب الاشتراكي اليمني فنحن إزاء حزب هو سليل لحركة تحرر وطني أساساً لا حركة عمالية أو تنظيمات نقابية ولذا فإن أزمة دولة الوحدة ترك أثراً بالغاً عليه فهو لا يستطيع العمل مع تشوش موقفه من المسألة الوطنية باعتباره حزب الوطنية اليمنية رغم الشعارات اليسارية.. وفي وضعنا الحالي -أي غياب استعمار مباشر- فالوطنية لا تستطيع ان تلعب دوراً تقدمياً ما لم تأخذ شكل مشروع تحرير وتحرر إنساني واجتماعي وطبقي يعبر عن مصالح الأغلبية الشعبية الكادحة وجموع العاملين والموظفين وصغار التجار والعاملين لحساب أنفسهم وتقوم فيه الدولة بالدور الـرئــيــس في التنمية وتكون مجانية التعليم والتأمين الصحي وتوفير الوظائف من صلب مهامها. فالقطاع الخاص والذي نشأ في أغلبه في علاقة زبونية بالسلطة حيث تكون العلاقة بالسلطة هي المحدد والوسيلة لتراكم رأس ماله فيما يسميه سمير أمين رأسمالية المحاسيب - حتى تلك العائلات القديمة أو التي جمعت أموالها في الخارج لم تكن لتستمر بالتوسع والبقاء في السوق لولا هذه العلاقة بالسلطة - أقول: هذا القطاع الخاص الطفيلي والسمسار للخارج عاجز بطبيعته عن قيادة التنمية وانتاج الوظائف.

 • في موضوع الثورة الشعبية ما تفسيرك لمآلات الثورة وهل يمكن استعادة اللحظة الذهبية للثورة في ظل من يعتقد أن زلزال الثورة الكبير قد مر؟

- بالنسبة لمآلات الثورات الشعبية وواقعها اليوم ففي تقديري اننا دخلنا في سيرورة ثورية طويلة ما نزال في بدايتها، صحيح اننا نمر الآن بمرحلة مد وجزر ويسوده الإحباط، إلا ان الأسباب العميقة التي انتجت هذه الانتفاضات ما زالت على حالها بل انها تفاقمت، وكل القوى التي دفعتها هذه الموجات الثورية للسطح لا تملك الإجابة والحلول لمشاكل المجتمع - بعضها حتى لا تكاد تدركها- وفي تقديري لا تملك لا القوة ولا الموارد ولا الدعم الاجتماعي لإخماد الحراك الشعبي وإقامة سلطتها على أشلائه.. طبعاً المخاطر كبيرة وهائلة والمحبط هو فشل القوى الثورية والتقدمية في الانتظام وفي صياغة استراتيجية ثورية تستطيع التعامل مع الوضع وتعبئة المجتمع وانا هنا لا أتحدث فقط عن الأشكال التقليدية للتنظيم بل أيضاً عن الأشكال الجديدة وغير التقليدية.

دائماً ما كنت صاحب فكرة ان الجيش في الثورة التونسية وكذلك المصرية وربما اليمنية أيضاً قطع الطريق على الجماهير ومنع حركتها من التجذر كيف ذلك أو لم يكن ما حدث هو انحياز هذه الجيوش للثورات الشعبية؟

- بالنسبة لدور الجـيــش -وهذا ليس رأيي وحدي- فلعله لعب دوراً مزدوجاً من ناحية منع سفك الدم ومن ناحية منع الحركة الشعبية من التجذر... ما حدث من الناحية التقنية هو انقلاب قصر ولعل ما سمح بذلك بتلك السهولة هو غياب التركيبة الأهلية والعشائرية في بنية الجيشين المصري والتونسي... وأظن انه مع تطور الأحداث يمكن للمرء ان يحكم بصورة أوضح على دور الجيش في التخلص مـن رأس النظام وإجراء مستوى من الاصلاحات السياسية مع المحافظة على جوهر الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للنظام.

 • نريد ان نناقش فكرتك حول البعد القومي للثورة التونسية حيث قلت في ندوة لك بساحة التغيير بصنعاء انه بعد سقوط الدولة القُطرية ودولة الاستقلال بدا انها تسقط لمصلحة التكوينات الأهلية والعشائرية داخل كل قطر وما ان بدأ الحراك الثوري. حتى تداعت أقطار عربية عدة لهذه الثورة وانا هنا أقول ألا تعتقد اننا نعيش اليوم ما يمكن ان نسميه سقوطاً لمصلحة التكوينات الأهلية والمذهبية كالحالة اليمنية مثلاً؟

- لعلي كنت أتحدث عن انه من بدايتها مع الاستقلالات الوطنية كان الحديث عن الدولة القُطرية باعتبارها قبيحة ولا تملك شروط النماء والبقاء والاستقلال وان الفكر القومي كان يطرح ذلك باعتباره مقدمة لسقوط هذه الدولة القطرية لمصلحة الدولة القومية.. وان ما حدث في السنوات الماضية هو سقوط هذه الدول القطرية لحساب الانتماءات العشائرية والطائفية والقبل وطنية.. ومع انطلاق شرارة الانتفاضات العربية في تونس لا يستطيع المرء أن لا يلاحظ ان مداها وتأثيرها شمل أساساً البلدان العربية رغم ان البلدان التي تتشابه مع ظروفها كثيرة ومنها دول افريقية أو اسلامية لعلها أقرب لها وأكثر شبهاً. وفي تقديري ان هذا يثبت ان طبيعة العلاقة وعمقها تتجاوز المسائل العاطفية والثقافية... كما ان كل الصراعات التي تلت هذه الانتفاضات أخذت بعداً عربياً.. حيث تتصارع في كل بلد كل البلدان والتيارات - أشدها وضوحاً في سوريا- كما انه في الواقع كل البلدان العربية تفتقر الى شـروط الاستقلال والتنمية المستقلة وسيكون مصير كل الثورات الفشل لو بقيت حبيسة حدود دولها القطرية الحالية فالأفق القومي جوهري ولا مفر منه داخل كل انتفاضة وقطر.

 

قراءة 3369 مرات آخر تعديل على الخميس, 10 نيسان/أبريل 2014 17:37

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة