في الذكرى الثامنة للفقيد سلمان

الأحد, 30 تشرين1/أكتوير 2016 17:44 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

في مثل هذه الأيام قبل ثماني سنوات غادر عالمنا الدنيوي واحد من أهم رجالات ثورة الرابع عشر من أكتوبر ومن أهم كوادر مرحلة البناء اللاحق في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ثم من أهم الشخصيات التي ساهمت في إذكاء جذوة الدفاع عن الجنوب وحمل شعلة الثورة الجنوبية السلمية في مراحلها المبكرة.

إنه المناضل محمد أحمد علي الوالي، الذي طغى اسمه الحركي "سلمان" على كل حضوره، والذي كانت بصماته وما زالت واضحة في صفحات التاريخ الجنوبي الحديث والمعاصر.

تعرفت على سلمان لأول مرة عندما كان سفيرا في العراق، في العام 1989م في نوفمبر عندما شاركت ضمن وفد اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في مهرجان المربد الذي كان يقام في بغداد سنويا، لكن اسمه كان يتردد على مسامعنا حتى ونحن ما نزال صغارا في المرحلة الثانوية في بداية انخراطنا في النشاط الطلابي والسياسي، إذ كان اسمه قد ارتبط بمراحل العمل الفدائي والمقاومة المسلحة للاستعمار بقيادة الجبهة القومية التي تبوأ الفقيد عدة مواقع فيها كان أهمها عضوية القيادة العامة، ثم تولى مهمات نائب وزير لعدد من الوزارات فسفير في عدة بلدان عربية وأجنبية.

في بغداد زارنا الفقيد سلمان عدة مرات إلى الفندق فضلا عن حضوره الرمزي لبعض فعاليات مهرجان المربد، كما استضافنا على الغداء أو ربما العشاء (لم أعد أتذكر)، وقدم لنا عددا من الهدايا وظل يتساءل عن حالتنا وحاجاتنا كوفد من كل اليمن وهو ما  دفع الكثير من الزملاء الشماليين إلى سؤالنا : من هذا الرجل الذي لم تغب عيناه عنا يوما واحدا؟ وعندما قلنا لهم بأنه سفير اليمن الجنوبي تعجبوا وعلق بعضهم: ما مثله إلا السفير الشمالي الذي حتى اللحظة لا نعرف اسمه لا أين يقيم.

بعدها تجددت لقاءاتنا في عدن ثم في صنعاء عندما أصبح وزير الإسكان والتخطيط الحضري وعضوا في مجلس النواب ثم غبت عن البلد للدراسة العليا، لتأتي جائحة الحرب اللعينة وتشتت الناس ولم نلتق إلا بعد عودته إلى صنعاء في العام 2003م وكان قد تعرض لعدة توعكات صحية وأجرى عدة عمليات إنقاذية كللت بالنجاح.

 وبرغم  تقدمه في العمر وتأثير حالته الصحية إلا إنه عاد كتلة من النشاط والحيوية والفعالية وكان عنصر جذب للكثير من الناشطين والمثقفين الجنوبيين والشماليين على السواء، وقد التقينا في منزله مرارا كما زارني إلى منزلي (في صنعاء) عدة مرات أثناء مرض والدي قبيل وفاته عليهما رحمة الله ورضوانه ثم أثناء العزاء، وكان وهو يعاني من تأثير الأمراض المختلفة يملأنا بشحنة من المعنوية والحيوية والنشاط.

في صنعاء كُلِّفتُ والفقيد سلمان وآخرين كأعضاء في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الخامس للحزب الاشتراكي اليمني، وقد كان وإياي وآخرون ضمن لجنة صياغة البرنامج السياسي الجديد، كانت لقاءاتنا شبه يومية قبيل انعقاد المؤتمر حتى أنجزنا البرنامج التوافقي الذي أقره فيما بعد المؤتمر العام الخامس في مايو 2005م

كان سلمان في كل لقاءاتنا مرجعا فكريا ونقطة توفيق بين مختلف الآراء والأفكار المتباينة، وكان يقدم المقترحات المستجيبة لتوجهات الغالبية، وساهم بفعالية في عمل اللجنة التي كان معنا فيها ممن أتذكر، الدكتور سيف صائل خالد (الذي تولى رئاسة اللجنة ثم عند سفره كلفت اللجنة د. محمد قاسم الثور)، ود محمد حيدره مسدوس، والأستاذ عبد الواحد المرادي (أطال الله بأعمارهم) والأستاذ عبد الله بيدر وآخرون أرجو أن يعذروني لخيانة الذاكرة لي وعدم تذكر أسمائهم.

تميز الفقيد سلمان بكثير من السجايا التي لا يمكن الإلمام بها لكن التعرض لبعضها يصلح كوسيلة للتعلم واقتفاء الأثر، واتخاذ القدوة، فما إن تتعرف عليه حتى تتمنى أن تكتسب منه بعضا من هذه السجايا.

فقد كان سلمان يمتلك القدرة على الإقناع، ولكن دونما صلافة أو عجرفة كما يفعل الكثيرون، وكان يدافع بصلابة عن مواقفه ورؤاه في مواجهة المختلفين لكنه لا يجعل هذه الاختلاف سببا للعداوة أو الكراهية، كانت روحه الخفيفة وقدرته على صناعة الطرفة تسهل التعامل معه حتى عند من يخالفونه الرأي كما كان بيته كقلبه مفتوحان لكل من يأتي إليه، وعندما كنا نلتقي في منزله كان مقيله يتحول إلى منتدى سياسي وفكري لاستعراض ومناقشة أكثر القضايا تعقيدا وإلحاحا.

 وبالنسبة للقضية الجنوبية فقد كان سلمان منذ عودته (كما منذ نزوحه) مؤمنا بأن الحرب العدوانية لم تنتج للجنوب والجنوبيين إلا الخراب والاستبعاد والتهميش وتعرض أرضهم وثرواتهم للنهب وحقوقهم للسلب وحرياتهم للانتهاك، وتمكن من خلال ديوانه الاسبوعي كل يوم اثنين أن يجمع المئات من الجنوبيين وأن يحول هذا المقيل إلى نقطة استقطاب فكرية انخرط فيها الكثير من المحسوبين على كل التوجهات السياسية الجنوبية مما خلق نوعا من التقارب والائتلاف وردم الكثير من الفجوات بين الجنوبيين بعد كلما أنتجته سياسات التفكيك ودق الأسافين والنزاعات الجنوبية ـ الجنوبية، واستطاع سلمان بشخصيته المحبوبة أن يردم الهوة بين كثير من المتباعدين وأن يبني جسورا من التواصل والتواشج والتفاهم بين أبناء الجنوب المقيمين في صنعاء وأن يجذب لنصرة قضيتهم المئات من الإخوة الشماليين من ذوي الميول الإنسانية والوطنية وأنصار الحق والحرية وهم كثر، مما كان له أثره اللاحق في تماسك الصف الجنوبي في مواجهة العدوان والتمسك بمتطلبات الثورة الجنوبية وبلوغها ما حققته من انتصارات ونجاحات.

رحم الله الفقيد سلمان وأسكنه فسيح جنانه وألهم أهله وذويه ومحبيه وألهمنا كلنا رفاقه وتلاميذه الصبر والسلوان

و "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

 

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

قراءة 1373 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة