ومتى كانت السيادة للدولة في عمران؟

الأحد, 13 تموز/يوليو 2014 22:33
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

         لم يكن يوم الثامن من يوليو الجاري يوم هزيمة وطنية حتى يحشد حزب الإصلاح المسيرات الغاضبة التي شاهدناها على قناة سهيل تردد هتافات التخوين..فعمران لم تسقط في ذلك اليوم بيد إسرائيل، وإنما ظفر بها "أنصار الله" بعد أن كانت قلعة "حزب الإصلاح"..أما الدولة في تلك الأصقاع فلا وجود لها منذ العام 1962 بممانعة قوية من مشيخة العصيمات وبمباركة من صنعاء لم يرفضها إلا إبراهيم الحمدي..ولو قدر للدولة أن توجد لكان المشهد العام في عمران وصعدة مختلفا تماما وخاليا من هذا العنف المتسارع في كل مناطق شمال الشمال تقريبا..وجميعها كانت وما تزال بأمس الحاجة إلى تنمية حقيقية دون أي مساس بزيديتها التي لم تكن ولن تكون عائقا أمام التنمية.

         واللواء 310 لم يكن دليلا على حضور الدولة في عمران، كما يبدو للبعض، وإنما علي غيابها، أو بالأصح تغييبها..وهذا حكم يقرره العقل الباحث في جوهر الأشياء، لا العين المجردة التي لا ترى أبعد من الميري والرتب والنياشين..والقشيبي لم يدخل طرفا في الاقتتال دفاعا عن حضور الدولة وإنما لتكريس تغييبها الذي نشأ فيه واعتاد عليه واستفاد منه وارتقى بفضله..وقد قاتل ضد خصم طارئ يهدد الترتيبات والمصالح التي بنت نفسها على هذا التغييب وتكيفت معه وأصبح بالنسبة لها ثقافة ونمط حياة..ولو أن الدولة هي التي اجتاحت عمران لفرض نفسها هناك على أنقاض المصالح غير المشروعة لقاتلها القشيبي بتوجيهات من حزب القشيبي.

         ونحن عندما نقول هذا لا نبرر سيطرة "أنصار الله" بقوة السلاح على عمران، وإنما نكشف عن حقيقة جرى التستر عليها وهي أن القشيبي تصرف كأمير حرب متمرد على القيادة السياسية ووزارة الدفاع، ولم يكن أبدا بطلا وطنيا كما تصوره صحافة حزب الإصلاح..والرجل لم يرابط هناك على رأس لواء مدرع مصادفة..فعمران قلعة وعاصمة حزبه..واللواء 310 هو الحامية العسكرية لهذه العاصمة من حصة علي محسن الأحمر في الجيش اليمني الذي تتنازعه ولاءات تقاوم إعادة هيكلته على أسس وطنية..ومن البديهي أن يكون على رأسه قائد يغلب ولاءه لحزبه على ولائه للدولة..وهذا القائد لم يسقط شهيدا وإنما انتحر بإرادته..وإذا جاز الحديث عن شهداء فهم أولئك الأبرياء العزل الذين لا ضربوا الطاسة ولا نفخوا في المزمار وسقطوا ظلما برصاص طرفي الاقتتال وهم متشبثون بالحياة.

         وبصرف النظر عن توصيف طرفي الاقتتال لبعضهما البعض وما يقوله كل منهما عن الآخر فالطبيعي أن تقع المواجهة بين مليشيات حزب الإصلاح ومليشيات الحوثي..والطبيعي أيضا أن يقف القشيبي على مسافة واحدة من الطرفين وأن يجبرهما بالقوة على الخضوع المتساوي للقانون..لكن هذا الطبيعي مجرد أماني، وواقع الحال غير ذلك..فالقشيبي لم يكن موجودا هناك بإرادة الدولة وإنما بإرادة حزب الإصلاح من خلال علي محسن..ومعنى ذلك أن تمركز اللواء 310 في عمران وراءه إرادة غير وطنية هي وحدها التي يحترمها ويخلص لها القشيبي..وهذه الإرادة هي التي موضعت اللواء المذكور كطرف في حرب ليست حرب الدولة..وهذه الموضعة هي التي خلطت الأوراق وسهلت لوسائل إعلام حزب الإصلاح تزييف وعي الناس بتصوير الاقتتال على أنه حرب طرفاها الدولة ومليشيات الحوثي..وهذه أكذوبة كبرى ترتبت عليها أكاذيب ومغالطات تندرج في إطار الانحطاط السياسي والأخلاقي بألف ولام التعريف..وهذا نفصله على النحو التالي:

1 – عندما لا تكون الدولة طرفا في الاقتتال يكون الحديث عن إخلاص القشيبي للشرف والقسم العسكري من قبيل تسمية الأشياء بأضدادها..والحقيقة أننا في هذا المقام أمام خيانة للشرف والقسم العسكري، وليس أمام إخلاص.

2 – إن إخلاص القشيبي المزعوم للشرف والقسم العسكري مقدمة بنى عليها حزب الإصلاح نتيجة خطيرة مؤداها أن الرئيس هادي لم يوفر الغطاء السياسي للواء القشيبي، وأن وزير الدفاع لم يقدم له المدد والعون الذي يمكنه من كسب المعركة..وعلى هذا الأساس يجب أن توجه للرئيس هادي ووزير الدفاع تهمة الخيانة العظمى.

         وهذا ما حصل بالفعل عبر وسائل إعلامية منفلتة دعت إلى تحرك شعبي ضد الرئيس ووزير الدفاع حتى لا تباع اليمن بأبخس الأثمان لإيران وأمريكا، كما كتب أحدهم..وانبرى آخر محذرا من الخطر المحدق بالعاصمة ما لم يتم تصفية الخونة في وزارة الدفاع حسب تعبيره..وهناك من قال إننا إزاء مؤامرة نتيجتها المرتقبة: الشمال دولة للحوثي والجنوب دولة لهادي.

3 - إن الدولة لم تعلن نفسها طرفا في هذا الاقتتال المجنون ووقفت على مسافة واحدة من طرفيه..وهذا واضح من دور الوساطة الذي مارسته لفك الاشتباك بينهما..لكن هذا الدور قوبل عبر وسائل إعلام حزب الإصلاح بالتشويه وإيهام الرأي العام بأن القيادة السياسية أهانت وخذلت الدولة المقاتلة وقزمتها بدور الوساطة والجمع بين مقام الخصم ومقام الشاهد.

         وليس لهذا التشويه أي تفسير سوى أن حزب الإصلاح لم يكن يقبل بأقل من الذهاب إلى نهاية الاقتتال..ولضمان هذه النهاية لصالحه أراد أن يزج الجيش في حرب يعلم كل ذي عقل أنها ستؤدي إلى انقسامه وتمزقه لسبب بسيط وهو أن تركيبته الراهنة على مستوى القيادة والأفراد لا تؤهله أن يدخل حربا ليست حربه ويخرج منها متماسكا..ولو أن الدولة تورطت في هذه الحرب لتعذر التحكم بها وبنطاقها المرشح للتوسع ليشمل العاصمة..وهذه حقيقة لا يريد حزب الإصلاح أن يقر بها لأنه يماهي بينه كحزب وبين الدولة..وبسبب هذه المماهاة يرى حربه مع الحوثي على أنها حرب الدولة..وهذا تفكير شمولي خطير ومدمر..ومن حسن طالعنا في هذه المرحلة الحساسة أن هادي يقف على مسافة واحدة من طرفي الصراع ويتصرف كرئيس لكل اليمنيين، بما في ذلك أنصار الله، ولم ينجر وراء حسابات وتحالفات تهدد المرحلة الانتقالية ونتائج الحوار الوطني.

4 - ليس لتخوين رئيس الدولة أي تفسر سوى أن حزب الإصلاح استمرأ الإمعان في تغييب الدولة الغائبة أصلا..ولم يشفع للرئيس عند هذا الحزب أنه تصرف بحكمة ولم يعلن القشيبي متمردا، بل ووفر له كل فرص الانسحاب الآمن من ساحة الاقتتال..والرئيس بهذا التصرف لم يكن جبانا ولا مداهنا، وإنما هي روح المسئولية في مقام ليس هو بعد مقام قول الحقيقة للشعب، وبخاصة عندما تكون هذه الحقيقة متعلقة بسلوك حزب مسلح لا يجيد إلا التحريض وتتحكم بأقداره وقراره مراكز قوى تهدد مسار العملية الانتقالية من موقع الشراكة فيها.

5 - عندما يصل الأمر إلى حد تخوين رئيس الدولة ووزير الدفاع عبر وسائل الإعلام المحسوبة على حزب الإصلاح فإننا نكون إزاء تمرد صريح وخطير يهدد الوفاق الوطني والمرحلة الانتقالية برمتها..والمتوقع في هذه الحالة أن يتصدى وزير الإعلام لهذا الفلتان بروح المسئولية وفي إطار القانون..لكن الرجل فضل الرقص على مزمار حزبه وحوَّل الفضائية اليمنية المملوكة للدولة إلى قناة إصلاحية تقول عن رئيس الدولة صراحة ما لم تتجرأ قناة سهيل على قوله تورية.

6 - إن افتقار بعض أطراف الوفاق الوطني للحد الأدنى من الحساسية الوطنية يضاعف من مسئولية الرئيس هادي باعتباره صاحب الشرعية الشعبية الوحيد في هذه المرحلة الاستثنائية التي لا تحتمل الفشل..ومن حقه وواجبه في هذه الحالة أن يعلن عن وزارات سيادية تقتضي المصلحة الوطنية العليا أن تكون خارج المحاصة الحزبية..وليس صحيحا أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لا تعطي الرئيس هذا الحق.

         لقد جعلت المبادرة الخليجية القرار الأخير للرئيس في حال تعذر التوافق..وهي بهذا تكون قد أسندت إليه دور مايسترو الفترة الانتقالية، وأصبح من حقه وواجبه أن يلزم كل الأطراف بالعزف على لحن واحد هو اللحن الوطني، وأن لا يدع أحدا يغني على ليلاه..فالتوافق لا يعني التفارق، وإنما التعاون والتشارك والتساند في إطار الرؤية التوافقية..وليس في هذه الرؤية ما يخول طرفا  في التوافق تسخير مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية لحساباته الخاصة.

قراءة 2165 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة