الحقوق المشروعة لشعب فلسطين وأوهام العدالة الدولية

الإثنين, 04 آب/أغسطس 2014 19:09
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

تكشف جرائم العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ما أصاب العدالة الدولية وقيم المجتمع الدولي التي دشنها ميثاق الأمم المتحدة الصادر بعد الحرب الكونية الثانية التي كانت نتيجة للصراع بين الدول الاستعمارية الكبرى التي تقاسمت النفوذ والمصالح في مستعمرات أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وفي سياق صراعها على مناطق النفوذ (والمصالح غير المشروعة) اندلعت الحرب العالمية الثانية وكلفت البشرية حياة زها ثلاثين مليون إنسان، لكن العدد المهول لضحاياها، وحجم الدمار الذي خلفته جعلتها درساً قاسيا كان لا بُد من الاعتبار منه حتى لا يتكرر، وهذا ما استشعرته الدول المنتصرة في الحرب وهي تراجع أسبابها وتضع أسس جديدة للعلاقات الدولية تقوم على المساواة والتعاون والتكامل وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، فمثلت منعطفاً هاماً ووضعت ملامح مستقبل جديد يرفض الاستعمار والظلم، وهذا ما أنعكس في ميثاق الأمم المتحدة الذي حدد الأسس والمبادئ العامة للأمم المتحدة التي يجب أن تستند عليها العلاقات الدولية لتجنب مأسي الحروب البشرية التي كان أساسها الظلم والأطماع وغلبة القوة، ومن أجل عالم يسوده العدل والحرية والسلام والتعاون بين الدول على أساس المصالح المشتركة، وللعمل من أجل تحقيق مبادئ وأهداف هذه المنظومة تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة في عام 1945م، وأنبثق عنها هيئات ومنظمات متخصصة تعنى بكافة المجالات (الصحة والثقافة والتربية وحقوق الإنسان ..الخ) وتضم في عضويتها جميع دول العالم القائمة اليوم.

ووفقاً لميثاقها وأدبياتها المختلفة فالمفترض أنها منظمة دولية تقف من جميع أعضائها على مسافة متساوية، وهي معنية بضبط إيقاع العلاقات الدولية على أساس المبادئ العامة للقانون الدولي. هذه المنظمة الدولية التي عاصرت انحسار العهد الاستعماري وساهمت فيه، ويسجل لها كثير من الإنجازات في وضع قواعد حقوق الإنسان وأنجزتها في اتفاقيات ومعاهدات دولية وعملت من أجل انضمام أكبر عدد من الدول –أعضاء الأمم المتحدة- اليها والالتزام بها، إلا أنه ومع نهاية حقبة الحرب الباردة بتفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار المنظومة الاشتراكية وانهيار التوازن الذي كان يوفره المعسكر الشرقي في إطار منظمة الأمم المتحدة، والفراغ الذي تركته العوامل المذكورة شغلته الولايات المتحدة وحلفاءها بمزيد من الهيمنة والاستحواذ على أداء هيئات الأمم المتحدة والتأثير عليه وعلى القرارات الصادرة عنها، لاسيما مجلس الأمن الدولي الذي يتمتع بسلطات كبيرة وخطيرة.

وهكذا أصبح رأي الولايات المتحدة وموقفها أساس فيما تتبناه أو تصمت عنه الأمم المتحدة، لاسيما في مجالات انتهاكات حقوق الإنسان وقضايا الإرهاب ونحو ذلك، حينما تكون الجهة المتضررة من الدول أو الشعوب الضعيفة. وممارسات الولايات المتحدة التي تندرج في هذا السياق، والتي قامت بها منذ بداية القرن الجاري تؤكد ما أشرنا إليه، بل أنها ذهبت أبعد من ذلك حينما خولت لنفسها حق استخدام القوة العسكرية خارج إطار الأمم المتحدة فاحتلت دول أعضاء بالأمم المتحدة، بذرائع افتعلتها لتغطية الأسباب الحقيقية وهي مصادر الطاقة التي سعت لوضع يدها عليها. وفي ظل الاعتبارات المذكورة لا نستغرب أن يصدر عن أمين عام الأمم المتحدة بيان يحمل الفلسطينيين مسئولية خرق الهدنة اعتماداً على الرواية الإسرائيلية، ويصم أذنيه وعينيه عن مجازر ارتكبت ضد الفلسطينيين وهم في مدارس تابعة لمنظمته، الأمم المتحدة وفي المستشفيات وفي كل مكان وتتجاوز نتيجة العدوان قتل وجرح أكثر من عشرة ألف فلسطيني في مذبحة بشرية رهيبة، وتدمير آلاف المنازل والمنشئات المدنية، وحينما تقوم الدنيا لديه ولا تقعد لمجرد ادعاء الإسرائيليين أن جندياً لهم قد خطف أثناء مهاجمة قوات إسرائيلية للفلسطينيين في غزة فطالب المقاومة الفلسطينية بتسليمه فوراً مستنكراً الواقعة المزعومة، مع أن إسرائيل قالت انها تشك فقط بإمكانية وقوعه في الأسر!؟ يا سبحان الله، جندي يقاتل في حرب عدوانية ويهاجم ويقتل المدنيين في بيوتهم وترتب على الأعمال العدوانية التي شارك بها قتل وإصابة مئات المدنيين وتشريد الآلاف، في سيناريو قتل وإبادة يومي يتعرض لها الفلسطينيون، وينصب اهتمام (بانكيمون) في البحث عن مصير الجندي الذي اعتقدت إسرائيل أنه مخطوف، ولم تؤكد جازمة!؟ فأي أمم متحدة هذه؟ وأي قيمة بقيت لدى مسئولها الأول، والمخجل أن إسرائيل تقرر في اليوم التالي بوجود جثة الجندي المذكور لديها، ما يعني بوضوح أنها ادعت ما ادعته لتبرير خرقها للهدنة المتفق عليها، وتم ذلك دونما اعتبار أو اعتذار لمقام (بانكيمون) الذي استند في تحميل الفلسطينيين مسئولية خرق الهدنة على المبرر المذكور، بل وأجرى اتصالات لتأمين حياته!؟.

وإذا كان ذلك هو حال الأمم المتحدة التي صرحت مع كل حرب إسرائيلية عدوانية بحق إسرائيل (في الدفاع عن نفسها! مع أنها ترتكب جرائم حرب وإبادة جماعية للفلسطينيين)، وتصم أذنيها عن شهادات ومناشدات موظفيها العاملين في المدارس ومشاريع الإغاثة، ويستمر هذا الحال إلى أن تشبع الدولة العبرية نازيتها وحقدها (قتلاً وتدميراً) وتطلب منها الولايات المتحدة القيام بدور لمصلحة إسرائيل وترتيب أوضاع ما بعد الحرب.

اعتماد المعايير المذكورة من قبل الأمم المتحدة يجعلها طرفاً غير نزيهاً في الصراع لأن انحيازه واضح وأكيد للاعتبارات المذكورة ولغيرها من الأسباب الكثيرة التي تؤكد عدم تمتعها بالحيادية والنزاهة، وأبعد من ذلك لتوفيرها غطاءً دولياً للجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، بالقول أن إسرائيل لها الحق بالدفاع عن نفسها.. الخ. وفي ظل العوامل المذكورة واستمرار وحدة المصالح الأمريكية الصهيونية، واختلال موزين القوى داخل الأمم المتحدة لمصلحة الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين ولعدم وجود جهد عربي مشترك في إطار الأمم المتحدة وعدم استخدام أوراق القوة الأخرى (أوراق المصالح العربية الأمريكية) لدعم الموقف العربي، وفي ظل استمرار عدم التوافق بين فصائل القوى الفلسطينية، العوامل المذكورة تؤكد القول بأن التعويل على عدالة دولية أو موقف دولي منصف في القضية الفلسطينية هو مضيعة للوقت وسيراً في المجهول.

وخلاصة القول من مجمل ما أشرنا إليه أنه ورغم كرهنا للصهاينة وهي ردة فعل طبيعية ناتجة عن جرائمهم، وكونهم في الأصل محتلين، (والاحتلال بحد ذاته جريمة) ولهم مشروع استيطاني توسعي داخل فلسطين وخارجها، ولأنهم يصادرون حقوق الغير (تهجيراً وتجريفاً وحصاراً وإبادة) أي يبنون كيانهم المنشود على التشريد والتدمير والإرهاب وغيرها من صور الجرائم الصهيونية الكثيرة التي على كثرتها وتنوعها إلا أنها لا تمنع من حاجتنا لدراسة وتحليل أسباب نجاح وتفوق دولة الكيان الإسرائيلي  ومقارنتها بعوامل وأسباب الإخفاقات العربية، والاستفادة منها. وأهم ما يجب تعلمه من هذا العدو الموقف من الانسان (بصرف النظر عن منطلقاتهم العنصرية، وأنه اهتمام قائم على التمييز العرقي) فالمقارنة مؤلمة حينما نتأمل كيف تعاملت إسرائيل مع ملف الأسرى من جنودها والمفقودين، وماذا عملت من أجل استعدتهم أو استعادة رفاتهم وذلك مع موقف الأنظمة العربية من حقوق الإنسان العربي وحرياته، وماهي الحقوق التي يتمتع بها الإنسان العربي داخل بلده (المستقل)؟

سنجد أن نتيجة المقارنة ستكون مؤلمة ولا تحتمل وسنقف من خلالها على واحدة من أهم أسباب الضعف والتخلف العربي التي ساعدت إسرائيل على هزيمة الأنظمة العربية والتفوق عليها في كافة الميادين. ومع أن هناك كثير من الجوانب التي يمكن مقارنتها لتوضيح أسباب هزيمة العرب أمام إسرائيل، لكن يكفي الإشارة إلى جانب آخر على صلة بأهم أسباب تخلفنا، هو أن الدولة العبرية دولة مؤسسات، وأنها تستند في أداءها إلى الدستور والقانون التي يتساوى أمامها الجميع وأن أي مسئول بدءً من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية تحت طائلة المسائلة القانونية، وهذه حقيقة ثبتت عملياً في عدد من المحاكمات التي تعرض لها رؤساء ورؤساء حكومات وقادة جيش إسرائيليين متهمين بمخالفة تطبيق القانون أثنا قيامهم بمهامهم. كما أن الانتخابات العامة هي ميدان التنافس للقوى السياسية الإسرائيلية ووسيلة التداول السلمي للسلطة، الأمر الذي يمكن المواطن الإسرائيلي من انتخاب ممثلية للسلطة التشريعية.. ولو أسقطنا العاملين المذكورين على أي من التجارب العربية لوقفنا على عامل وسبب آخر للفشل العربي في كافة المجالات وبالتالي في مواجهة إسرائيل.

فلم يكن السبيل للسلطة عن طريق الانتخابات، وان تمت فلم تكن حرة ونزيهة، لأنها لم تؤدي إلى تداول فعلي للسلطة ولغياب الديمقراطية وطغيان صف من الحكام المستبدين الذين استبدوا بالسلطة واستخدموها لنهب الثروة والموارد العامة، وكانت في الغالب أنظمة قمعية فاسدة كرست الأمية والفقر والبطالة وصادرت كثير من الحقوق السياسية وعبثت في الموارد دون مسئولية لتكن النتيجة أنه لا قيمة للإنسان المحروم من حقوقه بما في ذلك حقه في الحياة، ولم يكن هناك مسائلة ولا محاكمات إلا للبسطاء الناس ولحملة الرأي والمعارضين لفساد السلطان، وهكذا تجمعت أسباب التخلف والضعف العربي، وبالتالي حري بنا أن نتعلم من تجربة الكيان الصهيوني أن الشعب هو صاحب السلطة ومصدرها، وأن السبيل اليها صناديق الاقتراع، وأن مواقع السلطة كافة خاضعة للمسائلة والعقاب، وأن القانون نافذ على الجميع دون تمييز وأن القضاء مستقل ويطبق القانون بموضوعية وحيادية، فلو تعلمنا الجوانب المذكورة لحققنا أهم أسباب العدل والحرية والعيش الكريم.

قراءة 1370 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة