ليس دفاعا عن هادي:

الجمعة, 15 آب/أغسطس 2014 17:44
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

الأخ العزيز مروان الغفوري المحترم

تعلم مبلغ تقديري لشخصك..والسبب ليس شيئا آخرا غير ما حباك الله من بسطة في العلم وسعة في المعرفة ودماثة في الأخلاق..وكل هذا نتاج سنوات طوال من كدحك واشتغالك على عقلك في زمن اشتغال معظم الناس على كروشهم..وعندما ألفيتك تطلق نداء الطريق الثالث على صفحات الفيسبوك قلت في نفسي: دقت ساعة العمل..لأن نداءك خاطب عندي حلما كنت قد شرعت منذ أشهر في الكتابة من أجله بعدما وصلت إلى ما يشبه اليأس من الأحزاب القائمة..ولهذا أبديت استعدادي لنعمل معا خطوة خطوة وكلي ثقة أن عملنا المشترك سيفضي إلى نتيجة قابلة للحياة..وبينما كانت إحدى عيني قد استقرت عندك كانت العين الثانية ترنو إلى هائل سلام الذي أعتقد أنه لم يكن ولن يكون أبدا خارج أي حراك تتوفر له شروط النجاح المسنود بقيم وطنية وإنسانية نبيلة..وعندما قرأت اعتذاره في صفحة الطريق الثالث عقدت العزم أن أذهب إليه شخصيا؛ لأن الرجل في نظري لم يعتذر، وإنما أبدى محاذير كلها معتبرة ووجيهة، صدرت عن إنسان قرأ وتابع كل المنشورات والتعليقات على صفحة الطريق الثالث..والمرجح أن كثيرا منها كان محل تقديره على نحو جعله يتأنى إحتراما لعقول أصحابها.

وبالأمس وقع ما لم أكن أتوقعه..فقد قرأت منشورك عن الأسرة الأولى والأسرة الثانية..وقرأت أيضا تعليق هائل سلام عليه..ولا أخفي عليك أن مقامه عندي صار هائلا كإسمه وتضاعفت قناعتي بأن أي عمل من هذا القبيل هو بدونه مغامرة غير محسوبة ستكرر تجربة الائتلافات التي تكاثرت كالفطر في ساحات الحرية والتغيير وتبارت في الإمساك بالكشوفات وإعلان الأسماء والأرقام، لكنها سرعان ما تلاشت..والائتلاف الوحيد الذي بقي هو قبور الشهداء الذين ما كانوا يتوقعون أن الثورة التي قضوا من أجلها ستتعثر على هذا النحو الذي نراه بأبصارنا.

أما على مستوى بصائرنا فالظاهر أننا شتى في تفسير هذا التعثر..وقد رأيتك تلقي باللائمة على الرئيس هادي "مؤسس الأسرة الثانية" حسب توصيفك له..ورأيتك تختزل الطريق الثالث في الثورة ضد هذه الأسرة والتي قبلها..وهذه بداية صراعية ألقيتَ بها كحجة مجانية للقائلين بأن حزب الإصلاح يقف وراء هذا "الطريق"..وبما أن هؤلاء ليسوا أقلية، حتى داخل صفحة الطريق الثالث، رأيت أن أبعث إليك بهذه الرسالة عبر الصفحة نفسها وأنا على ثقة أن عقلك يتقبل الصواب ويصوِّب ما قد يراه خطأ.

أولا: الدولة مظهر أساسي للمجتمع في أوسع معانيه..والعملية السياسية لاتسير في فضاء مثالي خاص بها، وإنما داخل عملية إجتماعية تؤثر فيها وتتأثر بها..ولك أن تتصور تعقيدات بيئة العملية السياسية الجارية في اليمن منذ تشكيل حكومة الوفاق وانتخاب الرئيس هادي وحتى يومنا هذا..وهي بيئة عمقها ثلاثة وثلاثون عاما من الدمار والفساد الممنهجين مارسهما تحالف متعدد الأطراف بدونه ما كان بمقدور مؤسس الأسرة الأولى أن يستمر في السلطة بضعة أشهر..ولك أيضا أن تسأل: ما الذي تغير في عهد هادي وما الذي لم يتغير؟ وما هي أسباب السير البطيء على طريق التغيير؟ والإجابة على هذه الأسئلة لا تحتمل التحيز، خاصة عندما تصدر عن أناس يقدمون أنفسهم كأصحاب طريق ثالث متميز.

وفيما أرى أن علي صالح بعد هادي لم يعد هو نفسه قبل هادي بدلالة ما حدث لقناة اليمن اليوم التي غابت بطريقة مهينة ل"الزعيم" وغابت معها صوره عن بيوت اليمنيين..وما تبقى من حضور سياسي سلبي لعلي صالح سببه الغياب السياسي الإيجابي للقوى التي ركبت قطار ثورة الشباب ضد نظامه ، ولم تكن مع الشباب ضد النظام الذي هو نظامها أيضا، وإنما ضد رأس النظام لتحل هي محله..وينطبق هذا أكثر ما ينطبق على التجمع اليمني للإصلاح، ليس كحزب، وإنما كمراكز قوى قبلية وعسكرية ودينية تصادر قرار هذا الحزب لصالحها ضدا على مصالح قواعده وجماهيره، وترى قائد مليشياتها في أرحب أهم من ألف مروان غفوري مثقف.

وما يسري على علي صالح يسري على الجنرال علي محسن الذي أصبح مستشارا بعد أن كان يتربع على رأس الفرقة الأولى مدرع..وليته غادر الحياة العامة وتوارى ليتفرغ لما بقي له من عمره..لكنه لم يفعل، ولن يفعل، مادام ليس كمثله مستشار في الدنيا..فالرجل لا يشير إلا إلى خطوط حمراء ممنوع على هادي أن يقترب منها..ومعظم هذه الخطوط في الجيش والأمن اللذين شكلا مربع الاستقواء على الشعب اليمني طوال عقود مضت..وبسبب الخطوط الحمراء هذه سارت عملية إعادة الهيكلة، وما تزال تسير، بخطى بطئية لم تخرج معها البلاد من دائرة الخطر..والجيش عموما ما يزال غير مؤهل لخوض أي حرب داخلية مقنعة لكل الأطراف بأنها حرب الدولة ومن أجل الدولة..وهذا بسبب تركيبته على مستوى القيادة وعلى مستوى الأفراد..وقد سمعنا وقرأنا الانتقادات التي توالت ضد حربه المقدسة على القاعدة في أبين وشبوة، ونعرف جيدا حقيقة الأطراف التي استاءت من تلك الحرب واعتبرتها حربا إنتقائية، وربما مدنسة..وأثناء الاقتتال بين مليشيات الحوثي ومليشيات حزب الإصلاح في عمران كاد البعض أن يصدق بأن رئيس الجمهورية ووزير الدفاع ينتميان إلى أنصار الله وأنهما خانا الثورة والجمهورية لمجرد أنهما لم يزجا بالجيش في حرب يعلمان أنها حرب مشيخة العصيمات وعلي محسن..وحرب كهذه إذا خاضها الجيش لن تقضي على الحوثي وإنما على هادي..وهذا ما يسعى إليه دعاتها الذين يريدون أن ينتصروا على الحوثي بأدوات الحوثي وليس بمشروع سياسي وطني.

ثانيا: لستُ ممن يبخسون الناس أشياءهم..فالشباب لم يكن رافد الثورة الوحيد، لكنه كان الرافد الرئيس والأصل..ومراكز القوى العسكرية والقبلية والدينية التي عارضت صالح وانشقت عليه كانت رافدا ثانويا وفرعيا..والذي حدث بسبب التسوية أن الفرع أصبح يتصرف وكأنه الأصل ويريد أن يحل محل صالح مع الإبقاء على النظام..وكانت هذه المراكز تعتقد أن هادي مجرد قنطرة لعبور السلطة من صالح إليها، حتى أنها لم تترك له حرية اختيار مدير مكتبه وفرضت عليه من تريد ليفعل لها ما تريد، فأصبح مكتب رئاسة الجمهورية مشكلة لرئيس الجمهورية.

وعندما اكتشفت أن هادي أكبر من أن يقبل بدور القنطرة قررت أن تحول المرحلة الانتقالية إلى مرحلة فشل رئاسي على كل الأصعدة : من صعدة إلى الجنوب، ومن الاقتصاد إلى الأمن، ومن الإدارة والمال إلى الخدمات والطاقة..ومن سوء طالع هادي أن التوافق جاء برئيس وزراء قضى معظم حياته في خدمة علي صالح بالطريقة التي تقررها ثقافة علي صالح وطموحه الشخصي..وعندما خذله هذا الأخير ولم يكافئه على دوره في حرب 1994 حبس غيظه داخله إلى أن لاحت له فرصة المعارضة فركب موجتها التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة ليمارس مهاما فوق طاقته البدنية والنفسية والعقلية والمعرفية..والنتيجة أن الرئيس هادي يقود مرحلة إنتقالية إستثنائية بحكومة محاصصة قررت أن تسمي نفسها حكومة تسيير أعمال، لا لشيء سوى التغطية على ضعفها وعدم أهليتها، مع احترامنا الشديد لقلة قليلة من أعضائها.

ثالثا: لا يوجد رئيس ديمقراطي وإنما توجد مؤسسات وأوضاع تجبر الرئيس على أن يتصرف بطريقة ديمقراطية..وقياسا على ذلك لا يوجد رئيس فاسد وإنما توجد أوضاع فاسدة محيطة به تشمل قوى مستفيدة من الفساد ولها مصلحة في تكريس هذه الأوضاع والدفاع عنها..والرئيس إما أن يجاري هذه الأوضاع ويمارس الفساد، وإما أن يؤثر السلامة ويستقيل، وإما أن يدخل معها في معركة للتخلص منها..ومن بين هذه الخيارات واضح أن الرئيس هادي اختار الخيار الثالث الصعب، ولكن بغير قوى اجتماعية وسياسية ساندة له..أي أنه يخوض معركته في ظروف غير مواتية داخليا ومعظمها ضده..وهذا يفسر لجوئه إلى أهل الثقة الذين تعوز بعضهم الكفاءة..وحتى لا ينبري من يقول إننا نبرر لهادي إحلال الأبينة محل السنحنة، أو إحلال الأسرة الثانية محل الأولى بحسب التوصيف المرواني سوف نسأل: هل تعرض الرئيس هادي لامتحان نزاهته وإرادته الوطنية بطريقة مؤسسية تهتم بالإجراءات القانونية والنظامية، لا بالأشخاص؟..نجزم أن هذا لم يحدث، ولن يحدث..وما حدث هو التشكيك غير المسئول بهذه الإرادة وتخوينها..وأذكر أن أول من شكك بها على مستوى الصحافة قاضٍ من العيار الثقيل.

ولو أن هذا القاضي اقترح على الرئيس هادي إستحداث هيئة وطنية توافقية ذات طابع إنتقالي تمثل فيها كل أطراف الطيف السياسي والاجتماعي وتكون مهمتها فحص سلامة القرار الرئاسي فيما يتعلق بالتعيين والتدوير في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية في ضؤ معايير متوافق عليها، لكان فعلا تصرف كقاض محترف، لا كسياسي مناكف..ولكن لماذا لم يأتِ مثل هذا المقترح من اليدومي والآنسي وعلي محسن؟.سأترك الإجابة لحبيبنا مروان..أما لماذا استثنينا الإرياني وياسين والعتواني فلأن هؤلاء الثلاثة ليسوا من مراكز القوى المعطِّلة، وهم لا يقدمون مقترحات يعلمون أنها ستقابل بالرفض الشديد..ويعلم مروان أن ياسين كان ضد حسم موضوع الأقاليم خارج مؤتمر الحوار الوطني وشرعيته، لكن هادي لم يستجب له، وإنما للنافذين أصحاب أوراق الضغط في حزبي المؤتمر الشعبي وتجمع الإصلاح الذين تجاوزوا عداواتهم ليحصلوا في هذه القضية على ما يريدون.

وللقارئ الآن أن يتصور حجم ونوع وسرعة التغيير الذي كان سيحدث لو أن الهيئة المختصة بفحص سلامة القرار الرئاسي موجودة..أما وهي غير موجودة فستظل أسماء مثل المقدشي والحليلي والصوملي وضبعان والعوبلي والقوسي والجائفي والحاوري ونظائرها من أبين تلاحقنا مثل المقررات المدرسية..وقل مثل ذلك في الخدمة المدنية والسلك الدبلوماسي وفي السلطة المحلية..وغياب هذه الهيئة هو الذي يفسر اكتشاف مروان للحضور الأبيني في مطار صنعاء من القائد إلى الجندي وحتى الحارس والسائق والفرَّاش، كما قال..لكنه ذهب في تفسير اكتشافه مذهبا مختلفا بحديثه عن أسرة ثانية يؤسسها هادي على أنقاض الأسرة الأولى التي أسسها صالح..والحقيقة أن مروان ليس أول من يتحدث عن الأبينة، ولن يكون الأخير..فأثناء الزيارة الخاطفة لهادي إلى السعودية حرصت معظم المواقع الالكترونية المحسوبة على متنفذين أن تبعث برسالة من هذا القبيل، ولكن بطريقة إيحائية بدا معها الوفد المرافق للرئيس سرا خطيرا لم تكشف عنه سوى صحيفة لندنية..ومن بين أربعة شكلوا قوام هذا الوفد كان أحمد عوض بن مبارك الوحيد من خارج أبين.

تحدث مروان عن مشتريات منزل هادي من الأثاث وأفزعته الأرقام التي ذكرها..كما عرج على بعض مظاهر الفساد في المؤسسة الاقتصادية العسكرية..كل هذا ليثبت أن هادي فاسد وكذلك وزير دفاعه..لكن إذا دخلنا هذه المغارة لن نخرج منها ويكفي أن نذكر بأن فواتير استهلاك الكهرباء التي لم يسددها متنفذون معروفون تتجاوز بكثير الأرقام التي ذكرها..أما التهرب الضريبي فأرقامه فلكية..وبحسب معلومات مؤكدة صادرة عن اللجنة المعنية بإعادة هيكلة الجيش يتراوح حجم الفساد في كل لواء عسكري من عشرين إلى أربعين مليون ريال شهريا..ومادمنا قد فتحنا باب الأرقام: هل سيقبل كبار المتنفذين وناهبو المال العام مليون دولار لكل واحد منهم مقابل أن تعود كل ثرواتهم المنقولة والثابتة للدولة؟..عِلماً أنهم جميعاً كانوا حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي أشباه حفاة وعراة..وبحسبة بسيطة تنتزع مصلحة شئون القبائل من الخزينة العامة سنويا ما يكفي لبناء 216 مدرسة حديثة سعة عشرين فصلا بكلفة 3 ملايين ريال لكل فصل.

خلاصة القول إن هادي يخوض معركة وطنية في بيئة معادية لأي إصلاح..ولأول مرة تقريبا نرى رئيسا مستهدفا حتى من الإعلام الرسمي، إما بالصمت أو بالتناول السطحي للقضايا الجوهرية، وأحيانا صراحة..وكم يشعر المرء بالحزن والأسى عندما تطالعنا بعض الصحف بشراء هادي لقيادات الحراك الجنوبي..مع أن الأمر ليس فيه لا شراء ولا بيع، وكل ما في الأمر أن الحراك أثبت على مدى أكثر من عشرين عاما من المقاومة السلمية أنه القوة الأكثر وطنية والأكثر أخلاقا في هذا البلد..فعندما استشعر أن هناك توجها نحو بناء دولة لكل اليمنيين قرر أن يكون مع هذا التوجه وأعلن عن ذلك من صالة الخيول وسط العاصمة صنعاء..وهذا أمر لا يروق لمراكز القوى التي تريد أن ترى الجنوب ملتهبا في وجه هادي كي تشعل هي اللهيب في الشمال..وهي بحكم ثقافتها المناطقية لا ترى الجنوبي مواطنا سويا، وإنما إنفصالي، إذا قاوم ظلمها ونهبها وعبثها، وبيَّاع مواقف، إذا حاورَ بشرف..وهذا ينطبق على تقييمها لهادي الذي كان ملاكا يمنيا عندما شارك في معركتها ضد الوطن عام 1994، ثم تحول إلى شيطان جنوبي – وغالبا أبيني - عندما بدأ يخوض معركة الوطن من أجل الوطن.

وإذا كان الطريق الثالث سيبدأ من شيطنة هادي فهو طريق معروف ومألوف..والسير فيه كله خَلْفٌ ليس فيه أمام..وبما أن مروان من الناس الذين لا يسيرون إلا إلى الأمام فمن غير المستبعد أن أكون قد ظلمته وتجنيت عليه..وحتى لا أمعن في الظلم والتجني وأخسر إنسانا أراه ثروة وطنية أعلن أنني خارج هذا الطريق.

منقولة من صفحة الكاتب في "الفيسبوك"

قراءة 1748 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة