طباعة

أربعون عاما على رحيل عبد السلام الدميني واخويه (6)

الثلاثاء, 06 تشرين1/أكتوير 2020 20:38 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

(6)

مانع وهو الحرب، بالرغم من التفاهم بين الرجلين ولكن هناك آخرين غير منتمين للجبهة الوطنية لا يقبلون بهذا الوفاق، ومعلوم أن الجبهة الوطنية أول ما كنا نسعى إليه هو وقف النزاعات المسلحة وعمل صلح مؤقت قد يمتد سنوات، ويتم هذا المسعى بسهولة لثقة الناس بالجبهة الوطنية الديمقراطية وخاصة بعد الصلح الكبير الذي أبرمه عبدالفتاح إسماعيل رئيس الشطر الجنوبي مع قبائل بكيل وحاشد وخولان بن عامر عند تواجدهم بكثرة في الجنوب عام 1979م وكان لمجاهد القهالي دوراً في هذه الحشود القبلية.

جاءنا خبر مفاده أن المناضل عامر بن قريد أصيب بجروح أثناء اشتباكاته مع السعودية على حدود البلدين وهذا عامر بن قريد من قبيلة ذو حسين مقاوم عتيد لا تلين له قناة للمساعي السعودية في الاستيلاء على الأرضي اليمنية من قبل وجود الجبهة الوطنية الديمقراطية، وكنت مسؤول عنه بصورة استثنائية وله شعبية ومعرفة وتقدير واسع لدى قبائل دهم المناوئين للتوسع السعودي، وكان يرصد باستمرار دخول السعوديين بالمعدات والأسمنت لوضعها علامات في مناطق الجوف (الربع الخالي اليمني) وكانت تقديرات عامر بن قريد أن السعوديين قد توغلوا عشرات الكيلومترات بل وأحياناً مئات الكيلومترات داخل الأراضي اليمنية ، وأن العلامات والآبار والمدارس التي تمت أيام عهد الرئيس إبراهيم الحمدي قد طمستها السعودية وردمت الآبار لإدخال هذه الأراضي في المملكة السعودية، وقد أخذنا محمد عرفج بن حليمان وعبدالله العصار ومحمد الراعي إلى منطقة بعيدة شرق المهاشمة، من بدري وبعد صلاة الفجر على بعد أكثر من 150 كيلو متر من عاصمة الجوف (الحزم) وعامر بن قريد لا يقيم في مكان واحد ولا يمكن السعوديين من خلال استطلاعاتهم من القضاء عليه ولولا القرابة بين الادلاء  وبين عامر بن قريد ما وصلنا إليه إلا إذا جاء هو إلى موقعنا  وخاصة تردده على برط عند تواجدي فيها، وحاولنا إقناعه بالتريث وعدم زج نفسه مع القوات السعودية في اشتباكات غير متكافئة قال أنا أغير على الجرارات والحراثات التي تضع العلامات في الأرضي اليمنية على امتداد الحدود من وائلة في الغرب إلى حدود حضرموت غرب الوديعة والشرورة أي إلى حدود مديرية زمخ ومنوه الصحراوية الحضرمية.

وقد ارتاح جداً جداً من زيارتنا ونصحنا بالحركة السرية حين  نكون على مقربة من الحدود السعودية، فحرس الحدود السعودي يطلقون النار على أي سيارة أو حركة تقترب من العلامات الحدودية الجديدة في أرضنا اليمنية، ولم نجد ما نمنحه من مساعدة إلا رسالة موقعة مني ومن الدكتور عبدالسلام إلى العبر لإعطائه بعض قطع الأسلحة الشخصية والذخائر تعويضاً عن بعض ما فقده، ومن الضروري الإشارة إلى النهاية التراجيدية التي استشهد فيها هذا الوطني المدافع عن الأرضي اليمنية حيث وضع له كمين من عدة أطقم وأسلحة متوسطة بعد مراقبته ومتابعة تحركاته (لسنوات) واشتبكوا معه في معركة حامية ويقول من نجا من أصحابه أنه قاتل بشراسة وألحق خسائر كبيرة بالسعودية ودمر طقمين بالبوازيك وقتل أكبر عدد منهم، وكادوا يفرون لولا استشهاده في أرضه، ويقول من نجا من أصحابه أنه كان يصرخ بكل صوته النصر لليمن وفي القريب سينصرنا الله عليكم يا بني (.......) هذا ما شهد به مرافقوه الذين نجوا من الكمين، وحدثنا الناجون من أصحاب عامر بن قريد أنه طالبهم بمتابعة البطاقة الحزبية قبل استشهاده التي وعده بها يحيى منصور أبو اصبع وهم في عدن، وكذلك وعد من عبدالواحد المرادي بإعطائه بطاقة العضوية في الحزب الاشتراكي ليس حباً فيه وإنما كرهاً بالسعودية التي تكره الحزب الاشتراكي، وكان يقول من تكره السعودية فهو وطني لا يفرط بالتراب اليمني، وكانت آخر كلماته أرجوكم دافعوا عن أرض الآباء والأجداد ضد الغزو السعودي، هذا هو الشهيد عامر بن قريد قال لي ونحن في عدن عند طلبه بطاقة الحزب أن أهم شرط لعضوية الحزب الاشتراكي هو الدفاع عن الأرض اليمنية و أثبتت الأحداث انه يقاتل ومستعد للشهادة دفاعاً عن بلده اليمن فهو اشتراكي أعطوه حتى  بطاقة عبدالفتاح والا بطاقة برجنيف.

 بعد المعرفة بينه وبين علي شايع هادي كان الأخير معجب جداً بعامر بن قريد لصدقه وصفاء سريرته وحبه لبلده، ولهذا كان يستقبله على الدوام، من الزيارات المهمة مع الدكتور الشهيد عبدالسلام الدميني هي زيارتنا للشيخ الكبير عزيز بن هضبان والذي كنت أزوره  في كل مرة آتي من العبر وحين سمع عبدالسلام عنه صمم على زيارته، مع العلم أن عبدالسلام لا يتوقف عن التدوين وتسجيل كل ما يسمع كراسة بعد كراسة، وفي نيته تأليف كتابين كل كتاب سينال به دكتوراه لأهمية المستجدات في المواضيع التي لم يتطرق إليها أحد أو يسبق لها دارس أو باحث بطريقة علمية وعملية حتى ذلك الوقت، عرجنا على الشيخ بن هضبان وسط عواصف ترابية لا ترحم وفي شدة هذه العواصف الترابية التي تحجب الرؤية لمائة متر تحرمنا من رؤية الطريق وبدون أن نشعر من شدة تقلبات الرياح المثيرة لتحركات الرمال إذا بنا نتجه شرقاً وجنوباً ومن سوء الحظ أن البوصلة التي كنت أحملها دائماً عند الدخول في الصحراء لم تكن في حوزتي واضطررنا إلى التوقف عن المسير والانتظار حتى تخف الموجة العاتية من الأتربة، كان كل واحد منا كأنه قطعة من الرمل، عيوننا وأفواهنا وآذاننا مليئة بالأتربة إلى درجة الإزعاج، تحرك أسنانك تقحط حصى، تمسح عينيك تضيف لها أتربة، بعد أربع ساعات من الانتظار بدأت العواصف تهدأ والرؤية تتضح شيئاً فشيئاً، فقال الشيخ محمد صالح الراعي أننا قد تهنا وعلينا بالعودة باتجاه الغرب، ومشينا لأكثر من ساعة دون أن تتضح العلامات التي يعرفونها، وتشاء الصدف أن تعبر سيارة طقم (شاص) من بعيد، فأطلقوا النار إشارة الاستغاثة وإذا بالطقم يتجه نحونا وإذا بالطرفين يعرفان بعض، قالوا أنكم متجهين صوب مأرب جنوباً، ثم عرفنا الاتجاه وواصلنا المسير ونحن في حالة من الجوع الشديد، إلا أن الماء متوفر في السيارة، وصلنا خيمة عزيز بن هضبان ورحب بنا مرحب الصوت كان الوقت بعد غروب الشمس (مرحب الصوت يعني ضيافة وذبائح) فترجاه محمد عرفج أن يكتفوا برأس واحد من الجلب (الأغنام)، قال الشيخ أن العواصف الترابية كادت أن تفني الأغنام لمباغتتها فجأة وأن عدد من الأغنام قد طمرته الأتربة، ودخلنا في أحاديث مع الشيخ بن هضبان حتى يجيء الأكل وينضج اللحم، ومما قاله أنه قبل سبعين أو ثمانين سنة شارك في الهجوم على الدرعية في نجد (كانت عاصمة الدولة السعودية الأولى والثانية) وعمره ستة عشر أو سبعة عشر سنة بقيادة والده الشيخ حسن بن هضبان وجمع من قبائل دهم رداً على هجوم من أهالي الدرعية على مناطق يام (يام تشغل الآن محافظة نجران) والذين استنجدوا بقبيلة دهم وبالشيخ بن هضبان وتمكنوا من أخذ أعداد كبيرة من الإبل والضأن والأبقار من الدرعية، وأن الملك عبدالعزيز جاء إلى الرياض من الكويت وأقام إمارته بعد هذه الحادثة مباشرة، واتصل بمشايخ دهم ويام للصلح وعدم الاعتداء من أي طرف، وقال أنه يذكر أن والده قدم المساعدة أكثر من مرة للشيخ سلطان آل نهيان الذي جاء والده أكثر من مرة وكذا مشايخ عجمان والشارقة وقطر، وأنه قد زار هذه المناطق في عصر والده قبل وجود هذه الدول فقط الكويت والسعودية، أما اليوم فإن الشيخ زايد بن سلطان وبعد تحسن ظروفهم وأصبحوا دولاً قد قرر مخصص شهري (مال) له ولآخرين من مشايخ دهم الذين قدموا العون والمساعدة لوالده وله أي لزايد ووالده سلطان أيام الفقر والفاقة، وأنه ملزم بزيارة أبو ظبي سنوياً وألا يغضب الشيخ زايد والمشايخ الآخرين، وقد عرضوا عليه المال والدار والإقامة فرفض لأن أرضه في الجوف برجالها وأوديتها وجبالها أجمل ما في الدنيا !!!، وأضاف أن الشيخ زايد قدم له شهادات وأخبار أن آل نهيان من اليمن وأنهم ينتمون لقبائل دهم، وسأل الدكتور عبدالسلام عن العلاقة مع السعودية، قال مقطوعة وسيئة بسبب أطماعهم بأرضنا ودخولهم في حدودنا وادعائهم أنها أرض سعودية، وقال كيف هذا .. قبيلة يام يمنية هي جزء من قبيلة همدان بن زيد والتي تضم يام وحاشد وبكيل، واستولى عليها السعوديون قبل ثلاثين أو أربعين سنة في الحرب التي شنوها على الإمام يحيى وأخذوا نجران وجيزان وعسير وقد التقينا نحن وفد من أبناء الجوف ومن قبيلة ذو غيلان ودهم بالإمام يحيى حميد الدين وعاتبناه على ترك الأرض اليمنية للملك عبدالعزيز بن سعود وعبرنا.....

....... يتبع

قراءة 2854 مرات

من أحدث يحيى منصور أبو اصبع