عاش مكافحاً ورحل بصمت إلى عالم الخلود

الجمعة, 03 أيلول/سبتمبر 2021 19:26 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

نعيش في هذا الوطن المثخن بالجراح والمسكون بالمأسي خانعين، نتجرع فيه مرارة واقعنا التعيس بمضض.. ونتكعف بواطله واوجاعه وأحزانه برحابة صدر ونفس طويل إلى ان تمزقت صدورنا وعشعشت بداخلها الأمراض سريعة الأجل وتقطعت الأنفاس وأصبحت الأنفس تتطاير من حولنا يوميا بلا حساب.. وما تبقى فهى في وضع غير مستقر، البعض منها وصلت إلى الحلاقيم وبعضها لا تزال ترتجف ما بين المري والمرارة.. أما الغالبية العظمى من الانفس فأنها تعيش مذعورة من هول الذبحات الصدرية والأزمات القلبية والسكرات الأبدية التي تتفاقم يوماً عن يوم بشكل مخيف ومرعب.

 في الوقت الذي لازلنا فيه نعاني مرارة الاحزان لرحيل كوكبة من الأحبة والأصدقاء والرفاق الذين تخاطفهم الموت خلال الأيام القليلة الماضية تفاجئنا الاقدار بصدمة مروعة برحيل المهندس أحمد بشر عبد الودود إثر صدمة قلبية ألمت بقلبه النابض بالمحبة مساء الخميس 26 أغسطس2021م، وكان وقع نبأ رحيله على قلوبنا كالصاعقة التي أصابتنا بالذهول.

ها هو المهندس أحمد بشر يترجل صهوة الموت ويغادرنا بهدوء إلى عالم الخلود دون ضجيج، بعد حياة حافلة بالعطاء، تاركاً خلفه مآثر خالدة ومسيرة كفاح مشرقة سطرها على صفحات تاريخه المهني سواء على مستوى محطات الطاقة في ربوع البلاد أو على مستوى المواقع القيادية في المؤسسة العامة للكهرباء.. ورحل دون ان يحقق أي مكسب من المكاسب الشخصية.. ولم يمتلك طيلة سنوات خدمته حتى منزل شعبي صغير بجوار تلك الفلل الفارهة التي امتلكها غيره.. بل كان مكسبه الوحيد الذي خرج به خلال مسيرته الكفاحية وكان يعتز به كثيراً هو حب البسطاء والكادحين من العاملين والفنيين وكذا أحترام وتقدير زملائه المهندسين وهذا ما تجلى بوضوح من خلال ذلك المشهد الحزين والمؤثر الذي تجسد على وجوه زملائه ومحبيه أثناء تشييع جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير.   

ولد الفقيد احمد بشر في قرية ضمران الواقعة على ذلك الجبل الشاهق المعروف بجبل الجاح عام 1956م فكان المولود الثالث من بين 5 ذكور 2 اناث.

 درس في كتاب القرية ثم انتقل إلى مدينة الحديدة ليكمل دراسته هناك فكان يعمل في الفترة المسائية ويدرس في الصباح إلى أن أكمل المرحلة الثانوية عام 78م- 1979م.

انضم إلى إحدى الخلايا السرية للحزب الديمقراطي الثوري في منظمة الحديدة عام 1975م.

 عاد إلى القرية وعمل في سلك التدريس مدرس لمادة الرياضيات في العام الأول لتأسيس مدرسة السلام نجد ضمران لمدة عام، سافر بعدها في منحة دراسية إلى المملكة السعودية.. وبعد سنوات خمس من الاجتهاد والمثابرة حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الإلكترونية عام 1985م.

 وفي نفس العام التحق بالعمل في المؤسسة العامة للكهرباء.. محطة رأس كثبيب محافظة الحديدة بوظيفة رئيس قسم الأجهزة الإلكترونية الدقيقة.. تقلد بعدها العديد من المناصب في المؤسسة العامة للكهرباء كان آخرها مديراً عاماً للمحطة الكهربائية بحزيز.

 ترعرع الفقيد في كنف أسرة عريقة ومناضله، وكان والده الحاج بشر عبد الودود فضل يعتبر أحدى الشخصيات الاعتبارية المعروفة في المنطقة، حيث كان على تواصل مع الشيخ ابراهيم حاميم أثناء نشاط الخلايا السرية لحركة الأحرار التي كان يقودها ولده الشهيد المناضل عبد القوي حاميم للإطاحة بالحكم الامامي البائد، وبعد قيام الثورة مباشرة تم تعيين الحاج بشر عبد الودود مسئول للأوقاف بما كان يسمى آنذاك بمحافظة الراهدة والقبيطة، كما كان شقيقه القاضي عبد الحميد عبد الودود أحد القضاة الشرعيين في الناحية.

خلال تلك الفترة برز الاستاذ علي بشر كشخصية قيادية في صفوف الحركة الوطنية وكان من روادها الاوائل، أما أثناء دراسته في تعز فقد لمع اسمه كمسئول القطاع الطلابي لحركة القوميين العرب اواخر ستينات القرن الماضي بمدينة تعز..

يعتبر الرفيق على بشر أحد مؤسسي الحزب الديمقراطي الثوري وانتخب عضو في لجنته المركزية في مؤتمر زنجبار وظل ملاحقا من قبل الأجهزة الأمنية لفترة طويلة واعتقل لأكثر من أربعة أعوام، وتم انتخابه في المؤتمر التوحيدي لفصائل العمل الوطني عضو للجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية "حوشي" وهو في المعتقل واعيد انتخابه عضوا للجنة المركزيه للحزب الاشتراكي في المؤتمر الرابع بعد حرب 1994م ولا يزال مناظلاً صلباً وقيادياً فعالاً في صفوف الحزب حتى يومنا هذا. 

أما على المستوى الأسري فقد كان الاستاذ علي بشر يعتبر الموجه الأول لجميع افراد هذه الأسرة المكافحة، ويحضى باحترام واسع ليس على مستوى افرد اسرته أو قريته فقط بل على مستوى الناحية، وكان يمثل خلال تلك الفترة لجميع ابناء الأسرة من اخوان واولاد العمومة والاقارب وابناء المنطقة بشكل عام القدوة والمثل الأعلى.

كما برز أيضاً من هذه الأسرة المناضلة التي انتهل الفقيد الراحل أحمد بشر وتشرب منها ثقافته الاولى عدد من المثقفين والسياسيين والكوادر المتخصصة في شتى المجالات، أمثال الكاتب والصحفي الراحل الاستاذ هاشم عبد العزيز والاستاذ عبد السلام عبد الولي مدير عام المؤسسة العامة للحبوب في عدن سابقا والمهندس الراحل علي عبد الرب، والباحث المثقف.. القاص والشاعر الذي رحل عنا قبل خمسة وأربعين يوم الفقيد توفيق سيف القباطي والرفيق المهندس عبد الجليل بشر مدير عام محطة ذهبان والعقيد المهندس محمد عبد الحميد مدير عام النظم بمصلحة الجوازات  والدكتورة اشواق بشر المشرف العام للمندوبين العلميين في شركة القرن الـ 21 الأمريكية،والدكتور اكرم بشر اخصائي القلب في المستشفى العسكري بصنعاء وغيرهم الكثير من الكوادر الشابة المؤهلة.

لقد تميز الفقيد طوال فترة حياته بالعديد من الخصال النبيلة والاصيلة وكان هادئاً ومتزنا يميل إلى الاعتدال والوسطية ينظر للأمور بنظرة ثاقبة، وكان مجلسه عبارة عن منتدى ثقافي وسياسي واجتماعي يومي يتسع للجميع دون استثناء حيث كانت تدور فيه النقاشات العديدة في المواضيع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغالبا ما كانت تدور حول الوضع الراهن التي تعيشه البلاد.

كان النقاش لا يخلوا من التوتر والتعصب والاختلاف الشديد بين الحاضرين كون المجلس كان يضم من جميع الأطياف السياسية والمستقلين، ودائماً ما كان ياتي تدخل المهندس احمد في الوقت المناسب بطرحه الهادئ وأسلوبه المقنع.. كان يحترم وجهة نظر الجميع مهما كانت وكان يستمع أكثر مما يتحدث ويتقبل الرأي الآخر برحابة صدر ونفس طويل.

لقد شكل رحيله المفاجئ صدمة كبيرة لنا وخسارة فادحة لا تعوض.

وداعاً احمد بشر... لكنك ستظل حياً فينا ما حيينا وستظل خالداً بمأثرك وسمعتك الطيبة. 

لك الرحمة والمغفرة

ولروحك المجد والسلام

 وسلاما عليك يوم رحلت صامداً على زجرات الجرح الدامي.. وصابراً على لغزات القلب المطفوح.

قراءة 891 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة