الدكتور أحمد الصياد وروايته "آخر القرامطة"

الثلاثاء, 02 تشرين2/نوفمبر 2021 21:16 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

      سردية "آخر القرامطة" رواية إبداعية: مفرداتٍ، وصياغةً، وأسلوباً. إنها "رحلة أخروية ".

الرواية عن استشهاد جار الله عمر، والتشييع الكبير إلى مقبرة الشهداء:( انزعج أهل الآخرة من حشود المشيعين، والضجة التي أحدثها الموكب. فزع الأموات- الأحياء؛ فأرسلوا مستطلعًا).

التقى المستطلع رجلاً قصيرًا نحيفًا اسمه جار الله، وكنيته أبو قيس. في السرد لون من ألوان الغرائبية. تعارف الحصان وجار الله والألفة بين الفرس وجار الله، والتقاء جار الله بالمستقبلين في الآخرة ومعرفتهم له، ومعرفته لهم.

كما كان يدير الحوار في الدنيا، مارسه جار الله في الآخرة. فتح حوارًا مع المشير السلال، والقاضي عبد الرحمن الإرياني حول نوفمبر ١٩٦٧، ورؤية كل واحد منهما.

يطرح القاضي وجهة نظره حول نوفمبر؛ باعتبارها مخرجاً من الحرب، ولو بعودة الملكيين. يتفق المشير وجار الله على اعتبار نوفمبر ٦٧ مسخاً للجمهورية.

يتواصل حوار جار الله مع المشير، والقاضي، والعقيد الحمدي، والأستاذ النعمان حول قضايا نقد تجربة الثورة، والتضييق على الحريات، وحركة ١٣ يناير ١٩٧٤ وتقييمها، ثم يطرح جار الله عدم وجود المرأة في مقبرة الشهداء، ومخاطر انتشار اللواط، ويرى أن خزيمة مثَّلَ الوجود المشترك للرجال والنساء معاً؛ داعياً للوحدة بين الشهداء وخزيمة.

يوافق الستة المتحاورون على مقترحه، وينتدبونه للتحاور مع خزيمة للتوحد. والستة المنوه بهم: الحكيمي، السلال، الإرياني، النعمان، الحمدي، وجار الله.

تبدأ رحلة الشهيد جار الله لمواصلة الرسالة العظيمة التي ضحى من أجلها، وهي الحوار كوسيلة مثلى للتوافق، وتحدي الطغيان والفساد.

الرواية رحلة أخروية لا تشبه الرحلات الأخروية: الكوميديا الإلهية، والفردوس المفقود، ورسالة الغفران، وحتى الإسراء والمعراج؛ لإن هذه الرحلات مكرسة للقضايا الأخروية، أما رحلة آخر القرامطة، فأقرب شبهاً بجزيرة " واق الواق" في جانب مناقشتها للقضايا الوطنية، وتحاورها مع الشهداء والزعامات الوطنية.

يذهب إلى مقبرة خزيمة فيلتقي برفاقه: "الربيع" – عبد اللطيف الربيع، ويورد مقاطع من قصائده، ويلتقي برفاقه الشهداء: "سلطان"- " سلطان أمين القرشي، و "وراث"- عبد الوارث عبد الكريم، و "خان"- علي خان "وقشعة"- علي قشعة، و"الكبسي"، و "الآنسي" و يدور حوار حول فكرة توحيد مقبرتي الشهداء و خزيمة، و تتباين الآراء كما هو الحال في الدنيا.

كما يلتقي بالقرمطية المرأة الجميلة التي اغتصبها زوجها الشيخ الجهول، ويتبادلان الآراء حول القرامطة وما لحق بهم. يحتسيان كؤوس خمر الآخرة، ويتمازج الجسدان، لتصبح القرمطية الرئيسة بعد التقاء خزيمة والشهداء.

يبدأ جار الله الرحلة إلى الجنوب. يلتقي بعتيقة فتستضيفه، ويتحدثان طويلاً. يمر بإب ويلتقي يزيد مطيع دماج، ويقام مهرجان خطابي يشارك فيه محمد الربادي، ويلتقي في تعز بـ "أبو سند"- عبد القادر سعيد، وعبد الحافظ قايد، ويتناقشان بصراحة حول الانقلاب الذي قام به سلطان أحمد عمر، وجار الله ضدهما.

يعتذر جار الله، ويعترف بخطأ موقفه وسلطان أحمد عمر، وينتقد الموقف ضد الرمزين القوميين، ويعرب حافظ عن أحزان نفيه- تعينه سفيراً في العراق، ويعرب عن الامتنان لاحتفاء أبو فراس به- أحمد الصياد، ومساعدته للالتحاق بالجامعة للتحضير للدراسات العليا، فتولى السفير حافظ مسؤولية المنظمة الحزبية.

 يصل إلى عدن والقيادة في المنصة في احتفال بيوم المرأة العالمي. يتقافزون من المنصة لمعانقة الضيف، ويجلسونه على يمين فتاح، وعلى يسار سالمين. تضم المنصة: عنتر، ومصلح وعدد من القيادات الحزبية والقادة التاريخيين، وعند ما يسأل عن طبيعة الاحتفال؟ يؤكد له فتاح أنه يوم المرأة العالمي.

يشيد فتاح بقانون الأسرة، (وهو أهم قانون أسرة بعد التونسي). [الكاتب]. يرد عليه جار الله بأن القانون قد تم التراجع عنه (بعد الوحدة طبعاً، كما تم التراجع عن أشياء كثيرة ومهمة). [الكاتب].

وفي سرده المائز يورد قصيدة الشاعر علي مهدي الشنواح، وهي من بواكير الدعوة للعنف الثوري: " يا جماهير الجياع، وقد حذف الأبيات الأكثر دعوة للعنف.

يحكي السارد عن خلاف جبلة وإب.

وهو خلاف فلكوري يعبر عن الظرف وروح النكتة، كما أن السرد لا يخلو من التعليقات الظريفة؛ فعندما حلف عنتر بالطلاق من زوجته أن يكون جار الله ظيفه، يرد عليه مصلح: إذا كنت تريد التخلص من زوجتك؛ فاختر يومًا غير يوم تكريم المرأة العالمي.

وعندما يسأل عن سبب تأخره عن الاستشهاد مع رفاقه يوم الـ ١٣ من يناير ١٩٨٦ يشرح كيف نجا من القتل.

و يسرد مصلح قصة المذبحة، وكيف بدأت، وانتصار جماعة فتاح، وتحقيق الوحدة، ويسرد الخلافات بين دولة الوحدة كدولة وكحزبين وجيشين، وصولاً إلى الحرب، وسقوط العند والجنوب بحرب ١٩٩٤.

أثناء سرد جار الله نتائج حرب ٩٤ يغمى على صالح مصلح أكثر من مرة، ويغرق جار الله في البكاء، فيهدئ مصلح من روع جار الله، ويتجدد الخلاف بين عنتر ومصلح على استضافة جار الله، ويتدخل سالمين محتجاً على قرار إعدامه، ويبرر فتاح باندلاع المواجهات، وأنه كان يفضل خروج سالمين الى أثيوبيا.

ويسرد فتاح قصة إقالته، وقبوله مغادرة البلاد، فيشير جار الله أن ذلك بداية الانكسار، ويوجه نقدًا قاسيًا للصراعات، ويتحاور مع الشهداء مستضيفيه ورفاقه- قادة الحزب: سالمين، وفتاح، وعنتر، ومصلح، وعندما يسهب فتاح في أهمية التحالف مع المعسكر الاشتراكي وحزب لينين، يرد عليه أبو قيس جار الله: بأن الاتحاد السوفيتي قد سقط، واعتبره فتاح قد فقد عقله.

و على لسان جار الله يوجه السارد نقدًا مريرًا للتجربة، ولتقليد الآخرين، ولركوب الأيديولوجي دون قراءة الواقع، وأنهم كانوا يلوكون الماركسية دون فهم أو إدراك، ويقدم قراءة نقدية في نقاط عديدة ومهمة، وفي مختلف الجوانب، وهي انتقادات تتجاوز كثيرًا ما تناوله في كتبه، وتتجاوز مذكرات جار الله الانتقادية أيضًا، ويعرض الأحداث بعد رحيل القيادة الجنوبية، ويوجه نقدًا قاسيًا لتجربة الوحدة، وطريقة بنائها، وينتقد غياب الرؤية، والتصفيات المتلاحقة، والعلاقة بالدين، وحتى إسقاط اسم العربية من الدولة، وأمام الثلاثة: سالمين، وفتاح، و عنتر يسرد المقدمات الأساسية للانهيار، وصولاً إلى الحرب والانفصال، كما يسرد الوضع قبيل الاستشهاد.

يقترح عنتر بعد أن يتعهد بحماية جار الله؛ لأنه تحت خشبته، بأن يعقد مؤتمر استثنائي لفصل جار الله من الحزب، ويوافقه سالمين.

يعقد الاجتماع، ويمتنع عن الحضور صالح مصلح (أقوى صديق لجار الله). [لكاتب].

يعقد الاجتماع الطارئ. يطرح فيه فتاح أقوال أبو قيس المنحرفة، ويطالب مقاوم ثوري بتصفيته، ويتهم بالخيانة لزيارة السعودية، والحج. يذهل الجميع. يقر الاجتماع الطارئ عقد مؤتمر استثنائي يحال فيه جار الله للتحقيق، فيسأل عن الزيارة للملكة، وأداء مناسك العمرة، و...، و... إلخ، فيعترف.

ويسأل عن أداء الفرائض الخمس؟ فيعترف بأنه يصلي بين الحين والآخر، ويعترف بالحرص على صلاة الجمعة، ويُسأل عن صوم رمضان؟، فيجيب أحيانًا.

يسألهم جار الله عن حبهم لأمهاتهم، فيرد عليه فتاح: لا تخرجنا من الموضوع؛ نحن نتحدث في موضوع أهم. أسرتنا وقبيلتنا حزبنا. ويسأل عن تحاوره مع الإسلام السياسي؟ يقر مضيفأ:  إنه يدعوهم إلى مقر الحزب، ويجري التحاور بضرورة عدم الخلط بين الدين و الدولة، وعدم تطبيق الحدود، واختلف معهم حول النظرة الدونية للمرأة؛ مشيرًا أن الاتجاه الاسلامي هو المتحكم في البلاد.

-       هل تصر أن حزبنا أصبح أقلية؟

-        لم أكذب على أي رفيق في الحياة الدنيا، ولا يمكن لي أن أكذب على هذه الكوكبة التي أكن لها الحب والتقدير. يغمى على فتاح، ويسقط على الأرض. بعد إلإفاقة يصر على الكلمة الأخيرة. يشير أنه تابع مسار التحقيق، ووصل إلى قناعة بأن كل ما ذكره جار الله منطقي وثابت الموقف، وأن كل ما ذكره قد حدث فعلاً؛ فهو لم ينحرف عن خط الحزب. لم يكذب و لم ينحرف، ويلقي بالتبعية والانحرافات و الأخطاء داخل الحزب، والدولة، والجيش؛ معلنا تجريد نفسه من كل المناصب الرسمية و الحزبية، والاعتكاف، والإضراب عن الطعام.

دعوة جار الله إلى مخاطبة المؤتمر الاستثنائي، وتكلم سالمين: موقف فتاح هو موقفي وأنضم إلى فتاح في الاعتكاف، والإضراب حتى الموت.

اتجه أبو قيس إلى منزل رفيقه صالح مصلح ليخبره بما حدث أن عنتر حاول الانتحار، وأصيب بالشلل. تناقل السكان أخبار ماحل بعدن، ووصلت الأخبار إلى مقبرتي الشهداء وخزيمة.

أصر مصلح على مرافقة جار الله إلى المؤتمر الاستثنائي. زار المعتكفين: فتاح، وسالمين فوجداهما ميتين، فبكى أبو قيس، ثم دخلا إلى المؤتمر. تحدث جار الله - أبو قيس " عن كل ما حدث، وما حل بالحزب، والتجربة، وعن تفاقم الأزمات، وانتهاك حقوق الإنسان، والتضييق على المعيشة، وتزايد الفقر، والمراهنة على الشعب في مواجهة الفساد والاستبداد؛ مؤكدًا على الديمقراطية المصابة بالشيخوخة المبكرة، وأهمية التحديث وتنظيم حيازة السلاح، ونبذ ثقافة العنف، وتغليب مصلحة المواطنين.

تساءل البعض: أين قيادتنا التاريخية؟ قال البعض: هناك مؤامرة أو انقلاب داخل الحزب. تقدم متطرف يساري وأطلق ثلاث رصاصات في صدر جار الله.

يختتم السارد الرواية: هكذا سقط آخر القرامطة. فكأن السارد يريد أن يقول أن جار الله مطلوب للقتل من الإرهابي على جار اللهوأفكاره و آراؤه الديمقراطية الداعية الى الديمقراطية وحقوق الانسان مطلوب قتلها من قبل الياسري0ط المتطرف أيضًا، وحراس المعبد.

قراءة 1185 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة