رجل أعمال بآفاق تنموية متنوعة.

الأربعاء, 08 حزيران/يونيو 2022 23:55 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

  "لا فعال إلا بمال"، هكذا قالت العرب قديما من واقع خبرة في الحياة، فكل عمل مهما صغر أو كبر يحتاج للمال. 

  ومنافذ المال يعرفها أهل الصنعة من التجار ورجال الأعمال الكبار. فهم يبذلون جهدا جسديا وفكريا للحصول على المال وتكثيره، بعضهم يواصل نجاحات أسلافه وبعضهم يبدأ من الصفر أو تحته. والأستاذ علوان الشيباني من هؤلاء الذين بدأوا ارتياد عالم التجارة من الصفر، بعد أن أنهى دراساته الجامعية في أمريكا وانسلك في وظيفة عامة أدرك معها أنها لا تسع طموحاته، وأنه يريد الدخول إلى عالم المال. وفي سيرة حياته المتقلبة بين الريف والمدينة والمهجر والدراسة في الغرب والهجرة أيضا ما أقنعه أن طموحه يتجاوز الدراسة والوظيفة، فدخل عالم المال والأعمال بهمة وطنية عالية وفكر استثماري بصير، فحقق هناك نجاحاته الباهرة وأسس شركات مختلفة في عالم السياحة والفندقة وأحسن توظيف أمواله المحصلة في مشاريع كثيرة ناجحة. 

  وفي وقت ما من مسيرة النجاح، تجنح بعض بيوتات المال والأعمال مشكورة إلى تأسيس أعمال خيرية، وهي أعمال لا يتم من خلالها جني المال بل الصرف على تلك الأعمال من ميزانيات مخصصة حسب الكرم والمقدرة.  

  وتختلف طبيعة الأعمال الخيرية من مؤسسة لأخرى وإن صبت جميعها في أفعال الخير، لكن أن تلتفت مؤسسة الأستاذ علوان الشيباني إلى ميادين اجتماعية خاصة، فذلك ما يميزها ويجعلها رائدة وذات حس إنساني مميز، ويعطيها صفة الوعي بأهمية التنمية المجتمعية. 

  من تلك الميادين، ميدان التسول والعمل على دراسة هذه الظاهرة بقصد إزاحتها من وجه المدن اليمنية، وإن كانت تحتاج إلى دولة كاملة لمواجهتها لا إلى مبادرة رجل أعمال واحد. ثم يلتفت إلى الميدان الأهم: ميدان التعليم تحديدا. ففي هذه الالتفاتة رؤية وهدف ورسالة، يزيد من قيمتها التركيز على فئات اجتماعية بعينها حرمت من التعليم وتم تجاهلها عبر القرون (فئة المهمشين كما يطلق عليهم) وتتحدد الرؤية في رفع مستوى هذه الفئة من خلال التعليم، التعليم الذي يؤسس لحياة جديدة غير تلك المألوفة عن المهمشين، فالتعليم أصل وفصل في قضايا التنمية كلها، والمقصود به التعليم الجاد والمسؤول خاصة والمتصل بحاجات العصر. وبدعمه مشاريع التعليم لفئات المهمشين والمحتاجين، لا يعطي الأستاذ علوان الشيباني سمكا بل يعلم كيف يُصْطادُ السمك. 

  نجاحات الأستاذ علوان الشيباني في ميادين التجارة والأعمال والعلاقات الدولية ألهمته رؤية ثاقبة معززة بتجارب ناجحة، فوضع مفاهيم التنمية الحديثة وصلتها بالتعليم وتنمية المهارات نصب عينيه، فأنفقت مؤسسته "مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية" الأموال الطائلة لجعل التعليم ممكنا لفئات كانت ستحرم منه لو لم يتوفر الدعم اللازم. وهو في هذا الميدان قدوة لغيره من بيوتات المال والأعمال، وفيه فليتنافس المتنافسون، لاسيما بعد أن أفضت تطورات السوق والرؤى الاقتصادية إلى تراجع مسؤوليات الدولة في كل الميادين، وجُعل التعليم سلعة يتسابق القادرون فقط على دفع أثمانها. وهي تحولات جذرية في طبيعة التنمية وعلاقة المجتمع بالدولة، أدت وتؤدي إلى عجز فئات اجتماعية كثيرة عن دفع أثمان سلعة التعليم. وهنا بالتحديد يكون للأعمال الخيرية دورها الواعي والحاسم لمساعدة ولو بعض أفراد المجتمع من العاجزين عن الدفع والنابهين ليتمكنوا من تحصيل العلم اللازم للتنمية، وهو ما تتطلبه المجتمعات الحديثة ولو في حدودها الدنيا. 

  إن نظرة واحدة فقط إلى مسميات المشاريع المختلفة التي أنجزتها "مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية"، تكشف بجلاء همة الأستاذ علوان الشيباني وبصيرته الثاقبة ورؤيته التنموية النافعة. وما أنجزته وتنجزه مؤسسة علوان الشيباني التنموية في هذا المضمار، يعد جديرا بالإشادة والتنويه بوصفه عملا رائدا وواعيا ينطوي على إحساس عال بالمسؤولية مسنودا بكرم سخي. فالمال عزيز على نفوس أهله، عادة، ومن يَجُدْ بالعزيز لديه، يستحق فعلا صفة الكريم، وهذا حال الأستاذ علوان الشيباني.  

****

 وكل ما تقدم في كفة، وما تبناه من مشروع بحث أكاديمي في كفة أخرى، أقصد مشروع "دراسة الآثار المتبادلة للهجرة اليمنية". هذا المشروع الذي انبثق في ذهن صاحبه في لحظة حسرة من معاناة اليمني في المهجر ومطاراته. وقد جرب علوان الهجرة والمهاجر وخبر عيون بعض بلدان المهجر وكيف تزدري اليمني رغم تعفُّفِه وكسب عيشه بعرق جبينه ومساهماته من ثم في تنمية بلدان المهجر. تلك اللحظة الحزينة تحولت في ذهن علوان إلى مشروع علمي كامل الأركان شبيه بمشاريع علمية تعتمدها الجامعات المرموقة وترصد لها الميزانيات الضرورية وتوضع لها الخطط الزمنية والبحثية ذات الصلة.

مشروع دراسة الهجرة عمل علمي ضروري، لم ينبثق في عقل مؤسسة أكاديمية، بل في عقل الأستاذ علوان الشيباني، وهنا يبرز الفارق بين رجل أعمال مثقف ومستنير، له تجربته الوطنية وآخر يمارس المهنة بعقلية الربح والخسارة فقط. 

ولأن الأستاذ علوان يعرف أن العمل علمي أكاديمي، فقد رصد له الميزانية الضرورية وأسند قيادته إلى المختصين من أهل العلم والدراية، فكتبت الموضوعات وروجعت وعقدت ورشة العمل الجامعة للمناقشة والتهذيب. وكنت حاضرا في هذه الورشة بعد أن أسندت إلي مهمة القيام بمراجعة محور تاريخي محدد. 

  وكان الأستاذ علوان ببساطته الدافئة، ودقة ملاحظاته وسداد رأيه، حاضرا في ورشة العمل ليشهد مستوى نضج ثمرة فكرته العلمية التي ستدخله عالم الخلود بعمل علمي مائز، فهو يوثق لظاهرة أصيلة وعميقة في التاريخ اليمني، هي ظاهرة الهجرة، وكانت بحق بأمس الحاجة إلى دراستها دراسة علمية حصيفة. والتوثيق المراد هنا ليس رصد حالات الهجرة وأوضاع المهاجرين بل أيضا، وفي المقدمة، رصد اسهامات اليمنيين في تنمية البلدان التي هاجروا إليها ونجاحاتهم الباهرة. والهدف واضح من هذا التركيز المنعكس في عنوان المشروع العلمي "الآثار المتبادلة للهجرة اليمنية"، وهو إبراز دور أهل اليمن في مهاجرهم لترتفع عنهم تلك النظرة الدونية الظالمة من الجهلاء، وتحل محلها نظرة التوقير المستحقة والإجلال لأدوارهم المميزة في المهجر. 

وما أقوله هنا ليس مجرد رأي أو استنتاج، بل أكرر فقط ما جاء في كلمة الأستاذ علوان الشيباني في ورشة العمل التي عقدت بفندق "شهران" (من ٤-٧ سبتمبر ٢٠٢١) واجتمعت فيه للمناقشة والتهذيب فرق العمل العلمية المختلفة. 

  وبسماع ما قال يومها، ندرك بوضوح قيمة الفكرة الرائدة الصادرة عن عقل واع ونفس كريمة تجود بالمبالغ الضرورية لإنجاز عمل علمي حول أبرز ظواهر التاريخ اليمني (ظاهرة الهجرة)، يستحق معه رائد الفكرة الأستاذ علوان الشيباني كل الشكر والتقدير. 

  لا أزعم أني صديق مقرب منه لأكتب كل هذا، قابلته مرات متفرقة لا تكفي ليحفظ اسمي ربما، لكني قريب من بعض المقربين منه وهم من تحدث عن عقلية الرجل وهمه الوطني وأفكاره النافعة ومشاريعه الخيرة وعن كرمه من ثم الظاهر في كل مشاريعه التي تدعم الأيتام والمهمشين والنساء والتشجير وغيرها مما احتواه كتيب الجرد للمشاريع التي أنجزت خلال عشر سنوات. 

وفي أيام ورشة العمل الخاصة بمراجعة الأبحاث، سنحت لي فرصة محادثته والجلوس معه على طاولة فأدركت عن قرب بساطته الدافئة وروحه المرحة، فأهديته روايتيَّ: "الظل والعاشقة"، و"العُذيرة"، بعد أن عرفت أنه قارئ نهم ومتنوع الذوق.

  ونختم بما بدأنا به، وهو أن "لا فعال إلا بمال"، والمهم أن تُختار الفعال النافعة ليكون للمال المرصود لإنجازها نفعه الدائم. 

وهذا بالضبط ما يحدث في هذا المشروع العلمي البارز. فهنيئا لليمن بهذا الرجل الاستثنائي الملهم وعساه قد اختط طريقا يكون قدوة لغيره من رجال الأعمال الكرماء الذين قد لا تطرأ في عقولهم الأفكار لكنهم أسخياء إن اقتنعوا بوجاهة الفكرة المعروضة عليهم.

 

أحمد السري

أستاذ التاريخ الإسلامي وحضارته/ جامعة صنعاء

 

قراءة 842 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة