الاشتراكي حزب العدالة

الأحد, 09 تشرين1/أكتوير 2022 20:55 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

حزب الإنسان أولا، ثم  حزب الحرية، حزب التضحيات، حزب العدالة والمساواة، حزب المبادئ الوطنية، الحزب الاشتراكي اليمني.

شكرا لهذا الحزب الذي لم يهدينا- نحن أبناء صُنَّاعه - لا فللا ولا قصورا ولا سيارات فارهة، ولا مناصب، ولكنه منحنا مبادئ الإنسانية والعدالة والمساواة والمواطنة وثقافة تقبل الآخر، فنشأنا لا نكره أحد، ولا نحمل حقدا على أحد، وإن اختلفنا معه فكرا وعقيدةً، لقد هذبنا هذه الحزب، فصار التسامح نهجنا ومنهجنا، فتجدنا سعداء ونحن الذين لا نفترش الحرير ولا نتكئ على المجالس الفخمة، ستجدنا نحن الذي لا تتأرجح مبادئنا، ونحن أقل من في هذا المجتمع استقرارا.

كبرتُ أنا لم أجد مع أبي لا بيتا، ولا مالا، ولا سلطة، لم أجد شيئا كبيرا بحوزتنا سوى حب هذا الوطن، لم أجد شيئا سوى هذا الوطن يكبر في قلبي، في روحي، في ذاكرتي، في تفاصيلي اليومية، لا شيء أقدمه على الوطن لا خلافاتي مع الآخرين، ولا اختلافي عنهم، لا شيء أقدمه سوى الوطن.

الحزب الاشتراكي الذي تحالفتْ ضدَّه كل المكونات السياسية، ونجحتْ في ذلك، وقد ساعدها كثيرا وعي الناس الذي كان متدنيا حينها، فصوروه بحزب يدعوا للسفور والتبرج والانحلال الأخلاقي، طبعا استخدموا عاطفة الدين كذريعة باعتبارها أسهل الطرق المؤدية لمقاصدهم.

حسنا صنعوا كل ذلك؟ لماذا رفضوا هذا المكون الوطني؟  لماذا لأنه يدعو للمساواة تحت بنود دستور يحفظ حقوق الإنسان أولا وأخيرا، لماذا؟ لأنه كان الحزب الذي لا يتسلق إلى السلطة لا باسم الدين ولا باسم القبيلة، ولا باسم المناطقية،  لماذا؟ لأنه كان يدعو لتعليم المرأة ومنحها أحقيتها في تكوين أفكار المجتمع، لماذا؟ لأنه يدعو لإلغاء التمييز العنصري،  لماذا؟ لأنهم كانوا يعرفون أن الاشتراكي فكر تقدمي يسعى لبناء وطن خالٍ من كل المسميات الأخرى، وبالطبع كل ذلك مخالف لطرقهم وأساليبهم وأهدافهم.

لقد جاء الاشتراكيِّون بفكرٍ  يواكب العصر، ويفكر بالوطن بينما كان تفكيرهم منصبا على بقاء الحكم الديمقراطي تحت مظلة أسماء القبيلة والمناطقية، لذلك قدموا التضحيات العديدة قبل إعلان الوحدة وبعدها، لكن للأسف لم يكن ذلك المشروع التقدمي الحر سينجح مع وجود أفكار تفكر بالأشخاص لا بالوطن، وما حدث في ١٩٩٤ كان دليلا واضحا على الطريقة التي فكرت بها الأحزاب المستأثرة بالسلطة، لقد تحالف الجميع ضد الاشتراكي، فجردوه من كل ما يمكن به أن يستمر كمُكِوِّن سياسي يتقاسم معهم أفكار بناء الوطن، لقد استأثروا بالبلاد ومن عليها، وكانت النتيجة هي هذه الذي ترونها، ويا لها من نتيجة قاسية حين يفكر الآخر بإقصاء الآخر، الذي ربما كان وجوده موازنة مثمرة لبقائه، لم يكتفوا بإقصائه  بالطرق المشرَّعة لهم  بتقليص دوره السياسي شيئا فشيئا، أو بالطرق الغير مشروعة  كالاغتيالات، والتصفية، والإقصاء الوظيفي لكوادره ومفكريه، بل استخدموا طريقة أخرى هي تشويه صورة هذا الحزب عند الناس، كما ذكرنا سابقا.

 دعوني أخط سطورا من الذاكرة التي كانت شاهدة على جانب مُصغر لذلك التشويه، أتذكر جيدا حين عدنا إلى القرية بعد أن جردوا أبي من بيته ودرجته الوظيفية، وكل شيء، لقد سلُبنا كل شيء، من عدن، نُفينا، لنقل جئنا إلى البلاد، الرقعة الممتدة في أحد القيعان التي تحتضنها بعض جبال العود، جئنا إلى الوادي الذي تشرف عليه عدت قرى، جئنا لنبدأ من جديد، كطفلٍ ولد يتيما لا شيء يلتفت عليه ولا إليه، أتذكر كان قدومنا مُستغربا من الجميع، طريقة كلامنا، أفكارنا التي لم يكن قد اتكمل منها سوى فكر أبي، ثيابنا التي نرتديها، حتى طيبتنا وتسامحنا كانت توصف بالسذاجة. كغرباء منبوذين بل ومخربين.

لقد نظرت إلينا أغلب النوافذ المطلة على الوادي بأننا مفسدين سندمر قيم الوادي وأخلاقه، كل ذلك لأن أبي جاء بفكرة العلم أولا، العلم للفتيات ما أعنيه هنا، سعى أبي إلى التحاقنا في المدارس، ألحقني أبي بالصف الأول الثانوي، كنت الفتاة الوحيدة التي تدرس بين الأولاد، وكان ذلك الحدث الأول القبيح في المنطقة بحسب ما كانوا يسمونه، تحالف الجميع ضد أبي وضد أفكاره المنفتحة والتي تحارب التطرف ومسلمات القبيلة، فحاصروه بكل الطرق، وتوقفتُ عن الدراسة بين الأولاد التي لم تستمر سوى خمسة أيام وربما أقل، وعدنا مرة أخرى بإرادة أبي التي غيرت أفكار المنطقة برمتها، مرة أخرى يلحق أبي أختي في الصفوف الإعدادي للذكور، ولكن هذه المرة هرول الأباء من كل القرى ببناتهم ليدرسن في المدرسة، وكأنهم كانوا ينتظرون من يقود مسيرة النور ويكون كبش الفداء وكنتُ أنا وأبي كبش الفداء، تكسرتْ أحجار الجهل  بفضل نضال أبي، مرت سنوات أعتبرها كفاح اشتراكي بحت، الآن في منطقتنا  خريجات الطب والهندسة والتربية والشريعة والقانون، ومن مختلف الجامعات، بل أصبح الأباء يسابقون على تعليم بناتهم في قاعات الجامعات.

لنعد للأمر المهم والأهم، إلا وهي مبادئ المساواة والعدل والتعايش، تلك المبادئ التي قدم جار الله عمر روحه من أجلها ومن سبقه من  قادة الاشتراكي، ولو نظرنا في مكونات المجتمع اليمني سنجد أنها عنصرية بامتياز، لن نجد من يفكر بوسطية ويتقبل الآخر لأجل الوطن وقبله الإنسان، لن أبالغ إن قلت أن أصحاب الفكر الاشتراكي هم من يحملون الفكر الذي يتقبل الجميع لأجل الجميع.

شكرا أيها الحزب الذي تحول من حزب سياسي إلى قوة تربوية ومبادئ وطنية يصعب التحالف ضدها، ويصعب إزالتها.

قراءة 1236 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة