طباعة

المثقف والسياسي اليمني بين مطرقة النفعية الذاتية وسندان الخوف و بريق الإنتهازية

الإثنين, 10 تشرين1/أكتوير 2022 18:18 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

تحتل شريحة المثقفين  والكتاب والسياسيين الوطنيين  مكانة هامة في كل المجتمعات الإنسانية. و هي  من يقف في  مقدمة صناعة  و قيادة الراي العام المعبر عن هوية المجتمع  وتطلعاته الى المستقبل   وتوجيهه   وجهه وطنية خالصة دون ان تنطلي عليها مغريات السلطة أو بريق العصبيات    بمختلف  أشكالها و نشأتها. وعادة ما تقوم تلك النخب بقراءة موضوعية للواقع. والإنطلاق من محدداته  السياسية والإجتماعية والثقافية الواقعية وتقوم بوضع التشخيص الدقيق والموضوعي لكافة إشكاليات المجتمعات التي تحتضنها ، في إتجاه يرسخ. القيم الوطنية والإنسانية  الإخلاقية   بعيدا عن كافة العصبيات  والأمراض الإجتماعية الهدامة التي تضر بالنسيج الوطني والإجتماعي و تولد أقطاب حادة للصراعات و تتحول فيما بعد  إلى صراعات مسلحة تعتمد مبدأ الغلبة والإستقواء  فيما بينها  ومحاولة أحدها  الإستئثار بالسلطة  والثروة  بطرق غير مشروعة.

 وهنا اذا ما نظرنا إلى الأعمال الفكرية  لعدد كبير من حملة الأقلام في اليمن   فإننا  نجد  الكثير منهم  من خلال  الأعمال الفكرية  الكثيرة على مدى نصف قرن من الزمان ويستثنى عدد محدود جدا منهم لا يكاد ان يكون له اي تأثير  في أنها تحاول  تشخيص الإشكاليات في المجتمع اليمني إلا أن  محاولاتها في الغالب  يمكن ان  تدل على الابتعاد عن  المنهجية العلمية لعدة أسباب   فإما أنها  لا تمتلك الشجاعة الكافية  لوضع النقاط على الحروف  في تشخيص موضوعي  ينطلق من الواقع  السياسي والإجتماعي والديني و تحديد مسارات التداخل بين هذه العوامل في  نشأة الظواهر والإشكالات في المجتمع  اليمني  ودورها في صناعة وتفريخ  العصبيات   التي لطالما  إستخدمتها الأنظمة السياسية الفاسدة   وكرستها  وعملت على تغذيتها  على مدى يزيد عن خمسة عقود  كأحد الأساليب  والآليات التي تساعدها في البقاء على سدة الحكم ،   أو من ناحية أخرى أن معظم الأعمال الفكرية تنطلق من الجانب النظري  الأيديولوجي  محاولة تشخيص الواقع  من خلال  الإسقاطات النظرية  ذات الطابع الأيديولوجي  بشقيه السياسي والديني  أو خليط منهما   وهذه الأعمال الفكرية تفتقر إلى الموضوعية في   وضع أي حلول  عملية كونها لا ننطلق من الواقع  ولا تتقن التعامل مع معطياته  من خلال محاولة بحث جذور  و أسباب الإشكاليات والأمراض الإجتماعية  بقدر ما تنطلق من رؤي نظرية مثالية   تتسم بالنقد الفضفاض   و الهلامي  غير الدقيق  و لا يمكن ان نفهمها إلا في اطار التماهي مع تلك المشكلات  بقصد أو بدون  قصد  أو عدم الجديه في البحث عن حلول ناجعة تصب في إتجاه تعزيز  تماسك النسيج الإجتماعي والوطني  وأن أستمر هذا  على نفس المنوال سيكون له إنعكاسات سلبية تنطوي عليها  خطورة إجتماعية وسياسية بالغة تؤجج من حدة الصراع  بين كافة العصبيات في المجتمع  كون المثقف ينظر إليها من أبراج عاجية  وتعالي نظرة  تجعله بعيدا عن الإلمام بتلك الإشكاليات بعمق  و وضع  معايير علمية  لتقييم كافة المشاكل  وتحليلها إلى مكوناتها الرئيسية. ودور كل شكل من أشكال العصبيات. في تشكيل الوضع الصراعي  في المجتمع الذي  يمكن ان يصل إلى درجة كبيرة من الإستقطاب والتفاقم بسبب الجهل مما يؤدي إلى تكرار بعض الصور التي حدثت في مجتمعات أخرى على سبيل المثال  ماحدث  بين الهوتو و  التوتسي في رواندا خلال الأربعة  عقود الأخيرة  و كلنا يعرف  عن  المذابح  التي حدثت بين الهوتو والتوتسي  بسبب إزدياد حدة  الإستقطاب  والتمييز  الذي أفرزت  وعمقت الكراهية بينهما   ونتجت عن ذلك  المجازر التي أودت بحياة ما يقارب من مليون إنسان  من الجانبين بطريقة وحشية  خالية من أي إنسانية أو رحمة  وهذا ما نخشى أن يتكرر في مجتمعنا اليمني نتيجة  إنتشار الجهل وخروج فهم الدين الصحيح  والشحذ المذهبي والطائفي و تعمق العصبوية المناطقية  من ناحية. وغياب دور المثقفين  والنخب السياسية الوطنية  وتلاشي دورها   من ناحية اخرى.               

من هنا  يضع المثقف والسياسي الوطني اليمني  نفسه  في حالات كثيرة جزء من المشكلة  عندما  يوظف قلمه في  إتجاه  يتماهى مع الاشكاليات الإجتماعية   بدافع إما ذاتي  نفعي   وهو في أغلب الحالات  أو أن الخوف لدى البعض   هو الطاغي على المثقف  و يجعله  يتناول الإشكاليات المجتمعية  بطريقة سطحية او على استحياء دون التركيز على المخاطر المحتملة  للعصبويات   اويكتفي باللف والدوران حولها والمراوغة   دون الوصول الى أسبابها. الحقيقية   او يلوذ بالصمت المطبق    و هنا تتشكل   موضوعية غياب المثقف والنخب السياسية الوطنية  حيث تلعب دورا و مساهمة كبيرة في  زيادة حدة الاستقطاب بين كافة العصبويات. مما يؤدي الى تفاقمها و تدثرها  بنزعات عصبويه  مركبة  سياسية دينية   ومناطقية  تؤصل  للإنقسام المجتمعي. الذي يؤدي الى تفسخ النسيج الوطني  والإجتماعي. وظهور الهويات الشاذة على حساب الهوية الوطنية الجامعة   

 أما الجانب الآخر  من دوافع المثقف  والسياسي  في تبني مواقف محددة من قضايا الواقع السياسي والإجتماعي   هو عدم قدرته على الافلات من قبضة   انتمائه الطائفي. والمذهبي  وميوله السياسي  والتخندق الايديولوجي  الذي يدفعه  إلى  أن ينصب نفسه محاميا متطوعا  يبرر  العصبويات  بكافة أنواعها  من خلال النظر إليها  من زاوية واحدة  ويعتبرها ظواهر نديه متكافئة  دون أن يحدد مخاطر كل منها على حدة  و بالتالي طريقة معالجتها  وهنا يضع نفسه في منصة  كأحد أدوات العصبويات الرخيصة  مقابل منافع ذاتية مادية  ومعنوية  بطريقة فاضحة.

وبذلك تشكل هذه العوامل الذاتية والموضوعية  التي تحيط بالمثقف والنخبوي  السياسي  وما ينتجه  مع بعض الاستثناءات لقله قليله  منهم    تشكل الغياب الفعلي عن المشاركة  في وضع الحلول للقضايا السياسية والإجتماعية   ولو بذلت جهود حقيقية في هذا الإتجاه منذ خمسة عقود مضت لما وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم.. وللحديث بقية..

 

قراءة 1670 مرات

من أحدث د. عمر العودي