طباعة

تجميد الودائع في البنوك اليمنية وآثارها على الجهاز المصرفي

الأربعاء, 19 تشرين1/أكتوير 2022 19:01 كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

من المعروف أن الحكومة اليمنية قبل 2015، كانت تعاني من عجز مزمن في الموازنة العامة للدولة وتغطي العجز من مصدر بيع السندات الحكومية ( أذون الخزانة )، التي كان يصدرها البنك المركزي اليمني بفوائد محددة، الأمر الذي دفع بالبنوك إلى المتاجرة بهذه السندات، مما أدى إلى تدفق أموال المودعين لخزينة البنك المركزي. وعندما قامت الحرب في عام 2015 تم الاستحواذ على أرصدة البنك المركزي في صنعاء ومن بينها ما تم ضخه من نقود خاصة بالبنوك التجارية  مقابل أذون الخزانة التي كان يصدرها ويبيعها للمؤسسات المالية لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة. وبالتالي عجز  البنك عن الوفاء بالتزاماته للبنوك والمتمثلة بقيمة أذون الخزانة وفوائدها، الأمر الذي أدى إلى أزمة سيولة نقدية لدى تلك البنوك وبالتالي عدم قدرتها على سداد الودائع والتي كانت عبارة عن حسابات جارية وادخارية وودائع لآجلة، وأدى ذلك إلى تجميد أموال المودعين وعدم السماح بسحب إيداعاتهم البنكية تحت مبرر انعدام السيولة لديها. وبالتالي توقفت البنوك عن ممارسة أعمالها لفترة. وبالمقابل امتنع المودعين لدى البنوك عن الاستمرار في الإيداعات. إذ إنهم لا يستطيعون السحب من أموالهم المودعة. ومع استمرار الحرب استمر وضع تجميد الأموال المودعة لدى البنوك حتى وقتنا الحالي.

والجدير بالذكر، أنه بعد أن استأنفت البنوك أنشطتها بصورة محدودة من خلال فتح حسابات جديدة وقبول الإيداعات للحسابات الجارية فقط لأنها لا تحمل البنوك فوائد كغيرها من الحسابات (الادخارية والودائع لآجل)، فعّلت بعض من  أنشطتها تدريجيا واستجابة لمطالبات المودعين باستعادة أموالهم من البنوك فقد سمحت بصرف فوائد للإيداعات الادخارية كل ستة شهور والودائع لآجل كل شهر من أجل تخفيف الأعباء التراكمية لهذه الودائع وذلك لمصلحة البنوك على حساب المودعين.

ونتيجة لما ذكرناه فقدت البنوك ثقة المودعين وظل عملها محدودا للغاية مع بعض عملائها، واتجه المواطنون ورجال المال والأعمال بتعاملاتهم المالية نحو شبكات الصرافة، الأمر الذي شجع هذه الشركات للتوسع بأعمالها لتشمل بعض وظائف البنوك، كما انتشرت بصورة أدت إلى انفلات السوق النقدية وعدم قدرة البنك المركزي التأثير عليها. ونتيجة  لذلك فقد استمر الجهاز المصرفي بالتدهور وفاقدا القدرة على ممارسة وظائفه باعتباره بنك البنوك والأداة النافذة للدولة  لتحريك الدورة الاقتصادية والحفاظ على التوازن الاقتصادي، مما انعكس سلبا على الأنشطة الاقتصادية والتدهور الذي يعيشه الاقتصاد اليمني وسوء الحالة المعيشية والظروف الإنسانية التي تعيشها اليمن حاليا.

كما ينبغي الوعي، بأنه بعد إعلان نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، برزت مشكلة انقسام الجهاز المصرفي بين صنعاء وعدن، وظهر نظامين نقديين للجهاز المصرفي مع تسعيرتين للريال اليمني، أحدهما للطبعة القديمة التي ظل التداول بها قائما في صنعاء والمناطق الخاضعة لسلطة صنعاء، وأخرى للطبعة الجديدة التي تم استحداثها مع الإصدارات النقدية الجديدة من بنك عدن. وهكذا مع مرور الوقت وغياب أي دور فاعل للبنك المركزي تعمق انقسام النظام المصرفي وكذا التداول بقيمتين للعملة الوطنية، وتضائل الأمل بعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب. حيث ظهر بوضوح تام، أنه بعد أن فعّلت أجهزة الدولة في عدن، وكذا في صنعاء، واستأنف تصدير النفط والغاز، وتدفقت الموارد المالية للدولة، كان المتوقع أن يستعيد البنك المركزي لدوره الرائد في الرقابة والتوجيه للسوق النقدية، ولما يخدم التوازن الاقتصادي، إلا أن ذلك لم يحصل، الأمر الذي أدى إلى تفاقم التدهور الاقتصادي، وكذا سعر العملة الوطنية، وبقي التداول بها  بسعرين مختلفين أحدهما  في صنعاء وآخر في عدن كما أشرنا سابقا، وتسارعت الارتفاعات في مؤشرات التضخم  بصورة كبيرة للغاية. حيث عمت الأسواق موجة شديدة في ارتفاعات الأسعار، وتذبذبها في جميع محافظات الجمهورية مع توسع حاد لانقسام الجهاز المصرفي والعملة الوطنية. ومع ذلك توسع نفوذ البنك المركزي في صنعاء وأصيب الجهاز المصرفي بحالة العجز الذي تلازمه حاليا، وتوسعت عمليات التبادل التجاري والتحويلات المصرفية عبر شركات الصرافة، التي معظم مراكزها في صنعاء، وبدأت سلطات صنعاء تفكر بنظام مصرفي جديد قد يؤدي إلى تلاشي دور البنوك وضياع حقوق المودعين لدي هذه البنوك. إذ تم تخفيض سعر الفائدة على إيداعات حسابات التوفير وحسابات الودائع من 15 في المائة إلى 12 في المائة، ويتم الحديث بوجود نوايا لإلغاء الفوائد نهائيا. الأمر الذي يؤكد على غياب البنك المركزي بصورة كلية عن  ممارسة دوره المعتاد في مجال رسم السياسات النقدية المناسبة. حيث أنه من الطبيعي في حالة ما يكون الاقتصاد بحالة تضخم أن يعمل البنك المركزي على رفع سعر الفائدة إلى جانب تحريك أدوات أخرى من السياسات المالية والنقدية بالمشاركة مع الجهاز المالي للدولة لمواجهة التضخم الذي يعد كارثة على التنمية الاقتصادية وعلى حياة المواطنين، ومع ما يحدث فإن البنك المركزي ساكنا دون حراك يذكر في هذا الإطار.

وبناء على ما سبق نوصي بالآتي:

1) العمل على أن يستعيد البنك المركزي لدوره في تنظيم الدورة الاقتصادية، وتوظيف أدوات السياسة النقدية، وبما يؤدي إلى مواجهة مشكلة انقسام الجهاز المصرفي، وكذا ازدواجية سعر العملة الوطنية ومواجهة التضخم. وذلك من خلال إعادة هيكلة البنك المركزي ووزارة المالية، وتمكينهما من توظيف أدوات السياسة المالية والسياسة النقدية انطلاقا من خطوات هامة أساسية، من بينها إلزام البنوك بتحرير أرصدة المودعين لديها وعدم التلاعب بأسعار الفائدة. حيث أن البنوك بتعاملها بالمتاجرة بأموال المودعين هي من تتحمل تبعات ذلك، ولا ذنب للمودعين في تحمل أية نتائج ترتبت على نشاطها بالإتجار بأموال المودعين.

2 ) التسريع بضخ الوديعة السعودية الإماراتية، التي تم الإعلان عنها، واتخاذ جملة من السياسات المالية والنقدية التي من شأنها إعادة التوازن الاقتصادي المختل ومواجهة التضخم. وذلك من خلال إصلاح فروع البنك المركزي في المحافظات وكذا فروع وزارة المالية، بحيث تلزم على مواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية وتضخ مواردها المالية للبنك المركزي، حتى يتمكن من استعادة قدرته على تحريك أدوات السياسة النقدية، التي من شأنها أن تتظافر مع ما تتخذه وزارة المالية  من سياسات مالية لمواجهة التضخم، وبالتالي تفعيل دور الجهازين المالي والنقدي للحفاظ على التوازن الاقتصادي وعدم السماح باستمرار الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد اليمني، وتؤدي إلى تدهور الحياة المعيشية والوضع الإنساني للمواطنين.

3 ) تشجيع الحسابات الادخارية بدلا من تقييدها. حيث أنها المصدر الأساسي للنمو الاقتصادي، وزيادة الدخل القومي الذي من شأنه تقوية الوضع الاقتصادي للبلاد لمواجهة البطالة والفقر.

قراءة 1945 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 19 تشرين1/أكتوير 2022 19:13

من أحدث أ.د محمد علي قحطان