هل الأقلمة مشكلة أم حل؟!

الأربعاء, 19 شباط/فبراير 2014 19:08
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الوطن والإنسان أيهما يصنع الآخر سؤال يبدو أزلياً وفيه شيء من الفلسفة.

قال صديقي: «الوطن تصنعه المؤسسة» جملة لها معنى إن توفرت شروطه إذ من يصنع المؤسسة سوى الإنسان انا مع صديقي هذا نؤمن كذلك بأنه لا بد للإنسان وهو ينسج المؤسسة ان تكون لديه المادة التي ينسج منها خيوطها والخيوط لا بد لها من مصدر ولا بد لهذا الإنسان الصانع ان يمتلك مهارة ليقدر على الصناعة وفكرة تشكل صورة المصنوع وعقلاً يخلق الفكرة وإدراكاً لصانع الوجود الأول، وهذا كله لا يدركه إلا إنسان يعرف ما يريد وما يراد منه!!.

صديقي هذا كذلك انفعل كثيراً من أحد الزملاء والأصدقاء من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية حينما استمع اليه وهو يتحدث عن هوية الجنوب العربي حسب قوله نافياً أي علاقة لها أي الهوية بشيء اسمه اليمن ومعبراً عن خشيته من ان تكون الأقلمة مؤامرة لمحوها وكان صديقي الآخر يحاول إقناعه بحدة بأن حدود اليمن قديماً تبدأ من جنوب الكعبة مباشرة!

ضحكت من صديقي المنافح عن سعة اليمن ومذكراً صاحبنا من الجنوب بالحماسة التي دفعت بأبناء الجنوب الى الوحدة وهم روادها بلا مزايدة وقلت له يا أخي ما الذي يغضبك؟!

ما قلته صحيح بل أقل من الصحيح لأن التقسيم الجغرافي الذي ذكرت أي الذي يحدد بلاد اليمن من يمين الكعبة يتعلق بمراحل تاريخية متأخرة أي من بعد الإسلام وقبله بقليل اما قديماً فاقرأ ما أورده الباحث العالم كمال صليبي مستنداً من ضمن من استند اليهم الى الجغرافي والمؤرخ اليوناني القديم (سترابو):

(وما الحدود السياسية الحديثة التي تظهر اليوم على خريطة الشرق الأوسط إلا حدود مصطنعة وهي في معظمها خطوط وهمية رسمت عبر الصحاري، مما يجعل من الصعب علينا ان نتصور في الوقت الحاضر أراضي الشام والعراق وشبه جزيرة العرب كما هي في الأساس وإلى حد كبير رقعة واحدة من ناحية الجغرافيا التاريخية فالجغرافيون الكلاسيكيون في أيام الإغريق والرومان قد عاملوا هذه الأراضي كوحدة جغرافية وهذا ما فعله الجغرافيون العرب في العهد الإسلامي وعلى سبيل المثال عوملت الأجزاء الشرقية من شبه جزيرة العرب في جغرافية سترابو كامتداد لبابل في جنوب بلاد ما بين (النهرين) أي العراق أما الأجزاء الغربية من شبه الجزيرة فقد عوملت كامتداد لليهودية أي فلسطين والأجزاء المجاورة من جنوب سورية أي الشام وكانت الأقاليم الثلاثة مجتمعة تسمى في التراث العربي بلاد العرب وسماها العثمانيون لاحقاً (عربستان).

وكان هنالك تمييز عند الجغرافيين العرب بين بلاد الشام أي أرض الشمال وبلاد اليمن أي أرض الجنوب وهي تسمية تشمل في الأصل كامل شبه جزيرة العرب وبلاد العراق (وتعني ارض الضفاف النهرية)* واليمن هنا تشمل بالطبع المناطق والبلدان مثل نجد والحجاز وحضرموت وعدن وصنعاء والجند وغيرها.

 يا صديقي السياسة تتلاعب بالجغرافيا عبر التاريخ من هنا فإن الأقلمة أو التقسيم الجغرافي سياسياً كان أم إدارياً ليس مشكلة ولا حلاً في ذاته لأي بلد إنما الحل أو المشكلة تكمن في أجندة صانع الأقلمة وهل أوجدها لخدمة مجتمعات الأقاليم أم وجدت لخدمة المؤقلمين ومن هم يا ترى أصحاب القرار؟!

بعض المشاركين في مؤتمر الحوار أدرك مبكراً انهم مجرد ديكور لمشروع قالوا انه جاهز سلفاً واستدلوا بتصريحات بعض السفراء الذين تعاملوا مع التسوية السياسية كما لو كانوا أوصياء على الشعب اليمني حسب تعبير السفير الكوبي وبعضهم ظل متحفظاً إلى حين انتهاء المؤتمر فوصف ما حدث بشأن الأقاليم بأنه ينبئ عن مؤامرة إقليمية ودولية.

 وأعتقد ان ملامح انهيار العنصر الوطني في نسيج الدولة اليمنية قد ظهر منذ زمن وما غلبة وضوح العنصر الإقليمي والدولي في تسيير شؤون وسياسة اليمن واليمنيين إلا دليل على ذلك وهذا بالتأكيد نتاج طبيعي لتفريط اليمنيين في سيادتهم علَى وطنهم ولا يلام الأجنبي بل اللوم كل اللوم على النخبة السياسية اليمنية لعجزها عن تكوين منظومة سياسية تتفق على القواسم المشتركة مهما اختلفت الجزئيات الأخرى بل الاختلاف يثري الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إذاً فالعبرة بمدى حضور العنصر الوطني في صنع خارطة الأقاليم المطروحة الآن من عدمه.

الايجابيات والسلبيات في نظري تكمن في الرغبة الجادة للخروج من العقد التاريخية التي تتلاعب ببعض العقول فتجعلها عاجزة عن إدراك المعنى الإنساني للحضارة الذي بدأ يتشكل ليصل عاجلاً أو آجلاً إلى إلغاء الحدود التي يصنعها السياسيون اللصوص لخدمة أهدافهم المريضة!!...

* كمال صليبي. بيت بمنازل كثيرة. بحث في الكيان اللبناني بين التصور والواقع ص87.

قراءة 1849 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة