هادي وعامان من الحصاد المر

الأربعاء, 26 شباط/فبراير 2014 17:10
قيم الموضوع
(0 أصوات)

إن تفاقم مشكلات المجتمع اليمني تعود إلى اغترابه عن دولته فهو مجتمع للإدارة لأن إداراته مُستلبة لصالح قوى تقليدية تريد أن تكون الدولة لصالحها لا أن تكون لصالح المجتمع وهذا ما عانيناه كشعب لأكثر من ثلاثة عقود وما زلنا نُعاني منه إلى اليوم بل ما هو سائد اليوم لأكثر قتامة وبؤساً من الأمس حيث ما زالت القوى التقليدية هي المهيمنة والمسيطرة على القرار السياسي ويتجلى ذلك بوضوح في حماية الفاسدين وعدم محاسبتهم والإبقاء على الأوضاع كما هي بمساوئها بالتوازي مع ضياع الدستور والقانون وتدهور الأمن بدرجة غير مسبوقة وسيادة رصاص الإرهاب وأبواقه وتصفية حسابات الفساد والجهالة والطغيان مع الشعب ومع الديمقراطية ومع الوحدة بل ظهر بوضوح أن قوى الاعتراض على قيام الدولة المدنية الحديثة ما زالت تتمسك بكل ما هو سالب وسيئ مما قبل الوحدة والخيار الديمقراطي وما قبل ثورة الـ11 من فبراير 2011 الشبابية السلمية التي تم وأدها بانضمام القوى التقليدية إليها بل إن هذه القوى مصرة على اعتراضها لمشروع الدولة الحديثة الذي تبلور في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بكل الوسائل والسُبل وهذا في حد ذاته تغييب قسري للدولة المدنية الحديثة وللأسف عندما يتغلب وعي القبيلة على الفاعلين السياسيين فإن السياسة السلمية تضيع ويتأسس منطق الحرب ويصبح الناس حيارى لا تظلهم مظلة الأمن والاستقرار ويشعرون بمرارة الواقع ويسبحون في مستنقع الألم ويعلمون أن يومهم أشدُ ظلاماً من أمسهم و أن الغد أشدُ ضراوة من يومهم وهذا هو حالنا اليوم فشعبُ يبحث عن الخبز فلن يجد إلا الجوع ويبحث عن العمل فلن يجد إلا البطالة ويبحث عن مسؤولين فلن يجد إلا الفاسدين ويبحث عن وطن اّمن ومستقر فلن يجد إلا غابةً مليئةً بالوحوش المفترسة التي تفترس الكوادر المؤهلة والكفوءة من مدنيين وعكسريين واحداً تلو الآخر وتجعلهم مضرجين بدمائهم على إسفلت الشوارع تسيل دماؤهم كسواقي النبيذ المحرم ناهيك عن المواجهات المسلحة هنا وهناك وتحت عناوين مختلفة. لقد صارت حياة الناس معارك وصراعات بين الظلم والعدل, بين الحرية والقمع, بين الدبابة والقلم, بين استقامة الضمير وانحرافه, بين التخلف والتحضر ...الخ.

وهذا هو الإرث الثقيل والمتعفن الذي ورثناه عن نظام حكم صالح العائلي المتهالك. والعجب العُجاب أن القوى التقليدية لم تعترف الى اليوم أن هناك ثورة انطلقت في الـ11 من فبراير 2011 من أجل اجتثاث هذا الواقع المر، بل في أحسن الأحوال تعتبرها أزمة ومن ثَم ما تزال تتحكم بحاضرنا ومستقبلنا بل تعمل جاهدة على فرض الماضي بالمستقبل وتتناسل أكثر وأكثر، فالقبيلة مع العصبية تحولت الى معسكرات جاهزة للحرب من أجل النفوذ والغنيمة وحماية تقاليد الآباء والأجداد وعلى حساب أمن واستقرار الوطن وتقدمه وازدهاره.

إننا بأمس الحاجة إلى الدولة العادلة القوية التي تكفل الحقوق والحريات للجميع وتحميها في الوقت نفسه لأنه في الحقيقة لم يتم إنتاج الدولة بمعناها الحقيقي طوال عقود وظلت تقوم على أساس الغلبة. ومن هذا المنطلق فإن ثورة الـ11 من فبراير 2011 الشبابية السلمية قد أيقظت المجتمع بكل فئاته بوجود مسار خاطىء وعلى الجميع تصحيح هذا المسار، والنقطة الرئيسة في هذا الاتجاه هي في إعادة إنتاج الدولة التي من شأنها تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتجسيد كل قيم الحداثة. وللأسف الشديد كانت آمال الملايين من الجماهير اليمنية قاطبة التواقة للتغيير معلقة على الرئيس هادي التي تمر بنا هذه الأيام الذكرى الثانية لتوليه مقاليد الحكم في البلاد حيث هبت هذه الملايين في طول اليمن وعرضها وشرقها وغربها الى صناديق الاقتراع في يوم الثلاثاء الموافق 21 من فبراير 2012 ومنحته ثقتها وهي مفعمة بالأمل الكبير بأن الرئيس هادي سيكون رجل التحولات العظيمة والقادر أيضاً على انتشال البلاد من الأوضاع المتردية التي هي فيها لكن عامين مر على توليه الحكم ولم نحصد خلالهما إلا المر حيث أنه أظهر عجزاً تاماً عن إحداث أي تحول في حياة الناس أو حل أي مشكلة من المشاكل الكبرى التي تعصف بالبلاد والشيء الوحيد الذي حظي باهتمامه هو تنمية أطماعه بل إنه قد أصيب بعمى الألوان وانحاز إلى مراكز القوى التقليدية ظناً منه أنها بنفوذها ستعمل على إطالة أمد بقائه في الحكم ولو على حساب مصلحة الوطن وبذلك يكون قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير مُجسداً قول الشاعر:

جهلتَ ولا تدري بأنك جاهل

ومن لي بأن تدري بأنك لا تدري

وكان الأجدر به أن يأخذ العبرة من سلفه صالح الذي أوجد هذه القوى وغذاها وحَمَاها ورغم ذلك كانت هي أول من حمل نعشه ليس حُباً في الوطن ولكن من أجل توسيع نفوذها وكِبر حجم مصالحها ليس إلا.

إن على الرئيس هادي أن يوسع حدقات عينيه وينظر إلى الملايين من الجماهير اليمنية على اختلاف مشاربها وهي تجوب شوارع المدن المختلفة مطالبة بإسقاط الحكومة الفاشلة وإقصاء الفاسدين تمهيداً لترجمة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الى واقع ملموس الأمر الذي يُحتم عليه الخروج من عباءة هذه القوى وأن يؤسس لنفسه مساراً وطنياً مستقلاً بعيداً عن الإملاءات ليقود التغيير الحقيقي، حينئذٍ سينجو بنفسه ويمد من عمره السياسي لأن سراب القوى التقليدية لن يحميه من طوفان الشارع الهادر.

أخيراً على الرئيس هادي أيضاً أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه وتعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) وإلا فسيجد نفسه مجرد عابر سبيل اقتضتهُ الضرورة الاستثنائية وسيغادر الكرسي الذي يعُض عليها بالنواجذ كما اعتلاه أول مرة مكتوباً عليه: (عَبَسَ وَتَوَلَّى).

قراءة 1675 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة