طباعة

تلمس طريق الاشتراكي في النضال (3 – 5)

الثلاثاء, 01 كانون1/ديسمبر 2015 18:19 كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

"أيقتلك البرد؟

 أنا يقتلني نصف الدفء

 ونصف الموقف أكثر" مظفر النواب.

 لا يعني أن توجيه الانتقادات للاشتراكي الآن، أننا اصبحنا منظمين لمهرجان النيل من هذا الحزب، ذاك الذي تحيه كل يوم وربما كل لحظة جوقات ليس لها من عمل سوى احداث صخب وضجيج. على أن ثمة هدف يتستر خلف ذلك، وهو تكوين ردة فعل غير واعية تساهم على هذا النحو أو ذاك في دفع الاشتراكي نحو التمسك بمواقفه غير الصحيحة.

كل حريص ـ وأدعي هنا أنني واحد منهم ـ لن يسره أن يدمن الاشتراكي حالة الاغتراب ويمعن فيها أكثر في توقيت خطير كهذا الذي تعيشه البلد وهي تتراوح ما بين السقوط والهاوية.

قبل الكارثة (أي قبل اندلاع الحرب) كان الاشتراكي قد نجح في عقد المجلس الوطني الحزبي، ونجح في انتخاب قيادة بديلة، سيكون من واجبها التأسيس لمرحلة نضالية مختلفة، ولكن قبل ذلك سيكون عليها اجراء مراجعة سريعة ودقيقة للتجربة النضالية السابقة بما في ذلك التحالفات التي لم يعلن عن انهائها رسميا حتى الآن. كثير من التغيرات التي رافقت المرحلة الانتقالية، كانت قد ساهمت في تكشف أجندة شركاء الأمس على ذلك النحو الفج، ولابد أن هذا قد حفز القوى الوطنية التي لا تزال مخلصة بصورة ما لاستحقاقات ثورة فبراير، تلك التي تمتلك تصورات واضحة لمسار التغيير، للتفكير بالبحث عن سبل جديدة فاعلة للنضال السياسي والاجتماعي. إلى الآن يبدو هذا جيدا ومشجعا، لكن ما حدث بعد ذلك، هو أن القوى الوطنية وفي مقدمتها الاشتراكي ليس لديها الرؤية الكاملة للبدء بطريقة مختلفة ومن ثم تحقيق كل ما اُستعصى تحقيه طوال الفترة الماضية.

هذا التخبط وعدم امتلاك الوضوح الكافي (ولنشرح هذا في فقرة قادمة) يحيلنا الى مسألة ردة الفعل، ذلك السلوك الأكثر غباء وشناعة في ميدان العمل السياسي. نشأ الارتباك بداية في خيال الفكرة الجديدة لأن تلك القوى التي حملتها لم تجري مراجعة حقيقية لتجربتها السابقة، لتحالفاتها وأدواتها المختلفة، لم تضع يدها على مكامن الخلل، ولهذا السبب رأينا كيف انها لم تضع نقطة في نهاية السطر وقلب صفحة جديدة. حسنا، لقد تحدثت حتى الآن بضمير الجمع (تلك القوى)، في الحقيقة لا يوجد ما يدعونا لاستخدام ضمير الجمع، فأنا كمتابع لم أسمع أن أحد القادة السياسيين في الأحزاب الأخرى من غير الاشتراكي قد ادلى بتصريح اعلامي يشرح ماهية الفكرة الجديدة.

أعرف بأن هناك لقاءات شبه دورية يعقدها الاشتراكي مع ممثلين لعدد من الأحزاب ليس بينها حزب الاصلاح، غير أن هذا لا يكفي للقول أن فكرة سياسية جديدة آخذة في التشكل وتستطيع قلب المعادلة السياسية في البلد. نحن في مرحلة بالغة الحساسية (مرحلة الأشهر التي سبقت اندلاع الحرب) ويلوح في الأفق بشائر انسداد سياسي معقد، بل الأدهى من ذلك أن طبول الحرب تقرع كل يوم وما اندلاعها إلا مسألة وقت. هل كانت هذه الفكرة (الحرب) هي التي تشغل بال الاشتراكي وتلك الاجتماعات؟ هناك مسارين تحكما في اداء الاشتراكي خلال هذه المرحلة. الأول وهو مسار يمكن وصفه بالجيد لأنه يأتي امتداد لنهج سابق يؤمن في أن الحوار هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات. ومسار آخر كان يمكن أن ينظر إلى ما وراء الأكمة لكنه ذهب في اتجاه عقد اجتماعات (أراهن أنها كانت مملة) للحديث عن أشياء من قبيل "القوى الثالثة". وبقى وراء الأكمة ما ورائها. ما هي هذه "القوى الثالثة" يا ترى؟ تحدث الأمين العام للحزب الاشتراكي د. عبدالرحمن عمر السقاف في لقاء موسع حضره كل من هب ودب في العاصمة، عن أصل الفكرة التي يحملها مصطلح "القوى الثالثة"، كنت حاضرا حينها. تحدث الدكتور عن "القوى المدنية"، "قوى اليسار" عن "القوى الجديدة" أنا حقا لا أذكر، لكني أذكر أن المصطلح النهائي الذي سيعبر عن الفكرة لايزال متعذرا.

لننسى مثل هذه التفاصيل الآن وننفذ إلى قلب المسألة. ما الذي تحمله أو ستحمله فكرة "القوى الثالثة"؟ الدكتور عبدالرحمن مثقف كبير ومناضل عصامي ولا أبالغ لو قلت أن لديه افكار مختلفة دائما ويستطيع ان يلفت انتباهك الى اشياء تقبع في الظل لكنها ذات قيمة عالية، كما أنني لا أجامل حين أقول ان كلامه يروقني. في ذلك اللقاء قال أن مؤتمر الحوار أرسى قواعد جديدة يفترض ان العملية السياسية في البلد ستعبر عن نفسها مستقبلا بالاستناد إليها وليس بالاستناد إلى تلك القواعد القديمة. وتعني هذه الفكرة بحسب ما فهمت أن التحالفات القديمة ربما لم تعد هي الشكل الأنسب للتواجد اليوم، فقد دخل كل حزب وكل القوى الأخرى في مؤتمر الحوار بشكل منفرد، وقدمت رؤى منفردة ومتمايزة، ولأن المرحلة القادمة هي مرحلة نضال من أجل تطبيق مخرجات الحوار، فإن النضال سيكون منفردا، مع تنسيقات جديدة يفرضها تشابه الرؤى وتقاطع الأهداف. تحدث عن قوى اليسار والقوى المدنية وقال كل ذلك الكلام الجميل عن الصيغة التي سينضوي الاشتراكي فيها وسيحمل من خلالها تطلعات الشعب اليمني، بل أنها التجسيد الفعلي لكل التضحيات التي قدمت حتى الآن. في آخر ايام الحوار، كان الاشتراكي من أكثر الحريصين على استمرار المرحلة التوافقية وقدم رؤية لكيفية هذا الامتداد لم يتم الالتفات إليها، ومع ذلك ظلت الرغبة في استمرار التوافق قائمة.

ألمح الدكتور بطريقة ما الى أن أي تمثيل قادم في الحكومة أو في أي نشاط توافقي سيستند الى هذه الصيغة الجديدة، ولم ينسى أن يصرح أن الاشتراكي لن يضره لو تحول إلى معارضة بل أن هذا يغريه. في الاجتماعات السابقة واللاحقة والتي نشرت عنها وسائل اعلام الحزب وحدها أخبار قصيرة، وتقرير موسع بعد اشهر من اشتعال الحرب تحت اسم مستعار، في تلك الاجتماعات حضرت أغلب احزاب التحالف القديم (اللقاء المشترك) لتناقش فكرة التحالف الجديد.

الشيء الأبرز أن الاصلاح وهو من تحكم بالمحصلة النهائية للتحالف القديم غائب هذه المرة، أما الوافد الجديد فهو حزب التجمع الوحدوي اليمني (وهو حزب نخبوي عدد اعضائه بأصابع اليد وحصل على مقعد وزاري في حكومة الوفاق). والآن أتساءل: هل حقا أن هذا هو العمل المناسب الذي يجدر بالاشتراكي تزعمه خلال هذه المرحلة؟ اندلعت الحرب، ولم يقلل هذا من حماسة قيادة الاشتراكي نحو (القوى الثالثة)، أنا حقا لست ضد الفكرة رغم أنها ليست بالفكرة الخارقة، ولكني اتساءل ان كان هناك عمل آخر أفضل لأن الظروف اصبحت مختلفة بحسب ما يبدو؟

من المهم الاشارة إلى أن حديث الأمين العام كان طويلا، واشار فيه الى ان "القوى الثالثة" هي القوى التي ترفض الحرب، ثم قدم الاشتراكي رؤية لاحقة لإيقاف الحرب، وأصدر عدد من البيانات المنددة. ما يحز في النفس، هو أن قواعد الاشتراكي اصبحت منخرطة في الحرب لأنها تؤمن بأن هذا هو الطريق النضالي الصحيح لمجابهة تحالف الانقلاب والثورة المضادة، فيما قيادة الاشتراكي تقول أنها ضد الحرب وكفى. لم تقم مثلا بأعمال يقتضيها الموقف المندد بالحرب، ولم توضح بما يكفي طبيعة الحرب ومن أشعلها ولماذا أشعلها؟

قيادة الحزب لم تفطن بعد أنها تسير في الطريق الخطاء كما أنها لم تقدر على اقناعنا بأن طريقها هو الطريق الصحيح والوحيد. يقول ماركس: "في الممارسة العملية ينبغي على الإنسان أن يثبت الحقيقة، أي واقعية وقوة تفكيره ووجوده في عالمنا هذا".

غالبية الشعب اليمني هم ضد الحرب، ولكنهم لا يعرفون ما هو السبيل لكي يصبح موقفهم هذا فاعلا ومؤثرا في مجريات الأحداث. لعل الحزب الذي يمتلك نفس هذا الموقف هو وحده من يستطيع ان يدلهم على كل ما يتوجب فعله لإيقاف الحرب. لكن الاشتراكي لم يفعل ذلك. لعلنا سنلمس أن ما يتحكم في اداء الاشتراكي طوال الفترة التي سبقت الحرب واثناءها شيئين: ـ تبني ردة الفعل ازاء الماضي كسياسة وحيدة يمكن مواجهة الحاضر بها والتعامل مع تعقيداته. ـ مسك العصا من النصف. أما القوى الثالثة بقدر ما ستعني هروب الاشتراكي مجددا من معالجة مشاكله الداخلية التي لطالما تذرع ان كل الجهود طوال الفترة الماضية قد صبت في العمل المشترك، بقدر ما يعني ايضا ان هناك ادراك لحالة الانسداد السياسي القائمة، وبدلا من بحثها جديا وايجاد منافذ لخلخلتها، ذهب للحديث عن القوى الثالثة. القوى الثالثة، بوسعنا تخمين في صالح من ستصب هذه الضبابية الحالية التي تكتنف الفكرة وتهدر الجهود في سبيلها.

لنتوقف عن وضعها بين قوسين، فهي ليست حتى تلك "الجبهة المتحدة" التي تحدث عنها تروتسكي ربما في كتابه "الثورة الدائمة". لأن المبدأ الأساسي الذى يحكم سياسة الجبهة المتحدة، كما يخبرنا تروتسكي يجب أن يكون على النحو التالي: “مع الجماهير دائماً، ومع القادة المترددين أحياناً، طالما أنهم لا يزالون على رأس الحركة الجماهيرية.. من الضروري التعامل مع هؤلاء القادة في الوقت الذى تدفعهم فيه الجماهير للأمام، لكن دون التلكؤ في توجيه النقد لهم، ومن الضروري أيضاً القطع التام معهم في الوقت الصحيح، عندما يتحولون من التردد إلى العداء والخيانة”.

 لم ينتهي الحديث بعد...    

قراءة 6703 مرات

من أحدث وسام محمد