هل كان الانقلاب على ثورة فبراير قدرا محتوما؟

الثلاثاء, 19 كانون2/يناير 2016 20:03 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

         قامت ثورة فبراير 2011 في بعدها الشعبي الجماهيري لإسقاط  معادلة الحكم القارة في نظام الجمهورية العربية اليمنية باعتبارها المعادلة المنتجة لكل أزمات البلاد وعلى رأسها أزمة الدولة المهددة للوحدة.وقد نجم عن الثورة مشهد ثلاثي الأضلاع على النحو التالي:

1 – ضلع الثورة نفسها بما مثلته من تطلع شعبي وجماهيري نحو التغيير.

2 – ضلع الوفاق الوطني الذي نقل السلطة إلى رئيس توافقي وحكومة وفاق وطني.

3 – ضلع الحوار الوطني الشامل.

         وإذا كان ضلع الحوار قد جسد نجاح الثورة على المستوى النظري فإن ضلع الوفاق قد مثل فشلها على المستوى العملي.وهذا عائد إلى أن الحوار قام على توسيع قاعدة المشاركة، بينما اقتصر الوفاق على قوى سياسية، ومركز الثقل فيه ذهب لصالح الأطراف التي شكلت تحالف حرب 1994 قبل انقسامها الصراعي الراهن.وحتى لا يكون حكمنا على فشل الوفاق جزافيا يلزمنا أن نعرج على تفاصيل الفترة الانتقالية.

معنى الفترة الإنتقالية:

         تعني الفترة الإنتقالية الانتقال من نظام سياسي تقادم وتآكلت شرعيته وأصبح مرفوضا إلى نظام جديد يفترض أن يحظى بالشرعية والمشروعية.ورفض النظام القديم  لا يكون عادة محل إجماع مجتمعي، ويكفي أن تكون هناك أكثرية شعبية كافية قادرة على ممارسة الرفض المنظم ومصرة على إحداث التغيير.وهذا ما ظهر واضحا في ثورة فبراير 2011 حيث الأغلبية الشعبية كانت مع التغيير ومستعدة من أجله أن تذهب إلى أبعد مستويات التضحية.

طبيعة المرحلة الانتقالية:

         تصنف المراحل الانتقالية من حيث سهولتها وصعوبتها إلى نوعين:

1 – مراحل انتقالية سهلة وسلسة يقتصر برنامجها على مهمتين إثنتين فقط هما التوافق على دستور جديد والاستفتاء عليه، ثم الذهاب إلى انتخابات وفقا للدستور الجديد. وهذه حالات نادرة لا تقع إلا حيث تكون هناك دولة مؤسساتها مؤهلة للوقوف على مسافة واحدة من أطراف السباق الانتخابي المرتقب.

2 – مراحل إنتقالية صعبة وصراعية لابد أن يتضمن برنامجها – إلى جانب التوافق على دستور جديد - مهاما أخرى يتعذر بغير إنجازها الذهاب إلى انتخابات نزيهة ضامنة للتغيير والتجديد حتى وإن كان الدستور المتوافق عليه ديمقراطيا 100%. وتختلف مهام هذا النوع من المراحل الانتقالية من بلد إلى آخر بحسب الحالة التي عليها مؤسسات الدولة، وبخاصة مؤسسات الجيش والأمن.

         والمرحلة الانتقالية التي شهدتها اليمن عقب ثورة فبراير 2011 تصنف ضمن المراحل الصعبة والصراعية التي لا يكفي معها التوافق على دستور جديد والذهاب إلى انتخابات، لأن حالة الدولة لا تسمح بممارسة ديمقراطية نزيهة ضامنة للتغيير والتجديد، وما دام الأمر كذلك فلابد من تضمينها مهاما أخرى تؤهل الدولة للحد الأدنى من الممارسة الديمقراطية الضامنة لإحداث التغيير.

مهام المرحلة الانتقالية:

          تحددت مهام المرحلة الانتقالية بعد ثورة فبراير 2011 بثماني قضايا توافقية تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية حين ألزمت الرئيس الانتقالي وحكومة الوفاق الوطني بالدعوة إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل خلال المرحلة الإنتقالية يبحث فيما يلي:

 1 - صياغة دستور جديد للبلاد.

2 - معالجة هيكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليها.

3 - حل القضية الجنوبية حلا عادلا يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه.

4 - النظر في القضايا المختلفة ذات البعد الوطني ومن ضمنها أسباب التوتر في صعدة.

5 - إتخاذ خطوات للمضي قدما نحو بناء نظام ديمقراطي كامل بما في ذلك اصلاح الخدمة المدنية والقضاء والإدارة المحلية.

6 - اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث إنتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلا.

7 - إتخاذ الوسائل القانونية وغيرها من الوسائل التي من شأنها تعزيز حماية الفئات الضعيفة وحقوقها، بما في ذلك الأطفال، والنهوض بالمرأة.

8 - الإسهام في تحديد أولويات برامج التعمير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لتوفير فرص عمل وخدمات اقتصادية واجتماعية وثقافية أفضل للجميع.

أطراف التسوية السياسية:

         قامت التسوية على التوافق المفترض بين اصطفافين كبيرين هما:

1 - الاصطفاف الذي أيد الثورة وآزرها:وقد تشكل من الأطراف التي تحالفت في إطار اللقاء المشترك ثم في إطار المجلس الوطني لقوى الثورة.وعلى هذا الاصطفاف علق ثوار فبراير الأمل في نجاح المرحلة الانتقالية.

2 - الاصطفاف الذي قامت الثورة للإطاحة به:وقد تشكل من تحالف المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس السابق مع ما يسمى بأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي.وهذا الاصطفاف نظر إليه ثوار فبراير منذ البداية على أنه خطر متربص يهدد نجاح المرحلة الانتقالية.

 فشل المرحلة الإنتقالية:

         إذا كان الاصطفاف المتربص قد نفذ انقلابه المسلح على التسوية السياسية والوفاق الوطني فإن هذا الانقلاب تعبير عنيف عن فشل المرحلة الانتقالية.ولكن هل كان هذا الفشل قدرا حتميا لا فكاك منه؟ هل صحيح أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية هما اللتان أسستا لهذا الفشل؟ هل يجوز إعفاء الرئيس الانتقالي من المسئولية عما حدث؟ وماذا عن الاصطفاف الذي أيد الثورة وآزرها ومثلها في التسوية؟ هل يده بيضاء من غير سوء؟...تنطوي هذه الأسئلة على قدر ملحوظ من الصعوبة، لكن من غير الجائز أبدا القفز عليها بالنظر إلى حجم الكارثة التي أحدثها الانقلاب على الثورة وإشعاله الحرائق والدمار في كل البلاد، والإجابة عليها تبدأ من البحث الموضوعي في أهلية القيادة السياسية التي أدارت المرحلة الانتقالية.        

القيادة السياسية:

         القيادة السياسية عمليةProcess  تفاعلية بين ثلاثة عناصر هي: (القائد + النخبة + البرنامج)، على أن ينضبط هذا التفاعل لقيم ومثاليات المجتمع وما يتطلع إليه الشعب ويتوقعه من قيادته.وإذا علمنا أن القائد هنا هو الرئيس هادي، فإن البرنامج هو مهام المرحلة الانتقالية المذكورة أعلاه، وهذا البرنامج هو العنصر المحايد في عملية التفاعل.أما النخبة فهي ظاهرة جماعية تشمل كل من له سلطة ونفوذ من نوع ما ويستطيع أن يمارس التأثير على القائد بحثه على اتخاذ قرار ما أو صرفه عن اتخاذ قرار آخر، بصرف النظر عن حجم ونوع هذا التأثير.

          وبما أننا إزاء نخبة منقسمة إلى اصطفافين كبيرين متصارعين، وقائد واحد توافق عليه هذان الاصطفافان،فإن الحديث عن التفاعل بين القائد والنخبة يحتاج إلى مزيد من الضبط، لأن الأمر متعلق عمليا بنخبتين وليس بنخبة واحدة، وكل منهما ستحاول استمالة القائد إليها على نحو يضعه في موقف لا يحسد عليه إذا لم يحسن إدارة الصراع بينهما لصالح إنجاز مهام المرحلة الانتقالية التي تمثل العنصر المحايد في عملية التفاعل، وإخلاص القائد لهذه المهام يضعه ابتداء في نقطة انطلاق تقع على مسافة واحدة من الاصطفافين باعتبارها البرنامج الذي قامت عليه التسوية والملزم لكل أطرافها.

         وبمقدار اقتراب هذا الاصطفاف أو ذاك من مهام المرحلة الانتقالية وجديته في تنفيذها يكون اقترابه من القائد ويكون اقتراب القائد منه،بعيدا عن أي مساومة لا تحتملها طبيعة المرحلة.فمهمة القائد التوافقي هي قيادة أطراف التوافق الوطني لإنجاز مهام المرحلة الانتقالية، وهو بهذا المعنى لا يستطيع أن يقف دائما على مسافة واحدة من كل الأطراف إلا إذا تساوت في قناعتها الفعلية بمهام المرحلة وعملت بروح الفريق الواحد من أجل إنجازها،وهذا غير وارد في مرحلة إنتقالية صعبة وصراعية،الأمر الذي يحتم على القائد التعاطي مع أطراف التوافق تبعا لموقفها من مهام المرحلة.

         وإذا كان معلوما أن ذلك الجزء من النخبة الذي قامت الثورة للإطاحة به هو خطر في حالة تربص فإن مصلحته لن تكون مع إنجاز مهام المرحلة الانتقالية وإنما في تعطيلها، الأمر الذي يضعه على مسافة بعيدة من القائد.وبالمقابل يفترض أن الجزء الآخر الذي أيد الثورة وآزرها هو صاحب مصلحة في إنجاز مهام المرحلة، الأمر الذي يضعه على مسافة قريبة جدا من القائد

         وعلى افتراض أن القائد نفسه مقتنع بمهام المرحلة الانتقالية وجاد في تنفيذها فالمتوقع منذ البداية أن يكون التفاعل بينه وبين النخبة التي آزرت الثورة على قدر كبير من الإيجابية بحيث لا تستطيع معه النخبة التي قامت الثورة للإطاحة بها أن تحقق أهدافها في إفشال المرحلة الإنتقالية.فما هي مكونات هذه النخبة على وجه التحديد؟ وكيف كان تفاعلها مع القائد؟ وما هي مخرجات هذا التفاعل؟.

مكونات النخبة التي أيدت الثورة ومثلتها في التسوية.

         القاسم المشترك الأعظم بين مكونات النخبة التي أيدت الثورة هو تأييدها للثورة ضد علي صالح، وما عدا ذلك فهي ليست متجانسة بحيث تكون على قلب رجل واحد.وفيما يلي قائمة بمكونات هذه النخبة كما رأيناها طافية على سطح المشهد السياسي:

أولا: مكوِّن التجمع اليمني للإصلاح.

1 – محمد عبد الله اليدومي (رئيس الحزب ومستشار الرئيس)

2 – عبد الوهاب الآنسي (أمين عام الحزب ومستشار الرئيس)

3 – علي محسن الأحمر (صاحب نفوذ عسكري ومالي ومستشار الرئيس)

4 – حميد حسين الأحمر (صاحب سلطة مالية ونفوذ قبلي)

5 – عبد المجيد الزنداني (صاحب سلطة دينية ورئيس هيئة علماء اليمن ورئيس جامعة الإيمان)

6 – نصر طه مصطفى (مدير عام مكتب رئاسة الجمهورية)

7 – صالح سميع (وزير الكهرباء).

8 – عبد الرزاق الأشول (وزير التربية والتعليم).

9 – محمد العمراني (وزير الإعلام)

10 – حورية مشهور (وزير حقوق الإنسان).

11 – القاضي العرشاني (وزير العدل).

12 – محمد السعدي (وزير التخطيط والتعاون الدولي).

13 – عبد القادر قحطان (وزير الداخلية).

14 – صخر الوجيه (وزير المالية).

ثانيا: محمد سالم باسندوة (رئيس الحكومة).

ثالثا: مكوِّن الحزب الاشتراكي اليمني.

1 - ياسين نعمان (أمين عام الحزب ومستشار الرئيس).

2 -  محمد المخلافي (وزير الشئون القانونية).

3 - واعد باذيب (وزير النقل).

4 - جوهرة حمود (وزير دولة).

رابعا: مكوِّن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري.

1 - سلطان العتواني (أمين عام الحزب ومستشار الرئيس).

2 – علي اليزيدي (وزير الإدارة المحلية).

خامسا: مكوِّن التجمع الوحدوي.

1 - عبد الله عوبل (وزير الثقافة).

سادسا – مكوِّن حزب الحق.

1 - حسن زيد (أمين عام الحزب ووزير دولة).

2 - محمد أحمد شرف الدين (وزير دولة).

ثامنا: مكون إتحاد القوى الشعبية.

1 - عبد السلام رزاز (وزير المياه والبيئة).

تاسعا: مكوِّن حزب البعث.

1 - عبد الحافظ نعمان (أمين عام الحزب، وزير التعليم المهني).

عاشرا: مكون إتحاد الرشاد السلفي.

1 - محمد العامري (رئيس الحزب وعضو مؤتمر الحوار الوطني في فريق القضية الجنوبية).

2 - عبد الوهاب الحميقاني (أمين عام الحزب وعضو مؤتمر الحوار الوطني في فريق بناء الدولة).

حادي عشر: مكوِّن حزب العدالة والبناء.

1 - علي أبو لحوم (رئيس الحزب ونائب رئيس فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني).

2 - عبد العزيز جباري (أمين عام الحزب وعضو مؤتمر الحوار الوطني في فريق بناء الدولة).

ثاني عشر: مكون الحراك الجنوبي المشارك في الحوار.

1 - محمد علي أحمد (رئيس المكون ورئيس فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني).

2 - ياسين مكاوي (عضو الحوار الوطني ومستشار الرئيس).

 ثالث عشر: مستشارون:

1 - عبد الكريم الإرياني ( نائب أمين عام حزب المؤتمر ومستشار الرئيس).

2 - فارس السقاف (مستشار ثقافي للرئيس).

3 - محبوب علي (مستشار إعلامي للرئيس).

 رابع عشر: مقربون من هادي.

1 - محمد ناصر أحمد (وزير الدفاع).

2 - أحمد عوض بن مبارك (أمين عام مؤتمر الحوار الوطني).

3 - محمد الشدادي (عضو هيئة رئاسة مجلس النواب وعضو مؤتمر الحوار الوطني).

4 – محمد مارم (رئيس فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني).

          هذه هي أسماء ومواقع مكونات النخبة - المنظورة على سطح المشهد السياسي - التي كان معولا عليها مع الرئيس هادي أن تتعاون وتتظافر من أجل نجاح الفترة الانتقالية في تحقيق أهدافها.ومن الواضح أنها متفاوتة من حيث الكم ومن حيث حجم ونوع السلطة  المتاحة وما توفره من قدرات على ممارسة النفوذ والتأثير على القائد، ومن غير الجائز المساواة بينها في تحمل مسئولية فشل المرحلة الانتقالية.ومن غير شك هناك خفايا وأسرار تحتاج إلى مكاشفة مسئولة تجنب اليمنيين مساوئ ومخاطر تجريب المجرب وتكرار الوسائل والأدوات الفاشلة.

التفاعل بين القائد والنخبة التي أيدت الثورة:

         للتفاعل بين القائد والنخبة التي اصطفت مع الثورة وآزتها أربعة احتمالات نوجزها كما يلي:

1 - إما أن يكون القائد إيجابيا في تفاعله مع النخبة ومنضبطا لقيم ومثاليات المجتمع ومستوعبا لمهام المرحلة الانتقالية وحريصا على إنجازها، والنخبة أيضا مثله إيجابية ومنضبطة ومستوعبة وحريصة.وهذه عملية تفاعلية ضامنة لمعدلات عالية جدا في النجاح.

2 - إما أن يكون القائد إيجابيا ومنضبطا ومستوعبا وحريصا، والنخبة سلبية.وهذه عملية تفاعلية تحتمل نجاحا نسبيا يحسب - في حال تحققه - للقائد.

3 - إما أن تكون النخبة إيجابية ومنضبطة ومستوعبة ومخلصة، والقائد سلبي.وهذه عملية تفاعلية تحتمل النجاح الكلي أو الجزئي في بعض مهام المرحلة، والفشل الكلي أو الجزئي في البعض الآخر.ومن الطبيعي أن يحسب النجاح – في حال تحققه - للنخبة.

4 - إما أن يكون القائد سلبيا وغير منضبط وغير مستوعب وغير مخلص، وكذلك النخبة مثله سلبية وغير منضبطة وغير مستوعبة وغير مخلصة.وهذه عملية تفاعلية نتيجتها الفشل الكارثي.

         وبما أن الفشل الكارثي هو الذي حصل بالفعل، بدلالة نجاح الاصطفاف الآخر – متحالفا مع مليشيا الحوثي - في الإنقلاب على شرعية التوافق الوطني، فمعنى ذلك أن الاحتمال الرابع هو الذي تحقق،والمسئولية تقع على القائد والنخبة معا.

معيار قياس الإيجابية في التفاعل بين القائد والنخبة

         حكمنا على التفاعل المتبادل بين القائد والنخبة التي آزرت الثورة بأنه كان سلبيا.والملاحظ على هذا الحكم أنه تأسس على النتيجة، وبقي أن نؤسسه على مقدمات.ومن أجل ذلك علينا أن نعثر على معيار مقبول لقياس الإيجابية في عملية التفاعل بين القائد والنخبة.وهذا المعيار من وجهة نظرنا هو العنصر الثالث المحايد في عملية التفاعل ممثلاً ببرنامج المرحلة الإنتقالية المذكور أعلاه.فالتفاعل يكون إيجابيا إذا كان القائد والنخبة التي آزرت الثورة مقتنعين بهذا البرنامج ومتحمسين لإنجازه، وحصل بينهما تكامل وتعاون قوي أفلحا معه في التوصل إلى ما يلي:

1 – التحديد الدقيق للتحديات والمخاطر التي تهدد نجاح المرحلة الانتقالية.

2 – ترتيب هذه التحديات بحسب خطورتها.

3 – إختيار الوسائل والآليات الفعالة والملائمة للتغلب على هذه التحديات.

4 – التحديد الدقيق للفرص المتاحة لنجاح الفترة الانتقالية.

5 – إتخاذ القرارات اللازمة في التوقيت المناسب للتغلب على التحديات وإضعاف المخاطر، وتقوية الفرص.

         ومن الطبيعي أن يقطع هذا التعاون – في حال حدوثه – الطريق أمام الاصطفاف الآخر المتربص بإضعاف مواطن قوته بوسائل قانونية ونظامية وبآليات شفافة تستمد مشروعيتها من شرعية التوافق الوطني، مسنودة بتأييد الشعب المتطلع إلى التغيير.

         أما إذا كان القائد والنخبة غير مقتنعين ببرنامج المرحلة الانتقالية فلن يتحمسا لإنجازه،ولن يحصل بينهما تعاون للتعرف على تحديات المرحلة وكيفية التعاطي معها، ولن يعملا بروح الفريق الواحد.وهذا تفاعل سلبي تحتمل أسبابه تفسيرات كثيرة من بينها:

1 -  غياب الرؤية الجامعة.

2 - عدم كفاية الأهلية المعرفية.

3 - ضعف الاقتدار القيادي.

4 - تعدد الأجندة وتضاربها.

5 -  الاستغراق في تحقيق مكاسب شخصية وحزبية وفئوية وجهوية.

         وهذه كلها مقدمات لنجاح الاصطفاف الآخر المعطِّل بالنظر إلى السلطة العميقة التي يمتلكها رئيس سابق ظل في الحكم ثلاثة وثلاثين عاما أمضاها في شراء الذمم وشخصنة الفضاء العام ومصادرة مؤسسات الدولة وتسييد الفساد ونهب ثروات البلاد.

تحديات المرحلة الإنتقالية:

         تعرفنا على مهام المرحلة الانتقالية كما هي مضمنة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية،ومهام من هذا القبيل في مرحلة إنتقالية صراعية لا بد أن تقف أمام إنجازها تحديات لا يحتاج التعرف عليها إلى اجتراح معجزات، وإنما إلى تعاون وتكامل وتفاعل إيجابي بين القائد والنخبة التي آزرت الثورة ومثلتها في التسوية السياسية.وكان بمقدور القائد والنخبة – في حال تعاونهما وتكاملهما – التعرف على هذه التحديات من خلال النظر الجاد والمسئول فيما يلي:

1 –  حالة مؤسسات الدولة.

2 – حالة الوحدة الوطنية للبلاد.

3 - حالة الأحزاب والتنظيمات السياسية.

4 - حالة منظمات المجتمع المدني.

          ومن شأن النظر الجاد في هذه الحالات أن يكشف للقائد والنخبة التي آزرت الثورة عن مواطن قوة الاصطفاف الآخر المتربص في كل حالة من الحالات الأربع،ومن ثم العمل على إضعافها وشل قدرتها على المقاومة بسلسلة من الإجراءات القانونية والنظامية المبكرة التي يتعذر الاعتراض عليها علنا مادامت تندرج في إطار ما يتوقعه الشعب المتطلع للتغيير من قياته، وأي اعتراض يمكن أن يقع سيكون من الميسور الرد عليه ودحضه عبر الإعلام الرسمي والحزبي والخاص بما يهيء الرأي العام للدعم والمساندة بكل أشكال التعبير المشروعة التي تبقي الشعب المتطلع للتغيير في حالة يقظة يومية.وللحديث عن تحديات المرحلة الانتقالية الكامنة في الحالات الأربع سنفرد مقالا خاصا.

خطل الحجة التي دفع بها القائد:

         يردد البعض مع الرئيس هادي أن علي صالح لم يسلم السلطة وإنما سلم العلم فقط، وأن السلطة على الجيش بقيت للرئيس السابق.فهل هذه حجة يعتد بها؟.هل فعلا أن صالح لم يسلم لهادي إلا العلم؟ أم أن المشكلة في هادي والنخبة التي مثلت الثورة في التسوية؟.

         إننا إزاء تسوية سياسية تمت في مناخ ثوري، وقامت على مرحلتين إنتقاليتين برعاية إقليمية ودولية.المرحلة الأولى مدتها ستون يوما إنتقلت خلالها صلاحيات الرئيس إلى النائب،بينما بقي علي صالح محتفظا بشرعيته كرئيس.وشرعية بلا صلاحيات هي شرعية في حالة احتضار.

 

         ويوم 21 فبراير 2012 تم الإعلان عن موت شرعية علي صالح ودفنها ليصبح هادي هو الرئيس الشرعي بموجب توافق وطني ممهور بتزكية الشعب.فهل من الجائز القول إنه لم يستلم إلا العلم؟.هل كان ينتظر من الرئيس السابق أن يعمل له جردا مخزنيا بضباط وأفراد الجيش؟. إننا إزاء مرحلة إنتقالية صراعية ومعترك سياسي لا مكان فيه لحسن النوايا.والشرعية التي أصبحت لهادي كرئيس انتقالي منحته صلاحيات تقليم أظافر الرئيس السابق في المؤسسة العسكرية وتجفيف منابع شهيته في العودة إلى السلطة خلال الستة الأشهر الأولى من المرحلة الانتقالية.لكن هادي لم يحسن استخدام السلطة التي آلت إليه كرئيس انتقالي، وهذا بسبب التفاعل السلبي المتبادل بينه وبين النخبة التي آزرت الثورة.

      فرص لم يستثمرها  الرئيس الانتقالي    لنجاح المرحلة:

1 - أصبح هادي رئيسا انتقاليا للبلاد بتوافق وطني ممهور بتزكية الشعب، وتم هذا في مناخ ثورة شعبية عارمة مطالبة بإسقاط نظام علي صالح وبناء دولة لكل مواطنيها.ومن الطبيعي أن يتوقع الشعب الثائر من رئيسه الانتقالي تحقيق أهداف الثورة في التغيير والطلاق مع النظام القديم.والشعب عندما يتوقع التغيير من القائد فإن جاهزيته تكون في أعلى مستوياتها لدعمه وتأييد خطواته والانتصار لقراراته.وما على القائد إلا أن يبقى في حالة تواصل دائم ومنظم مع الشعب.فهل استثمر القائد الحالة الثورية القائمة واهتم بالتواصل مع الشعب الثائر المتطلع للتغيير؟

2 - على المستوى الإقليمي والدولي حظي هادي بدعم ملحوظ لم يحظَ به رئيس يمني من قبل.ومن مظاهر هذا الدعم غير المسبوق أن مجلس الأمن جاء بكامل قوامه إلى اليمن وانعقد في صنعاء بحضور الأمين العام للأمم المتحدة.وكان سفراء الدول العشر على تواصل شبه يومي مع هادي، فضلا عن تعاون المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي رأيناه منذ بداية المرحلة الانتقالية عرضة للتشكيك بنزاهته وحياديته من قبل الآلة الإعلامية المحسوبة على الرئيس السابق حد قولها إنه يتصرف كمندوب سامي.     

3 - والبرنامج السياسي المطلوب إنجازه خلال المرحلة الإنتقالية وتضمنته المبادرة الخليجية قبلت به – نظريا على الأقل – كل أطراف التسوية السياسية الموقعة على المبادرة، بما في ذلك الرئيس السابق وحزبه،وهو من هذه الناحية ليس برنامج هادي وإنما برنامج توافقي ملزم لكل الأطراف،وهذا عامل قوة للرئيس الانتقالي يتعذر معه تبرير أي تقاعس في الإنجاز والتنفيذ.

         ولكن هل كان الرئيس هادي مؤهلا على المستوى الشخصي لاستثمار هذه المتاحات والفرص؟ النتيجة التي آلت إليها الأمور في البلاد تقول إنه لم يكن مؤهلا.ومع ذلك من غير الجائز الحكم على أدائه إلا من خلال التفاعل المتبادل بينه وبين أهل السلطة والنفوذ في النخبة التي آزرت ثورة فبراير،وهذا ما قد سبق بيانه أعلاه.وحتى لا نتهم بالتحامل على هذه النخبة سنضرب على ما قلناه مثلا:

         كانت أزمة دماج بين السلفيين ومليشيا الحوثي من بين التحديات التي أثيرت في وجه المرحلة الانتقالية.ومعالجة تلك الأزمة على النحو الذي تم ضاعف خطر هذا التحدي.والسئوال: هل كان بمقدور هادي أن يعالج المشكلة بقرار جمهوري يجمد التعليم الديني الموازي – الزيدي والسلفي -  في كل محافظات البلاد،بما في ذلك جامعة الإيمان، على أن يقرر الحوار الوطني مصير هذا النوع من التعليم؟. في اعتقادنا أن هذا لم يكن ممكنا، وبمقدورنا أن نتخيل حجم العاصفة التي كان سيستدعيها الشيخ الزنداني لو أن هادي اتخذ قرارا كهذا قصد به مصلحة الوطن وأمنه واستقراره وقطع الطريق على المتربصين لإشعال الحرائق.هذا مثال على أن القائد لا يعمل في فضاء مثالي خاص به وإنما في فضاء مكتظ بفاعلين كثر يؤثرون على القائد انطلاقا من مصالحهم ودفاعا عنها.لذلك ألقينا بالمسئولية في فشل المرحلة الانتقاليه عليه وعلى هؤلاء الفاعلين الذين لم يستفيدوا من دروس معركة أحد فانشغلوا بجمع الغنائم ليلتف عليهم قائد جيش المشركين ويحول انتصارهم إلى هزيمة.

تعقيب لابد منه:

         في العدد الماضي من هذه الصحيفة كتبنا:" وأن لا يكون الحزب الاشتراكي طرفا في هذه الحرب فهذا ليس عيبا وإنما ميزة، والعيب – كل العيب – أن لا يكون فاعلا في إيقاف الحرب وصناعة السلام "..فهل من الجائز تحميل ما كتبناه ما لا يحتمل؟.أن لا يكون الحزب طرفا في الحرب فهذا لا يعني أنه محايد وأن الحرب لا تعنيه، بل لا يوجد مواطن يمني واحد محايد في هذه الحرب.إعقلوا، غفر الله لي ولكم.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية
للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
https://telegram.me/aleshterakiNet

 

 
قراءة 2576 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة