المحرر السياسي

المحرر السياسي

الخميس, 13 تشرين1/أكتوير 2022 17:59

تحية وما ينبغي أن يقال في ذكرى ثورة أكتوبر

تحية الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني إلى الذكرى ٥٩ لثورة ١٤ أكتوبر وما ينبغي أن يقال في هذه المناسبة.

—————————

انطلاقا من القول المأثور "أن أجمل طريقة للاحتفال بالمناسبات هي معالجة القضايا العالقة"، وفي مضمون هذه التحية من الأمانة العامة؛ للذكرى ٥٩ للثورة، نجدها فرصة لاستعراض المشهد الوطني العام في مجمله، خلال تناول أبرز أزماته التي يعاني منها، مستلهمين روح الثورة ومنجزاتها المادية والمعنوية والروحية، التي تميز بها الثوار، وذلك لكي لا تتحول هذه المناسبة مجرد سرد تاريخي ماضوي منقطع الصلة بحاضرنا الراهن.

وإلى ذلك مثلت مسيرة ثورة 14أكتوبر الحافلة بالعطاء والأحداث الجليلة، معنى أن التاريخ لا يهبط من السماء أو يأتي استجابة لرغبة ذاتية، بقدر ما يتشكل من فعل واع وقدرة على التضحية، ولم تكن صنيعة الأقدار ووليدة الصدف، فلقد مرت بإرهاصات جمة وتمخضت من رحم المعاناة التي أفرزها المستعمر ردحا طويلا من الزمن، عانى فيها الشعب ويلات الظلم والاستبداد والقهر، وفي هذا السياق لنا أن نمجد ثوار 14 أكتوبر وما ضربوه من الأمثلة على قدرة الإنسان على مجاهدة النفس والسمو بالأخلاق، فمن بين المعاني الكبيرة التي خلفها هذا الحدث الكبير  في التاريخ المعاصر لشعبنا اليمني، الصفات الأخلاقية النبيلة والإنسانية الرفيعة التي تمتع بها هؤلاء الثوار، فدائيين وعسكريين وسياسيين وطلاب ونقابيين، وأن هذا الدرس المعنوي العظيم ونحن نراجعه في أيامنا هذه بالمقارنة مع ما هو سائد؛ لَكَم هو كاشف للبعض الذي يدعي الثورية وهو يتطاول بالبنيان على حساب قوت الشعب وجوعه، وتتلاشى في شخصه المعنويات ليبقى أسير غرائزه وطموحاته المادية، فلم يصنع غير الفوضى حيثما كان هذا وأمثاله في الشمال أو الجنوب.

وفي هذا السياق وبالمقارنة أيضاً كيف أن هذه الثورة استمدت من أخلاقياتهم انحيازاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مرحلة بناء الدولة في جنوب الوطن فتجلت في دولة النظام والقانون التي أرست نموذجا تنمويا منحازا للطبقات الشعبية، وركزت على بناء الإنسان باعتباره محور التنمية وغايتها، وحققت المساواة بين كافة المواطنين، بغض النظر عن اللون أو الجنس أو النوع أو المنطقة أو الانتماء أو المذهب أو المكانة الاجتماعية، وأشركت المرأة في المواقع العليا في الدولة، فكانت القاضية والوزيرة والنائبة والمعلمة والطبيبة والنقابية والجندية والشرطية، كما أدمجت (المهمشين) في مؤسسات الدولة وشغلوا فيها مسؤوليات ومناصب مهمة، وأزالت التمييز ضدهم، وقضت على الأمية والثأر.

غير أننا ونحن نستذكر تلك التجربة ونلتفت إلى وضعنا الراهن نجده يعج بالعديد من المعضلات على الأصعدة السياسية والمجتمعية وأكثرها سوءً السعي نحو خلق ارتدادات مستعصية، وعندما نقوم بتشخيصها على قاعدة المنهج المستوحى من الحقائق الموضوعية المادية والمعنوية التي شكلت إرث ثورة ١٤ أكتوبر والتي لايزال فعلها قائم ومقاوم في وعي الشعب، نجدها تتبلور في شكل الأزمات التالية:

محاولات ارتدادية ضئيلة البنية فقيرة المعنى:

——————————

لقد كان فجر أكتوبر الأغر المرسوم في وجدان الشعب تعبيرا عميقا عن الضرورة الملحة للخلاص وفرض إرادة توحيد الوطن على أنقاض 23 سلطنة وإمارة ومشيخة وإيجاد هوية واحدة للشعب في الجنوب لم يعرفها من قبل، ولعل الأهمية التاريخية لثورة الرابع عشر من أكتوبر تكمن عند هذه المعجزة التي كانت تبدو في تحقيقها شبه مستحيلة. وفي هذا الصدد أن قراءة علمية في تشكل دولة الجنوب يؤكد انبثاقها من ديناميات داخلية شملت كل المجتمعات داخل السلطنات والإمارات والمشيخات والمستعمرة عدن التي كانت تعج بالنضال النقابي والتقت جميع مفاعيلها كروافد صبت في مجموعها عند اللحظة التي تفجرت فيها الثورة، ولذلك فإن مسار التاريخ  تقدم في هذه الجغرافيا لتتشكل دولة بشروط موضوعية، الأمر الذي يبطل كل التنظيرات المتطفلة اليوم على السياسة والفكر والتاريخ لتبرر ممارسات صغيرة لا يمكن لها أن تكبر أبدا بحكم حقائق الحياة لتكون شيئا مذكورا بمحاولات هزيلة للعودة بالتاريخ إلى الوراء، فمن المستحيلات أن تعود السلطنات والمشيخات والإمارات وكذلك الإمامة مجددا لتشكل جغرافيا سياسية جديدة بمضمون متخلف ونحن في القرن الواحد والعشرين، كما أن روح الشعب اليمني لن تقبلها مطلقا وذلك بحكم المنطق والحالة الموضوعية الراهنة وحقائق التاريخ والحياة، ولن نقرأ غدا في الأخبار عن هذا النوع من الأحداث التي تجري في أكثر من منطقة من البلاد بإثارة خارجية إلا بكونها أعمال مشاغبة  تكشف عن هزالة عقليات أصحابها ، وهو ما يستدعي اليوم أكثر من أي وقت مضى استلهام الدروس لإحباط دواعي الارتداد لمن لهم خصومة مع الماضي والذي لا يمكن أن يضعوا لبنات لبناء المستقبل لأنهم في حقيقة امرهم منهمكين في تصفية الثأر مع التاريخ وكل ما يتعلق بمسارات الثورة كفعل تحرري ولمسيرة النضال التي خاضها شعبنا العظيم ضد الاستعمار وأعوانه، وأن الثورة اليوم وغدا لم و لن تفقد رمزيتها ودلالة أهدافها وقيمتها لأنها فعل تاريخي وشعبي ووطني أصيل، وفي السياق لا تزال البوصلة التي تشير صوب وجهة تحقيق تطلعات الشعب ومواجهة التحديات، على أن نستلهم من عظمتها ومعانيها  وتضحيات رجالاتها ما يبقينا أكثر حرصا واصرارا على حماية مكتسباتها العظيمة  التي تحققت.

الهدنة المنشودة آمال وألآم:

——————————-

وبشأن الهدنة لابد من التأكيد على ضرورة الامتثال لمصلحة الشعب لتجنب تسييس أو عسكرة الحلول المطلوبة للمشكلات العالقة ومقاربة القضايا الخلافية باعتبارها مصاعب تقنية وذلك انطلاقا من أن الهدنة المنشودة لمدة ستة أشهر مقبلة ستكون فرصة حقيقية نحو وقف الحرب.

إن استخدام القوة العسكرية والتهديد بها باستمرار يتجلى كسلوك غير مسئول وربما يكشف عجزا أخلاقيا يتصف به من يضع التعقيدات المفتعلة من أجل مكاسب لا تتجاوز إرضاء الذات أو يداري بها مصلحة يجد صعوبة في الإفصاح عنها، فإن اللحظة اليوم مناسبة للتذكير بأن الهدنة أثارت حالة من التفاؤل والأمل، كما أثارت حالة سياسية لدى الشعب كشفت أنه ليس في وارد الانصات للخطابات الممجوجة والدعائية لمن يقوم بها، فقد أصبح جليا في وعي الشعب قدرته على التمييز بين الجاد والمتلاعب ومن الذي يتهرب من السلام، ومن هو متضرر من وقف الحرب، ومن هو الخائف الأكبر من السلوك في طريق جديد لم يتعود عليه، وإلى ذلك لابد من الكف عن الخيارات الحادة ضدا على ما يحقق مصلحة الشعب وهو وحده الذي يعيش المعاناة والآلام في كل أنحاء البلاد.

مجلس القيادة الرئاسي وازماته الداخلية المتقطعة:

——————————

إن الأزمات المتقطعة والتي يعاني منها مجلس القيادة الرئاسي منذ تشكيله ترتبط في جزء منها في عدد من المظاهر أبرزها:-

- الافتقاد إلى مفهوم واضح ومؤكد لمعنى الشراكة السياسية التوافقية والجامعة لأطرافه، وجوهر ذلك أنه لا يمكن أن تكون شريكا من جانب واحد تسمح لك بمشاركة الآخر في كل شيء وتحول دون شراكة معكوسة أو متبادلة، وفي هذا الصدد أيضا فإن الوجه الآخر من المسألة هذه تتجلى في الوقت ذاته، أن تقع عليك وحدك تَحمُّل أكلاف المرحلة كلها في سياق شراكة ارتجالية تتناسى الوثائق التي قامت عليها دون توصيف دقيق ومحدد لهويتك التمثيلية.

وبانعكاس ما ورد في أعلاه على الوضع السياسي في البلاد وآثاره السلبية عموما، تأتي تدخلات الوسطاء وفي ظل غياب وضوح طبيعة تلك الشراكة لديهم إلى البحث عن الحلول قصيرة المدى وأخرى تسكينية والاضطرار إلى اختيار المواقف الازدواجية للحفاظ على مسافة واحدة من أطراف المجلس، فيأخذون دورا رئيسيا بحكم الضرورة في ترتيب الحلول التي لاتصل إلى عمق المشكلة وتظل الأزمة مفتوحة أمام احتمالات عديدة أكثر مرارة.

ولعل البعد الثالث في هذه الأزمة هو المتعلق بتعثر ادامة استقرار المجلس الرئاسي في العاصمة عدن وهو أمر يتقاطع مع جملة إجراءات ذات طابع أمني وعسكري بحاجة إلى بناء الثقة مع المجلس الانتقالي والتشارك معه في وضع صيغة أمنية تتحدد خلالها الخطوات الإجرائية والضرورية لإلغاء النزوع نحو الهيمنة في هذا المجال باعتماد رؤية أمنية مهنية وتقنية بعيدا عن التسييس المتعمد توفر الطمأنينة للجميع. وماعدا ذلك سيتكرر في العاصمة المؤقتة ما جرى مع النسخة القديمة للتمثيلات العليا للشرعية مع النسخة الجديدة لها والمتمثلة في مجلس القيادة الرئاسي وعدم استقراره وبقائه في البلاد والخروج منها بين الفينة والأخرى والاضطرار إلى جعل العاصمة الوطنية في بلد مجاور ما يضعف المركز القانوني للشرعية وطنيا ودوليا.

- إن المطلوب اليوم إنجاز لائحة تنظيمية للمجلس تحدد المهام والمسؤوليات كما تنظم قواعد اللعبة السياسية التي تأخذ بالاعتبار أن هؤلاء الثمانية لا يمثلون مجرد موظفين بيروقراطيين كبار، بل أن كلا منهم يعبر عن درجة معينة في ميزان القوى السياسية والعسكرية الأمر الذي يجبر عند صياغة قواعد اللعبة السياسية في هذه اللائحة التمييز المنطقي والموضوعي للحجم والوزن والدور الذي يمثله كل طرف منهم خاصة على الصعيد السياسي في سياقات المرحلة الانتقالية الجارية على قاعدة الضوابط الحاكمة للديمقراطية السياسية التوافقية المنفتحة على استيعاب أطراف أخرى ذات أهمية عند الانخراط في عملية التسوية السياسية على طريق استعادة الدولة بوقف الحرب وتحقيق السلام في إطار المتطلبات الوطنية والسياسية بحسب مخرجات الحوار الوطني والقرار الدولي 2216 في شراكة الحل.

إن التهنئة مستحقة للشعب والمجد للثورة والخلود للشهداء.

الثلاثاء, 24 آب/أغسطس 2021 16:19

عن تعز مرة أخرى وليست أخيرة

 

نهضت تعز من بين ركام المأساة لتؤكد انها تملك القدرة على الدفاع عن مدنيتها وعن احلام الناس بالأمن والسلام ، رافضة للاغتيالات والفساد والفوضى والقتل وكل اشكال الموت الرابضة على صدرها ، قالت كلمتها الفصل على لسان حراك شعبي زاخم خرج ليعبر عن ماهية المدينة وقطيعتها الكاملة مع عدمية العنف والجريمة وتغييب الدولة ، ورفض سياسات الاستحواذ والهيمنة والسجون السرية والاختطافات والاخفاء القسري والاستقواء بأدوات الدولة للنهب والسطو وعسكرة الحياة المدنية وشل القضاء ، وكانت المطالب واضحة وغير قابلة للتسويف ، فتح جميع ملفات التصفيات والمقابر الجماعية والقبض على القتلة وتقديمهم للعدالة ، ورفع الحصانة والغطاء عن القيادات العسكرية الضالعة بجرائم القتل والإخفاء القسري، ووقف هيمنة الجيش على المؤسسات المدنية ، وإعادة تموضع الجيش خارج المناطق السكنية ، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية بقالب وطني.

 تعز التي أطاحت بأحلام الاستبداد في ٢٠١١ بثورة فبراير السلمية ومسيرة الحياة ، هي ذاتها (تعز) التي كانت جزء من المشروع الوطني الذي فجر ثورة سبتمبر واكتوبر وأطاح بالإمامة والاستعمار ، كما وهي اليوم من ضمن الفعل الوطني المقاوم لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة ، وهي ايضا بكل حضورها الكبير ، شكلت الوعاء المدني والثقافي والسياسي لكثير من الاحداث والتحولات ، ولم تتخلف في كل المحطات المصيرية عن الصمود في وجه كل البؤس الذي يراد منه إطفاء وهجها ، وخرجت من تضاعيف الجور اكثرا اصرارا على هزيمة اشكال الموت والفساد والفوضى وفلترة المسار الوطني من الشوائب والادران التي علقت في جسده في لحظة زمنية غادرة ، ولا تزال الحالمة تتصدر الفعل الثوري انتصارا لقيم الدولة المدنية الحديثة والمواطنة والعدالة الاجتماعية والنظام والقانون ، ولم يزدها الحصار المفروض عليها اليوم سوى جسارة المقاومة الى اخر رمق عن القيم التي تحترم الإنسان وتحفظ كرامته ، ولم يلهمها الدمار سوى بدء جولة اخرى من اجل البناء والحياة ، ولذلك لن تجد المليشيات المسلحة مكانا لها في تعز الا بالطريقة التي تمارس اليوم من تنكيل وتعسفات ولصوصية وجبايات وعلى ضفتيها ، تلك التي تجثم عليها براثن مليشيات الحوثي او تلك التي تجثم عليها مليشيات مسلحة تستقوي بمؤسسات الجيش والامن وتحتمي بالحرب والتمزيق الكارثي، وكليهما على السواء خصمان لدودين لماهية المدينة ، لثقلها الثقافي الوازن ولمدنيتها المتجذرة في اعماق التاريخ.

ان ما يحدث في تعز الشرعية من جرائم قتل وسحل وتصفية واغتيالات وارهاب واقتحام منازل وبسط على الاراضي بقوة السلاح لهو امر مخجل ومعيب ، وان الصمت حياله لهو كارثة بكل المقاييس خاصة وهو  يحدث ممن يفترض بهم توفير الحماية وتقديم الامان وتحقيق الامن ، وهو بهذه الصورة القاتمة انما يشير الى ضرب مشروع استعادة الدولة في صميمه ، طالما وقد اصبح العنوان بهذه الدموية وصارت الادوات التي يفترض بها تقديم النموذج الايجابي اسوأ الف مرة في ممارساتها من افعال قطاع الطرق وغاراتهم في زمن الجاهلية ، لا يقيمون وزنا لأي قيم ولا يراعون امرأة أو طفل ولا  يكترثون لحرمة المنازل ولا يحترمون حياة الانسان وحرمة سفك دمه ، وما تحدثه تداعيات تلك التشوهات الخطيرة على السلم المجتمعي وانفراط عقد الولاء للمشروع الوطني في محافظة هي الاكبر سكانا والاكثر تمدنا والاكثر تضحية في مسار الثورة والجمهورية.

لقد وصلت الحالة في تعز إلى الدرجة التي لم تعد مقبولة مطلقا واضحت ممارسات مليشيات الفيد المسلحة هي الفعل الأكثر حدوثا ، فهم السلطة وهم الأمن وهم المؤسسات وهم الحاكمين لكل التراجيديا التي أحالت تعز إلى كومة من الأنين والوجع ، المدينة التي فقدت الشعور بالامان وفقدت الإحساس بالحياة بعد أن صيرتها تلك العصابات إلى غابة موحشة يفترس بها القوي الضعيف وأمام مسمع ومرأى كل اجهزة الجيش والأمن والسلطة المحلية التي افرغت بفعل هيمنة القوة من كل مهامها وغدت مجرد مسميات باهتة تتخندق ورائها مليشيات السطو والقتل.

ان الأحداث الدامية التي شهدتها وتشهدها تعز لهي وصمة عار سوداء في جبين الممسكين بخيوط اللعبة القذرة التي تمارس هناك ، وفي جبين الشرعية التي لم تستطع ايقاف توحش ادواتها ، وفي جبين كل المؤسسات الرسمية التي تقف موقف المتفرج على كل المآسي التي تعانيها تعز وابناءها ، ولعل اثخنها جرحا واكبرها توحشا جريمة إبادة أسرة وحرق منزلها واختطاف أطفالها وترويع نساءها واحتجاز وتصفية جرحاها ومن قبل عصابات تستخدم اطقم وسلاح وأفراد الجيش والأمن ، في صورة مسيئة لهاتين المؤسستين وكل من ينتسب لهما ، وكيفية استغلالهما بكل مقت للتدمير والنهب والقتل بدلا من القيام بمهامها في تحرير المحافظة ومواجهة مليشيات الحوثي.

لقد آن الاوآن بضرورة الوقوف على كل الاختلالات التي تنهش مؤسستي الجيش والأمن والعمل الفوري على إقالة القيادات العسكرية والأمنية الخائبة واحالتهم إلى القضاء جراء الغطاء المستمر الذي يمنحونه لمرتكبي الجرائم والفضائع ، كما وتقديم المطلوبين امنيا لينالوا جزائهم الرادع ، وأنه لم يعد من الاخلاقي الصمت أكثر على كل هذا العبث الذي يحدث لتعز وابناءها ، وعلى كل الثارات التي بلغت اوجها ، مع مدنيتها ومشروعها النهضوي الثقافي والمدني ومع سلامها واستقرارها ، وهي ثارات قبيحة قادمة من بين أضابير التاريخ ، وتلك الخصومة الفجة ، خصومة التفكير والتقدير لشكل الحياة ولحضرية المدن ولمعنى السلام.

كل التحايا للمسيرة الحاشدة التي خرجت من بين الحطام لتقول للقاصي والداني أن تعز كانت وستظل مشعلا ينير الطريق بالأمل الكبير الذي يختزنه ابناؤها ومعهم كل اليمنيين بوطن آمن سعيد ، والتحية للحركة المدنية الشعبية " يكفي " على تبنيها هذا الفعل المدني المشروع ووقوفها في طليعة الحشد الجماهيري الذي أثبت أن تعز لا تزال نابضة بقيمها الأصيلة وبأنها رقم صعب لا يمكن لأدوات العنف والتخلف والظلام شطبها من المعادلة..

 

تعيش العاصمة عدن وضعا غير مسبوق من تردي الخدمات لم تعرفه في كل مراحلها ، وتعيش حالة لم تعد خافية على احد من جائحة البسط على اراضيها ومتنفساتها وسواحلها ومنشأتها ومعالمها التاريخية  وعلى كل المستويات الخدمية والامنية والاقتصادية ، وحتى اللحظة لا تزال تقبع في اتون اوضاع ومآسي الحرب رغم مرور ست سنوات على تحريرها ، ويكابد ابناءها جحيم متعدد من الألم والمعاناة وشظف العيش بطريقة لم يعهدوها ولم تخطر لهم على بال ، ولا تزال تعيش مفارقات كبرى من سوء خدمات الكهرباء والمياه والنظافة بعد ان كبلت انتصاراتها موجات الظلام والحر ، وغرقت شوارعها بالمجاري والقذارة ، وأضحت تفتقر الى ابسط مقومات ما يؤهلها لأن تكون فعليا عاصمة الدولة المؤقتة والمدينة التي اعلن عن تحريرها منذ ست سنوات مضت.

لقد عقد الناس امالا عريضة على اتفاق الرياض وما حمله من مؤشرات انقاذية في تحقيق الامن والاستقرار والتنمية وتحسين الخدمات لعدن وبقية المحافظات المحررة ، وفتح الباب واسعا لانقلاب الاوضاع الكارثية التي اثقلت كاهل المواطن نحو الافضل ، غير ان الاتفاق بكل أسف وحتى الان لم يحقق هدفه ولم يسعى المعنيون به بإي مسئولية سياسية وقانونية وادبية بالخطوات العملية الضرورية بحسب الاولويات الملحة لتيسير الظروف برفع معاناة الناس والإمعان بإهمال مدينة بكل تفاصيلها وتأريخها وجمالها ، ولا زال الاتفاق يراوح مكانه في حين ان جميع اطرافه لا يأبهون للعذابات المريرة التي يتجرعها الناس صباحا ويضمدون على جراحاتهم مساء.

لماذا عدن ياترى تحصد البؤس عند نقطة تقاطعات الصراعات السياسية الداخلية الانانية ، ولماذا تدفع ثمن الجفوة بين الشركاء الاقليميين ، ولماذا غدت ساحة للصراع والاختطافات المتبادلة والتفجيرات والفوضى والارهاب والاوبئة وتصفية الحسابات .؟

هذه العدن التي كانت موئلا للتعايش والثقافة والسلام ، وقبلة يؤمها الادباء والمثقفين والسياسيين والهاربين من الظلم والباحثين عن الحرية والتي نقشت على فسيفسائها لوحة انسانية بهية الحضور في مسارات الفعل التطوري الحضاري ، وكانت درة المدن بموروثها الثقافي واشعاعها كمدينة قطعت صلتها منذ ازمان بعيدة بكل ما يمت الى التخلف ومظاهره بصلة ، ونفضت من على حلتها اتربة التاريخ وشكلت ظاهرة فريدة من الوعي القيمي الانساني ، فلماذا تعاقب اليوم بدلا من ان تكافأ ، ولماذا يصر جميع المتصارعين على خنقها بكل الوسائل وبمختلف الطرق .؟، وغدت جوهرة بيد فحام ، فأي فحام هو؟!

لقد اخفق اتفاق الرياض في اهم المواضيع التي يجب ان يحقق بها عديد نجاحات ، وتسربت الحكومة من بنوده لتذوب كفص ملح ، ولم يكن هناك مايستوجب ذكره من دعم يساعدها على النهوض بالاوضاع الاقتصادية والخدمية والامنية ، وتركت في العراء مجردة من اي وسيلة تجابه بها التحديات القائمة ، تخبط عشوائي وتكتيكات وفشل ذريع في تقديم النموذج الجاذب في عدن والمناطق المحررة الذي كان يفترض ان يوازي دعم المعركة ، ذلك ان المعركة لاتتجزأ سواء في جبهات المواجهة او في جبهات الخدمات ، ودمرت الحرب طيلة الست السنوات النظام المؤسسي والاداري والقانوني وحل امراء الحرب بديلا عن الدولة ، ولم يأبه اطراف الحرب الا لمصالحهم السياسية والاقتصادية ، وحصدت عدن ازاء كل ذلك الاهمال المتعمد ضريبة عالية دفعتها بكل اسى من تنميتها وامنها واستقرارها.

لقد واجهت الحكومة تحديات كبيرة منذ ان تم استهدافها حال وصولها إلى عدن بعمل ارهابي جبان تعاطت معه برباطة جأش ، واستنفدت كل المتاح في تعاطيها مع الاوضاع القائمة ، وفي الوقت الذي تمتنع به المحافظات ذات الموارد الكبيرة من التوريد الى البنك المركزي الذي يشهد تعثرا كبيرا في تحقيق التزامه الكامل بصرف كل نفقات الدولة، وفي مقدمتها المرتبات نتيجة عدم توفر السيولة الكافية من موارد الدولة ، بسبب عجز أجهزة الحكومة عن تفعيل إجراءات تحصيل إيراداتها السيادية، وامتناع كثير من مؤسسات الدولة العميقة في مختلف المحافظات عن توريد متحصلاتها إلى حساب الحكومة العامة لدى البنك المركزي ، في ذات الوقت الذي يتعرض البنك لضغوطات نافذين في وزارتين كبيرتين ارغامه على دفع مرتبات منتسبيها وموازنتها التشغيلية دون اي غطاء مالي ، فيما تتم كثير من النفقات من ايرادات عدن التي تترك هي بلا ادنى خدمات.

 انه يتحتم على الاشقاء ضرورة دعم الحكومة ، الدعم الذي ينطلق من مفهوم جيو سياسي واستراتيجي لاتفاق الرياض وإبعاد هذا الاتفاق في مساعي تنفيذه عن الأساليب التكنوقراطية التي تركز على الأبعاد التقنية وحسب وتجنب قذف الاتفاق في أحضان البيروقراطيين الذين يميتون كل شئ بعد وضعه في ملف مكتبي ليدخل في النسيان ، وانه للغز عجيب أن تقرر منحة نفطية لكهرباء المدينة ولا تصل ابدا إلى ميناء عدن ، حتى اصبحت مجالا للتندر وانقلبت الصورة عنها في مخيلة الشعب ، إذ أصبحت تعبيرا عن كارثة في لحظة إنقاذ ضرورية ، وقيل عنها أنها ثالثة ثلاثه من أشهر السفن في التاريخ الإنساني إلى جانب سفينة نوح وسفينة التايتانك!.

ستنهض عدن لا محالة وتلك طبيعة المدن العظيمة التي تنهض من بين الركام ، سيكون ميراثها الثقافي والحضاري والمدني كفيل بتغيير وجهها القاتم وغسل غبار الزمن الذي علق باشراقها وبهائها فتلك عدالة النهايات الكبرى التي يفرزها التاريخ.

الخميس, 22 نيسان/أبريل 2021 23:06

إستقلالية القضاء

 

في الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر من مجلس القضاء الأعلى ان ينتصر للقانون بحكم مكانته السامية في منظومة الدولة السيادية والدستورية والقانونية ومسؤليته في الدفاع عن الدستور ، يتفاجئ الجميع بصدور قرار رئيس مجلس القضاء الاعلى بإجازة قرار رئيس الجمهورية القاضي بتعيين نائبا عاما للجمهورية، والمخالف للدستور والقانون، والمتحفظ عليه من قبل قوى سياسية في منظومة الشرعية ومن المجلس الانتقالي الجنوبي احد اطراف اتفاق الرياض، والذين اجمعوا على عدم قانونية القرار واعلنوا رفضهم له ودعوا الى التراجع عنه ، حفاظا على وحدة الصف وعدم تجاوز القانون وبطلان القرار بدليل قرار اجازته من مجلس القضاء الذي يعد ايضا مخالفا وفق مسوغات قانون السلطة القضائية الذي لا يجيز تعيين نائبا عاما من خارج القضاء، ليغدو قرار التعيين وقرار اجازته احمالا ثقيلة على القضاء واستقلاليته مما يستوجب وبقوة القانون التراجع عن المضي بهما.

انه ليس من المنطقي ان يدخل القضاء كسلطة لها الاستقلالية ليتحول الى معول هدم لأساسيات وجوده كأداة قائمة على الدستور والقانون وفي مواضيع ليست لها اي اسانيد قانونية، بل تعد ضربا للقانون وافراغه من معناه ونفوذه ، القضاء الذي يعول عليه في اقامة العدل، يحتكم اليه ويتقاضى في مهابته كل ذي مظلمة وسائر تكوينات الدولة، بصفته الاعتبارية الحافظة للحقوق وكميزان فاصل في مختلف القضايا محل النزاع والتقاضي وبصورة تحفظ له مكانته وتقدير الناس وثقتهم، والذي يفترض به الحياد التام كوعاء يحفظ القانون وينتصر له، ولا ينبغي ان يكون اول المخالفين تبعا لأي ضغوطات او املاءات مهما كانت درجتها ، ومن اي جهة كانت.

ان قرار رئيس مجلس القضاء الأعلى رقم (4 ) لسنة 2021م بإجازة قرار رئيس الجمهورية رقم (4) لسنة 2021م بتعيين/ أحمد أحمد المساوى نائباً عاماً للجمهورية هو عمل غير قانوني ويقوم على مخالفة الدستور وقانون السلطة القضائية، وهذه المخالفات يفصح عنها القرار ذاته، حيث يعترف أن الحق في إختيار النائب العام، هو حق حصري لمجلس القضاء الأعلى وليس من حق اي جهة كانت التعدى على صلاحية المجلس الدستورية، كما أنه ليس من حق مجلس القضاء أن يعطل الدستور ويتنازل عن سلطة دستورية مكفولة له ، علاوة على أن القرار نفسه مطعون عليه أمام القضاء وصدر قرار من المحكمة الادارية بإيقاف سريانه، وأكد  مجلس القضاء ذاته في اجتماع سابق «إحترام قرار المحكمة الإدارية الصادر بتاريخ 2/2/2021 وإنتظار الحكم النهائي في الدعوة المرفوعة أمام القضاء»، لكنه وللاسف تجاهل قراره السابق وذهب إلى تقويض الدستور والقانون بحجة مبرر الظروف الإستثنائية، وهو مبرر غريب أن يصدر من مجلس ينتمي إلى السلطة القضائية، إذ أن مواجهة الظروف الإستثنائية لا تتم بمخالفة الدستور والقانون وإنما بإجراءات قانونية إستثنائية كإصدار إعلان دستوري يعلق الدستور أو جزء منه وأحكام القوانين ذات العلاقة، ومن غير المفهوم ماهي الظروف القاهرة التي استدعت انتهاك الأحكام الدستورية والقانونية الصريحة وتعطيل حكم الدستور والقانون النافذ.

"ان أهم معيار لإستقلال القضاء وفقاً لأحكام الدستور اليمني، أن تتولى المحاكم وظيفتها القضائية في تحقيق العدالة وحماية حكم القانون دون أية قيود أو تأثيرات أو تدخلات في عملها وعدم المساس في ولايتها، ولا يجوز التدخل في الإجراءات القضائية ولا تخضع قرارات القضاء لإعادة النظر من سلطة أخرى ، كما حظر الدستور التدخل في القضايا المنظورة أمام القضاء أو في أي شأن من شؤون العدالة وإعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم – المادة 147 من الدستور".

تعد استقلالية القضاء بمثابة العقيدة القائلة بأن القرارات القضائية يجب أن تكون حيادية وغير خاضعة لنفوذ الفروع الأخرى للحكومة (التنفيذية والتشريعية) أو لنفوذ المصالح الخاصة أو السياسية، وبعبارة أخرى ما يسمى بفصل السلطات، حيث انه لا يمكن الحديث عن دولة القانون دون وجود ضمانات قانونية لذلك، ولا يمكن إقامة الحقوق في الدولة في غياب هيئة دفاع عن تلك الحقوق، ويعتبر القضاء حسب الوظيفة الملقاة على عاتقه أضمن آلية لإقامة الحقوق، كما أنه من أهم الضمانات لقيام دولة القانون.

"ان في تعيين نائبا عاما من غير أعضاء السلطة القضائية مخالفة للمصلحة العامة التي هي غاية كل قرار إداري ، مما يجعل القرار معيبا من حيث الغاية، كما انه مخالفا للقانون بنص المادة 60، وان الحكمة الدستورية من اشتراط اقتراح رئيس المجلس نائبا عاما وموافقة مجلس القضاء الأعلى هي كضمانة مكفولة لحسن الاختيار للشخص المعين في هذا المنصب، وحسن الاختيار مرجعا لمجلس القضاء الأعلى باعتباره الهيئة الإدارية المعنية بشئون أعضاء السلطة القضائية، أي أن مضمون موافقة المجلس أن ذلك الشخص الذي وافق عليه المجلس هو من يحق تعيينه ولا يجوز تعيين غيره وإلا لما كان هناك حاجة لموافقة المجلس، الأمر الذي يجعل الموافقة اللاحقة والعدم سواء.

لعل قرارات مخالفة مثل تلك وما تقدحه من شرر يعمق مساحة الحرائق ويشكل خطرا على التوافقات التي توهجت بتنفيذ اتفاق الرياض وافضت الى تشكيل حكومة الشراكة السياسية التوافقية، كما انها تثبط العزائم المرجوة والتطلعات العريضة في تثبيت الامن والاستقرار وتحسين مستوى الخدمات التي اثقلت كواهل الناس، كما وتشير الى تعطيل روح التوافق الوطني بما يقود الى تململات الصف الوطني الداعم للشرعية في الوقت الذي يحتم توحيد كل الجهود والطاقات لاستعادة الدولة وانهاء الانقلاب، واحلال السلام الشامل والدائم.

ان تمسك الناس بالشرعية رغم كل المساوئ والاخطاء والعثرات والفساد لكونها الخيار المتاح المعبر عن الدولة، وفيما اذا بلغت التجاوزات حد المساس بالقوانين وما تحدثه من تبعات  فإن خيارات الناس قد تتغير لا محالة، وان المعركة ضد الحوثي خليق بها عدم ممارسة ما يؤدي الى تصدع جدار القوى المناهضة للانقلاب ، وان الاصرار على صناعة الازمات بقرارات احادية خارج سياق التوافق والقانون سيقود بالضرورة الى تآكل الفعل المقاوم وشرذمة اطرافه، وان السلطة الشرعية بتلك القرارات المخالفة انما تساهم بفعالية في تقويض ما تبقى لها من سلطة القانون ، وسلطة معنوية سياسية، هي قوتها الوحيدة امام التمرد على الدستور والقانون والانقلاب على الدولة ومؤسساتها.

 

 

يستحق الإدانة وبشدة، بل ولعنة التاريخ  كل من سعى أو يسعى الى اجترار الفتاوي وأوهام اعادة شبح حرب ٩٤ سيئة الصيت التي احدثت شرخا فادحا في المسار الوطني واجهضت حلم اقامة الدولة وانقلبت على الشراكة والوحدة وكانت فاتحة لحروب عديدة ادخلت البلد في مجاهيل الصراعات وما رافق ذلك الانتصار الاجوف من اعمال نهب وفيد لمؤسسات الدولة واراضيها واحتكار الوظيفة وتسريح الاف الكوادر العسكرية و الامنية والمدنية بالإحالة الى التقاعد القسري دون اي  مرتبات او حقوق، ستون الف مبعد كانوا يخدمون في جهاز الدولة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية علما انهم من مختلف انحاء الوطن من الشمال ومن الجنوب ، ولم تتخذ اي معالجات بشأنهم حتى اللحظة كملف مثقل بالألم والحرمان والإقصاء  بحسابات سياسية ضيقة لأطراف استهوت عملية اجهاض كل ما يقود الى وضع اي حلول من شانها تضميد جراحات وعواقب تلك الحرب التي افرزت واقعا مغايرا افضى الى تبديد عرى وحلقات وجسور المحبة والالفة والسلام..

لقد ظل الحزب الاشتراكي ولا يزال في قلب القضية الجنوبية مدافعا شديد الصلابة عن احقيتها في نيل استحقاقاتها وبما يتماهى مع نبلها وعدالتها ، وفي اكثر من موقف ومكان سجل حزبنا اسبقيته في الدعوة المبكرة لحل القضية الجنوبية حلا عادلا وبما يرتضيه الشعب وتقرره ارادته السياسية ، طرحنا ذلك في مؤتمر الحوار الوطني واكدنا عليه في مقررات المجلس الحزبي (الكونفرنس) المنعقد في صنعاء نهاية العام ٢٠١٤ ،  ومنذ ارهاصات الحراك السلمي الجنوبي الاولى كان الاشتراكي حاضرا بأعضائه وقياداته في مقدمة المسيرات والمظاهرات ومن وسط مقراته في عدن ولحج والضالع وحضرموت وشبوه وأبين والمهرة وكل الجنوب تم تدشين حركة الاحتجاجات السلمية ، ذلك كان موقفا ومبدأ ولا يجحده الا اولئك الطفيليين الذين امتهنوا التكسب امام عتبة كل سلطة وحاكم ولديهم ثارات يسعون الى تصفيتها مع الحزب الاشتراكي اليمني، بل ويحورون ما يصدر عن هيئاته بطريقة سمجة كفهم مغلوط لدفع الاخرين الى مواقف تصادمية، ويضيقون عليهم دوائر التحالفات ويسعون الى عزلهم كليا عن المحيط الصديق بغية اضعافهم في مساحة تعج بالخصوم الالداء، وهنا لابد لنا من القول بكل وضوح ان مواقفنا لا يتم اتخاذها تزلفا او من باب الخفة ولكنها مواقف تنم عن حرص كبير على القضية الجنوبية وعلى القوى التي تناضل من اجلها، ولقد اعتبرنا واكدنا مرارا ان المجلس الانتقالي الجنوبي هو ثمرة نضال وطني سلمي ووجود سياسي هام للقضية الجنوبية ، وعلى سبيل الذكر للتاريخ فقد رفض حزبنا تقسيم الجنوب بأي شكل من الاشكال ادراكا منا ان تقسيم الجنوب هو مكيدة سياسية للقضية الجنوبية ستعمل على افراغها من معناها وستفقدها مشروعيتها واهدافها على اعتبار ان للجنوب قضية عادلة ويجب حلها  على أساس تسوية وطنية سياسية شاملة تجسد ضمن معطياتها ارادة الشعب في الجنوب الذي يملك الحق في تحديد مكانته السياسية وتقرير مصيره ، كما ان الثورة الشبابية الشعبية كانت أول من اعترف بالقضية الجنوبية في ظل تعنت سلطة 7/7 حيال ذلك.

ان اجهاد ذاكرة اليمنيين بمعارك جانبية بهدف نسيان الاسباب التي اغرقت بلدهم في هذه الحرب الكارثية وعصفت بالجهد الوطني الذي كان يبحث عن مخرج من الازمات التي اثقلت البلد بالصراعات وانظمة الغلبة، المعارك الجانبية التي تخاض في غير ميدانها الحقيقي ولن تفضي الا الى تهشيم جسد القوى المناهضة للحوثيين، ولن تؤدي الا الى هزائم اصحابها وهزائم الوطن، وان استحضار رنين الشعارات الجوفاء وداعي النكف القبلي من قبل من ترزح مناطقهم تحت طائلة الانقلابيين واستخدام كل وسيلة وتطويعها وتوظيفها للتحشيد، كل ذلك لم يعد له اذان صاغية الا تلك التي اصابها صمم او عليها وقرا، وان اعتساف ارادة الشعب او الحديث عن المقدسات والثوابت والتستر وراءها لغزو الجنوب والهيمنة على ثرواته وابناءه، بات امرا سمجا وغير مقبول، وان القوى التي تستحضر آلية وخطاب ودوافع حرب صيف ٩٤ عليها ان تتذكر ان  مآسي والآم تلك الحرب القذرة ما تزال شاهد عيان على الهمجية التي اطاحت بأحلام اليمنيين وانتجت انفصال النفوس قبل انفصال الارض وأحدثت جرحا غائرا في صميم النسيج الاجتماعي بالضم والالحاق والاقصاء وكل الاجراءات والاساليب التي كرستها نشوة المنتصرين على مدى ربع قرن من الزمان، ولقد افرزت وحدة القوة المعمدة بالدم الجيل الذي يتصدر اليوم جبهات القتال للدفاع عن الجنوب ، ضد كل من تراودهم احلام العودة للهيمنة والاستئثار بمختلف تعابيرهم الايدلوجية المغرقة في وعي الذات على قاعدة الاصل والفرع او العنصر والعرق النقي ، وتحت دواعي لا علاقة لها بالحفاظ على الوطن ووحدته وامنه واستقراره بقدر ما لها علاقة بمصالح الادوات التي ظلت سادرة في استنزاف ايرادات وموارد الجنوب..

ان العاصمة عدن تعيش اليوم وضعا مأساويا جراء انتشار وتفشي الأوبئة وتودع كل يوم كوكبة من ابناءها في ظل انعدام البنية التحتية والوضع الصحي الهش الذي يفتقر الى بدائيات الوسائل الصحية القادرة على مجابهة هذه الاوبئة التي تفتك بحياة المواطنين الذين يعانون من غياب الخدمات، وضع مزري على كل المستويات اقتصاديا واجتماعيا وصحيا، وعوضا عن اجتراح الصعاب لإنقاذ عدن وابناءها ، ذهبت الادوات المأزومة الى انتاج دورة صراع دامية بإشعال معركة تحرير المحرر وتحت عناوين بائسة، وسيكون من العار الحقيقي الصمت ازاء  إيقاف هذه الإبادة في مدينة عدن، وهي مدينة غارقة بالفعل في جميع أنواع عواقب الحرب الأهلية ومآسي الفقر، العار الذي سيصيب اولئك الذين يوظفون ويستغلون محن الناس وآلامهم وكوارثهم لتحقيق اهداف سياسية رخيصة، بل ويحشدون كل امكانات الدولة ليس لأجل انقاذ الناس من الاوبئة ولكن لأجل مزيدا من سفك دمائهم في مواجهات عبثية لن تؤول الى تحرير صنعاء وعودة الشرعية ولكنها ستؤدي الى اخفاقات فادحة وفشل مكرر في صلب المعركة الرئيسية التي يشرف عليها ويقودها التحالف العربي وستكون المحصلة النهائية ارهاق واضعاف واستنزاف معسكر الشرعية والقوى الداعمة لها في مقابل تقوية الطرف الاخر ونجاح القوى الاقليمية الداعمة له..

لقد اكدنا ودعونا وندعو ونؤكد مجددا ان خيار السلام الذي افضى اليه إتفاق الرياض هو الفرصة الذهبية لإحلال الامن والاستقرار والتنمية في عدن وبقية المحافظات المحررة، ومن الناحية الموضوعية والمنطقية سيكون الاتفاق ذاته الخطوة التي تسبق نحو وقف هذه الحرب التي اهلكت الشعب اليمني، والسعي الفعلي نحو تسوية سياسية وطنية منصفة لجميع اطرافها واستعادة الدولة واستحقاقات الجنوب من خلاله بذلك البعد السياسي الذي اضفاه علي القضية الجنوبية باعتبارها قضية سياسية بامتياز، وعلى ذلك فإننا في الحزب الاشتراكي اليمني نهيب بالمملكة العربية السعودية وطرفي الاتفاق سرعة التنفيذ الفوري لبنود اتفاق الرياض للخروج من ميادين المعارك الفارغة الى الفعل السياسي الذي يحقق السلام المستدام وليس السلام الهش الذي لا ينهي الحروب بقدر ما يمنح الاطراف المختلفة فرصة لتعبئة قواها لجولات اخرى من الصراع..

في مفارقة صارخة لا تنم سوى عن مزايدة سافرة وانعدام الحياء, حشد القدامى والمحدثون الذين قضوا على الوحدة للاحتفال بذكراها السادسة والعشرين التي وافقت يوم الأحد دون أن يتكلفوا الخجل أو سؤال أنفسهم عما أبقوا منها.

من السهل الضرب على وتر الوحدة في ظل رسوخ تفكير عامي يراها عقيدة أيديولوجية مدعمة بتأويلات دينية وهذا ما يكرسه الذين يدافعون عما أضافته الوحدة من طفرة خيالية إلى سلطاتهم وثرواتهم أما الوحدة بما تعنيه من مشروع نهضوي وديمقراطي فلم تتعرض للتدمير والتشويه مثلما تعرضت على أيدي هؤلاء.

لكن الحقيقة التي ستصمد وتفرض نفسها وسط تحشيد الحيل الشعبوية وتسويق الدعايات التضليلية واستخدام القوة لفرض الوحدة أو لفصمها هي أن الوحدة مشروع سياسي, يرتبط بقاؤه بما يترتب عليه من شراكة حقيقية غير منقوصة ومصالح متوازنة عادلة تمس أطرافه المتعاقدة عليه, فضلاً عن أن تنطوي فكرة هذا المشروع ابتداءً على تقدم الشعب وحريته.

كانت حرب صيف 1994 التي شنها نظام الرئيس المعزول علي عبدالله صالح, متحالفاً مع حلفاء عشائريين وأصوليين على الحزب الاشتراكي اليمني والجنوب حرباً للانقضاض على شركاء الوحدة والاستئثار بمقدرات دولتها فقضت على الوحدة نفسها من الوجدان الشعبي وطمست مشروعها لتحل مكانه مشروعاً نقيضاً وقزماً يغطي حاجات عائلة لا طموحات شعب.

وبينما كان الأمل معقوداً على المعالجات التي وضعها مؤتمر الحوار الوطني لضمان حل عادل للقضية الجنوبية وإعادة صياغة الوحدة على نحو يضمن الشراكة الحقيقية والندية والمصالح المتوازنة بين أطرافها, هرع حلف الحرب والحكم المركزي بعدما أضاف تنويعات على تركيبته إلى الحرب مجدداً للقضاء على تلك المعالجات التي رأى فيها خطراً يهدد تسلطه وسيادته وامتيازاته اللامعقولة.

وإذا كانت حرب 1994 قد قوضت مشروع الوحدة السياسي والديمقراطي ومزقت العلاقات الوطنية بين شمال البلاد وجنوبها فحرب 2015 التي غدرت بحلول القضية الجنوبية ومزقت الأواصر الأهلية, بددت الآمال في إصلاح ما دمرته الحرب الأولى. وهي في طريقها لإنتاج واقع وطني وسياسي شديد التعقيد, ولن يكون قرار رسمه ملكاً لأطراف اللعبة الداخليين.

فالحرب دليل دامغ من بين دلائل كثيرة على أن مركز الحكم والحرب الذي يغصب قرار الشعب منذ عقود طويلة لم يملك الأهلية يوماً لتمثيل مصالح الشعب وتقرير مصيرها بما في ذلك الوحدة بعدما تتبع جذورها ليقتلعها في 2015, مبرهناً على عجزه التام عن التطور والانفتاح على استحقاقات متجددة ومتراكمة.

في لحظات مشحونة بالعاطفة, يمكن لأي متخفف من المسؤولية السياسية أو موقع القرار أن يرى في كل بناء دمرته حرب 2015 في عدن طللاً من أطلال الوحدة ثم يتصرف بغضب, متلبساً روحية المنتقمين الموتورين, غير أن من دواعي الحنكة السياسية والانتماء الحضاري ألا تنجرف النخب السياسية والاجتماعية التي ناضلت طويلاً من أجل قضيتها العادلة إلى خانة من ناضلت ضد تسلطهم وضيق مشروعهم.

ولئن كان حلف الحكم والحرب المركزي قد أخفق إخفاقاً مخزياً في امتحان الوحدة والسلام الأهلي واستحقاقات أخرى لا حصر لها, فخليق بمن كافحوا للخلاص من مشروع هذا الحلف الرجعي المتسلط أن يؤسسوا مشروعاً متقدماً لا يشبه نقيضه في شيء, وألا تمثل قراراتهم رجع صدى أو رد فعل للويلات التي جلبها المشروع النقيض.

لمتابعة قناة الاشتراكي نت على التليجرام

اشترك بالضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

تلقى الحزب الاشتراكي اليمني استكمال تحرير عدن بغبطة بالغة. وهو إذ يحتفي باستخلاص هذه المدينة من قبضة قوى العنف والهيمنة ، يجدها مناسبة لإيضاح جملة من التفاعلات مع هذا الحدث المهم .

إن قيمة هذا الحدث الرمزية تنبع مما لعدن من رمزية مكانية صاغت هوية الحركة الوطنية اليمنية في القرن الماضي وما تشكله من مثال رائع للاندماج الاجتماعي والوطني ، لم تفلح أحداث مؤسفة كثيرة في تقويضه وينبغي أن يستمر في المستقبل.

 يأتي تحرير عدن متكاملا مع تحرير الضالع تعبيرا عن مغزى سياسي ووطني عميق . وبهذه المناسبة يطيب للحزب الاشتراكي اليمني أن يزجي تحية إكبارا وعرفان إلى المقاومة الوطنية الباسلة في عدن وتعز والضالع وباقي المناطق : هذه المقاومة التي تحتشد وراء نهوضها دلالات عدة ، تتجلى إحداها في عدم خضوع المواطنين في المناطق المختلفة لأي غزو استعلائي ، يطمع في حكمهم بالإخضاع مستعيرا صفحة بائسة من التاريخ اليمني تعود إلى ما قبل أكثر من نصف قرن .

وسواء  أجاءت  تلك الاحتشادات الدلالية محمولة على بندقية المقاومة الوطنية أو على مقاتلات التدخل الخارجي فالاستخلاص الجدير منها يحتم على جماعة أنصار الله وحلفائهم الانسحاب الفوري من كل المناطق التي توسعت فيها قواتهم ، على أن الانسحاب صار حتميا ،فإما أن يبادر إليه هؤلاء طوعا أو سيجري إجلاء وجودهم العسكري بالطريقة ذاتها كما حدث في الضالع  وعدن.

إن تعنت جماعة أنصار الله والدكتاتورية العسكرية الفردية الرثة متجسدة في علي صالح برفض الانسحاب من المناطق التي يسيطرون عليها بالقوة سيقود والى إراقة مزيد من الدماء وتعميم الدمار ، والأدهى من ذلك أنه سينزلق بالبلاد إلى انقسام بطابع طائفي تتأسس عليه انقسامات مجتمعية حادة يمكن أن تنفجر في صيغة حرب أهلية مريرة وطويلة الأمد.

فمع أن الحرب الدائرة منذ أشهر هي في احد اتجاهاتها التعبير العنيف عن صراع جيوسياسي إقليمي مع تقاطعات دولية محدودة غير أن دولا إقليمية نفخت في الطائفية ، مصورة الحرب بأنها سنية – شيعية ، كما أن قوى سياسية تقليدية ذهبت إلى المواجهة تحت شعارات طائفية في سياق رد الفعل منها مساوية لفعل جماعة أنصار الله وصالح.

الاشتراكي يجدد التحذير من حرف طبيعة الصراع بما هو صراع سياسي اجتماعي بين الإرادة الشعبية التي تجد مصلحتها في مخرجات الحوار الوطني ووثائقه الرئيسة وتنفيذ وثيقة الضمانات لتنفيذ تلك المخرجات والحل العادل للقضية الجنوبية والقضايا المتصلة بالعدالة الانتقالية ومسودة الدستور بعد تصويبها وبين أولئك الذين لا يجدون في هذه الوثائق مصلحة لهم.

ولقد اندلعت هذه الحرب ابتداء بين القوى المتصارعة على امتلاك السلطة واحتكارها فحسب ، لا على بناء الدولة ، ولذا نكرر الدعوة لأطراف الشرعية السياسية التوافقية ألموقعه على المبادرة الخليجية واّليتها التنفيذية والمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني إضافة إلى كل قوى المجتمع المحبة للسلام والاستقرار والوجاهات الاجتماعية والقبلية وقوى الحداثة والمرأة والشباب إلى السعي الحثيث نحو وقف الحرب ثم العودة إلى الحوار واستئناف العملية السياسية لبناء الدولة الاتحادية الديمقراطية ، وكذلك هي دعوة لجماعة أنصار الله إلى القبول بقرار مجلس الأمن رقم 2216 والالتزام بتنفيذ بنوده ودعوة لجميع الأطراف بمن فيهم جماعة أنصار الله إلى الالتزام باتفاق السلم والشراكة وملحقه الأمني . فعلى الرغم من ثقل الأسى وتوالي الخسارات الوطنية خلال أشهر الحرب المنصرمة ، إلا أن ألفرصه ما تزال قائمة لاختصار درب الآلام والاعتبار بدروس ما قد انقضى من هذه المحنة الأليمة .

من شان تنفيذ بنود قرار مجلس الأمن 2216 واتفاق السلم والشراكة وملحقه الأمني  أن يساعد في استعادة الدولة بسلطة سياسية شرعية واحدة وتشاركية، ويجنب البلاد خطر الانقسامات الوطنية التي تتجه بالدولة إلى وضع يتنازع إدارتها مركزان للحكم احدهما في صنعاء والأخر في عدن.

ولأجل كل ذلك ، يدعو الحزب الاشتراكي اليمني كل العقلاء في طرفي الحرب والأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية التي ألفت الشرعية السياسية التوافقية وقادة الرأي العام والنقابات والمنظمات المدنية وقوى الحداثة ورجال الأعمال والعمال والفلاحين إلى رفع الصوت عاليا بالمطالبة بوقف الحرب وبتداع الأنشطة المناهضة  لها والعمل على الانتظام في لقاء لتدارس مجمل القضايا المتصلة باستعادة الدولة وتجاوز اثأر الحرب الكارثية.

ولضمان التهيئة العملية لاستعادة الدولة ، يمكن مناقشة أفكار متعددة ، نقترح منها تحديد المعالم الأساسية وتعنى بالقضايا التالية كأولويات:
أ- معالجة أوضاع المؤسسات السيادية المنهارة وكذا المؤسسات الأمنية والعسكرية .
ب – ترتيب أوضاع السلطات المحلية .
ج – عودة مؤسسات الدولة والحكومة للإشراف على معالجة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد ألوطني ، إضافة إلى معالجة قضايا التربية والتعليم .
د – تنفيذ النقاط الإحدى والثلاثين الخاصة بالقضية الجنوبية طبقا لمخرجات الحوار الوطني الشامل وكذا النقاط الخاصة بقضية صعدة .
هـ - التهيئة لإجراء انتخابات رئاسية.

لقد استحضر الحزب الاشتراكي اليمني في وقت مبكر هذا الماّل المحزن الماثل للعيان اليوم ولذلك امتلك ريادة التحذير من مغبة السير في طريق الغلبة والإستقواء بقوة السلاح، فلم يبخل بالنصيحة حين تطلب الأمر إسداء النصح ولم يجبن عند المعارضة والرفض حين رأى ضرورة ذلك. وكان حزبنا ، القوة السياسية الأكثر وضوحا في رؤاه  ومواقفه منذ اندلاع شرارة العنف واستئناف الحروب الداخلية بعد2011 ولم يكن ليتعالى أمام جماعة لم تتخط  عتبة السياسة فلزم موقع الناقد الأمين لسياساتها لكنها للأسف غرقت في مسارا ملغوم بالعنف.

وإذا كان ذلك قد جلب تشكيكا ضاريا في مواقف حزبنا من قبل البعض فهي تكتسب اليوم وجاهتها ووضوحها بدءا من رفضه للانقلاب على الشرعية التوافقية والدستورية ورفضه للإعلان الدستوري في 6 من فبراير 2015 وكذا رفضه الانخراط في ترتيبات سياسية أحادية ، فضلا عن  تحذيراته من غزو الجنوب وتحذيره من اعتماد سياسات تكتيكية ملتوية لمواجهة السياسات الكفيلة بحل القضية الجنوبية. زيادة على ذلك ما تزال مبادرة الاشتراكي لوقف الحرب واستعادة العملية السياسية قيد التداول والنقاش بما تشتمل علية من حلول واّليات كفيلة بتحقيق الوفاق ووضع حد  للحرب.
 

الإثنين, 08 كانون1/ديسمبر 2014 19:41

يتحدثون عن المصالحة ويخططون للاغتيالات

 

لا يجيد سلطان البركاني عملا أكثر من دفاعه عن القتل وسفك الدماء . عندما يتعين عليه أن يقوم بهذه المهمة سيئة السمعة فإنه يستحضر كل ما لديه من فذلكة ليدافع عن القتل كوسيلة لإسكات الخصم ، لكنه وهو يتحدث في مثل هذه الحالات لا يظهر إلا كضالع في الجريمة ، لأنه يعرف عمن هو يدافع ، فتأتي عباراته مجردة من معانيها حيث لا مهمة له إلا أن يلعق دم الضحية لإخفاء الجريمة .

ما إن سمع اليوم البيان الذي أدلى به عضو مجلس النواب الدكتور محمد صالح القباطي في مجلس النواب حول المخطط الذي يدبره البعض لاغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي حتى هب هائجا كمن مسه شيطان القتل يحرضه على دفن الموضوع بالتضليل وإرباك الموقف ، وكأن المسألة مجرد ملهاة يمكن أن تنتهي بصراخه المحموم وتهديده المتسم بالغباء ليعيد الموضوع إلى 13 يناير وغير ذلك من محاولات التضليل وخلط الأوراق التي تعود عليها القتلة والضالعون في جرائم القتل .

بدا كما لو كان مجهزا بمثل هذا الرد التقليدي الذي تعودوا عليه في تضليل الحقيقة ،وذلك بدلا من أخذ الموضوع مأخذ الجد . هذه المرة عمل على أن يلعق الدم مسبقا  . مسكين سلطان كم هو حجم الدماء التي توجب عليه أن يلعقها مقابل كل هذا الهوس بالقتل .  

لم يكلف مجلس النواب ، بأغلبيته المؤتمرية ، أن يقول شيئاً مفيدا حول هذا الموضوع سوى أنهم صرخوا في وجه زميلهم الدكتور القباطي ، تماما كعصبة لا يعنيها مما قيل شيئا سوى تبرئة ساحة المتهمين.

ويأتي بيان المؤتمر الشعبي ليصب في نفس الاتجاه المحرض على القتل باستحضار أحداث تاريخية يبرر بها مخطط الإغتيال الذي كشف عنه مؤخرا  كما تعود على ذلك مرارا و بمثل تلك الصورة التي لا تبرئه من مؤامرات القتل والتخطيط لها . 

إن البؤس هو لدى من يخططون لاغتيال خصومهم السياسيين بوسائل الغدر التي أزهقت أرواح قوافل من السياسيين ويتحدثون بأصوات عالية عن المصالحة الوطنية في رحلات مكوكية من بروكسل إلى الصين إلى أمريكا إلى تعبئة مجلس النواب ومراكز الدراسات وندوات هنا وندوات هناك ولقاءات مع الأحزاب ومحاضر ومقابلات تلفزيونية ، هل المصالحة هي غطاء للاغتيالات والقتل التي يخططون لها؟. 

 

المحرر السياسي للاشتراكي نت

 

 

الاشتراكي نت/ المحرر السياسي

أثناء الأزمة السياسية التي نشأت بعد الوحدة ، وذلك خلال عامي 1993/ 1994، أخذ البعض ينظرون ويعدون للحرب ، فرفعوا شعارا تعبويا كريها يقول إن "الحروب تجدد المجتمعات وتوقظ الشعوب من سباتها" . وفي لقاء برئاسة الرئيس السابق مع عدد من السياسيين من أطراف مختلفة (وقد بلغت الأزمة ذروتها ) ، أخذ أحد جهابذة الشعار يردده في ذلك اللقاء على نحو أرعن ، حتى أن عددا من الحاضرين ممن كانوا يلوكون هذا الشعار في جلساتهم الخاصة ، بما في ذلك ، جلسات التعبئة التي تتم مع مناصريهم ، أخذوا يهمهمون محرجين من التصريح بتلك الطريقة الفجة . لكن تلك الفجاجة في الحقيقة كانت مدروسة بهدف تدشين إطلاق ذلك الشعار على نحو علني لتبرير مواصلة التعبئة لتلك الحرب الملعونة . بعدها بيوم ، وفي أحد المعسكرات القريبة من العاصمة ، كان أحد المحاضرين يفسر معنى هذا الشعار على أنه انتصار الحق على الباطل من منطلق أنه هو الحق وأن الباطل هو غيره . أما في بعض المساجد فقد ارتفعت الأصوات مرددة" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل .... الخ " .

قامت الحرب وأغرقت البلد في مأساتها ، ولم يتجدد المجتمع ، بل إن "المجددين" نهبوا البلاد وأذلوا العباد ، واستنزفوا ثروات الشعب بدلا من إيقاظه من سباته ، وبعد أن كانوا لصوصا يتنازعهم الخوف من تهمة اللصوصية ، صاروا بفعل الحرب والنصر لصوصا جبارين لا يهابون التهمة  . فالحرب منحتهم مشروعية النهب والعبث والفساد . كيف لا وهم الذين "ضحوا" من أجل الوطن وغامروا بإشعال الحرب لتجديد المجتمع . لم يكونوا في ذلك إستثناء ، فالحروب لها منطقها ولها أدواتها ولها معادلها السلوكي والأخلاقي . أما منطقها فيقول إن المنتصر لا بد أن ينعم بانتصاره على النحو الذي يشبع عنده الشعور بالتفوق ، وأما أدواتها ففوق القانون وأعراف وقيم المجتمع ، وأما السلوك والأخلاق المعادلة فتتشكل في قلب الحدث المثخن بالجراح وبسفك الدم والقتل والتدمير ، وهما قيمتان تمارسان أثناء الحروب وبعدها ارتجالا وبدون نوازع إنسانية ووفقا لما تمليه الإرادة الرديئة للمنتصر ، ومعها يصبح كل ما تطاله يد هذا المنتصر رديئا بالضرورة .

في الجنوب ، الذي استهدفته الحرب ، جرى التعامل مع الشعب كمهزوم ، وكثيرا ما حرص المنتصرون على أن يذكروه بحرب الشمال على الجنوب في أمريكا . استباح المنتصر حق الناس في العمل فمارس التجويع والتفتيش في الضمائر لإنهاك " الخصم" كما قالوا ، وانتزعوا الأراضي من الفلاحين وسلموها لمن حاربوا في صفهم من خصوم النظام السابق ، وفتحوا بذلك طريقا للثأر من المشروع الوطني الذي كان موضوع الخصومة مع أولئك الذين عبأتهم صنعاء للحرب وكافأتهم بتلك الصورة التي كانت أبرز عنوان للفساد السياسي ، وقام المنتصر بتدمير وتصفية المؤسسات الإنتاجية والاقتصادية وقذفت إلى الشارع عشرات الآلاف من العمال ، واستباح الأرض نهبا وتوزيعا كإكراميات للفاسدين والموالين والقتلة ، وقام بصورة ممنهجة بدعم خصوم المشروع الوطني وفتح بذلك باب العودة إلى مشروع "الجنوب العربي" كمرحلة أولى نحو العودة إلى الشرعيات القديمة للسلطنات والمشيخات ، وهيأ الأسباب لولوج البلاد رحلة التفكيك التي بدأت مع نهاية هذه الحرب .

وفي الشمال خاضت السلطة منذ نهاية تلك الحرب ستة حروب أخرى لم تجدد شيئا في المجتمع ، بل بعثت إلى السطح روائح الطائفية والعصبية البغيضة ، وأعادت إنتاجها بواسطة خطاب وفعل تعسفا الحاجة الموضوعية للاندماج الاجتماعي ، ولم توقظ تلك الحروب الشعب من سباته بل أدخلته في دهاليز التفتيش في أسباب وعوامل التفكيك والانقسام الاجتماعي ، وهي الحروب التي أشعلت بعد ذلك حروب الثارات والانتقام ، واستخدمت نفس عناصر الحشد التي سجلتها الحروب العدوانية السابقة كشواهد على رداءة كل هذه الحروب وبشاعة الأسباب التي ولدتها ، ولكن من موقع آخر .

كانت الثورة السلمية منذ عام 2007 حتى عام 2011 قد أعادت ، إلى حد كبير ، ترميم هذا الوضع المشوه الذي انتجته تلك الحروب ، واستعادت من ثم القيمة الفعلية للمشروع السياسي من خلال الحوار وإن بروح مثقلة بما تمخض عن الحروب من بروز قوى وأطراف تملك السلاح كخيار بديل للمشروع السياسي في الوقت المناسب . كنا نعتقد أننا ، باستعادة روح المشروع السياسي السلمي الديمقراطي ، قد وضعنا حاجزا قويا بين زمنين لكل منهما أدواته ، غير أن ما أثبتته الأيام نبهنا إلى حقيقة صادمة وهي أن الثابت في الحروب العبثية هو اعتمادها على مفاعلات الموروث الذي يتشكل على قاعدة مختلفة تماما عن الحروب الأخرى التي تقوم لأسباب سياسية مجردة عن تزكية الموروث الديني ذو المنحى الأيديولوجي وتنتهي آثارها بمجرد ما تتم التسوية السياسية على الأرض . تلك الحروب العبثية تقوم على تنازع الحق والباطل والخير والشر بين أطرافها ، وهو منطق مأفون بدوغما امتلاك الحقيقة ، وهو الذي أورث هذا البلد وغيره من بلاد العرب والمسلمين كل هذه الكوارث . وهو مترع بروابط أيديولوجية لا تغيب فيها المصالح العابرة للحدود ونوازع تصفية الحسابات في بلاد الغير حيث تتوفر شروط إنتاج الحامل الأيديولوجي أو المنفعي للقيام بهذه المهمة . والأيديولوجيات المسترخية فوق أكوام هذه المصالح المشوهة يكون من وظائفها الأولى طمس جوهر التسامح في الإسلام ، دين الجميع . وعندما تبرز تجليات هذا التسامح في الدعوة إلى الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن والأخذ بخيار  " تعالوا إلى كلمة سواء" فإن ذلك المنطق المأفون بروائح وغبار تلك الأيديولوجيات يتعرى أمام هذه الحقيقة الجوهرية للإسلام ككاهن شرقي دهن جسمه بالفوسفور ليخدع الناس بأنه ينير لهم درب الحقيقة .

لا يمكن أن نفصل ما يجري في بلدنا اليوم عن نتائج تلك الحروب العبثية وما ولدته من دوافع وأسباب وخبرات شيطانية في توظيف تلك الدوافع والأسباب لمواصلة السير في هذا الطريق الذي أنهك البلاد وخرب كل إمكانية لإصلاحه . لا يمكن أن تكون الحروب حلا مثلما أنها لم تكن كذلك في أي يوم من الأيام في تاريخ هذا البلد . الشعوب التي تناضل من أجل بناء مستقبلها لن يستطيع أحد أن يقنعها بأن الحرب طريق لبناء المستقبل ، لأن الحروب كانت دائما ما تصادر مستقبلها وتأخذ الجزء الأكبر من لقمة عيشها ومن كرامتها لتكافئ المنتصر .

اليوم لا يصطف تحت راية الحرب إلا المنتقمون بمعاولهم المعدة لهدم المعبد على الجميع ، أو النهابة الذين تراكمت في بطونهم نتانة ومخلفات الحروب . وإذا رأيت أحدا يدعو أو يعد أو يبرر للحروب فلن يكون إلا واحدا ممن ينتمون لهاتين الفصيلتين . وتستمد الحروب ، بسبب ذلك ، بشاعتها من بشاعة الأهداف التي يرمي هؤلاء إلى تحقيقها . جربنا الحروب وكانت النتيجة هي تأسيس المزيد من مراكز الخراب في المجتمع وفي قلب الدولة ، فلنجرب السلام فهو تراثنا القيمي المسكوت عنه " تحيتهم فيها سلام " .

حتى لا يبدو أن المنتقمين والنهابة قد قرروا السير بالبلد نحو الحرب فإنه لا بد من التوقف بمسئولية أمام ما قد حققه التفاوض من نتائج إيجابية حتى الآن لنقول جميعا وبصوت واحد نعم للمطالب المشروعة ونعم للعمل السلمي ولا للسلاح ولا لحصار صنعاء .

 

يعزى ضعف الذاكرة عند من أدمنوا الفساد والاستبداد كحكام إلى عامل أصيل ومتجذر في سلوك منحرف جعلهم يفقدون حاسة الألم تجاه ما ارتكبوه بحق شعوبهم من جرائم وآثام، وما صنعوه بأيديهم من مآسي وأشعلوه من حروب وشيدوه من بنيان للكراهية.

لا أسوأ من طغيان القوة عندما يمارسها أناس من موقع المسئولية وهم يتسكعون داخل تاريخ من الشذوذ النفسي أو الشعور بالنقص أو المهانة. يسجل التاريخ نماذج  للقوة التي تقع بأيدي هؤلاء لتنتهي الأوطان إلى خرائب، كالتي نراها اليوم في أكثر من بلد، كشاهد على فداحة الجرم الذي صنعه هؤلاء ببلدانهم.

من ثنايا وشقوق هذه الأبنية المشيدة من رماد الحروب والثارات والتعصب والتطرف والفساد يتناسل أمثال أولئك القتلة والسفاحون الذين ارتكبوا تلك الجريمة البشعة في حوطة حضرموت بحق الجنود الأربعة عشر وقتلهم غيلة وبوحشية يندى لها الجبين، ويشمئز منها أعتى القتلة وأشدهم إيغالا في الدم.

من أين استحضر أولئك السفاحون كل هذا السلوك الشاذ إذا لم يكن من نفس مدرسة الإرهاب المعجون بفساد الحكم وبتاريخه الطويل في رعاية ودعم التطرف وإنتاج أدواته في هيئة أفكار ودعوات تحريضية وجماعات معدة للقتل والترويع. لقد ظل يحضر هذه الأدوات ويجلبها من كل الأمصار ويستخدمها في معاركه وضد خصومه ويغسل ويلاقح فيما بينها في معامل خاصة ليصل في نهاية المطاف إلى هذه الطبعة التي جسدت على الواقع أردأ ما صنعته تلك الأيادي الآثمة التي صنعت الإرهاب ووظفته، وها هي وتواصل تخريب الوطن بجرائمه  المروعة.

وفي الوقت الذي اهتز فيه اليمن من أقصاه إلى أقصاه مدينا ومستنكرا هذه الجريمة البشعة في أروع موقف جسد تلاحما وطنيا نادرا لكل أبنائه في مواجهة الإرهاب مستشعرين خطره الداهم الذي عكسته هذه البشاعة وهذا السلوك المنحرف، نجد على الطرف النقيض من يحاول أن يختلق إطارا ذرائعيا مختلفا لهذه الجريمة ويبحث عن أغطية مزيفة لتبريرها بعيدا عن أسبابها ودوافعها الحقيقية، ويقحم فيها الوحدة والشمال والجنوب بصورة لم تخل من ذلك القبح الذي طالما ظل يحمي التطرف ويشجع الإرهاب ويبرر القتل وسفك الدماء.

لقد عودنا هؤلاء وفي مواطن مماثلة كثيرة أن يثيروا عواصف من الغبار كطاقية إخفاء للمعامل التي يجري فيها صناعة كل هذا الشر الذي يهدد البلاد والعباد بالخراب.

حاولوا أن يكسبوا هذه الجريمة الغادرة لونا غير لونها الرديء المغمس في أوحال سنوات من الغدر والاغتيالات، والملطخ بأوساخ المعامل التي جرى فيها توليد هذه الطبعة من الإرهاب حتى تضل الحقيقة طريقها كما كان شأنهم دائما في تضليلها.

وبدلا من البحث في كيفية مواجهة هذه الآفة المتربصة بمستقبل هذا البلد يواصل هؤلاء وبكل خفة الدفاع عن الأسباب المنتجة للإرهاب وتضليل الناس بتسويق أسباب سياسية لا صلة لها بهذه الآفة المستشرية وأسبابها الحقيقية.

وهم في هذا العمل يواصلون اللعبة القديمة بنفس الأدوات التي يعاد انتاجها معتمدين على خريف الذاكرة.

لم يستوعب هؤلاء الدرس.. منحتهم الحياة أكثر من فرصة لكنهم أوغلوا في الإنتقام من الحياة نفسها، مع أن للحياة منطقها الذي لا يقهر.