أ. محمد احمد سالم الشيباني

أ. محمد احمد سالم الشيباني

 

 

قرية "عرش" تقع في غرب بني شيبه

تطل عليها القاعدة اعلى قمة في جبل ظفار القمة التي تطل على كل بني شيبة تقريباً، بل مساحة واسعه من منطقة الشماتين، وعندما يكون الجو صحوا يمكن للمرء ان يستمتع برؤية أضواء السيارات الصاعدة والهابطة في عقبة باب عدن..

 وفي المدى الشمالي تشمخ قمم سمدان وفي الغرب قمة الصراهمة وجبال جردد..

"عرش" أول قرية في المنطقة تغرس أشجار المانجا وربما كانت اول شجرة مانجا في عرش غرسها الطهباش جد فقيدنا العزيز شامخة اغصانها تكاد تلامس السحاب. وكانت شجرة معمرة ولم تمت الا منذ وقت قريب وماتت واقفة.. وكذألك حفيدها د/احمد الشيباني الذي اتحد جسدا وروحا بتربة "عرش" وبقمم الجبال المحيطة بعرش والمنطقة وبأشجار المانجا الدائمة الاخضرار..

كان البرق يتلوى في ركام السحب والرعد يقصف في الأعالي والمطر ينهمر غزيرا مدرارا والسيول تركض في السواقي من أعلي الجبال تتدفق في الأودية متمشقرة الصخر وجذوع الأشجار تتدفق نحو الحقول المتموجة "بالغرب والدخن" المبارك

في هذه الساعات من أواخر عام 1948ولدد/احمد الشيباني "احمد محمد علي" في قرية عرش القرية التي انجبت د/سعيد الشيباني شاعر الفصيح وشاعر الأغنية الشعبية اليمنية الوطنية والعاطفية له العمر المديد المفعم بالصحة والابداع.. وفي هذه القرية ترعرع فقيدنا وبدأ تعليمه الابتدائي في مدرسة البريج. وفيها ردد الفقيد وزملائه لأول مرة بعد د/سعيد الشيباني نشيد:

موطني.. موطني...الجمال والجلال والبهاء في رباك.

كانت البذرة الأولى التي بذرها للوطنية وروح الثورة في وجدان وروح التلميذ ابن ال 6سنوات احمد الشيباني ولم ينساها واستمر يردها في السراء والضراء وكانت زاده الروحي والمعنوي على امتداد حياته النضالية.

في أواخر الخمسينات غادر القرية الى عدن برعاية عمه، وفي عدن واصل الدراسة في المدرسة الاهلية في التواهي وفي نفس الوقت كان يعمل في دكان أحد أقاربه لإعالة نفسه وتوفير متطلبات الدراسة.

في هذه الفترة كانت عدن تشهد كفاحا وطنيا تحرريا واسعا ومتنوعا، كانت تغلي بالمظاهرات والمسيرات والاضطرابات والاحتجاجات الجماهيرية المختلفة كما كان يجري جدل واسع في الصحافة العدنية حول الحقوق الوطنية، والهوية الوطنية والمشاريع الاستعمارية الجديدة والقديمة وحول كل شيء

وبعد قيام ثورة سبتمبر1962م بفترة قصيره انتقل من عدن الى الحديدة (1964) واستقر في الحديدة حيث عمل مدرسا في أحد المدارس الابتدائية ولاحقا ومن خلال تدرجة في سلم الوظيفة العامة شغل عدة وظائف ادارية، قيادية، منها مدير للمدرسة الفنية السوفيتية ومدير لمصنع اسمنت باجل السوفيتية عند انشاءه.

كان الفقيد من مؤسسي الحركة النقابية في الحديدة وعضوا نشطا في اللجنة المركزية لاتحاد عمال اليمن الذي تأسس عام1966برئاسة علي سيف مقبل وبمباركة الرئيس السلال.. وسياسيا كان عضوا قياديا في حركة القوميين العرب التي أسهمت من اللحظات الأولى لقيام ثورة سبتمبر في حشد وتنظيم وتحريك الجماهير الشعبية في الجنوب والشمال للدفاع عن الجمهورية الوليدة..

وفي مؤتمر الحزب الديمقراطي الثوري اليمني الذي انعقد في ابين في نوفمبر1972انتخب احمد الشيباني عضوا في اللجنة المركزية للحزب وبعد المؤتمر مباشرة أسندت الية قيادة منظمة الحزب في ذمار وقيادة منظمة جيش الشعب الثوري والى جانب الشهيد إسماعيل الكبسي الذي جرى اغتياله وهو في طريقه من ذمار الى منطقة الكبس (من قبل أجهزة المخابرات) ويعتبر الفقيد من مؤسسي حزب الوحدة الشعبية اليمني الذي تأسس عام1979 الحزب الذي توحد فيه خمس فصائل يساريه هي: الحزب الديمقراطي الثوري اليمني-حزب الطليعة الشعبية- حزب اتحاد الشعب الديمقراطي- حزب العمل اليمني-منظمة المقاومين الثورين.

وفي عام67_1968ابان حصار العاصمة صنعاء من قبل الامامين تشكلت المقاومة الشعبية في مختلف مناطق البلاد والمساندة القوات المسلحة والامن للدفاع عن النظام الجمهوري.

وفي الحديده أسهم الفقيد مع رفاقه من مختلف فصائل الحركة الوطنية في تشكيل وقيادة المقاومة الشعبية تحت شعار "الجمهورية أو الموت "الشعار الذي كان قد أطلقه في العاصمة فقيد الحركة الوطنية الديمقراطية الأستاذ عمر الجاوي.

وبعد70يومامن الحصار انتصرت الجمهورية وهزم الإماميون هزم مجلس الامامة..وقد هزم أيضا جنرال بريطانيا "دافيد اسماعيلي" اخر قائد للمرتزقة الأجانب في اليمن.

"ولم يبقى في الوادي الأحجار الطاهر وطار اللآز"

ولم تستطع احداث23_24أغسطس1968 في العاصمة ان تقلل من شأن الانتصار او تبهت بريقه واستمر الفنان علي الأنسي يجلجل في الجبال والاودية يشعل لهيب المقاومة المتوهج بنور الحكمة في كلمات مطهر الأرياني:

"يا قافلة عاد المراحل طوال"

"وعاد وجه الليل عابس"

"ويتغنى بأبناء الوطن البررة"

"فوق الجبل عند وكر النسر واقف بطل"

ولكن للأسف الشديد عكرت صنعاء نقاوة النصر بحملات القمع والاعتقالات التي طالت معظم القيادات، قيادات المقاومة الشعبية، وقيادات الوحدات العسكرية، والقيادات السياسية والنقابية (ومهاجمة مقرات الاتحاد العام العمال اليمن بعنف ونهب ممتلكاته في مدينة الحديدة وفي المدن الاخرى).

وكان احمد الشيباني في مقدمة الذين جرى اعتقالهم في الحديدة.. وسجن في القلعة بصنعاء (حوالي3سنوات دون محاكمة ودون ذنب)..

بعد اطلاق سراحه من سجن القلعة عاد الى عمله في شركة التجارة الخارجية.. الى ان أجهزة الامن في الحديده عاودت البحث عنه لاعتقاله من جديد.. لكنه استطاع التخلص من الاعتقال.. بعد ذلك كلف من قبل الحزب الديمقراطي الثوري اليمني بالانتقال الى تعز لتحمل مسؤولية المنظمة هناك.

وفي العام1974م اعتقل في تعز وهو في طريقه لقضاء اجازته في القرية.. وضل في السجن لأكثر من عامين.. وبعد اطلاق سراحه -رشح لمنحة دراسية في جمهورية تشيكسلوفاكيا.

واستمر في الدراسة حتى نال درجة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي.

عند عودته بعد الوحدة الى الوطن عين مدير عام السجل في وزارة الخدمة المدنية حتى وفاته عام2017م تاركا خلفه ذكرى عطرة وسجل نضالي حافل بالتضحيات ونكران الذات..

لك المجد والخلود فقيدنا الدكتور احمد محمد علي الشيباني

 

الاعبوس منطقة شامخة القمم.. انجبت كوكبة رائعة من القادة السياسيين والاداريين ورجال الاعمال والمبدعين اكثرهم سطوعا الكاتب القصصي والروائي الذي اضاء المكتبة اليمنية وعالم الثقافة بشكل عام ؛ بباقات من الاعمال الادبية الرائعة :- محمد عبدالولي ..

كما أنجبت صفا واسعا من المثقفين والكوادر العلمية والاكاديمية وفي مجالات الهندسية والطب والادارة والاقتصاد وفي المجال العسكري والأمني.

وابنائها العمال المهرة في مختلف المهن الفنية ينتشرون في مختلف مناطق البلاد ، ينتشرون للبناء والاعمار في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ولم ينتشروا للغزو والنهب والتهريب والفساد..

في هذه المنطقة المبدعة والبناءة تنفس الصبح واشرقت الشمس في حارات عن عبسي جديد :-

اسمه عبدالحفيظ علي جازم.

في آواخر1948م تقريبا ايقظت حارات عددا من القوارح ابتهاجا بولادة العبسي الجديد..

تشامخت القمم واخضرت الوديان وانهمر المطر غزيرا مدرارا على حارات وعلي جبال حيفان ووادي الغدير احتفالا بولادة (مارد) ومارد هو الاسم الكفاحي (الحركي) ل عبدالحفيظ.. وقد لازمه على امتداد حياته الكفاحية..

زمن "الطاسة" كانت ولادة فقيدنا في الزمن الامامي البائس زمن الجن والقطران والمسرجة الحجرية ، زمن الجدري والطاعون والمجاعات والعسكري البراني المسكين الذي يحفظ عن ظهر قلب جغرافية اليمن اكثر من الهمداني.

زمن "نعرة الحمير" "ومحي النعر"، زمن "المدومي" والسودي" زمن الظلمة والشعوذة والخرافة .. كان عبدالحفيظ مثله مثل معظم ابناء هذا الشعب يرفض انظمة الظلم والقهر الاستبداد والفساد سواء أتت بمسوح القاضي او ببدلة العسكري او بقرون الامامة ..

الشعب اليمني تواق الى الحرية الى التقدم الى الديمقراطية والمواطنة المتساوية الى النور والعلم والثقافة والابداع . من اجل ذلك كافح عبدالحفيظ على امتداد اكثر من نصف قرن من الزمان .. كافح كفاحا ممنهجا ، مبرمجا منظما لم يكن عشوائيا اوعفويا ..

كافح متحدا مع غيره من ابناء الوطن ولم يتوانى عن تطوير وتوسيع معارفه تنظيميا وفكرا وسياسيا واخلاقيا وكان على خلق جميل ..

في مطلع الستينيات اتخذ عبدالحفيظ علي جازم وهو في مقتبل العمر مع غيره من الشباب في اطار حركة القوميين العرب في مدينة تعز وكانت المهمة الرئيسية حينها هي الدفاع عن النظام الجمهوري وهزيمة نظام الحكم الامامي القائم على تسلط الفرد والعائلة والسلالة المذهبية المغلوطة الموظفة للسياسة..

كان عبدالحفيظ عضوا نشطآ في تنظيم حركة القوميين العرب في تعز وقد أسهم مع رفاقه في تنظيم وحشد الجماهير الشعبية في الدفاع عن ثورة 26سبتمبر 1962م والنظام الجمهوري ..

وفي مؤتمر الحزب الديمقراطي الثوري اليمني , الذي انعقد في محافظة أبين في نوفمبر 1972م انتخب عبدالحفيظ الى اللجنة المركزية للحزب.

وواصل نشاطه الحزبي في اطار منظمة الحزب في العاصمة وفي اطار اللجنة النقابية العليا التابعة لمنظمة الحزب في صنعاء .

وكان له دورا مهما الى جانب رفاقه في اعادة تنظيم الحركة النقابية بعد أن تعرضت لعمليات قمع واسعة من قبل اجهزة الحكم بعد أحداث اغسطس 1968م المشؤومة التي استهدفت الحزب والحركة النقابية والقيادات المدنية والعسكرية والامنية والمقاومة الشعبية والشخصيات الاجتماعية بسبب الدور الأساسي الذي اضطلعت به في الدفاع عن العاصمة وهزيمة جحافل الاماميين وفك حصار ال70 يوما الشهيرة.

كان عبدالحفيظ من مؤسسي المقاومة الشعبية أبان حصار صيف 1967-1968م واحد قادتها الأساسيين في مصنع الغزل والنسيج في العاصمة .

مصنع الغزل الذي كان يمثل هدفا اساسيا للإماميين حيث كانت خطتهم في اقتحام صنعاء مهاجمة المصنع أولآ واحتلاله والتمركز فيه ومن ثم الانطلاق منه الى اهداف أخرى عسكرية ومدنية. ولكن فشلت خطتهم بفضل صمود المقاومة والقوات المسلحة والأمن هزمت جحافل (الغزاة) الامامية وفي مقدمتهم دافيد إسمايلي اخر قائد للمرتزقة الأجانب في اليمن . وانتصر عبدالحفيظ ورفاقه وزملائه عمال وعاملات مصنع الغزل والنسيج ، ولكن وللأسف بعد هذا الانتصار فقد اتسعت اعمال القمع من قبل الحكام الجدد الذين تولوا الحكم بعد انقلاب 5نوفمبر1967م ضد قوى الانتصار المدنية والعسكرية ..

فقد امتلأ سجن القلعة بالقادة السياسيين في 1973-968م والعسكرين والنقابيين والمثقفين والقادة الإداريين في الجهاز المدني للدولة ومؤسسات القطاع العام وكانوا من مختلف مناطق اليمن ، وفي وقت لاحق جرى إغتيال بعضهم وكان في مقدمتهم ابطال الدفاع عن الجمهورية وكسر الحصار الامامي :"عبد الرقيب عبد الوهاب" والشيخ الشاعر والمقاتل احمد عبدربه العواضي ، والشيخ عبدالله القوسي ، ورميت جثثهم في ساحة ميدان التحرير في صنعاء ، وامتد القمع إلى ميدان الثقافة اتبع الحكام وحلفاءهم سياسية قمعية مسعورة ضد الثقافة الوطنية والقومية والإنسانية الحديثة والقديمة تحت شعار : "مكافحه الأفكار المستوردة" وبهذه الذريعة تعرض عبدالحفيظ علي جازم للاعتقال والتعذيب والضرب بسياط في (فيلا هادي الحشيشي) التي حولتها المخابرات العسكرية الى مكان لجلد المعتقلين في مارس _ابريل 1975م )..

كان فقيدنا حلو الشمائل شهم وكريم وامين نظيف اليد والعقل والضمير ، متمسكآ بكل القيم الإنسانية الايجابية ، محبوبا من كل من عرفه ..

وفي ميدان السياسة كان ديمقراطيآ حقيقيآ سواء في الحياة الحزبية الداخلية او في المجتمع كان ديمقراطيا في علاقاته مع الجميع يؤمن ايمانآ راسخآ بالعمل من أجل اشاعه الديمقراطية في الحياه السياسية والفكرية والثقافية وفي مختلف جوانب الحياة .

وكان يرى ان تسود مبادئ وقيم الديمقراطية في الحياه الداخلية لمختلف الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية وفي العلاقات الأحزاب وبالذات بين الأحزاب والتنظيمات السياسية لما لذلك من علاقه مباشره بالمجتمع وبمستقبل الوطن والشعب وبناء الدولة اليمنية الديمقراطيه الحديثة .. كان يرفض التعصب الحزبي والمناطقي والمذهبي والقبلي ويرى في القبيلة انها مكون اجتماعي طبيعي انجبته ظروف وقوانين تطور المجتمع البشري وكذا المكونات الاجتماعية والسياسية الأخرى .

كان يرفض التعصب سواء كان تعصبآ سياسيآ أو إجتماعيآ أو فكريآ وثقافيآ وكل الوان واشكال التعصب..

كان يرى في الحوار نهجا صحيحآ لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية وفي نفس الوقت كان يؤمن بحق الشعب في رفض الحكام المستبدين والفاسدين وحقة في انتخاب مؤسسات الحكم بالطرق الديمقراطية أي بواسطة الانتخابات الحرة النزيهة ويرفض المحاصصة السياسية والإدارية لصلة ذلك بالفساد السياسي والمالي والإداري وإنتاج الخلافات والصراعات بين القوى السياسية المختلفة على مستوى القمة والقاعدة ويخلق بيئة ملائمة لبشاعة الانتهازية والوصولية وعدم الكفاءة .

كان عبدالحفيظ علي تعزي المولد . ولكنة كان وطنيآ نموذجيآ ، كان صنعانيآ وعدنيآ وتهاميآ وحضرميآ وإبيآ ولحجيآ وذماريآ وأبينيآ وحجيآ وكان شبوانيآ وماربيآ وامهريآ وجوفيآ وسقطريآ وصعديآ وعمرانيآ وكان يناضل من اجل مواطنة متساوية ومن اجل امن واستقرار اليمن وازدهارها ، يرفض التعصب المناطقي والمشاريع المناطقية السياسية الصغيرة ، وكان يؤمن ايمانآ مطلقآ ان المشروع الوطني الكبير ، مشروع الدولة اليمنية الديمقراطية الحديثه القائمة على المواطنة المتساوية والعدالة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي هو المنتصر..

الراحة والسكينة والمجد ، لعبدالحفيظ علي جازم .

* كتب هذا الموضوع عن فقيدنا المناضل عبدالحفيظ علي جازم في ذكرى ال40 يوما لوفاته عام2016م ولكنه لم يجد النور لنشره.