شيماء باسيد

شيماء باسيد

رابط الموقع: http://الصورة تعبيرية
الجمعة, 13 آذار/مارس 2020 20:19

ابتسم.. ابتسم والبقية ستأتي..!

أحبُّ صوتك في كل وقت، حديثك اللذيذ وابتسامتك تلك التي تضعها على وجهك ببطءٍ وأناقة أراها بوضوح وكأنك أمامي. لقد فكرتُ كم يحتاج هذا العالم من ابتسامات ليخلع عنه بُؤسه ويفضّ جلسات مآتمه الشعواء. أليس يبدو بحاجةٍ لابتسامتك ليُدشن بها اتفاقات ومعاهدات حفظ السلام والعمل على مكافحة الإرهاب والإرهاق والحروب والكراهية. وماذا عنا؟ عن تنسيق مصالحنا المشتركة، هل سنمضي معاً بلا ذكرياتٍ ولا صورٍ ولا خططٍ ولا حتى حقائب سفر، لا أملك جواز عبور ولا حتى هوية ولا تملك أنت مثلي وجهةً تتسعُ لخطواتنا المضطربة. هل سنمضي كغرباء.. كأصدقاء، كعاشقين يؤرشفان الوقت بترتيبٍ أبجدي، كرفيقين يبحثان عن انسجامهما المشترك كل يوم، كمتشردين جائعين بلا نقود. لايهم.. لايهم، فالإفلاس الحقيقي هو إفلاسُ الروح من المحبة، فحينها ستشعر بالبرد يطحنُ عظامك ولو كنت في فصل الصيف. ألسنا معًا، ألسنا إذن أثرى الأثرياء!!

في طريقنا الطويل هل سنخفضُ صوت الموسيقى قليلاً لننصت للصمت الجذاب بيننا، وماذا لو تبادلنا قبلات خاطفة أليس ذلك صحيًا أمام فواجع هذا البلد. ما أقسى هذه الأرض التي تتسع للموتِ برحابةٍ وتضيقُ لقبلاتٍ من أجل الحياة ولو كانت خاطفة..!

مدهشةٌ هي روحك تلك التي مستني يومًا ما وما زالت، بديعةٌ تلك الابتسامة المسالمة التي لا تترد في قتلي بوداعة. تعرفُ أنّي رأيتُ ابتسامتك في يومٍ كنت أبكي فيه فخجلتُ من نفسي. كم هذا مضحك، أن ينتابك حزنٌ رخيص أما ثراء روحك بالمحبة!! على أيّه حالٍ قررتُ منذُ هذا الصباح أن تصبح ابتسامتك خياري الفلسفي في الحياة. وماذا عن أحزاني؟! معك لا مُتّسع لها؟ أو لبعضها؟ بعضها ممكن؟ أجل؟.. لا.. لا مطلقًا؟

لا أعلم الكثير عن حبك لي، أشعرُ به أوقات وأفرح بكل باقات الورد التي تنثرها حولي، ثم في أوقات تعتّمُ الرؤية نحوك فتنتحبُ امرأةٌ بداخلي في عزاءٍ طويلٍ حين تضطربُ الحقيقة فأشعرُ بألمٍ حادٍ في صدري، أُجيدُ إخفاءه عنك لكن ليس لوقتٍ طويل. هل ستسألني مجددًا عن سبب حبي لك؟ لا أعلم حقًا، هي الأرواح تضطرب، تقترب.. تتآلف، تتكاشف فيبدو لها ذلك الخط الوهمي متينًا ويصبح نور الله فلكها الذي تدور فيه. هي الأرواح حين تكتشفُ الموتَ بداخلها، ترغبُ بلمسه دون خوفٍ، تحترقُ.. تتوهج، تسمع صوته غريبًا للمرة الأخيرة ثم تحضرُ فكرة الحياة بقوة. هكذا ببساطة كان عليّ أن أكون أول الموتى وآخرهم لتدهشني الحياة فأحبُّك بنكهتي وأنا أتقنُ رقصتها بطريقتي الخاصة، روحٌ تتقن الرقص تتلاشى أحزانها. تذكر يا رفيقي روحٌ تتقنُ الرقص لا تموت.. لا تموت.

تبدو العتمةُ شديدة ولا تستطيع ذاكرتي انتزاع ابتسامتك، ها هي تفيضُ بالمزيد من النور على مواعيد حياتي المحطمة المؤجلة، المذبوحة أو المطبوخة على نيران الآخرين. في وقتٍ ما من هذا الصباح وقبل هدير صوتك شعرتُ أن روحي ستكون الميتة التالية بلا شك، ثم تكثفت ابتسامتك لتنتزع المشهد من إطار المأساة. هل ستسألني مجددًا لماذا أُحبك، هل سأسألكُ أيضًا إن كنت تُحبني حقًا.. أرغب بذلك لكنّي أخشى هول الإجابات لذا سأكتفي بفسيفساءِ اللحظة التي تربطنا والتي تحررني من طيش حياتي التي استنزفت كل ريشي بشكلٍ محبط. ابتسم.. ابتسم والبقية ستأتي، ابتسم دومًا لأجلي لأجل رغبتي في التحليق عاليًا من جديد، لأجل فكرة الحياة التي عليها أن تكون حاضرة في الذهن دومًا. ابتسم وتذكر نحنُ أبناءُ المحبة وفيها سرُّنا الدفين، سرُّنا الأهم من كل شيء وفوق كلّ شيء. ابتسم لأحتفط بروحٍ أضاءت المكان والزمان يوماً.. وما زالت.! فقط ابتسم.. والبقية ستأتي..!

مقطع من نصوص: أحمر شفاه

الأربعاء, 22 كانون2/يناير 2020 03:46

فلاش باك.. من ذكريات الحرب

في حرب2015 كنتَُ في مواجهة شرسة مع الجرذان، في إحدى الليالي الصعبة احتميت من القصف الشديد في غرفة ضيقة جدًا فاضطررتُ لمشاركتها تلك المساحة الضيقة طيلة الليل. رغم قرفي وخوفي منها إلا أني كنتُ أُحدّق في عينيها ببلاهة. كانتا مفتوحتين على نحوٍ غريب. حاولتُ الحفاظ على هدوئي رغم الاضطراب، حاولتُ بجهدٍ الحفاظ على مساحتي الضيقة ملتصقة بجدار الغرفة تحت السرير المهترئ دون أن تغفل عيناي لحظة واحدة فاقترب منها وأجد أصابعي المرتعشة قد لامستها سهوًا.

اشتد القصفُ فجأة فاهتزت جدران الغرفة وارتبكت فازداد التصاقي بمساحتي الضيقة، أطلقتُ تشهدي الأخير وصرختُ بهلعٍ: لا اريد أن أموت مع هذه الجرذان.

شعورٌ مقيتٌ بالذنب نهشني حين وجدتها تجري مسرعة نحوي تحتمي تحت قدماي المرتعشتان. لقد خافت من أصوات القصف واحتمت بي! .

أيُّ قلبٍ قاسي كنتُ أحمله، أيُّ شبح إنسان كان يتلبسني. شعرتُ بالخزي من نفسي وقررتُ في ليالي القصف اللاحقة ألا أتذمر من مشاركتها تلك المساحة الضيقة لابل من ملامستها لي إن دعت الحاجة.

انتهت الحرب في مدينتي ولم تنتهي في مدنٍ أخرى. الجرذان باغتتنا من كل مكان، عادت للبيوت مع كل النازحين، لا زلتُ أُراقبها من بعيد، تتسع حدقاتها في العتمة بينما لا تمل من قضم أرواحنا المتعبة.

هذا جرذٌ يُطلقُ الرصاص وهذا جرذٌ يُطلق الصواريخ وهذا آخر يتحدث في التلفاز عن الحرب وهذا يُكفّر وهذا يُخوّن وآخرٌ يخون.

هذا جُرذٌ يضحك لأصابع الأطفال المبتورة وهذا آخر يقتاتُ من جوع وتشرد آخرين وهذا يضحك وآخر يكذب.

الجرذان اجتاحت مدينتنا، الجرذان اجتاحت حياتنا، الجرذان اجتاحت بلادنا، الجرذان اجتاحت أرواحنا.

إنّه الطاعون يا سادة!!! .

من صفحة الكاتبة على فيسبوك