علي ناصر محمد

علي ناصر محمد

الإثنين, 18 تشرين1/أكتوير 2021 19:46

رحيل الرفيق والصديق أبو بكر باذيب..

 

أضحى الحزن، وتصبح وفاة الأحبة والأصدقاء عادة يومية، فلا يمرّ يوم إلا ونفجع بموت عزيز، أو صديق، أو رفيق... وكأن هذا الحزن المقيم لا يفارقنا ولا يعطينا فسحة للتأمل أو البكاء في زمن الحرب والموت المتنقل.

ها هو صديق آخر ينتقل الى رحاب الآخرة، هو الصديق العزيز المناضل الصلب أبو بكر عبد الرزاق باذيب الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني.

ينتمي أبو بكر باذيب إلى أسرة من المناضلين، المثقفين والتقدميين الذين كان لهم دور كبير في نشر وتعميق الثقافة التقدمية في عدن واليمن. وخاضوا بالقلم والفكر معارك الحرية والاستقلال، وفي مقدمتهم شقيقه عبد الله باذيب، وشقيقه علي باذيب رحمهم الله جميعاً.

تعود جذورهم الى الشحر في حضرموت الأصالة والتاريخ والحضارة، وتشرّبوا قيم المدنية والثقافة والفكر في عدن التي كانت تموج بكل التيارات الفكرية والسياسية، القومية والليبرالية، والاشتراكية.  ومنها خاضوا نضالهم مع شعبهم من أجل الحرية والاستقلال ومقارعة الاستعمار والاحتلال... ومن أجل الوحدة اليمنية منذ وقت مبكر في أطروحات عبد الله باذيب من أجل يمنٍ ديمقراطي موحد، و مقولته أن تحرير الجنوب من الاستعمار لا يمكن ان يتحقق قبل القضاء على نظام الإمامة في صنعاء، وهو ما أثبتته الأحداث والتطورات فيما بعد.

على نهج وفكر المؤسس سار أبو بكر باذيب سواء في اتحاد الشعب الديمقراطي، أو في التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية بعد توحيد فصائل العمل الوطني في تنظيم واحد، كان حزب الطليعة الشعبية بقيادة المناضل أنيس حسن يحيى أطال الله في عمره ضلعه الثالث، وفيما بعد في الحزب الاشتراكي اليمني الذي أصبح عضو مكتبه السياسي في الثمانينات من القرن الماضي ومدير دائرته التنظيمية.. وأخيراً الأمين العام المساعد للحزب. وفي كل المراحل كان ذلك المناضل الصلب الذي لا يتنازل عن مواقفه، وذلك المثقف الذي يقارع الحجة بالحجة.

كما أن للمناضل أبو بكر باذيب مسيرته التربوية ودوره في تخريج أجيال متسلحة بالعلم والمعرفة فقد كان مربياً قديراً لثانوية الجلاء في خور مكسر، وثاني عميدٍ لكلية التربية العليا في بدايات تأسيسها في سبعينيات القرن الماضي.

أبو بكر باذيب سيرة حياة مشرفة لمثقف ومناضل جسور..  سأفتقده كصديق ورفيق نضال جمعتنا سنوات طويلة في بناء الدولة في اليمن الديمقراطية، وسنوات منفى طويل، فقد استقر في صنعاء ولم يغادرها الى الخارج في سنوات الحرب ولم يتخلى عن الحزب حتى وفاته رحمه الله..

ستفتقده عدن وشعبها الطيب الذي يعاني من الحرب وتبعاتها ومآسيها ويحارب في لقمة عيشه.. سيبكيه أهله وتلاميذه ورفاقه، ستفتقده حضرموت واليمن كلها..

الرحمة للفقيد، ولآل باذيب جميعاً خالص العزاء..

الأربعاء, 16 حزيران/يونيو 2021 19:16

رحيل الشاعر الكبير: سعدي يوسف

 اينما يذهب الشاعر يترك اثرا، حتى حين يذهب إلى الموت، هذا سر خلود الشاعر والمبدع عموما.. وسعدي يوسف ليس أي شاعر، فهو شاعر كبير، تميزه فرادته، وإنسانيته، وعالمه الخاص الذي يصوغ مفرداته، وموقفه من الحياة وكل ما يحيط به، إنه عالم فريد ليس لسعدي يوسف بل لنفسه وللآخرين .

أعتقد أن هذا ما يمنح حياة الشاعر معنى وقيمة، ذلك الرباط الحميمي الذي لا يجعل شاعرا كبيرا مثل سعدي يوسف يشيح بوجهه عن الحياة ويترك محبيه للحزن والألم..ما إن مر وقت قصير على وجوده في عدن حتى حول إقامته القصيرة التي لم تستمر طويلا إلى حضور ملهم للمبدعين.

أما كيف جاء سعدي إلى عدن.  فعقب مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية بيروت جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان والمنظمة وحصار بيروت عام ١٩٨٢، وجهنا سفارتنا هناك باستضافة عدد من الكتاب والشعراء العرب المنفيين في لبنان للانتقال والعيش في عدن.

كان الشاعر الكبير سعدي يوسف على رأس الذين لبوا دعوتنا وتم استقباله بحفاوة رسمية وشعبية تليقان بمكانة هذا الاديب العربي المناضل الفذ. وقد تعرفت إليه أول ما تعرفت في عدن. لكني قرأت له قبل ذلك الكثير، ثم التقينا بعدها في دمشق وبيروت والعديد من البلدان، وواظبت على متابعة كل جديد يصدره.

ما يميز سعدي يوسف هو التواضع الجم الذي يختفي خلفه شاعر عظيم، فيمنحك العبور إلى ذاته الانسانية.. إنه درس كبير جدا لكل من يريد أن يصعد سلم المجد دون أن يقتله الكبرياء.

كانت عدن خلال هذه الفترة، غاصة بالعراقيين والعرب المنفيين من بلدانهم واحتضنتهم اليمن الديمقراطية. وباشر الكثير منهم اعمالهم المعتادة في الصحف. والمطابع وموظفين في دوائر مختلفة حسب تخصصاتهم، منهم الشاعر عبد الكريم كاصد الذي باشر عمله في مجلة (الثقافة الجديدة) التي كان يرأس تحريرها الشاعر المثقف فريد بركات رحمه الله.

والشاعر السوداني الكبير جيلي عبد الرحمن الذي باشر عمله في جامعة عدن، وكذلك الشاعر السوداني الكبير مبارك حسن الخليفة، والشاعر المصري زكي عمر الذي عمل في صحيفة 14 اكتوبر والكثيرين الذين احتضنتهم عدن الجميلة.

أما الشاعر الكبير سعدي يوسف، القادم من حصار بيروت فقد اختارته دار الهمداني للطباعة والنشر مستشاراً لها ولمدير عام الدار الأستاذ الشهيد أحمد سالم الحنكي، ومشرفا على إصدارات الدار من الكتب والمطبوعات الصادرة عنها. وكان سعدي رئيس التحرير الفعلي لمجلة (المسار) الصادرة عن الدار.

ويصف الصحفي نعمان قائد سيف في رثاء سعدي يوسف وقد عمل معه ومع الشهيد احمد سالم الحنكي، هذا العمل بانه كان بمثابة بعث الروح في آلات الطباعة المهملة، بتحفيز العمال والفنيين على إصلاحها وتشغيلها، وجذب المثقفين إلى صف الدار فكان الإبداع المميز في سنوات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.. المأسوف عليها .

  وبالمثل، فقد كان لعدن اثرها في شعر سعدي يوسف.. هذه المدينة التي عاش فيها شاعر فرنسا العظيم رامبو فترة من حياته.. فلهذه المدينة سحرها وتأثيرها على كل من يعيش فيها ولو لفترة قصيرة.. وانعكس هذا على النشاط  الثقافي والأدبي الذي اضطلع به سعدي في المحافل والامسيات الشعرية والأدبية في كل من عدن وحضرموت ولحج ويافع التي رافقه في رحلته الى لبعوس عام 1984 الشاعر جنيد محمد الجنيد. الذي قال إنه استفاد من سعدي كثيرا في الشعر والادب، ولم يكن يقصد نفسه فقط بل اجيالا من الشعراء العرب الذين تأثروا بسعدي يوسف وتجربته الشعرية الثرية.

أبدع سعدي عدداً كبيراً من القصائد والدواوين خلال وجوده في عدن فضلاً عن إشرافه المباشر على إصدارات الكتب ودواوين الشعر وكذا المجلات المتخصصة في الأدب وأدب الطفل الصادرة عن دار الهمداني .

وهكذا كانت إقامته حافلة بالعطاء الزاخر لن تنساها الاجيال المثقفة التي ترعرعت ونمت في تلك الفترة الزاهرة من تاريخ اليمن الديمقراطية. فقد كان حضور الشاعر الكبير سعدي يوسف نبراسا ملهما للإبداع والمبدعين. وسيظل شعره وكلماته التي خطها هي الكلمات التي ستقرأها أجيال وأجيال، وسيجدون بين سطورها ما يعيد لهم الأمل أو يمنحهم العزاء.

 يقول سعدي يوسف في كتابه يوميات المنفي الأخير:

عدن بعيدة.. وعدن في القلب.. ولا مسافة بين القلب والمسافة..

تقول جنوبيون.. تقول يمانيون علمونا اللغة وانطقونا الشعر، ومنحونا امرؤ القيس الجميل..

تطاول الليل علينا دمون

دمون إنا أخوة يمانيون وإننا لأهلنا محبون..

تقول جنوبيون تقول يمانيون..

سددوا خطاهم من الثورة إلى نظرية الثورة..

ومن نظرية الثورة إلى الثورة..

وأنبتوا في رايات العرب أول نجمة حمراء…

  رحم الله سعدي يوسف .. الشاعر والانسان ..