حلم يمني

الأحد, 12 شباط/فبراير 2017 20:54 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

ضمن ملف استعادة تفاصيل الأيام الأولى للثورة وأبرز المحطات، وبحث أسئلتها، وهو الملف الذي يفتحه موقع "الاشتراكي نت" بمناسبة الذكرى السادسة لثورة فبراير، كخطوة أولى على طريق تدوين الحدث الأبرز في تاريخ اليمن المعاصر من زواياه المختلفة، ننشر هنا تباعا الكتابات المتصلة بموضوع الثورة تحت عنوان "أسئلة الثورة وتفاصيلها".

...........

كنت في القرية أعد طعام الإفطار وجهاز الراديو بجانبي عندما سمعت خبر حرق البوعزيزي لنفسه..
ولأني في القرية ولأني كنت قد أكملت الجامعة وأعيش حياة البطالة ولأني أنتمي الى أسرة من الطبقة المتوسطة الطامحة ولأني أيضا درست في الجامعة علم الاجتماع كان الخبر بالنسبة لي بعثا حقيقيا!

لحظتها شعرت بمزيج حارق من الذل والألم وللحظه تخيلت كم نحن ملايين من المذلين المهانين في خريطة تمد من محيط إلى خليج.. 
لكن كان ذلك اليوم الأخير الذي سأشعر فيه بالذل المريع وبداية أيام طويله من الألم والأمل الرائعين -أصف الألم هنا بالرائع لأن كل ألم عشناه دوما أتبعناه بأمل وأمنيات بالأفضل-

كنا نودع الشتاء لحسن حظي تركت القرية في أواخر ديسمبر إلى صنعاء كان القصد من انتقالي إلى العاصمة هو إكمال مسيرتي التي بدأتها بدراستي في الجامعة والآن جاء دور البحث عن عمل! وأقول حسن حظي لأنه في صنعاء أتيح لي أن أرى الصورة مقرونة بالخبر ففي القرية لا يوجد تلفزيون! وكان أن في كل مره شاهدت فيها جموع التوانسه تجتاح الشوارع وأرقام القتلى والشعارات ووو.. كان جسدي بكامله يقشعر وتطفر دموع من عيني لكن بدون مذله بل بشعور كبير من الفرح والاعتزاز!


مضت أولى ليالي يناير بارده دفأناها بالأحلام الكبيرة وبصور مظاهرات تونس، كم كان الحالمون من ملايينا العربية قبل البوعزيزي وكم صاروا بعده؟ كم كان الحالمون قبيل العاشر من يناير وكم صاروا بعده؟ كم كانت مهمة في قاموسنا العربي كلمات مثل: الشعب والحرية وإسقاط ونريد والنظام وارحل والله أكبر؟
عثرنا على ذواتنا -ربما مثلي هتف ملايين الشباب والشابات العرب لحظة أعلنت ليلى الشيخلي من قناة الجزيره عن هروب زين العابدين "بن علي" إقرأوها فقط كما نطقتها ليلى الشيخلي- إذن عثرنا على ذواتنا في ذلك اليوم الذي حملت فيه الكرة الأرضية ملايين المعتزين المنتصرين الحالمين ودارت بهم حول الشمس لتظل كل يوم من بعده تبتسم للمجرة والكون فخرا بهؤلاء الذين لديهم حلم.

في اليوم التالي اتجهت مع صديقتي نحو السفارة التونسية في يوم ربيعي من ربيعنا الذي لن ينسى عندما وصلنا فوجئنا بالعسكر، كانت تلك مواجهتنا الأولى!

دوما يمثل العسكري الدولة والنظام هنا في بلداننا التي يصبح فيها من يرتدي الميري متوحشا وقامعا لكن فقط أنا وصديقتي لم ننظر إليهم هكذا بل دوما رأيناهم الفئة مسلوبة الهوية.

أتذكر كيف مررنا بهم وكيف وصلنا وكيف رأينا هناك وجوها نعرفها وكان هناك أيضا مصوري القنوات التلفزيونية لم نفعل في البداية شيئا فقط شاهدت العلم التونسي بفخر وبدأت ألحظ توتر الأمن المحيط بنا لا أ تذكر بالضبط ماذا حدث لكن فجأة بدأ الصراخ. ركضنا كان الأمن قد إعتدى على إحدى الصحفيات وسلبوها كاميرتها ثم عرفت نتيجة الصراخ لقد إعتقلوا عيدروس النقيب عضو مجلس النواب ورئيس الكتلة البرلمانية وعضو الأمانة العامة وعضو المكتب السياسي للحزب الأشتراكي اليمني.

 كانت زوجته تصرخ مذعورة وتطلب مساعدة الموجودين لإخراجه وتعود لتصرخ في وجه الأمن. كانت معنا أيضا توكل كرمان وبعد صراخ وشد وجذب أخذت توكل كرمان أمام بوكس الأمن تنشد أبياتنا المقدسة: إذا الشعب يوما أراد الحياه فلا بد أن يستجيب القدر!

في خريطتنا العربية كلنا من صغيرنا يعرف هذه الكلمات ومن سوء حظ الأنظمة العربية أنها وافقت على وضعها في المنهج الدراسي! 
أخذت توكل تصرخ والأمن يصرخون والجميع يتحدث بينما أنا مع صديقتي نشاهد بصمت ونحاول أن نفعل شيئا 
أخرجوا عيدروس النقيب ألذي أحاط ذراعه بزوجته وابتعد قليلا لكن توكل كرمان استماتت في المطالبة باستعادة كاميرا الصحفية وبعد شد وجذب وترقب واستعداد منا جميعا لمصيبة كبرى ومفاوضات وتدخل ذوي رتب أكبر وشتائم بحق بلقيس اللهبي الناشطة السياسية الشابة وتوكل وجميع الحاضرات أفرجوا عن الكاميرا بعد أن أخذوا الفيلم الذي تحويه!


في وسط ذلك الوضع تدافعنا لحماية بعضنا كان هناك عائلة صومالية زوج وزوجة، الزوج في ضفة الأمن والزوجة مع صغيريها في ضفتنا نحن ولسوء حظهم أو غباءهم مع إحترامي كانت الزوجة تحاول إقتحام الحشد المنفعل لتعطي زوجها موبايل بينما تناسى الزوج التوتر بين رجال الأمن وأخترقهم ليلتقي الإثنان بين يدي رجال أمن غاضبين ومازاد الوضع سوءا أنهم تبادلوا الموبايل في وقت المفاوضات على الكاميرا!

رفع أحد الجنود يديه وهوى بها على ظهر الزوج ثم دفعه ودفع آخر الزوجة. فقط أتذكر الوجه الحائر للزوج وأتمنى أن أهتف به: أفيقوا يا شعب الصومال!


تقول فيروز: ويمضي الشتاء رفيقا كغابة ورد، لكنه مضى كأغنية ثورية لا تنتهي. 
كم تساءلنا إن كنا نستطيع أن نفعل ما فعله التوانسه -وكم مرة شعرنا بالأسى كون الإجابة كانت لا ليس بعد- لكن يوم أن رأينا المصريين في ميدان التحرير لم تعد الإجابة لا كاملة ولأننا تاريخيا وعاطفيا وقوميا نرتبط بمصر كان لميدان التحرير وقع القوة فينا ويوم يليه آخر كان ميدان التحرير يصبح قبلة الحالمين المؤمنين وكل صورة من ميدان التحرير كانت حكاية وقشعريرة ودمعة فخر وابتسامة أمل- وجاء 3 فبراير وخرجت مجموعة شبابنا الحالمين الذين لم يؤمن بهم إلا القليل لكنهم صمدوا. لم نزرهم في أيامهم الأولى في ساحة التغيير أمام مبنى جامعة صنعاء

لكن كانت تصلنا حكاياتهم بدأنا نصدقهم حال سقط مبارك!
خروج الناس للاحتفال بسقوط واحد من رموز القوة والجبروت وانهزام الآله الأمنية لمبارك أمام هدير الجماهير الغاضبة وصور الشهداء والبيت: الورد اللي فتح في جناين مصر وأغاني الثورة القديمة والجديدة وزخم الفيس بوك كل هذا جعل إجابة اللا لدينا غير مقبولة على الإطلاق وخرج الشباب في تلك الليلة عقب إعلان عمر سليمان وتعرضوا للضرب في جوار الجامعة القديمة وأيضا في عدن وفي تعز -بعدها ذهبت مع إحدى صديقاتي إلى الجامعة لإستكمال إجراءات الشهادة الجامعية ومررت بالساحة! 
ليس بالضبط في تلك الأيام كان نسيم الحرية بل مايشبه ذلك الآن أصبحت أعتقد أن الشهداء هم من يصنعوا ذاك النسيم -ذهبنا كان الوقت الظهيرة وصوت يصدح بمكبر الصوت:إرحل- سخر صوت من حولي من مئات الحناجر لكني ابتسمت!


وبعدها بدأت أذهب كان أول عمل قمت به هو أن كلفتني صديقتي أن أعد منشورات كي نوزعها في الساحة وبالفعل كتبت -ثم استشهد محمد العلواني وكان أول شهيد في الثورة وذلك في 16 فبراير ثم تلتها جمعة البداية التي ذهبناها وقت الصلاة وكان أول منظر حقيقي يقشعر له الأبدان حيث عشرات الآلاف يركعون ويسجدون تحت الشمس الحارقة وحين ينتهون يهتفون بصوت واحد يملؤه الإيمان: الشعب يريد إسقاط النظام
ما ابهرني وأبهر العالم هو الطريقة التي يعاملك بها الناس في الساحة حيث هذا الشعب البدائي القبيلي يعاملك بكل رقي _أتذكر أنه في الثاني عشر من مارس يوم أحداث ما عرف بالسبت الكيماوي حين هرعنا إلى الساحة التي أكتسحها الأمن المركزي فجرا وأمطرهم بمسيلات الدموع السامة عدنا في ذلك اليوم عصرا وقمنا بحملة تنظيف للساحة.

وما شاهدناه من احترام الناس لنا أثار فينا رغبة البكاء! مضت الأيام حافلة حتى جمعة الكرامة -ربما تكون هذه الجمعة هي اليوم الذي غيرنا إلى الأبد. منظر الرؤوس وقد تركت فيها رصاص القناصة فتحات مرعبة والطفل الذي اخترقت عينه ووجنته رصاصات والظهور والقلوب المثقوبة والدم كل ذلك نقلته الفضائيات نقلا مباشرا- ما زلت حتى اللحظة أتساءل كيف مر ذلك اليوم كيف عشناه بماذا بالضبط شعرنا هل عرفنا نحن المتفرجين على شاشات التلفزيون أن ذلك واقع أم أعتقدناه صورا أخرى تبث وتعرض وبماذا فكر الذين عاشوا الحدث وحملوا الأجساد الدامية وكيف عاشوا ما بعده؟


لا نعرف. فقط أعرف أن الدموع تطفر من عيني كلما مر الإسم أمام ناظري أو سمعته_
مضت جمعة الكرامة وكل يوم وكل جمعة بعدها كانت تحمل زخما جديدا وعنفا جديدا و -أملا جديدا- 
كانت أياما حافلة حاولنا فيها فعل كل ما نستطيع وحاربنا على أكثر من جبهة وقدمنا لأنفسنا وللثورة ما اعتقدنا أنه أهم ما يقدم: الإيمان آمنا بالثورة وانتظرنا رغم عثراتنا ورغم الحيل السياسية والشكوك وشائعات المؤامرة واصلنا 
في الساحة تكونت الصداقات وأمحت تدريجيا الفروق والفئات التي خفنا منها يوما كانت مصدر فخرنا مثل شباب القبائل الذين أذهلونا بتفهمهم وتقبلهم للآخر وخصوصا نحن الفتيات إنضممنا إلى إئتلاف شبابي وبدأت صداقات جديده تنشأ وتتوطد وفي 27 أبريل في مساء ماطر أثناء مسيرة حاشده إلى مبنى الإذاعة همست لمن حولي: الله يستر على ناصر!

ناصر طويل أسمر نحيل شجاع يحمل حقيبة ظهر تمزق جزء منها يستطيع التحدث بطلاقة لساعات يوزع المنشورات نذهب إلى الخيام معا لأجل التوعية ناصر هذا الذي لوحته الشمس بربيعه الثالث والعشرين دهسته سيارة تابعة للأمن المركزي وشوهت ملامحه الثورية: كان مطر وكنا نجري أخبروني أن ناصر قد أصيب لكن حين وصلنا مشفى العلوم والتكنولوجيا هنا أخبرني حمدي بأن ناصر رحل مرة أخرى أتساءل إن كنا فعلا إجتزنا تلك الليلة منظر الجثث التي في ثلاجات الموتى حين تدفقت شلالات الدمع من عيني من دون صوت متساءلة باستغراب عن مدى إستفادة إنسان ما من قتل إنسان آخر وتساءلت عن معنى كون هذا الشاب قد رحل ورحت أتخيل أحلامه وأمنياته وأتساءل بماذا فكر قبل أن يرحل إلى الأبد وأخيرا: ماذا ستقول أم ناصر؟
إنتهى أبريل وجاء مايو في الحادي عشر من مايو كانت مجزرة شارع الزراعة أو رئاسة الوزراء التي مرة أخرى أفزعتنا وهزتنا لكن كان مهرجان الوحدة من أكثر ما صنعته الثورة إبهارا وخلودا الحشود المليونية والألوان والفقرات الإستعراضية والتخطيط والإعداد أثنت لنا ولكل الآخرين أن بإستطاعتنا أن نصنع المعجزات.


كان عمر المقطري أحد شهداء مجزرة ما عرف بمجزرة رئاسة الوزراء  لم أكن أعرفه لكني مررت بإحدى الخيام مسرعة أريد اللحاق بمسيرة فرأيت وجهه واسمه تسمرت ولم أحبس دموعي كتبت فيه الكثير واحتفظت به دافئا صغير في أعماقي كان عمر جرحي النازف ومازال حتى الآن إبتسامته الطفولية التي لن تكبر أبدا صارت وجعي الأبدي_
في أواخر مايو كانت أحداث ساحة تعز وأحداث الحصبة التي دمرت فينا الأمل وبعثت الخوف حيث أصوات القصف وقصص الموت والرعب في كل شارع وبيت وموجات النازحين تغادر صنعاء وحلقة العقاب الجماعي تستمر والأكاذيب والشائعات وفي بداية يونيو أحداث قصر الرئاسة التي نقلت الثوره إلى حالة الركود.


لم تنته ثورتنا ورغم الدمار والألم نحن لن نعود إلى ما قبل فبراير لدي حلم بأن ينتهي ما نعيشه وبأن يتحقق حلم الملايين بإقامة الدولة المدنية وبالعدل والمساواة والديمقراطية لا أستطيع مجرد تخيل أن يندم الشهداء في سباتهم الأبدي ولا أن يحزن الجرحى المعاقون ولا الأمهات الثكالى كان وعد ويجب أن نفي به وبالتأكيد سنفي به وسنكمل ثورة عظيمة.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

قراءة 2141 مرات آخر تعديل على الخميس, 16 شباط/فبراير 2017 18:54

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة