رشا عبدالكافي

رشا عبدالكافي

 

الحرب هي  الحرب في كل مكان و الصراع هو نفسه الصراع و ان اختلفت الأماكن الجغرافية و الأدوات،  إلى أنه يشمل الجميع دون إستثناء ، لكن تأثيره على النساء و الأطفال اكثر حده،  اولاً لكونهم بشر يعيشون في مناطق الصراع و ثانيا لكون النساء نساء و اقصد هنا بنوعها الجندري ،بينما الأطفال باعتبارهم الفئة الأضعف .

بالمختصر كأن جميع أطراف النزاع المختلفة سياسياً في كل مكان اتفقوا على شيء واحد وهو تهميش و قمع و إقصاء و استغلال النساء.

في الحقيقة تلعب الحروب و الصراعات بشكل كبير في تغيير الأدوار النمطية الإجتماعية  و الاقتصادية للنساء ،و لكن هذا التغيير لا يأتي ضمن حراك مجتمعي بل هو تغيير اجباري وضعت فيه النساء نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية الناتجة عن الصراع ،تغيير الأدوار عملت على إضافة أعباء جديدة بالإضافة إلى الأعباء السابقة التي على عاتقها في المنزل ،حيث أصبحت المرأة هي المعيل الوحيد للأسرة نتيجة مقتل الزوج أو اختطاف الأب أو ذهاب الرجال بشكل عام إلى جبهات القتال، فالحروب هي زمن الرجال بجدارة ،فتجبر النساء على القيم بأعمال خطيرة قد تؤثر على سلامتها البدنية كما قد تؤثر على هويتها و حرية تنقلها ،ينتج عن ذلك تأثير نفسي ناجم عن شعور عدم الأمان خصوصا للنساء اللواتي لا يعرفنا مصير ازوجهن او من فقدنا احبائهن، فضلا عن ذلك الآثار النفسية و الإجتماعية بعيدة المدى على تنشئة الأطفال دون وجود أب .

خلال فترة النزاعات يزداد العنف الموجه ضد النساء و تزاد معه جرائم الانتهاكات اكثر من بين تلك الجرائم القتل على خلفية ما يسمى بجرائم الشرف ، ارتفعت بشكل كبير خلال فترة الصراع خصوصا في الأماكن التقليدية التي تلتزم بالأعراف و التقاليد الإجتماعية التي تتبع النظام القبلي، و ذلك بسبب غياب الأمن و غياب تفعيل دور المؤسسات القضائية ،فخلال يناير من العام ٢٠٢٠ إلى فبراير ٢٠٢١ م رصد سوريون من أجل الحقيقة و العدالة ما لا يقل عن ٢٤ حادثة قتل فتيات على يد أقارب لهن بحجة تطهير الشرف ، ابرز تلك الجرائم هي قضية قتل فتاة الحسكة في يوليو الماضي التي قتلت بشكل بشع على يد أقاربها بحجة رفضها الزواج من ابن عمها بحسب ما تداوله ناشطون سوريون وقتها أثناء تداول مقطع قتلها رمي بالرصاص على رأسها،

أيضا الطفلة اليمنية مآب إبنة العشر سنوات و التي قتلت على يد ابيها بحجة غسل العار في ديسمبر ٢٠١٤ بعد أن  أطلاق عليها الرصاص رمها على منحدر جبلي قبل ذلك تم تعذيبها بشكل وصفه الشهود بالمخيف والوحشي ووثق ذلك التعذيب عمها في فيديو نشر وقتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ليست وحدها مآب ضحية لمثل هكذا اعتقاد فقد قتلت أيضا الطفل اليمنية إصباح مهدي في فبراير٢٠٢٠ و التي تم تجريعها السم بعد أن تم تعذيبها لثلاثة أيام متواصلة من قبل إخوتها، كذلك لا يمكن نسيان سميحة الأسدي التي قتلت في أبريل من العام ٢٠١٨ من قبل أخوها داخل محكمة غرب أمانة العاصمة اليمنية صنعاء و أمام القاضي دون أي اعتبار للمكان و كأن القاتل يستمد قوته من القانون نفسه ،و ذلك لأنها طالبت نقل الوصاية للقاضي بعد أن رفضت عائلتها تزويجها مرة أخرى حيث أنها إمرأة مطلقة و أم لطفلين كانت تعاني التعنيف من قبلهم.

أما بالنسبة للحديث عن النساء المعتقلات و السجينات او المختطفات كذلك الأطفال في السجون النظامية او سجون الجماعات المسلحة فهي توحي بأرقام كارثية و تزايد مخيف خلال فترة الصراع على غير العادة خلال فترة السلم ،ففي اليمن هناك اكثر من ١١٨١ إمرأة في سجون جماعة الحوثي بحسب رصد تحالف نساء من أجل السلام تعرضنا لمختلف أنواع التعذيب الجسدي و النفسي و الإغتصاب و هناك من تم تجنيدهن قسراً لأجل الإيقاع بالخصوم ،لم تشهد اليمن مثل هكذا ارقام مخيفة و كارثية للنساء في السجون قبل إنقلاب ٢٠١٤ او ان هناك إعتقال و توقيف للنساء على خلفية الآراء السياسية سوى مرتين ، المرة الأولى عام ٢٠١١ حيث تم اعتقال الناشطة اليمنية توكل كرمان لمدة ٧٢ ساعة و في عام ٢٠١٤ الناشطة الحقوقية نورا الجروي التي تم توقيفها لمدة نصف يوم في مكتب وزير الدفاع ، كما أن هناك عائلات بما فيها نساء و اطفال ممن ينتموا لقيادات في الحكومة الشرعية اليمنية مسجونين لدي جماعة الحوثي و ذلك لأجل أن يتم المقايضة بهم .

في سوريا لا احد يستطيع أن يجزم عن عدد السجينات في سجون النظام لكن هناك الألف من النساء مع أطفالهن بحسب شهادات ناجيات كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بأن هناك اكثر من ٦٥٨٠ معتقلة من بينهن حوالي ٢٢٥ حالة دون سن الثامن عشر، فضلا عن وجود العديد من المعتقلين و الاسرى في السجون النظامية او سجون الجماعات المسلحة المختلفة ممن كانوا مشاركين كمقاتلين مع مختلف أطراف الصراع في كلا من ليبيا و سوريا و اليمن و لكن لا توجد احصائيات دقيقة او حتى نسبية بأعدادهم.

وفي ظل توسع رقعة المعارك و إستمرار أمد الحرب يصبح هناك احتياج كبير في إعداد الأطفال المقاتلين كونهم أقل تكلفة و اكثر إستجابة للأوامر ، و يعتبر تجنيد و إشراك الأطفال في النزاعات  أحد اسوأ أشكال عمالة الأطفال بحسب اتفاقيات منظمة العمل الدولية.

هدم و اغلاق المدارس و تحويلها إلى ثكنات و أهداف عسكرية من مختلف أطراف النزاع تعد واحده من أهم أسباب تسرب الأطفال من المدارس و تسهل من عملية إستقطابهم كمقاتلين من قبل المليشيات المسلحة، كذلك سوء الوضع الإقتصادي و تدهور العملة سهل على تجار الحروب من استخدامهم كأدوات قتل مقابل مبالغ زهيدة ، في اليمن هناك اكثر من ٣٥ ألف طفل جندتهم جماعة الحوثي منذ ٢٠١٤  بحسب نائب مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة ١٧% منهم دون سن ١١ عام .

كما تقدر اليونيسف بأن هناك ٢٩ ألف طفل في مخيمات سوريا معظمهم ممن تقل أعمارهم عن ١٢ سنة ولد أغلبهم في مناطق النزاع التي تسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام ، جزء كبير منهم مقاتلين مع التنظيم و جزء آخر أبناء مقاتلين التنظيم ، لم يتم الاعتراف بهويتهم الأصلية او منحهم حتى جنسية المكان الذي نازحوا فيه كم يعانون من الوصم المجتمعي.

كم ان هناك اكثر من مليون طفل يمني يعملون تحت ظروف قاسية و صعبة و لساعات طويلة مقابل أجر زهيد في اليمن بحسب منظمة العمل الدولية.

يزداد عدد زواج القاصرات خلال الحرب بنسبة أضعاف من السابق خصوصاً في المناطق التي تستضيف إعداد اكثر من النازحين ففي الحديدة و إب و حجة اليمنية بحسب تقرير سيدو ٧٢%دون سن ١٨ و ٢٤% دون سن ١٥ تم تزوجهن و يعود ذلك إلى عدة أسباب مختلفة منها الفقر والبطالة، تزايد الطلب على الحاجات المختلفة مع تراجع مدخول العائلات بسبب الصراع أيضا فقد أحد أولياء الأمور  جعل منهم التخلص من بناتهم بتزوجهن مبكرا معتقدين بذلك توفير الحماية و الأمان لهن .

ففي سوريا بحسب القاضي الشرعي الأول في دمشق عام ٢٠١٩  بأن قبل الحرب نسبة زواج القاصرات كانت لا تتجاوز ٣% بينما وقت تصريحه هذا صارت النسبة اكثر من ١٣%،  مما ينتج تزايد نسبة وفيات الأطفال الرضع و الأمهات الحوامل بسبب الزواج المبكر و الحمل المتكرر وذلك بسبب محدودية الوصول لخدمات الرعاية و تنظيم الأسرة خاصة المناطق الريفية و مناطق النزاع و مخيمات النازحين، ففي اليمن جماعة الحوثي منعت النساء من استخدام وسائل منع الحمل و تنظيم الأسرة و صادرت كل الموانع من العيادات و الصيدليات كما منعت حتى المنظمات المعنية بذلك من القيم بعملها في نظرة دونية للنساء و تحكم بحرية الإنجاب بأنهن مجرد آلات انتاج مقاتلين المستقبل .

في كل العالم غالبية النازحين هم النساء و الأطفال و ذلك بسبب عدم شعورهم بالأمان و الخوف لذلك هم اكثر فئتين تفر من أماكن الصراع ، لكن ينجم عن ذلك الكثير من التحديات أمام نزوحهم، الكثير من الأطفال والنساء يتعرضوا للإستغلال و الإبتزاز في المجتمعات التي نزحوا إليها كم يصعب عليهم سهولة التأقلم و التكيف مع عادات و تقاليد تلك المجتمعات، كم ان هناك نساء لاجئات يقبلن العمل لمدة طويلة اعمال في غير تخصصهن مقابل أجور زهيدة و دون تأمين صحي،  منهن من قبلن الزواج دون حقوق او حتى تسجيل قانوني ، و أخريات يتعرضن للتحرش و المضايقات و الاستغلال الجنسي مقابل توفير المأكل والمسكن للأسرة.

إضافة الى ذلك ينشأ  الأطفال النازحون بعيد عن آبائهم في بيئة مغاير لبيئتهم التي آلفوها في ظل ضغوطات مختلفة يتعرضون لها، نتيجة النزوح المستمر وعدم شعورهم بالاستقرار ،وهذا ينذر بكارثة حقيقية على المدى البعيد على نفسية هؤلاء الأطفال الذين سيكونون شباب الغد ولا ينشئون في بيئة مستقرة و امنة.

ــــــــــــــــــــ

* ورقة قدمتها الكاتبة خلال المؤتمر العالمي للعدالة مع الأطفال الذي انطلق الاثنين 15 نوفمبر 2021 واستمر لمدة أسبوع، واستضافته (إفتراضياً) المحكمة العليا المكسيكية

الإثنين, 22 آذار/مارس 2021 01:21

أم النازحين

لا أريد أن أقول لك كل عام وأنت بخير، أو كل عام وأنت سندي ومصدر قوتي، ولا أريد أن أردد كلمات نستهلكها كل عام، كما لا أريد أعرف العالم كم أنا فخورة بك كأم عظيمة عملت وتعمل لأجلنا بكل حب وصدق وعطاء، أو كم أنتِ مضحية لأجلنا وأنك المرأة التي كانت تطمح ولا زالت أن تواصل دراستها العليا وأوقفت مواصلة ذلك فقط لأجل أن تستطيع بجانب أبي أن توفر لأبنائها ثمن دراستهم الجامعية، أعلم ربما قد لا تكوني حققت لنا كل ما نحلم به، ولكن أثق بأنك أعطيتنا كل ما تملكين، وربما كل ما قدمتيه وتقدمينه تشترك معك به كل أم تعمل لأجل إسعاد أبنائها.

لكن أجدني اليوم أدين لك بأن لا أعرف الناس عن روضة الأم التي ربما تشبه الكثير من أمهات بلدي، بل روضة الإنسان التي قد تغضب كثيراً عندما ترى هذا المقال، روضة المرأة الرقيقة والصلبة في آن واحد، تلك الإنسانة التي أفخر أني وجدت نفسي فيها، المرأة التي لا تحب الأضواء ولا تحب العمل أمام الكاميرا، التي دوما تجدها في قلوب البسطاء ممن كانت يدها ممدودة لهم ولا زالت.. سأخبرهم عن روضة (أم النازحين) بالمناسبة هذا اللقب من أطلقه عليها هم النازحون أنفسهم، التي فتحت بيتها كمركز إيواء لنازحي الحرب من تعز وعدن وصنعاء وكل مكان، في بداية حرب 2015 وفي ظل الحصار الجبان لمليشيات الحوثي لمدينة تعز واجتياحها مدينة عدن فرت المئات من الأسر هرباً من جحيم الحرب إلى مناطق لم تصلها بطش يد المليشيات بعد، وكانت مدينة النشمة في مديرية المعافر أكبر مدينة تجمع فيها النازحون من كل مكان، بحسب الإحصاءات وصل النازحون فيها إلى قرابة ألف أو أكثر، والتي تبعد بالمناسبة 30 كيلو عن مركز مدينة تعز.

 سأخبركم كيف كان من يسمع بأن هناك امرأة تدعى روضة تقدم المساعدة للنازحين في مدينة النشمة، كان يتجه إلى هناك دون تردد، عملت مع مجموعة من رفاقها على تشكيل لجنة اجتماعية لأجل إيواء ومساعدة النازحين، ساعدوا بعض النازحين في إيواءهم، وعملوا وحدة رصد لأجل مساعدتهم بشكل أسرع وبكشوفات رسمية تساعد بوصول المساعدات بشكل عاجل وكأن كل ذلك عمل طوعي، لكن سرعان ما توقف ذلك فاستمرت وحدها، عملت على رصد جميع النازحين بمجهودها الذاتي ومن راتبها الشخصي، وصارت قاعدة بيانات لديها تقدم لكل المنظمات والجهات التي كانت تقدم مساعدات للنازحين، حتى أنها حولت شقتنا الصغيرة إلى مركز إيواء لعائلات من عدن وأبين وتعز، وعاشوا معنا كأنهم عائلتنا، والتي لا نعرف عنهم شيئاً سوى أن الحرب هي فرضت هذا الواقع عليهم وعلينا.

أتذكر في أحد الأيام وصلت عائلة مكونة من 20 فرداً، منهم جرحى أطفال وكبار سن، نتيجة قذيفة وقعت على منزلهم في مدينة تعز، وصلوا إلى أمام منزلنا.. سألتهم من دلكم على بيتنا.قالوا: وصلنا إلى السوق وأحد الأشخاص أخذنا إلى هنا وقال وحدها روضة من تستطيع أن توفر لكم ملجأ، كان عددهم كبيراً، وفي بيتنا أسر كثيرة نازحة، وقتها رأيت أمي تتخبط مرتبكة.. ما الذي أفعل؟ أين سينام كل هؤلاء؟ كان الوقت بعد المغرب. أخذت حالها وذهبت وحدها إلى أحد المدارس البعيدة عن منزلنا، وجدت حارس المدرسة، طلبت منه أن يفتح فصلين لأجل إدخال هؤلاء النازحين، لكنه رفض وقتها بحجة أنه يريد أمراً من مدير المدرسة، والذي كانت تتصل به وهاتفه مغلق، قالت له: أنا من سيكسر هذا القفل وعندما يسألك من فعل ذلك قول له روضة، ويقدم بي شكوى، وسأحضر وقتها، لكن الآن هناك عائلة كبيرة يجب أن تبات هنا، أدخلت العائلة ووفرة لهم كل شيء حتى تحولت المدرسة إلى مركز إيواء كبير، وفتحت معه العديد من المرافق الحكومية كواقع فرض حاله.

عندما انقطع الغاز وكان الحصول على أسطوانة غاز أشبه بالوصول إلى سطح القمر، أصبح حتى الحصول على الحطب وقتها شبه مستحيل خصوصاً في المدن، في أحد الأيام عادت أمي إلى البيت تبكي.. سألتها ما بك؟ قالت: إحدى النازحات عمرها 17 عاماً تقول لرجل من الحي الذي نسكن فيه، اعطيني أسطوانة غاز أو حزمة حطب سيكون هو مهري، لم تنم طوال الليل وهي تردد تلك الجملة وتبكي، في صباح اليوم الآخر أخذت نفسها وذهبت إلى مناطق وقرى لم تكن قد ذهبت لهم بحياتها، واشترت حطباً من مالها، تواصلت بوجهاء وأعيان وطلبت منهم أن يدعموها بالحطب من قراهم، لأجل أن توزعه للنازحين.. فعلاً تجاوب الكثير من الناس معها ووصلت كمية كبيرة لكل مراكز الإيواء ولكل المنازل التي يتواجد بها نازحون.

وحتى عندما انقطع الماء عن المنطقة بسبب غياب مادة الديزل، وفرت وايتات ماء لكل الحارات للنازحين وغير النازحين بالتعاون مع فاعلي خير كانوا قد أتوا هم بأنفسهم لها نتيجة ما سمعوا عنها وما تقدمه للآخرين.

هذا القليل فقط مما قدمته لأني لو تحدثت لن أنتهي من سرد ما قدمته -وما زلت- لكل من يحتاج لها دون تردد.

أنا لا أفاخر بك فقط كأم وصديقة لا تتكرر، بل أفاخر بك كإنسانة كان سيكون لي الشرف أن أتعرف عليها عن قرب  تعمل بصدق وإخلاص وحب لأجل الإنسان بعيداً عن الكاميرات وعن الأضواء، وأعتذر لأني كتبت هذا دون الرجوع لك، لكنه ليس فقط ليعرف الآخرون عنك بقدر ماهي توثيق للحظات بسيطة لمعاناة الحرب والنزوح الداخلي في اليمن، هذه اللحظات التي تحتاج لمجلدات ووقت كبير لسرد تفاصيلها الموجعة، تحدثت اليوم عنك لأني أثق بأن هناك ملاكاً مثلك في حياة كل نازح قد صادفه وقدم المساعدة له بشكل أو بآخر.

الجمعة, 01 كانون2/يناير 2021 18:05

جارالله عمر فكرة لا تموت

 

لازلت أتذكر ذلك اليوم جيداً، ولازال محفوراً في ذاكرتي، كنت يومها ابنة السادسة لا أفقه الأحداث ومتغيراتها من حولي، ولا إطار لدي سوى صحيفة العربي الصغير التي كان أبي يشتريها لي شهرياً في كل عدد ينزل.

يوم 28 ديسمبر 2002، كان الوقت عصراً، أمي في شهرها الأخير وأسبوعها الآخر من الحمل تنتظر مولودها القادم الذي بالمناسبة تم تسميته جارالله لمدة عامين ثم تغير بسبب طلب من جدتي، لأنها كانت يصعب عليها مناداته، وكنا حينها ننتظر قدوم أبي للغداء معنا، وصل أبي عصراً ولأول مرة أرى دموعاً في عينيه، أتى من الخارج مهرولاً إلى غرفة أمي احتضنها وأجهش بالبكاء، كنت أقف على باب الغرفة أبكي على بكاء أبي وأمي، لا أعلم لماذا يبكيان.. كنت أسمع أبي يردد كلمة قتلوه.. قتلوه.. قتلوه، وأمي تريد تطمينه ربما لازال حياً، ربما الأخبار التي نقلت غير صحيحة، بعد أن بدأ أبي بالهدوء لاحظ وجودي أقف على الباب وأثر الدموع على وجهي، قال تعالي يا "رشروش" على من تبكي؟ رديت عليك أنت وأمي لأنكما تبكيان، لتقاطعني أمي نحن نبكي جارالله، سألتها هل جارالله عمي أخ أبي؟

رد علي أبي، ستكبرين غداً وستعلمين لماذا نبكيه اليوم...

كبرت يا أبي وأنا أبحث عنه يوماً بعد آخر، فمشهد بكائكما لايزال عالقاً في ذاكرتي، وذلك المشهد هو من حفزني على معرفة جارالله، كبرت وأنا أتعرف عليه قليلاً قليلاً من كتب أبي، من أحاديث عمي، من رفاق أمي، حتى وعيت أكثر وتشكلت في ذهني صورة أعمق وأوضح عن الرفيق جارالله عمر.

ومع كل ذكرى تحل في تاريخ استشهاده، أشعر بغصة وقهر كبيرين، غصة الفقد لقائد وطني جامع واشتراكي أصيل، وقهر الاغتراب أنني لم أعش زمنه، جاءت متأخرة هذا أكثر ما يحز في نفسي، لم أعش مرحلته الاستثنائية وهو الرجل الفريد الذي استطاع جمع كل ما هو مختلف في تجربة فريدة ومميزة لم يسبق لها وجود على مستوى الوطن العربي، حينها بدايةً من مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة، إلى أن تطور إلى أحزاب اللقاء المشترك الذي باتحاده شكل تهديداً مباشراً لحكم علي عبدالله صالح، وذلك بدخولها الترشيح كمنافس له في 2006، التي لولا التزوير الذي حصل فيها، لكان كسبها اللقاء المشترك وقتها وباعتراف من الرئيس السابق نفسه.

ما أحوجنا اليوم لجارالله، في ظل هذه الظروف المعقدة وهذا الانقسام والتشظي الذي نعيشه جميعاً، والشتات التي تعيشه اليمن جغرافية وإنساناً، وفي ظل الاستقطابات الخارجية التي حولتنا إلى أدوات في يد دول الإقليم، كم نحن بحاجة إلى رجل قادر على الإقناع والمناورة وخلق مساحات توافقية كجارالله يجمعنا من جديد تحت ظل راية اليمن الكبير والديمقراطي الفريد، فأنت لم تمت. يتجدد ذكرك كل يوم في كل حدث يمني وفي كل انقسام جديد. الكل المختلف مهما أظهر مراوغته، في ظل هكذا ظرف، يحن إليك في اللاوعي، فوحدك كنت القادر على لملمة كل هذا الشتات.

الإثنين, 16 تشرين2/نوفمبر 2020 20:47

محطات لا تنسى مع القائد...!! [1]

 

 

ما أزال أتذكر أول لقاء لي بالقائد.

‏بعد معركة المطار القديم بثلاثة أشهر في مديرية المعافر، وتحديداً كان داخل مدرسة 13 يونيو التي صارت بعد ذلك مقراً لقيادة اللواء 35 مدرع.

كنت حينها مع رفاقي نعد مهرجاناً جماهيرياً لإشهار إعادة تجميع وتشكيل قوة اللواء 35 مدرع، ودعم المقاومة الشعبية.

في ذلك المهرجان الجماهيري ــــ الذي حضرته قيادات حزبية، ووجهاء اجتماعيين، وبعض الضباط الأحرار المنشقين عن وحداتهم العسكرية الموالية للانقلاب ـــــ اختارتني اللجنة المنظمة للمهرجان لتقديم فقرات الحفل.

قبيل تقديم العميد ركن عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع عضو المجلس العسكري لإلقاء كلمته الجماهيرية بقيت متفاجئة غير مصدقة وقتها أنه هو ذاته بطل معركة المطار القديم الذي صمد 23 يوما مع بضع مئات من المقاتلين ضد المليشيات، وكان الجميع يتغنى بهذا الفارس المتمرد الوحيد الذي واجه جحافل الإنقلاب.

كنت أتساءل: أيعقل أني الأن سوف أقدمه...

يا له من شرف كبير لك يا رشا...!

وما أن بدأت بتقديمه حتى أطبق الصمت على الحاضرين، وأخذت معهم أصغي لصوته بفخر كبير.

عندما امتطى صهوة منصة الخطابة رأيته يرتدي زيه العسكري دون رتب عسكرية، وهو دليل على أنه ابن معركة مستعد للمواجهة مرة أخرى، وكيف لا وآثار غبار معركة المطار مازالت تعفر بزته العسكرية، وفي الوقت ذاته هو دليل أخر يبين مستوى الذكاء الكبير الذي يتمتع به ويدفعه لأن يبقى حذراَ من إظهار نفسه في ظرف لا يستبعد فيه وجود خلايا نائمة تخدم العدو، أو المستائين من اقدامه على تلك الخطوة في أعادة بناء اللواء 35 مدرع من جديد، ناهيك عن تواضعه الجم الذي جعله يفضل عدم حمل رتبه العسكرية.

وشرع يلقي خطابه داعياً الجميع للوقوف صفاً واحداً لمواجهة الإنقلاب.

يومها دع المدنيين الذين يمتلكون أسلحة نوع "كلاشنكوف" الالتحاق به للتدرب بمركز التدريب.

كنت أشعر بصدق كل كلمة ينطقها هذا القائد أولاً: من حيث طريقة وقفته، وثانياً: من خلال قدرته على ارتجال الخطاب، وثالثاً: من امتلاكه ثقافة عالية قلما أجدها عند قائد عسكري غيره.

وقبل كل ذلك وجدته يحمل هم الوطن الكبير.

كان خطابه موزونا جدا فلم يكن مجرد خطاب حماسي للجماهير فحسب، وإنما كان يعرف جيداً من يخاطبهم، وماذا يريد منهم...ظ

ويعرف علاوة على ذلك كيف سيحركنا جميعا خلفه بدافع الحب لهذا الوطن العزيز والكبير...؟

أثناء الاستماع له بتركيز عال كنت سعيدة جدا بأن أراء شخصية عبد الرقيب عبد الوهاب تولد ثانية، وتتكرر من جدي.

وتتجلى سعادتي أكثر أن تلك البزة العسكرية تقف حارسة للجمهورية، ومكتسبات الحركات الوطنية اليمنية في هذا البلد لأنه كان من النادر وقتها أن تجد رجلاً يقاوم ببزته العسكرية.

***

أتذكر أنه قبل ذلك اليوم بشهر قمت بزيارة إلى جبهة الضباب مع الرفيق محمد عبد العزيز الصنوي لمعايدة المقاتلين.

في تلك الزيارة تعرفت على العقيد عبد الحكيم الجبزي، والعقيد دماج نصر، وقلة من الجنود الذين كانوا يتواجدون معهم أما بقية المقاتلين وهم الأكثر فقد كانوا مدنيين تحت قيادة هؤلاء الضباط.

وفي أحد التباب التي لم أستطع الصعود إليها نتيجة القنص المستمر من المليشيات كان يتواجد قائد مقاومة الحجرية فؤاد الشدادي، وأخيه حامد الشدادي، وابن فؤاد الذي استشهد بعد ذلك بأسبوعين.

كان الجميع يرتدي زياً مدنياً بما فيهم الضباط لا وجود للبدلة العسكرية، وكان هذا المنظر هو أكثر شيء آثار حفيظة نفسي.

أيعقل أنه في وقت المعركة الحقيقية لم أرى جيشنا النظامي الذي كان يجب أن يكون في المقدمة يقود معركة الانتصار للجمهورية...؟

قلت لنفسي ربما أن الجانب الأمني هو ما جعل الضباط المنشقين لا يرتدون بدلاتهم العسكرية أثناء المعركة بل هذا الأكيد كون الجيش وقتها كان يقاتل يجانب القوة الانقلابية.

وعندما رأيت العميد ركن عدنان يرتدي بزته العسكرية في ذلك المهرجان هو وحده من أعاد لي الأمل.

حقاً أعاد لي الأمل بأن هناك جيشا وطنيا قادم ينتمي للمؤسسة العسكرية، وليس للعائلة أو القبيلة.

***

بعد المهرجان الجماهيري بيومين ذهبت إلى مقر اللواء 35 مدرع المنشأ حديثا داخل مبنى ـــ مدرسة 13 يونيو ـــ بمدينة النشمة مركز مديرية المعافر، وبالمناسبة فقد درست في هذه المدرسة الثلاث السنوات الأولى من المرحلة الإبتدائية.

هاهي مدرستي، وقد صارت اليوم تمثل اللبنة الأولى لتأسيس نواة الجيش الوطني الجديد.

كان غرضي من مقابلة القائد كي أطلب موافقته على إجراء مقابلة صحفية معه خاصة بمعركة المطار القديم فحتى تلك اللحظة لم يكن هناك أي إعلامي أو أي وسيلة صحفية قد أجرت مقابلة مع العميد، ولا أحد يعلم شيئاً عن معركة المطار القديم الأسطورية سوى ما كان يتداول بين الناس من الذين نجوا منها في المدينة المحاصرة.

لا إنترنت، ولا كاميرات وثقت ما حصل هناك.

 أثناء انتظاري للعميد التقيت فجأة بالرفيق راشد محمد، وتفاجأت أنه قدم لنفس السبب الذي قدمت لأجله.

اتفقنا على إجراء المقابلة معاً لنسجل بذلك سبقاً صحفيا لنا حيث أرسلنا بالحوار إلى موقع الاشتراكي نت الذي انفرد بدوره بنشره فجاء رد فعل المليشيات الانقلابية أن أقدمت على حجب الموقع مباشرة.

حينها أجرينا المقابلة مع العميد بهاتفين، وقلمين ودفترين فقط، لا كاميرا توثق، ولا جهاز تسجيل جيد لكأننا نعيش حقبة زمنية لا تنتمي للقرن الواحد والعشرين نظرا لأن المدينة كانت محاصرة فلا كهرباء توجد ولا إنترنت، من النادر جدا وقتها أن تجد مكاناً تشحن فيه هاتفك.

حتى عندما قام صديقي راشد برفع المقابلة للموقع ذهب إلى أعلى تبه في المنطقة كي يستطيع إرسالها.

***

 في المقابلة حدثنا القائد عن المعركة بتفاصيل لا أعتقد أنه حدث أحداً قبلنا بها.

تفاصيل فيها ألم، ومقاومة، وتضحية.

وكيف أن جميع قادة الكتائب، والوحدات العسكرية في اللواء قاتلت حتى الرمق الأخير...؟

وكيف أن جنوداً وضباطاً تفحموا في أماكنهم دونما يسلم أحد أو يستسلم لــ 23 يوما، دون ماء، وأكل.

لا أريد أن أتحدث كثيراً عن معركة المطار فقد تم التطرق لذلك بذلك الحوار، وغيره من الحوارات المنشورة مع القائد الشهيد، ولكن تطرقت للإشارة الى ذلك اللقاء والحوار كونهما مهدا لي الطريق للتقرب أكثر من القائد.

وكنت كلما ألتقيه وقتها يغمرني التفاؤل إلى درجة كأني أعيش في عالم طوباوي بعيد كل البعد عن الوقع.

خصوصا أني وجدت الصدق النضالي في عيون القائد، وهم القضية من خلال نبرات صوته.

***

بعدها بأسبوعين كان هناك تسلل كبير لمليشيات الحوثي عبر النقاط العسكرية التابعة للمقاومة، ولكن تسللهم كان بزي نساء.

ونظرا لأن المساس بالمرأة أو حتى تفتيشها يعتبر عيباً أسوداً كبيراً وقتها.

أقول وقتها، لأن إطالة أمد الحرب جعل التعدي على النساء في الشوارع، وقتلهن أمر اعتاد عليه المجتمع مثله مثل كثير من الظواهر الخطيرة التي تظهر في فترات الحروب.

الحوثيون استغل نقطة قداسة، ومكانة المرأة في العرف اليمني فالتسلل بزي النساء هو أكثر أمانا لهم، ويساعدهم بالتحرك في المناطق الخارجة عن سيطرتهم بكل سهولة.

وقتها كنت أسمع بكل هذا، وذهبت للمعسكر، والتقيت بأحد المدربين العسكريين هناك.

أخبرته هل باستطاعتك تدريب كتيبة نساء على فنون قتال الشوارع، والتفتيش تساعد المقاتلين...؟

قال: نعم لكن إطرحي الفكرة على القائد.

طرحت أنا وهو الفكرة على القائد، وفوراً رحب بها، واشترط أن أكون أنا من يقود هذا الكتيبة بعد التخرج.

وقتها قال المدرب للقائد لكن أنا لا أعتقد في هذه الفترة أن الأهالي سوف يسمحوا لبناتهم بالتدريب، والدخول في السلك العسكري.

رد عليه العميد: “لذلك أنا اشترط أن تكون رشا قائدة للكتيبة، واعلم أن الأهالي عندما يعرفوا أنها في المقدمة سيكون هناك دفع كبير للسماح لبناتهم بالتدرب".

 اعترف أني كنت فعلياً برغم تحمسي للفكرة إلا أني كنت لا أعتقد أن يكون هنالك إقبالاً كبيراً بذلك الشكل من قبل الأهالي للدفع بفتياتهم للالتحاق باللواء.

وعندما أعلن اللواء طلب التجنيد للفتيات، تفاجأنا بأكثر من مئتين متقدمة إلى درجة أني اقترحت على المدرب وضع شروط معينة كي تتم الغربلة فنحن لا نحتاج لكل ذلك العدد الكبير من المتطوعات الذي يفوق الطاقة على استيعابهن في وقت كان اللواء مازال في طور التشكيل، وإعادة بنائه.

ففي النهاية كانت الحاجة لكتيبة تتكون من 90 مجندة على الأكثر مدربات بحرفية بغرض مساعدة المقاتلين في تفتيش النساء بالنقاط الأمنية، وتأمين المربعات التي يتم تحريرها من قبل اللواء، واقتحام المنازل المشتبه بها إلى جانب الهدف الرئيسي من إنشائها ويتمثل بردع المتسللين من قوات الإنقلابيين بأزياء النساء، والحد من تسللهن.

***

تطورت علاقتي بالقائد إلى حد أنها لم تبق مجرد علاقة بين فرد، وقائده إطلاقا فقد صارت علاقة إب وإبنه، صديق وصديقه،

هكذا كان دوما يشعرني في كل مرة التقي به.

كنت عندما اذهب كل صباح إلى المعسكر والتقي بالقائد لأجل أي شيء يخص الجبهات أو الكتيبة لا يسمح أن انتظر دقيقة واحدة بجانب الضباط أو انتظر حتى يأتي دوري للدخول إليه.

عندما يعرف بوجودي يطلب مني الذهب إلى أحد المكاتب التابعة للواء، ولا يقبل أبدا البقاء وقتا طويلا لانه يفهم جيدا ماذا يعني إنتظار فتاة وحيدة بجانب ضباط لوقت طويل داخل المعسكر.

وكان بهذا التصرف لأكثر من مرة إنما يؤسس لي قوة داخل اللواء تفرض على الجميع احترام هذا الفتاة التي لا تقل واجبا عنهم كونها تقضي نصف اليوم في المعسكر، وهذا الشيء جعلني قوية في نظرهم وقبل ذلك في نظري.

***

أما عن المهمة التي أسندت لي ‏فقد كانت قيادة الشرطة النسائية في اللواء، وبقيت أزاول هذه منذ تخرجنا من المركز التدريبي مع بقية الملتحقات المتطوعات باللواء حتى تاريخ مغادرتي اليمن للعلاج بالقاهرة.

اثناء قيادتي للكتيبة ‏أسندت لي مهاما كثيرة لا أستطيع الان حصرها هنا من بينها تشكيل مجموعة من الكتيبة، وإعادة ‏السلاح المنهوب من قبل أهالي منطقة الايفوع فقد حدث خطاء إنزال طيران التحالف العربي للسلاح ‏في تلك المنطقة.

أيضا مسح جميع مناطق المسراخ، والاقروض في مهمة إستمرت شهراً لتفتيش ‏جميع المنزل لإخراج السلاح الذي تم قام الأهالي بتفيده إثر هروب جماعات الحوثي.

‏أيضا أسندت لي مهمة مسك نقطة مدة اسبوع في خط التماس منطقة مابين الدمنة والأقروض.

وكل هذه المهام كانت تسند لي، و‏الكتيبة تحت قياداتي.

لكن ثمة مهام أخرى شخصية، وهذه أول مرة أتحدث عنها، هي:

ـــــــ مراقبة قيادة ‏وأفراد جميع النقاط التي تحت سيطرة اللواء كيف تتعامل مع المواطنين...؟

لقد كان أكثر شيء يهم ‏القائد هو كيفية تعامل الجيش مع المواطن.

وكان يؤكد أن الجيش ما وجد إلا لأجل المواطن، وأمنه.

ـــــــ ‏ أيضا القيام بعمل استطلاعات في ‏جبهات عدة مثل المسراخ والاقروض والكدحة.

***

كثيرة هي المواقف التي لن أنساها ما حييت لكن لأني على عجلة من الأمر لأسباب لا يتسع المقام هنا لذكرها، ولا لإيراد تلك المواقف سأكتفي بذكر موقف يستحيل أن محوه من ذاكرتي، وخلاصة هذا الموقف هو:

أنه ذات مرة كان لدى مقاتلين اللواء هجوماً على مواقع سيطرت عليه ميلشيا الحوثي في جبهة المسراخ منطقة الوجد، وكنت حينذاك معهم.

ذهبت مع الإمداد لأجل التعزيز بذخيرة، وأيضا لأجل توصيل الغداء للمقاتلين.

كان الوقت ظهراً تحديدا الساعة 12.

كان الهجوم عنيفاً والقنص شديداً.

وقع علينا حصارا هناك ونحن بجانب أحد المنازل مع بعض رفاقي.

فجأة وجدت رقماً غريباً يتصل بي، ولم أكن أسمع جيدا الصوت من شدة دوي أصوات النيران والرصاص.

رديت على الاتصال:

ـــــ من معي ...؟

المتصل يرد:

ــــ 111.

أدركت حينها أنه صوت القائد فقد كان هذا الرقم هو الشفرة التي أعطانيها، فقد كان دوما يغير الأرقام من ناحية أمنية.

كان كلما غير رقما يتصل ويقول فقط 111 حتى لا ينقطع تواصلي به حيث كنت ابلغه بأي جديد.

المهم وقتها خفت القائد يتصل.

إذن لقد علم إنني محاصرة، وتحدث معي بخوف الأب على إبنه، وبفخر القائد بجنوده.

هذا ما لمسته من خلال كلامه، ونبرة صوته.

لم يوبخن وقتها... كان فقط كل ما يهمه كيف هو أن انجو.

استمر يطمئن علي وعلى الجنود حتى تم فك الحصار علينا، واستطعنا العودة.

وعندما وصلت عائدة لأحد مراكز القيادة التابعة للواء في مفرق يفرس كان القائد هناك في انتظارنا، وقال لي:

ــــ تذكري أن هناك مهاما وطنية كثيرة تنتظرك... لا تستعجلي، ولا نريد أن نفقدك بهذا السرعة.

شعرت وكأن أبي من يوبخني بألا أندفع، ولكنه كان شعورا رائعا لأنه ممزوج برؤيتي أشعة الفخر تنضح في عينيه بي مع ابتسامته التي لا تشعرك ابدا أنك مذنب مع أنى حقيقة كنت مذنبة لأني تجاوزت خطوطاُ لم يكن علي تجاوزها.

مكان محدد، أو نقطة محددة يجب أن أبقى فيها لكن حماسي أثناء هجوم رفاقي جعلني أتهور وأتجاوز تلك النقطة المحددة.

***

 

 

 


[1]  ـــ إن هذه المقالة ليست كل ما بذاكرتي عن علاقتي بالقائد الشهيد عدنان الحمادي. ‏

إن هي إلا محطات مبتسرة موجزة لرحلة لا تكفيها رواية ضخمة، وإنما بضع روايات أو بضع ‏ملاحم لم يسبق أن شهدت مثلها الملاحم ذي قبل. ‏

نعم إن هي إلا محاولة أولى لاجتراح الكتابة عن قائد عسكري وطني قلما يتكرر في ذاكرة التاريخ ‏العسكري اليمني على الأقل في الزمن المنظور. ‏

محاولة أتمنى أن تنال الرضا من كل من سيقرأها، وقبل الجميع أن تنال قبول الانسان الذي فجأة ‏طالبني بكتابتها وهو الأستاذ منصور السروري كي يضمها إلى الكتاب الذي يعده عن القائد الشهيد، ‏فكتبتها في ظرف لا يبعث إطلاقاً على كتابة أي شيء خاصة عندما يكون جوهرها شخصية بحجم ‏ومكانة القائد عدنان الحمادي الذي لن تفيه حقه كتب ومجلدات. ‏

الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2019 19:19

ويسألونك عن الجيش الوطني قل: "حلم جميل"

 

كثيراً ما نسمع وما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الإجتماعي، عن مصطلح الجيش الوطني، فأي جيش يقصدون؟!!، هل جيش ينتمي أفرده لأحزاب سياسية وانتماءات ايديولوجية!!!، فماذا يعرفون عن الجيش الوطني؟ وماهي شروطه ؟، ولماذا كانوا ينتقدوا الجيش السابق؟!!، الذي في وقت المعركة الوطنية الحقيقة اختفى، وسلم البلاد لميليشيات، ينتقدوا جيش "عفاش" لأنه أفرغ المؤسسة العسكرية من مضمونها العسكري وولائها الوطني، وأصبح جيش عائلي قبلي والدليل أنه تأمر على الوطن مع ميليشيات كهنوتية، اليوم يكررون نفس التجربة تماماً، ولم تستفيدوا من الماضي وأخطائه مع أننا دفعنا ثمن ذلك دماء قلوبنا.

يتحدثون بكل مزايدة عن جيش وطني قيادته ليس لها علاقة بالمؤسسة العسكرية!!!، بل في الغالب مدرسين وموظفين يمتلكون وظيفتين ويقبضون راتبين!!!، وينتمون لنفس الحزب السياسي، وأفرده لا يجيدون معنى التمام "الانضباط العسكري" !!!، تتحدثون عن جيش وطني يتقاتل داخل المدن المحررة مع رفاق السلاح!! فجميع من يتقاتلون يحملون أرقام عسكرية، ويقبضون راتبهم من نفس القيادة!!!، ولكنهم إختلفوا على الوليمة وكمية السلاح.. أيها الحمقاء بدل أن تستعرضوا القوة في شارع جمال والحوبان ليست ببعيده عنكم !!، عليكم أن تثبتوا ذلك في الجبهات.

عرف الجميع حقيقة هذا الجيش، جيش اللون الواحد وبأنه مجرد ميليشيا، يحاول قادتها نقل صراع نفوذ المربعات داخل مدينة تعز، إلى أريافها وبالتحديد أماكن سيطرة اللواء 35 مدرع، اللواء المشغول أفراده بمواجهة الحوثيين في الجبهات، والذي ليس له علاقة بالصراعات التي تحدث داخل المدينة، يريدوا أن يشغلوا اللواء 35 عن مهمته كلواء وطني، بصرعاتهم الضيقة وطموحاتهم الفردية.

فإلى متى سيضل بناء الجيش الوطني حلم جميل؟!!، فمنذ قيام سبتمبر وحتى الآن لم يتحقق الهدف الثاني من إهداف الثورة المتمثل بـ (بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد والثورة ومكتسباتها)، يبدو أن المراحل لازلت طويلة حتى يتحقق ذلك، طالما ودجاج الخرابة لم يعو الدرس بعد، ولم يستفيدوا من الماضي ومخلفاته.

الجمعة, 19 أيار 2017 20:21

تعز ماذا بعد التحرير؟

عندما تتجول في أزقة وشوارع تعز فإنك ستلاحظ المدينة المقسمة ما بين فصائل ومليشيات تقاتل الانقلابين ليس لأجل كرامة تعز بل قاتلت من منظور ديني طائفي بحت ستجد سوق الصميل بيد تنظيم القاعدة وشارع جمال بيد "مفصعي" حمود المخلافي قائد المقاومة في تعز، وحارة الميدان والمدينة القديمة بيد مجاميع ابو العباس القائد السلفي، وبين شارع وآخر تتوزع نقاط تفتيش قليله بيد اللواء ٢٢ومنها بيد اللواء ١٧ والاخرى يسيطر عليها اللواء ١٠٧ دفاع جوي ولكن المسيطر الفعلي داخل المدينة هي المليشيات الإرهابية رغم وجود  اربعة ألوية عسكرية ومجلس عسكري وقيادة محور مشكلة من الرئاسة الشرعية الا انهم مختفيون تماماً عن المشهد الهمجي الذي تديره المليشيات الإرهابية داخل المدينة متوزعا بين عمليات الاغتيالات وتهجم على المنازل واختطافات وترويع للمواطنين الذين ابتهجوا بتحرير المدينة من الانقلابين لتفاجئوا بالسيطرة عليها من قبل جماعات شكلت بممارساتها وفكرها الوجه الاخر للانقلابين لأنها ولدت من نفس الرحم الذي ولدت منه الحركة الحوثية فكلاهما يحمل مشروع الدمار لهذا الوطن.

نعم سندخل بعد التحرير معركة جديده مع من كانوا يقاتلون بجنبنا ويكدسون السلاح لمعركتهم القادمة وطموحاتهم الفردية، وسنكتشف حينها ان المجلس العسكري وقيادة المحور الذي كان قد شُكل لأجل السيطرة على المدينة بعد تحريرها من المليشيات الانقلابية من اجل منع سقوطها بيد التنظيمات والفصائل الإرهابية بانه الغطاء لهذه المليشيات.

سيقول قائل بأن هذا امر طبيعي بعد كل الحروب وأننا بهذا الكلام لا نخدم الا عفاش الذي هم بالأساس الوجه الاخر له. فلست متشائمة من بعد التحرير لكنها الحقيقة التي سوف نراها والتي  نراها منذ الان.

لكن سنكتشف في نهاية المطاف بان كل القوى المتصارعة اتفقت على قتلنا نحن وإلا ماذا يوحي بتقسيم المدينة الى مربعات كل مربع تسيطر عليه مليشيات هي الوجه الاخر "للحوافيش" مع ذلك فالمتآمرون يحاولون استنساخ تقسيم المدينة الى مربعات وتمتد العملية الى قرى وأرياف تعز لكي يبسطوا قبضتهم تماماً على كامل المحافظة وسرقة انتصارات اللواء ٣٥مدروع وبذلك  يخيفون الناس من التحرير، فيكون امام الناس القبول بحكم مليشيات الحوثي او المليشيات الإرهابية بعد التحرير، وبذلك يتقلص ويختفي دور الجيش الوطني بالتحرير ومن هنا يفقد المواطن ثقته بالجيش الوطني وهذا لا يخدم سوى تجار الحروب في حكومة الانقلاب او حكومة الشرعية.