الثقافة .. أنثى

الأحد, 14 كانون1/ديسمبر 2014 01:56 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

لم تكن السيّدة أروى عبده عثمان (1967) تعلم، عندما قرّرت في 2010 إغلاق «بيت الموروث الشعبي اليمنيّ»، الذي كانت قد أسّسته بهدف الحفاظ على التراث المحليّ وتنوّعاته، وذلك بعد عجزها عن تدبير مصادر تمويل لأنشطته والحفاظ على أبوابه مفتوحة في طريق رفد الثقافة اليمنية. لم تكنّ أروى تعلم، عندما قرّرت ذلك بأنها ستكون، بعد أربعة أعوام وزيرة للثقافة في اليمن.

قد تبدو حكاية هذا الخبر شبيهة بتلك اللحظة المستحيلة التي يصادفها قارئ لرواية غرائبية عندما يجد أحداثها وقد انقلبت كلّية لتتخذ لها، في نقطة معينة، مساراً مختلفاً للغاية عن تلك البداية التي كانت لها.

صدر، مؤخراً، قرار رئيس الجمهورية اليمنيّة، بالموافقة على تشكيلة الحكومة الجديدة، التي جاء فيها اسم أروى عثمان لتولّي حقيبة الثقافة. وعليه؛ صارت هذه الباحثة في الموروث الشعبي والناشطة في الحقل الثقافي اليمني، والتي فشلت – لقلّة الموارد – في الحفاظ على «بيت الموروث الشعبي»، مشروع حياتها الهادف للحفاظ على التراث الشعبي وتنوّع مصادر الثقافة المحليّة واحترام منابعها الأصلية، لقد صارت على رأس أرفع هيئة ثقافية في بلدها.

وما يزال كثيرون من العاملين في المجال الثقافي اليمنيّ يتذكرون ذلك البيان الذي أصدرته أروى عثمان بخصوص قرار إغلاق بيت الموروث بعد ستة أعوام على «مشوار المعاناة وعلى مغامرة الإنجاز ومحاولة عرض وإبراز تراث التنوّع والتعدّد في اليمن، لم يعد بمقدور المبنى المُتهالِك الصمود بوجه موجة الأمطار الشديدة التي كانت قوية على البيت وكان تأثيرها بالغاً على معروضاته من تحف وأزياء وصور وكتب، علاوة على أسلاك الكهرباء التي أصبح وضعها حرجاً للغاية».

وأضافت في بيانها «لكننا لن نستسلم وسوف يظلّ باب الأمل مفتوحاً، فالمستقبل كفيل بإتاحة المخارج والفرص والإمكانيات.. لأن الحاجة لحفظ هذا الموروث وحمايته تعادل حاجتنا للدفاع عن حقنا في الحياة والوجود على الأرض، وبإسماع صوت التنوّع والتعدّد والاختلاف، بما هو صوت الحياة». لعلّ أروى عثمان كانت تقصد آنذاك هذه اللحظة التي جاء فيها قرار تسلّمها مهام وزارة الثقافة.

وكما كان منتظراً، فقد أحدث قرار تعيين هذه الناشطة في الحقل الثقافي حقيبة الوزارة أصداءً واسعة، انقسمت بين مُرحِب ورافض له، على اعتبار أنها المرة الأولى التي تجلس فيها امرأة على كرسي أرفع هيئة ثقافية في اليمن. المرحبّون بالقرار اعتمدوا في ابتهاجهم به على معرفتهم القوية بشخصية الوزيرة الجديدة، وهي التي أتت إلى هذا المنصب عبر سيرها الطويل على طريق العمل الثقافي ووجودها الفعلي بداخله كعنصر مؤثر، وكذلك الإصدارات الأدبية والبحثية التي أنتجتها والمقالات الأسبوعية الثابتة التي داومت على نشرها في مختلف الصحف اليمنيّة وكان يغلب عليها صوتها المُطالِب بحرية الناس في القول والتعبير عن انتماءاتهم الثقافية الخاصة وضرورة إشاعة فكرة التسامح وتأكيد دور المرأة وحقها في الحضور ككيان مستقلّ بعيداً عن هيمنة السلطة الذكورية وسيطرتها في المجتمع.

في حين صدرت الأصوات الرافضة من جبهة عريضة، تصدّرتها أصوات محافظة أعلنت بأن الحكومة الجديدة هي «حكومة راقصة»، وذلك في إشارة لصورة تم تداولها بشكل واسع تظهر أروى وهي ترقص في وسط تجمع شبابي بأحد شوارع العاصمة صنعاء وتعليقات رافضة لهذا الفعل وقولهم إنه يتصادم مع الثقافة المحليّة اليمنية. لكنّ لم تتم الإشارة خلال تلك التعليقات والتداولات الرافضة إلى أن تلك الصورة قد تم التقاطها من فعالية احتفالية ضمن احتفاء شباب من الحزب الاشتراكي اليمني بذكرى الثورة اليمنيّة. لقد تم الاكتفاء بالإشارة إلى فعل الرقص مجرداً ومجتزأ السياق الوطني الذي جاء فيه وأنه كان في مكان عام ومفتوح.

قد تبدو في هذه الواقعة أولى الإشكاليات التي ستكون وزيرة الثقافة الجديدة في مواجهتها وهي تضع برنامجها الثقافي والاستراتيجية التي سوف تمشي عليها في قادم الأيام ومواجهة تلك القوى المحافظة التي ترى في الرقص فعلاً فاضحاً يستحق المنع، فكيف سيكون الحال ومن قام بذلك الرقص سيّدة لا تحرص على وضع غطاء على رأسها؟. ومن المفارقات اللافتة أن أروى عثمان كانت وقبل أيام قليلة من صدور قرار تعيينها وزيرة للثقافة في اليمن قد تقدمت ببلاغ للنائب العام ذكرت فيه تعرضها وبناتها لتهديدات صريحة بالقتل والتصفية عبر وسائل وصلتها من قبل عناصر مسلحة.

وعلى هذا وبداخل هذا الواقع الثقافي والسياسي الملتبس والمعقد سوف يكون على وزيرة الثقافة اليمنية الجديدة أروى عثمان أن تضع استراتيجيتها التي ترى أن الفنون، من رقص وموسيقى وتشكيل هي جزء أساسي منها، ومن ثم سيكون عليها أن تبذل أكثر من جهد، لفرض تصوّرها أولاً ولمقاومة الأصوات الرافضة ثانياً، وتأكيد أن تلك الرؤية نابعة من صلب وأصل الثقافة اليمنيّة التي عُرفت بها من عصور ماضية أيام كانت تلك الثقافة سبباً في إطلاق اسم «اليمن السعيد» عليها.

ولعلّ الإشارة هنا واجبة لمصادفة لافتة تزامنت مع ظهور إعلان قرار تعيين أروى عثمان لتكون وزيرة للثقافة في وقت كانت هيّ خارج اليمن، في برلين تحديداً، لحضور حفل تسلّمها جائزة منظمة الهيومان رايتس ووتش. وفي حفل تسلُّم الجائزة قالت أروى في كلمتها «هذه ليست جائزتي وحدي، جائزتنا و.. لكل إنسان لا يركن على قوته العضلية والرصاص، بل بالقلم والمعرفة والانتصار لحق الحياة. سأظلّ أقف مع الإنسان، مع التنوّع والتعدّد والاختلاف وحرية الأديان والمعتقد والضمير والقلم، والمعمل، والموسيقى، والغناء والرقصة، والمتحف، والعقل والمعرفة، والطين، والإبرة، واللون، وحقوق النساء حتى ينتهي التمييز والعنف ضدهن».

قراءة 2084 مرات
المزيد في هذه الفئة : « اذا عن جولي؟ طائر الفينيق »

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة