الحياد القاتل

الأربعاء, 13 كانون2/يناير 2016 18:15 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

لماذا يعنينا أمر الحياد والمحايدين إلى هذه الدرجة؟ أعني نحن الذين نزعم الوقوف في صف المقاومة الشعبية؟ (يكذب من يقول بوجود كارهين للحياد في صفوف من يقفون الى جانب تحالف الحوثي وصالح).

بالتأكيد نحن الآن لسنا في أرض المعركة لنجعل انحيازنا رصاص ومتاريس. بالمقابل فإن أولئك المحايدين حتى وان انحازوا بشكل معلن للطرف الذي نعتقد أنهم بحيادهم ينحازون إليه، فهم أيضا لن يذهبوا إلى أرض المعركة. لكن عندها لن يعوزنا ايجاد شيء آخر نتهاتر ونسفه بعض من أجله، لكن على الأقل ستكون مهاتراتنا انعكاس واضح لما يجري على الأرض. سيعتقد الجميع أنه يقوم بدوره على أكمل وجه. ولن يكون هناك خسائر مادية وبشرية أكثر من تلك التي تحدث كل يوم.

اذن أين المشكلة الآن؟

المشكلة "يا مالي" في الحياد. ويا مالي هذي من حق مروان كامل.

طفرة الحياد التي وجدت مؤخرا ليست انعكاس للواقع، بل في سبيل صناعة محترفة لواقع آخر أكثر بشاعة. هذا الواقع يجري اعداده من خلال استهداف جمهور محدد.

لو أن الحياد أشهر في عمران وصعدة وفي ضواحي صنعاء، من خلال مظاهرات ونشاطات تستطيع أن تُوصل الرسائل المرجوة بدون أدنى لبس، وأشهر في مناطق أخرى بنفس القدر وان اختلفت الأدوات، لكنا صدقنا أنه حيادا.

لأن العبرة بتحقيق الهدف. أما الحياد الذي نواجه خطورته اليوم، فهو يستهدف جمهور المقاومة الشعبية، حياد حصري يستهدف تعز وإب وعدن ... الخ. يستهدف الاشتراكيين، الناصريين، الليبراليين، العلمانيين، والمتخففين من أي انتماء. هذا الجمهور هو أكثر من يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة الأحداث وقراءة أي شيء عن أي شيء له علاقة بما يحدث. هذا الجمهور وان كان لا يشترك في القتال فهو مؤثر داخل الحاضنة القتالية للمقاومة، ومن هنا يأتي دور الحياد القاتل.

لو أن الكثير من ابناء عمران وصعدة وبني حشيش لديهم حسابات في "فيس بوك" لما كان تم تحشيدهم بهذه الطريقة وجرهم كقطيع لا يعرف مصيره ولا يعرف من أجل ماذا سيقاتل. على أن التكنولوجيا لم تعد محصورة على المجتمعات شبه المتمدنة أو تلك الأوفر تعليما وثقافة، لكن هذا لا يعني أنها تقوم بذات المهمة عند الطرفين.

التكنولوجيا في المجتمعات المغلقة تكون عادة احدى وسائل التغريب والامعان في التجهيل، تكون بمثابة منبر للخطابة وناقلة لأحداث مؤتمر قبلي هدفه التوقيع على وثيقة شرف. التكنولوجيا في المجتمعات المغلقة أداة لتبادل الزوامل وهي تساعد الى حد كبير في التعبئة العامة التي اعلنها الحوثي قبل أشهر من الحرب، والتي لم تترك طوال هذه الفترة، أي شقوق يمكن أن تتسلل من خلالها هذه التحفة التي يطلق عليها كثير من المثقفين وناشطي الدفع المسبق اسم حياد. هذه مجتمعات موحدة، متماسكة، ويجري استثمار خصائصها من قبل تنظيم حديدي طائفي (الحوثي) الى جانب توظيف خبرة وثقافة حربية متجذرة (القبيلة) واعمال كل امكانيات الدولة ومقدّراتها العسكرية والادارية والمالية (الدولة العميقة لصالح).

المجتمع الآخر المستهدف بالحياد، هو مجتمع مفكك (وهذا ليس ذما) مجتمع منفتح على كل شيء، مجتمع هجر كل الارتباطات الماضوية من دينية وقبلية ومناطقية، وهو مسيس الى حد بعيد، وكل ما يدعوه للاشتراك في الحرب هو القناعة الشخصية قبل القناعة الجماعية، التصور الشخصي والثقافة السياسية وليس داعي القبيلة والمذهب، الدفاع عن النفس والكرامة وليس لأن اﻵخر دواعش ويشتوا يلهفوا السلطة. كل خصائص المجتمع المنفتح ليست ذات طبيعة راسخة، بل هي خاضعة لتأثيرات الوسائط المتاحة.

هذا المجتمع يقاتل اليوم وقد جرى تشويه كل القيم التي لابد ان تحثه على مزيد من الانسجام والتلاحم، تشويه قادته السلطة منذ عقود فهي ثابرت بكل خسة على تدجينه وبالمقابل فرض عزلة ممنهجة على المجتمع شبه المنغلق.

خطورة الحياد ودعوات السلام وكل ذلك الهراء الموجه من قبل الاعلام الحربي لتحالف صالح والحوثي، هذه الخطورة تكمن في أن الحياد يستهدف جمهور أحد طرفي الصراع، حياد يمعن في خلخلة هذا الجمهور، ويهدف إلى سلب المقاومة مصدر قوتها الوحيد المتمثل باصطفاف الناس خلفها. إلى جانب أن المقاومة هي الطرف الأضعف بدون خلاف، فإن سلبها لهذا الجمهور سيجعلها حائط ورقي لا أكثر.

يدرك الحوثي وصالح أن مناعة المقاومة العسكرية وصلابتها ليس مصدره قوتها الذاتية أو حتى وضوح هدفها مقارنة بتحالفهم، ولكنها تأتي من وجود اسناد واصطفاف شعبيين واسعين. ورغم كل السياسات التي تنبهت لهذه النقطة من وقت مبكر، إلا أنها فشلت حتى الآن في تحقيق اختراق حقيقي. ومثلما كان الدور قبل أشهر على دعوات السلام، فهو هذه المرة ملقى على عاتق الحياد والمحايدين، وعلينا أن نتوقع عنوان آخر خلال الأشهر القادمة.

اذن ليس غريبا أن هذا السعار الحيادي، يريد من الضحية أن يبقى محايدا، ليسهل على الجلاد القيام بمهمة سلخ جلده.

اذا ما اردنا الاقتراب من الأمر اكثر، فنحن نعرف وفقا للحس السليم، أن الحياد الحقيقي يعني أن طرفي الصراع على خطأ، وأن هذا الموقف لكي يحافظ على نزاهته، يجب أن ألا يخدم أحدهما على حساب الآخر. اذن الحياد ـ وهو نظرة قيمية شاملة وموقف كبير ـ في ظل وجود مثل هذه الاشكاليات سيحثنا على ان نعثر على الطريقة المناسبة لكي نتمثله على أكمل وجه.

في حالة الأشخاص المحايدين، سيكون الصمت هو المعبر الحقيقي عن الحياد. بمعنى آخر: الابتعاد عن ميدان الصراع الفعلي والافتراضي. لهذا علينا أن نتوقع أن هناك محايدين نحن لا نعرفهم، لأنهم اختاروا الصمت كأداة معبرة عن حيادهم. عندما تضع الحرب أوزارها سيشرفنا التعرف على هؤلاء المحايدين.

في حالة الأحزاب والكيانات الاعتبارية فإن الأمر مختلف، لن يكون الحياد بالابتعاد عن الصراع والصمت، بل بالحضور القوي في ميدان هذا الصراع. اذا كان الأشخاص محايدون لاعتبارات أخلاقية فالأحزاب محايدة لأسباب أخرى. والسبب هو من يحدد طريقة التعبير عن الحياد.

قد يكون لدى الأحزاب التي تتبنى موقف الحياد وجهة نظر مختلفة اتجاه أدوات الصراع الفاعلة، اتجاه اطرافها، اتجاه نتائج هذا الصراع، لكن موقف الحزب السياسي المحايد سيعني أنه يبذل الآن جهود مضاعفة عن تلك التي يبذلها في الأوقات العادية. جهود من أجل وقف الحرب وتجنيب البلد مزيد من الدمار، وهذه الطريقة ستقتضي العمل داخل ميدان الصراع وفتح حوارات مباشرة مع طرفيه.

عندما تصطدم جهود الحزب المحايد بتعنت أحد طرفي الصراع او كليهما، فإن كشف هذا التعنت للشعب وتعرية من يتمسك بإمعان الويل بحق البلد. مثل هذا الدور لن يخل بمبدأ الحياد.

الحزب السياسي ليس ساعي خير، وهو لا يهتم للمواقف الأخلاقية. الحزب السياسي صاحب دور فاعل في مختلف الأوقات والمراحل، وفي الأوقات العصيبة بدرجة مضاعفة، لهذا هو يتخذ الموقف الذي يعتقد أنه الموقف الأكثر خدمة للشعب. وعندما يتخذ الحياد موقفا، فإن دوره يكون محصورا في دائرة من يحركون الصراع، وليس ممارسة دور الوصاية العلنية أو الضمنية على قطاع واسع من الشعب خدمة لأحد طرفي الصراع.

بدون الصمت في حال حياد الأشخاص فنحن أمام منحاز بطريقة ناعمة للطرف الذي يصب الحياد في صالحه. وبدون دور فعال وعدم ترك أي ملابسات حول هذا الدور من قبل الحزب المحايد، فنحن أمام حالة انحياز أكبر، إن لم يكن هذا الحزب هو "الوجه الناعم" للطرف المقاتل والذي شاءت الصدفة السياسية (ليست الصدفة التي نعرفها) وكل الاعتبارات الأخرى أن يصب الحياد في صالحه.

كما قلت في منشوري السابق: لا يكفي أنه لديك موقف صحيح. لأن الظروف المحيطة، لأن الزمان والمكان ومقدمات أحداثهما، كل ذلك يجب ان يتم اعتباره جزء من هذا الموقف. بعد ذلك يمكنك النظر ان كان موقفك لا يزال صحيحا.

اذن نحن منحازين ونقوم بدورنا عندما نكشف زيف الحياد، بل هذا دور يحثنا على بذل جهود مضاعفة عن تلك التي كنا سنبذلها ونحن نواجه منحازين واضحين على الضفة الأخرى.

المنحاز يؤثر على جمهوره، بينما الحيادي يدعي أنه فوق اطراف الصراع وأنه يسعى من أجل مصلحة الجميع، لهذا يصبح تأثيره على الجمهور القابل للتجاوب في اي جهة كان. ومهما أختلف موقع هذا الجمهور هنا أو هناك، فإنه يصح اطلاق أي شيء على المواقف الملتبسة إلا أن نقول عنها حيادا.

للاشتراك في قناة الاشتراكي نت على التليجرام اضغط على الرابط التالي

https://telegram.me/aleshterakiNet

 
قراءة 1769 مرات

من أحدث وسام محمد

المزيد في هذه الفئة : « الكاذبون كثر وفي دمائهم مغروسة ثقافة الكراهية روح 'الإسلام السني' تتضمن مضادات التطرف وخلط الدين بالسياسة »

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى