أخـــر الأخبــــار

 

محمد العبد علي.. ألق ثوري افتقدناه

  • الاشتراكي نت / كتبه - قادري احمد حيدر

الأربعاء, 25 تشرين1/أكتوير 2023 20:58
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

  في خضم هذا العبث والجنون والخراب العظيم الذي تعيشه البلاد شمالاً وجنوباً، بل وعلى المستوى العربي، يغادرنا بصمت الأباة الكبار، يغادرنا بكبرياء وشموخ جبال اليمن، وتاريخه البهي، المناضل والرفيق والصديق والإنسان/ محمد العبد علي، مناضل حقيقي لا يدعي شيئاً، سوى حبه لليمن وللإنسان في اليمن، وفي كل مكان.

  مناضل صلب من جيل الستينيات والسبعينيات، ولد في العام 1948م، عام النكبة العربية الفلسطينية التي ما تزال تلاحقنا، في واحدة من مناطق اليمن الأبية (صعيد العوالق، شبوة)، رحيل بطعم الحزن.. رحيل وكأنه يحمل نكهة ولغة الاحتجاج على كل ما يحصل في البلاد والمنطقة العربية كلها، وهو الوطني اليمني، والقومي العربي، الذي تربى وتتلمذ على معنى وحدة الفكرة الوطنية، في علاقتها بالقضية القومية.

  إلتحق باكراً بحركة القوميين العرب في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، وكان في قلب الفعل الوطني والثوري في مقاومة الاستعمار مع أقرانه، كان شاباً فاعلاً في قلب العملية الثورية السياسية والمسلحة، واستمر كذلك مناضلاً كبيراً حتى لحظة الرحيل القاسي علينا جميعاً كرفاق، وعلى أسرته التي قطعا تركهم فيما يشبه اليتم، والحزن والافتخار معاً؛ فمثل ابن العبد لا يرثى، بل نتحسر على رحيله والوطن في قمة الحاجة إلى امثاله، إلى عطائه، إلى نصائحه وتصويبه مسارات اعوجاجنا الراهن.

  برحيله القاسي خسر الوطن والحزب الاشتراكي اليمني طوداً شامخاً واسم علم وطني كفاحي كبير.

  في حديث مع الرفيق المناضل/ علي صالح عباد، أخبرته أنني التقيت مع محمد العبد، والد الكاتب شفيع العبد، فقال عنه ومباشرة أنه ممن يعتمد عليهم، وأنه من الرجال الذين يقولون ويفعلون، ومن أنه من أصدق الرفاق، هذا ما تبقى في الذاكرة مما قاله المناضل/ علي صالح عباد، وهذا وحده يكفي كتزكية صادقة لا تخطئ القول، وهذا شجعني على الاقتراب منه أكثر والحوار معه حول بعض همومنا في الحزب والوطن.

  كانت دورات اللجنة المركزية المختلفة هي بداية معرفتي الأولية به، وكنت في كل دورة أحرص على الالتقاء الجانبي به للاستئناس برايه والتزود ببعض الأخبار عن طريقه، حول أوضاع البلاد في جنوب اليمن، وفي صعيد شبوة، وكان في كل ذلك يقول فصل الخطاب دون تنظير وبلغة واضحة وقوية وبسيطة.

 ومن شدة أعجابي به، كمناضل وإنسان، عرضت عليه أن نلتقي بعد إحدى دورات اللجنة المركزية في منزلي مع مجموعة من أصدقائه، وكان حاضراً ذلك اللقاء ابنه، شفيع، وكم استمتعت بذلك اللقاء الحميمي والرفاقي والإنساني مع قامة وقيمة تركت أثراً طيباً وعميقاً في نفسي، ومازالت خواطر وذكريات ذلك اللقاء حاضرة في ذاكرة الروح.. ولذلك ما أن أشعرت بنبأ رحيله الفاجع - على كثرة حالات الرحيل في حياتنا-  حتى غاصت روحي في عميق الحزن، تأكد لي بعدها أنني فقدت شيئاً عظيماً من ألق الروح.

  في دورات اللجنة المركزية عرفته، وقد لفت نظري من أول لحظة تقع عيني عليه، بطوله الفارع وزيه الشعبي الجميل، وربطة الرأس العولقية، فشكله الخارجي يعطيك انطباع قوي أنك ترى قيمة ثورية واخلاقية لها معنى، تحتاج لترفع رأسك عاليا لتراها، وهو ما جعلني أسأل عنه، وهو ما كان.. طلته وهيئته الخارجية تمنحك القوة، وتغمرك ملامح وجهه بالفرح والألق، والثقة بالنفس، وكأنك تعرفه من زمن بعيد، يعود إلى طفولة المهد، فيقودك ذلك الاحساس والآلق الذي ينبعث منه إلى أن تشعر بالسعادة؛ ولذلك قلت إن رحيله المفاجئ أفقدني الفرح، وأتصور أن ذلك الانطباع سيكون مع جميع من تعرف عليه عن قرب، وحتى ولو لبعض الوقت القصير.

  محمد العبد مناضل وسياسي محنك، خبرته الحياة بمصاعبها وتحدياتها فكانت استجاباته لها مقاومة وبمستوى التحديات وأكثر.

  هو، من طينة الرجال المعجونين بتراب الأرض، والمتعطرين بماء السماء .. من الأسماء التي لا يمكن أن تشطب من صفحة التاريخ الحي لشعبنا، تبقى رغم تعب الأيام، محفورة  في الذاكرة معلنة حضورها أبداً.

  إنسان بسيط وكبير، يتحدث بلغة بسيطة تجمع بين اللهجة الشعبية واللغة الوسطى والفصحى، هي خلاصة للمعنى السياسي والحياتي والإنساني مجتمعا في واحد، وهو الإنسان اليمني الثائر على كل أصناف الاستبداد والفساد.

  محمد العبد، شخصية سياسية ووطنية وإنسانية لا تتحدث عن نفسها، فالأخبار الجميلة عنه سمعتها/ وتسمعها من غيره، ويبدو أن ابنه شفيع قد أخذ عن والده الكثير، وعليه أن يعتز ويفتخر أنه من سلالة ثورية نادرة، وسليل ذلك الفارس النبيل.

  هناك رجال ورفاق تلتقيهم لفترات محدودة قصيرة في حياتك، ولكنهم يتركون أثرهم العميق في نفسك وفي حياتك، رجال ورفاق في رحيلهم/ غيابهم عنك، هم حضور فاعل في الغياب، كما أن هناك أسماء تحتاج إلى جهد كبير لتتذكرهم مع أنك فارقتهم منذ ساعات، وعشت معهم لسنوات طويلة.

  محمد العبد علي، مناضل جدير بلقب مناضل، هو إنسان حقيقي يعلن حضوره في كل الفعاليات السياسية والجماهيرية والوطنية، تجده حاضراً في قلب كل الحراكات الجماهيرية الاحتجاجية، من ثورة وانتفاضة التغيير السياسية 2011م، في عتق، حتى فعاليات الحراك الجنوبي السلمي، تجده جنبا إلى جنب رفاقه وأصدقائه، وبالقرب ممن هم في عمر أبنائه.

  محمد العبد من مؤسسي الجبهة القومية وفي قياداتها في محافظة شبوة، وتعرض منزله لقذائف المرتزقة المناهضين لثورة 14 أكتوبر 1963م، تعرض للاعتقال خلال أحداث سالمين الأليمة وسجن بسبب تلك الأحداث المأساوية.

  ولانستطيع التحدث عن بناء مؤسسات الدولة في محافظة شبوة دون أن يكون اسمه حاضراً فيها، فقد شغل منصب مساعد سكرتير المحافظة بعد الاستقلال، في بداية سبعينيات القرن الماضي كان من ضمن الرفاق الذين نزحوا بعد أحداث يناير 1986م الكارثية، إلى شمال الوطن، وعاد إلى جنوب البلاد في العام 1988م. وعلى مآساوية تلك الأحداث على الحزب والوطن، فإنها لم تترك ندوباً في صفاء روحه تجاه الحزب، وتجاه كل رفاقه، وعاد مناضلاً صلباً في قيادة الحزب، وبعد جريمة حرب 1994م، بقي طوداً شامخاً في قلب بنية الحزب وقيادته، ولم تغره المناصب التي عرضت عليه للالتحاق بنظام علي عبدالله صالح، وبقي مناضلاً في قلب الحزب، وكان من الأسماء التي وقفت وتبنت خيار الحزب الاشتراكي اليمني، حول إصلاح مسار الحزب، ومسار الوحدة، والمصالحة الوطنية.

كان مع خيار الحزب الاشتراكي اليمني حتى لحظة رحيله، ولذلك عمل في هذا الطريق ضمن المؤسسين الأوائل لجمعيات المتعاقدين، ومن رجال التصالح والتسامح، ومشاركا فاعلا في قلب التحركات الجماهيرية السياسية السلمية.

لروحه الرحمة، ولأسرته الصبر والسلوان ، وإلى جنة الخلد إن شاء الله.

 

قراءة 900 مرات

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة