أخـــر الأخبــــار

 

مواجهة مثيرة فـي جنيف

الخميس, 11 حزيران/يونيو 2015 17:21
قيم الموضوع
(0 أصوات)

فـي جنيف السويسرية, تبدأ يوم الأحد المقبل مواجهة باردة لكنها مثيرة بين قوتين إقليميتين بواسطة حلفائهما اليمنيين, وبينهما تتداخل مواجهات سياسية بين أكـثـر من طرف.

قالت السلطات العسكرية السعودية إن جيش المملكة صد مساء الجمعة الماضية هجوماً هو الأوسع من نوعه, شنته قوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس المعزول علي عبدالله صالح مستهدفة مناطق جيزان التي ضمتها السعودية إلى أراضيها قبل 80 عاما.

وأضافت أن المعركة التي استمرت نحو 10 ساعات رافقها إطلاق قوات صالح صاروخاً من طراز سكود كان منطلقاً صوب قاعدة الملك خالد الجوية كبرى القواعد الجوية في جنوب المملكة قبل أن تعترضه صواريخ من نوع باتريوت وتفجره في الجو.

هذه المرة الأولى التي تفصل فيها السعودية بين قوات علي صالح وقوات الجماعة الحوثية.

تكتسب حقيقة أن معركة جيزان كانت هماً شخصياً للرئيس المعزول وجاهتها في حال ربطها بترتيبات دولية مسنودة بتأييد إقليمي ومحلي قد تضع صالح والحوثيين على مفترق طرق.

فالخطة المطروحة لإدارة محادثات جنيف المقرر عقدها يوم 14 من يونيو الجاري ترمي إلى إشتراك الحوثيين في المحادثات بمعزل عن صالح, إلى جانب أن جناح الرئيس عبدربه منصور هادي في المؤتمر الشعبي العام سيمثل المؤتمر بما من شأنه طرد الرئيس السابق نهائياً من المسرح السياسي.

ولعل الدبلوماسيين الأميركيين الذين أجروا مباحثات مع وفد من الجماعة الحوثية في العاصمة العمانية قبل أكثر من أسبوع قد أبلغوا الوفد الحوثي بذلك.

من شأن هذا الخيار في حال تشدد فريق الأمم المتحدة حياله أن يضع الجماعة الحوثية في مأزق, ينبع من خيارين كليهما صعب فإما تنسلخ الجماعة عن صالح الذي شق لها الطريق من صعدة حتى صنعاء؛ مذللاً لخدمتها قوات جيشه والجهاز المدني والأمني الموبوء بعلل حقبة حكمه أو تتمسك بحق تمثيله في المحادثات بما قد يتطور إلى انسحابها.

وفي حال فرط الحوثيون بصالح في جنيف سيغدون هدفاً لأذاه وربما يفتح هذا المنعطف الباب لتصفية حسابات بين الطرفين أو مواجهات أشد من تلك التي يديرانها ضد القوى والمناطق منذ 2013.

لكن هذه الاحتمالات النظرية لا تعني أن من السهل تفكيك عرى التحالف بين الرئيس المعزول والجماعة العنيفة أو أن هذا التحالف نشأ لتحقيق أغراض تكتيكية آنية, إذ أنه تحالف توافرت له انسجامات عصبوية شديدة الترابط, ولاحت أمامه أهداف يحن إليها طرفا التحالف.

لهذا سيجد الحوثيون بمساعدة إيران الداعمة لهم طريقة ما للحفاظ على تثبيت صالح في المشهد السياسي لدرء المواجهة معه وللإفادة من إمكانات قواته وأتباعه في الصراع الدائر.

صالح هو ماكر كبير أيضاً وسيتدبر أسلوباً يبقي الحوثيين في حاجة إليه. وإذا كانت المعركة التي خاضتها قواته مع الجيش السعودي للمرة الأولى رسالة منه إلى المملكة بأن تأثيره في الأحداث ما زال محورياً ومن السابق لأوانه التفكير باستبعاده من الحياة السياسية فهي ملائمة أيضاً لتكون رسالة للحوثيين, مضمونها أنه قادر على خلق تحديات هائلة في طريقهم إذا اتخذوا قرارات انفرادية.

وبتسعيره للحرب في المناطق الحدودية حيث تتلقى معاقل الحوثيين القسط الأكبر من الرد السعودي العنيف, تضيف رسالة صالح لحلفائه أن ما بدأوه معاً ينبغي أن يكملوه معاً وإلا فهو كفيل بإغراقهم في الحرب في حال فكروا بالمهادنة وتركوه هدفاً مكشوفاً للإقصاء السياسي وعواقب الحرب التي أشعلوها سوية.

وأكثر هشاشة من الاعتقاد بسهولة تفكيك تحالف صالح والحوثيين هو اعتقاد هذا التحالف أن سيطرته على مزيد من الأرض, وإن بأقذر الوسائل وأشدها إجراماً بحق المدنيين, سيهيئ له كرسياً راسخ الدعامات حول طاولة جنيف ويترجم هذه السيطرة إلى مكاسب سياسية.

يتناهى هذا الاعتقاد في هشاشته إلى حد الوهم بافتراضه أن محادثات جنيف المرتقبة ستتعامل مع تحالف 21 سبتمبر وسلطة عبدربه هادي كفصيلين متناحرين, يتساويان في ميزان المجتمع الدولي دون تمييز أن جنيف تستند إلى قرارات مجلس الأمن خصوصاً القرار 2216 الذي يثبت شرعية هادي الرئاسية ويلزم الحوثيين وصالح بالانصياع لها وتمكينها من السيادة السياسية.

ومجلس الأمن أصدر قراره 2216 في وقت كان تحالف صالح والحوثي ممسكاً بالسلطة ومسيطراً على الأرض. وقبل ذلك فر هادي إلى الرياض وقوات هذا التحالف مسيطرة لكن تلك الحقائق لم تغير نظرة المجتمع الدولي إلى طبيعة الصراع.

أكثر ما هو عملي من ذلك, أن سيطرة تحالف 21 سبتمبر على الأرض كانت سبباً لصدور قرار مجلس الأمن الدولي 2216 وانخراط التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب على التحالف, إضافة إلى صعود المقاومة الشعبية المسلحة.

وسواء توسعت هذه السيطرة أو انكمشت فلن تغير من حقيقة أنها سلوك غير مشروع في تقييم المجتمع الدولي, ومن ثم لن يترتب على تمددها أي مكاسب مثلما أن ذلك لن يخمد المقاومة ضدها أو يوقف الضربات السعودية الهادفة إلى اقتلاعها.

كــــانـت للتوســـع علــى الأرض قيمــته الكبــيرة, قبل الإطاحة بسلطة هادي مثلما تجسد ذلك يوم 21 سبتمبر 2014 حين أتاحت سيطرة قوات صالح والحوثي على العاصمة صنعاء تمرير «اتفاق السلم والشراكة» بكل ما فيه من مكاسب للوافدين الجدد على الحكم وحلفائهم القدامى.

لكن هذه العلاقة بين السيطرة الميدانية والمكاسب السياسية انقلبت رأساً على عقب, فبدلاً من أن تمكن الحوثيين وصالح من تحقيق أهدافهم انقلبت إلى وبال عليهم لتضع قواتهم تحت مظلة دائمة من جحيم القنابل في موازاة إدانة دولية واستهداف إقليمي.

تأسيساً على هذه المعطيات, لن تنحو محادثات جنيف منحى المفاوضات التقليدية حيث يستطيع الطرف الأقوى في الميدان انتزاع مكاسب سياسية.

كذلك هي لا تنعقد إثر نهاية الحرب لترسيم نفوذ القوى المتحاربة ومكاسبها بل تنعقد أساساً للبحث عن سبل لتطبيق قرار مجلس الأمن الأخير بما من شأنه أن يقود إلى وقف الحرب.

الخاصية المثيرة في محادثات جنيف تكمن في أنها تشكل مواجهة غير مباشرة بين الدبلوماسية الخليجية بقيادة المملكة السعودية والدبلوماسية الإيرانية بما لدى هاتين القوتين الإقليميتين من أفكار وتكتيكات ستزودان بها واسطتيهما لخوض المفاوضات.

فالسعودية يتعين عليها أن ترفع يقظتها في جنيف إلى مستوى قياسي, لأنها ستكون معنية في المقام الأول بالدفاع عن القرار 2216 الذي استصدرته هي من المجتمع الدولي ولا بد أنها بذلت في سبيل إقناع القوى الكبرى بالموافقة عليه عروضاً مغرية وضخمة.

ولذلك, لم تكن مصادفة أن يصرح الرئيس هادي ونائبه خالد بحاح يوم الاثنين الماضي في توقيت متزامن أن حكومتهما ستذهب إلى جنيف للتشاور بشأن كيفية تنفيذ القرار الأممي لا للتفاوض أو التصالح مع الحوثيين.

يؤدي هذا التصريح وظيفة كما لو أنه حائط وقائي شيدته السعودية مسبقاً حول الحد الذي تريد للمباحثات أن تتوقف عنده.

ولقد سبق للمملكة أن وضعت وثيقة إعلان الرياض في مايو الماضي لتتخذه القوى اليمنية المصادقة عليه دليلاً إجرائياً تسترشد به خلال أي مفاوضات حول الأزمة.

أما إيران فهي ترسخ بدفعها لذراعها الحوثية إلى الانخراط في المفاوضات سياسة عدم الانغلاق التي تنهجها الجمهورية الإسلامية في السياسة والدبلوماسية الخارجية مهما كان سلوكها في الواقع مناقضاً ومنغلقاً.

وبالمقارنة بين انغلاق الجماعة الحوثية في الداخل اليمني وانتهاجها سياسات عدوانية ضد قوى المجتمع وبين مباحثاتها الأخيرة مع فريق دبلوماسي أميركي في مسقط ثم جولة مباحثاتها مع مســـؤولين روس في موسكو, يمكن القول بثقة إن طهران هي من مدت الجسر الذي عبر عليه المفاوضون الحوثيون لمقابلة الأميركيين والروس.

ومع ما ترفعه الجماعة الحوثية من الشـــعارات الديماجوجية في الصمود أمام آلة حربية متفوقة بفارق خيالي ومعاداة الولايات المتحدة غير أن طهران بوصفها أنصع مثال للعواصم البارعة في المزج بين الشعارات الشعبوية الجوفاء وسياسات التفاوض الواقعية مع الخارج تقدر جيداً أهمية ذهاب الحوثيين إلى جنيف والموافقة المبدئية على الانخراط في المفاوضات حتى لو اضطروا إلى التخلي عن تمثيل حليفهم علي صالح.

إلى جانب هذا الاختراق الذي أحدثته طهران لذراعها الحوثية مع الخارج, سربت الجماعة أنباء عن استعدادها سحب مقاتليها من المحافظات التي تشن حرباً فيها، مشترطة تجهيز قوة بديلة لإدارة شؤون تلك المحافظات مما خلق انطباعاً ساذجاً لدى كثيرين بشأن جدية هذا التوجه في الوقت الحالي.

يفوت هؤلاء احتمال كبير في أن يكون تسريب الحوثيين بشأن استعدادهم للانسحاب من المحافظات التي توسعوا فيها بالقوة المسلحة مناورة لإضفاء تكامل على تحركاتهم الدبلوماسية في الخارج واستباقاً لطاولة جنيف من أجل تليين التشدد الذي يتوقعون أن يقابلهم به خصومهم.

بعبارة واحدة: مؤتمر جنيف مناسبة لأكثر من مواجهة سياسية دبلوماسية: صالح يصارع لحجز مقعد له حول طاولة المتفاوضين والحوثيون يفاوضون لضمان تمثيله وفي الوقت ذاته يجابهون خصومهم المؤتلفين حول الرئيس هادي وسلطة الأخير تقاوم أي توسع في المفاوضات أبعد من بحث سبل تطبيق القرار 2216 فيما الرياض وطهران ترقبان تفاصيل ما يدور لتحصيا نقاط ربحهما وخسارتهما فتقررا في ضوء ذلك.

نقلاً عن الثوري

قراءة 3325 مرات آخر تعديل على السبت, 13 حزيران/يونيو 2015 18:51

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة