أخـــر الأخبــــار

 

المقاومة بالسياسة

  • الاشتراكي نت/ الثوري - خالد عبدالهادي

الأحد, 29 تشرين2/نوفمبر 2015 17:49
قيم الموضوع
(0 أصوات)

حقق اجتياح المحافظات الجنوبية في 1994 لنظام علي عبدالله صالح بتوليفته السياسية والقبلية والأصولية طفرة خيالية في الفساد والغطرسة على تطلعات الشعب وديمقراطيته, مثلما أنضج لصالح مشروعه القزمي الذي أخذت دائرته تضيق باطراد إلى حد لم تنغلق فيه سوى على أسرته

مثل ذلك, أذكى اجتياح العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 في الحركة الحوثية نزعة مسعورة إلى العجرفة والفساد وإملاء كلمتها على قوى الشعب السياسية والاجتماعية بالقوة.

وبتحالف جهاز علي صالح والجماعة الحوثية, تضافرت هاتان النزعتان لتنتجا سلطة سياسية مثقلة بحمولة, تتمازج فيها أحقاد التاريخ والسلطة والانتقام ويؤلف جوهرها خليط من الثيوقراطية والبدائية القبيلية وفاشية المتغلبين.

ولولا ردة الفعل الشعبية والإقليمية على انقلاب 21 سبتمبر, لساد ذلك النظام بهدوء وأعاد إنتاج نفسه بخدع ديمقراطية شكلية كتلك التي كرر بها نظام صالح تكرار نفسه.

حتى مع المأزق الراهن الذي يقع فيه نظام صالح والحوثي, غير أن الشروط والظروف التي أنتجته ما تزال سائدة وتسمح باستمراره أو إعادة إنتاج نفسه على الأقل, إذ ما لحق به إلى الآن محصور في هزائم عسكرية في بضع معارك ورموزه يدركون ذلك, الأمر الذي لا ينادون معه بأكثر من وقف الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد قواته, متجاهلين تسلسل الأحداث وترتيبها المنطقي.

كان التحول الديمقراطي الذي اقترن بالوحدة السلمية في مايو 1990 قد انتكس بفعل حرب صيف 1994 وأبقى نظام صالح على استحقاقاته الشكلية, غير أن الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة في 21 سبتمبر 2014 أطاح بذينك المستويين من الديمقراطية, بما فعله من إلغاء لمبدأ التنافس على السلطة عبر آليات ديمقراطية سلمية وفرض بدلاً عنه مبدأ القوة المسلحة.

كذلك, نزع عن الصراع على السلطة طابعه السياسي وألبسه رداءً طائفياً حين وصف حربه على المناهضين لانقلابه وسلطته بأنها "جهاد". وكان ذلك إيذاناً منه بأن مستقبل السلطة لم يعد مرهوناً بالديمقراطية أو حتى بالسياسة بل بالقوة المسلحة والطائفية وما يعادلها من العلاقات النقيضة للسياسة.

قبل هذا وذاك, كان علي صالح قد أدرك أن استمرار السيطرة على السلطة السياسية مرتبط بحيازة قوة قادرة على تحقيق هذا الغرض, فانصرف إلى بناء جيش وفي الوقت نفسه كرس ولاءه لحماية كرسيه, بل إنه لم يكتفِ بالخطوة هذه إذ أضاف إلى جيشه النظامي جيشاً احتياطياً من رجال القبائل التي اشترى ولاءات شيوخها وأغدق عليهم الامتيازات.

ولما تملًك هاجس السلطة عقول زعامات الحركة الحوثية, كانت خطوتهم الأولى جمع السلاح وتنظيم أتباعهم فلم ينقضِ سوى عقد من الزمن على معركتها الأولى في مواجهة القوات الحكومية حتى سيطرت على الحكم.

وبالعودة إلى الوراء عقوداً, كان لسلاح الجبهة القومية في الجنوب وتصميمها على استخدامه حتى النهاية في كفاحها ضد الاستعمار البريطاني والموالين المحليين له الكلمة الحاسمة في انتقال الحكم إليها بعد الاستقلال. وبالسلاح ذاته ظلت قابضة على السلطة حتى قيام الوحدة عام 1990.

ذلك أن ظروف أي بلاد في العالم وخصائصها هي التي تحدد الوسائل الملائمة للتغيير الذي لا يتحقق إلا بحيازة السيادة السياسية.

وخصائص اليمن وظروفها الماثلة في اقتصاد ريعي ومراكز نفوذ تملك السلاح والثروة وانتكاس محاولات التحديث السلمية مراراً ونظام رجعي متسلط يحميه جيش كبير هي التي تقرر قانون التغيير الخاص بهذه البلاد لا الرغبات السياسية المتولدة من خارج تلك الخصائص والظروف.

بناء على هذه القاعدة, لا تغيير ممكناً إلا بحيازة القوة القادرة على إطاحة النظام المتسلط وإلحاق الهزيمة بمراكز النفوذ المسلحة التي قاسمها النظام الثروة الوطنية لقاء إسهامها الدائم في إحباط كل محاولات التغيير السلمية السابقة.

فلقد نالت محاولات التغيير السلمي حقها ومداها الزمني لتبرهن على أن النضال السلمي هو الأوفر حظاً والسبيل الأقوم من الكفاح المسلح في إحلال التغيير, لكن تلك الفرص باءت كلها بالإخفاق.

من وحدة مايو فوثيقة العهد والاتفاق والانتخابات العامة والرئاسية مروراً بالانتفاضة الجنوبية وثورة فبراير ثم مؤتمر الحوار الوطني؛ كلها مشاريع تغيير سلمي تعاقبت على مدى ربع قرن مبتغية إعادة بناء الدولة برؤية وطنية حديثة, لكن النظام سرعان ما كان ينقلب عليها بالقوة المسلحة ويسفهها.

أما الذين قادوا تلك المحاولات فلم يتزودوا من مناسباتها –فيما يبدو- بغير الندم والإحباط وأهدروا دروسها وعبرها الحقيقية والمفيدة لاستئناف الصراع السياسي من أجل إحلال التغيير.

ولعله من المفيد هنا الاستعانة بمقاربات تاريخية من أحداث التاريخ اليمني في النصف الثاني من القرن العشرين عبر إلقاء هذا السؤال بأثر رجعي: هل كان في وسع قادة الجبهة القومية دمج 23 سلطنة وإمارة ومشيخة في دولة واحدة بدون وضع القوة في موضعها المناسب, وكذا هل كان في إمكان ثوار سبتمبر أن يكتبوا نهاية النظام الإمامي في شمال البلاد بغير القوة.

وما محاولة توحيد الكيانات الجنوبية الثلاثة والعشرين أو إطاحة نظام الإمامة بغير القوة التي وقعت في يد طليعة من الشعب إلا كمحاولة تحويل نظام علي صالح إلى نظام حديث وديمقراطي بمجرد دعوته لأن يغدو حديثاً وجميلا!

الشاهد في هذين التحولين التاريخيين, أن قادة الجبهة القومية وعوا أن السلطة السياسية لا تأتي إلا محمولة على القوة بظروف الجنوب وخصائصه حينذاك فيما أخفق قادة الجبهة المتأخرون عام 1990 في فهم تلك الحقيقة فجاءوا لتحديث نظام صالح ومقرطته بالانتخابات والمُثُل الأخلاقية.

وفي تفكير سياسي مشابه, ظن كثيرون بعد 21 سبتمبر 2014 أن صعود الحركة الحوثية إلى الحكم يفتح باب الحلول لمشكلات وطنية متعددة وينقل الحركة نفسها من طورها المنغلق إلى جماعة سياسية وطنية أنيقة المسلك, بل إن إلقاء مزيد من النصائح على مسامع قادتها في رأي هؤلاء كان كفيلاً بافتكاكها من الشراكة مع علي صالح, غير مقارنين بين المصالح العائدة عليها من تحالفها مع الرجل وبين وزن نصائحهم في ميزانها.

من رحم هذا التفكير, توالدت أنماط أخرى بالقدر ذاته من الخفة, إذ داخت عقول بعضهم في البحث عن مخرج يخلص البلاد من الأزمة والحرب وخلصوا بعد عناء إلى أن الانتخابات هي الحل.

ولو كان مجرد إجراء انتخابات يقدم وصفة سحرية لحل القضايا الوطنية وصناعة ظروف ملائمة للتغيير لكانت انتخابات 1993 منعت نشوب الحرب في 1994 ولحال اختيار الرئيس عبدربه منصور هادي للرئاسة في 2012 دون اندلاع حرب 2015.

يوضح هذان المثالان كيف أن الآليات الديمقراطية لتنظيم امتلاك السلطة لا تطفئ الحروب والصراعات المستحكمة لأنها لا تعمل إلا في ظروف مغايرة تستجيب لها.

وليس في هروب الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة إلى المناداة بالانتخابات عند كل أزمة تعترضها سوى دليل إضافي على أنها قد أفرغت آليات الممارسة الديمقراطية من مضمونها واتخذتها أداة لتكرار ذاتها.

فمنذ إقرار الديمقراطية في 1990, لم ينشأ عن الدورات الانتخابية المختلفة أي تأثير في حيازة السلطة السياسية أو توزيع الثروة وفي أو ولاء قوات الجيش.

وأكثر من ذلك كان نظام صالح يضاعف مقاعد حزبه في البرلمان في كل دورة انتخابية جديدة فيما بدا الاقتراب من كرسيه الرئاسي بالانتخابات من الأمور المستحيلة.

كانت الحياة الانتخابية قد فسدت وغرقت في الزيف إلى حد أن تعفنت وعافها الناس الذين أيقنوا استحالة التغيير بواسطتها فاهتدوا في 2011 إلى الثورة السلمية بوحي من الانتفاضة التونسية التي شكلت باكورة الربيع العربي.

غير أن الظروف التي هيأتها ثورة فبراير لإحداث تغييرات سياسية واقتصادية سرعان ما فسدت أو انهارت تحت ضربات الثورة المضادة لأنها لم تستطع إنجاز مهمتها كاملة كنتيجة موضوعية لأدواتها السلمية في مقارعة نظام توغل على الشؤون الكبيرة والدقيقة.

أما وقد أضرم نظام 21 سبتمبر الحرب ويمضي فيها بلا رجعة فهي فرصة اليمنيين التاريخية للقضاء عليه مع حروبه. وهي فرصة قد لا تتكرر وينبغي ألا تفوت, فالسلاح الذي في يد الشعب والجيش الجديد سيكون قد وُضع في موضعه الصحيح هذه المرة إذا ما أطاح النظام ومهًد الوضع للانتقال إلى ديمقراطية حقيقية.

في التجربة اليمنية, جرى وضع العربة قبل الحصان فأُعملت أدوات الديمقراطية وسط بيئة رسمية بدل أن تؤثر في تركيبتها وقراراتها, هي أفسدت الديمقراطية وأعادت استخدامها بطابعها النظامي المشوه.

هذه المرة, ينبغي الإفادة من إخفاق التجربة السابقة وقلب العملية على نحو يتيح الانتقال إلى وضع ديمقراطي كامل بعد تصفية العوائق الكابحة لنشوء ديمقراطية حقيقية ثم تصفية كل المراكز والجيوب المقاومة للتطلعات الشعبية.

ولابد لتحقيق ذلك من أن تتقدم السياسة أعمال المقاومة العسكرية وتوجهها أما الاقتصار على العمل العسكري بدون وعي سياسي متقدم فهو السبيل الأقصر لتبديد إنجازات المقاومة وتكييف النظام السياسي الذي سيسود بعد الحرب ليكون حكراً على القوى الجاهزة تنظيمياً وعسكرياً أو كما تريده إرادة القوى الإقليمية والدولية فقط.

ينبغي أن يستمر التطور السياسي جنباً إلى جنب مع المقاومة العسكرية مع إدراك القوى السياسية للشروط الكافية لنيل السلطة السياسية وتحقيق تلك الشروط في حقائق مادية.

بتعبير آخر هي مقاومة بالسياسة ومقاومة بالسلاح وكلاهما يكملان بعض.

قراءة 5326 مرات آخر تعديل على الخميس, 03 كانون1/ديسمبر 2015 19:20

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة