آمال الداخل ومخاوف الخارج وجهاً لوجه

  • الاشتراكي نت / الثوري- خالد عبدالهادي

الجمعة, 18 كانون1/ديسمبر 2015 01:01
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أفلحت الأمم المتحدة أخيراً في إجلاس ممثلي سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي وسلطة علي صالح وعبدالملك الحوثي على مقاعد المحادثات بعد إخفاقها المشهود في هذه المهمة قبل خمسة أشهر.

لكن لا يبدو أن تجربة يوليو 2015 الفاشلة قد أكسبت فريق الأمم المتحدة المشتغل بالأزمة اليمنية وحربها تمرساً كافياً للإحاطة بجوهر المشكلة اليمنية وتعقيداتها, ولعله يدرك أن رفع شعار التصميم على إبرام تسوية سياسية في محادثات جنيف الثانية هو ضرب من التحفيز والتشجيع أكثر مما هو واقعي.

فحصر تمثيل المتفاوضين في رجالات سلطتي هادي وصنعاء لا يؤهلها للذهاب إلى أبعد من وقف العنف المجرد من إجمالي عملية الحرب؛ ذلك الجزء المعبر عنه بوقف إطلاق النار, أما الشق السياسي فسيظل عصياً على الحل.

وطالما بقي المحور السياسي من الحرب بلا حل فلن يزيد الأمر عن أنه هدنة مؤقتة, يلتقط فيها المتحاربون أنفاسهم ويرممون تصدعات جبهاتهم ثم يستأنفون الحرب, تأسيساً على أن جذر الحرب سياسي واجتماعي.

تأتي الجولة الثانية من المحادثات متزامنة مع هدنة مفترضة, دخلت حيز التنفيذ ظهر الثلاثاء, لكن الوقائع التي أعقبت موعد سريانها أثبتت مدى هشاشتها.

فقد تواصل القتال في تعز ومارب وشنت مقاتلات الحلفاء غارات على أهداف لقوات صالح والحوثي في أكثر من محافظة, فضلاً عن اندلاع اشتباك عند الحدود السعودية اليمنية في منطقة حرض بين قوات سعودية ومسلحين حوثيين.

ما يميز هذه الهدنة التي يبدو استمرارها مستبعداً أنها كانت أول محاولة لوقف القتال منذ اندلاع الحرب في مارس الماضي, تحظى بموافقة الطرفين على خلاف المحاولات السابقة التي كان يقبل بها طرف ويرفضها الآخر.

والأرجح أن الموافقة على الهدنة, بصرف النظر عن التعامل الميداني معها, جاء نتاج تدخل القوى الكبرى التي لا تريد للحرب أن تخرج عن السيطرة أو أن تقرر دول الإقليم بقيادة السعودية أمدها الزمني وحجمها.

تحركت قوات صالح والحوثي بأقصى طاقاتها خلال ساعات ما قبل سريان الهدنة, مدفوعة بعامل الحساب النمطي الذي يقضي بتحقيق مكاسب ميدانية تدعم موقف المفاوضين السياسي خلال المحادثات.

فهاجمت في ساعة مبكرة من فجر الاثنين معسكراً لقوات هادي والتحالف العربي في منطقة باب المندب بصاروخ باليستي من طراز توشكا الروسي, أسفر عن مقتل قائد القوات الخاصة السعودية العقيد عبدالله السهيان.

وسبق هذا الهجوم بيوم واحد إطلاق صاروخ من طراز سام- 2 معدل صوب قاعدة الملك خالد في منطقة خميس مشيط وفق ما ادعت الجماعة الحوثية.

لا جدال في أن السعودية تلقت ضربة قاسية بمقتل أكبر قائد عسكري لها على مسرح الحرب في اليمن, لكن هذا قد يفيد جيشها وباقي قوات التحالف المشاركة في القتال فتستيقن أن للاسترخاء في

ارض المعركة ثمناً باهظاً, سبق أن دفعه الإماراتيون في صحراء مارب قبل أشهر.

وإذا كانت الحرب بوصفها عملية طويلة وواسعة, تقبل الاستغراق في تطبيق تكتيكاتها وأساليبها, غير أن المعارك التي تؤلف الحرب لا تقبل الترحيل والتقسيم المتباعد زمنياً, إذ أن ذلك يقتل عنصر المباغتة مثلما تنشأ عنه ظروف مختلفة عن تلك التي افترضتها خطة المعركة.

وقد خلت معركة استرداد تعز كما خلت معركة مارب من عنصر المباغتة, بل سبقهما تبشير إعلامي لم يسبق أن شهدته حرب.

الأكثر من ذلك, أن الإسراف الإعلامي بشأن معركة تعز انعكس تحدياً عند حلف صالح والحوثي فاستجاب له استجابة عالية, تجسدت في تعزيزات عسكرية ضخمة ومد القتال إلى الأجزاء الجنوبية والغربية من ريف المحافظة, فيما بدا التحدي الذي أطلقه الجيش الجديد وقوات الحلفاء أقرب إلى الدعاية .

فحينما انطلقت المعركة رسمياً كما كان معلناً, تبين أن جانباً كبيراً من متطلباتها وتجهيزاتها منعدم أو غير جاهز, وظل مقاتلو المقاومة الشعبية على وضعهم المفتقر إلى العتاد.

ولقد ضاعف ذلك التحدي غير المكتمل والاستجابة العالية له من محنة المدنيين في المحافظة الأكثر شكاناً في البلاد, إذ نشرت قوات صالح والحوثي الحرب في الريف وشددت حصارها على عاصمة المحافظة, وأغلقت طرقاً جديدة فازدادت الحالة الإنسانية ترديا.

تركز انهيار الوضع الإنساني في الجانب الصحي بعدما أعلنت مستشفيات داخل المدينة نفاد كميات الأوكسجين وعجزها عن استقبال الحالات, فضلاً عن انعدام أصناف كثيرة من الأدوية.

وبينما تتجه الأنظار إلى مدينة بيال السويسرية حيث تنعقد المباحثات, يذهب محللون إلى أن موقف صالح والحوثيين أضعف مما كان عليه في الجولة الأولى من المحادثات, مستشهدين بخسارتهم للمحافظات الجنوبية وأجزاء من مارب.

لكن ذلك الرأي ينظر إلى الأحداث بمنظار الكم لا الكيف, ويهمل التفاصيل الصغيرة التي تكتنف وضع كلا المعسكرين وتؤثر في توجيه المحادثات.

فسلطة صنعاء تجاوزت , بأكثر من طريقة, وضعها الحرج الذي نشأ عقب طرد قواتها من المحافظات الجنوبية في الصيف الفائت وتكثيف الضربات الجوية عليها.

ويجلس فريقها إلى طاولة بيال بمعنويات عالية ورؤية واضحة لما يريده, مستنداً إلى وضع ميداني لن يضطره إلى تقديم تنازلات جذرية فهو يعلم أن سلطته تخلصت من عبء القتال في الجنوب الذي لم تجد القتال فيه واستمرارها في شن الحرب على الشعب في جزء من البلاد يبقي الضغط نفسه على الفريق المقابل.

في المقابل, ذهب الرئيس هادي إلى المحادثات بموقف لن يبدو أفضل حالاً من موقف خصومه في حال المقارنة بينهما, ولولا الدعم السياسي الإقليمي له لبدا فريقه المفاوض خالي الوفاض من نقاط قوة مائزة.

وما كان صالح والحوثي ليوفدا فريقهما إلى هناك وهما يعلمان ضعف موقفهما, فحين كان هذا التقييم هو الغالب لديهما خلال طاولة جنيف الأولى رأينا كيف رفضا تحديد فريق مفاوض حينذاك, عدا عن أنهما بعثا لفيفاً من المشاغبين البارعين في إثارة المتاعب والفوضى.

والاثنين الماضي, نقلت وكالة رويترز عن مصدر حكومي قوله إن واشنطن ولندن مارستا ضغوطاً على الرئيس هادي وحكومته لإثنائهما عن التشدد بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن 2216 الذي يجرد الحوثيين من مكاسبهم التي راكموها منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014.

لا يشذ هذا الموقف عن سياق السياسة الأميركية التي تعمل تحت تأثير هاجس الإرهاب الصادر عن منظمات الإسلام السياسي السني, مقابل اعتقادها بإمكانية السيطرة على الإرهاب الصادر عن منظمات الإسلام السياسي الشيعي واحتوائه.

هذا المنحى السياسي لدى الأميركيين يتعزز على وقع صعود تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة العربية وتطاير شظايا هجماته الإرهابية إلى بلدان أوروبا, وتتعزز معه أيضاً حاجتهم إلى توظيف المنظمات الشيعية في أكثر من بلاد لمجابهة المنظمات المدرجة في قائمة التنظيمات الإرهابية.

وبزغت ملامح هذا المنحى مبكراً, فبعد سيطرة الحوثيين على السلطة والشروع في شن حرب بمحافظة البيضاء, شنت طائرات أميركية بدون طيار ضربات على مسلحين من رجال القبائل وأعضاء القاعدة, لكن الجماعة المسلحة ابتلعت لسانها تلك المرة حيال غارات الطائرات الأميركية ونشاطها في السماء اليمنية, مع أن لافتة التدخل الأميركي الأمني في البلاد تشكل الرافعة الأساس لدعايتها المناهضة للولايات المتحدة.

ولا بد أن الضربة الإرهابية التي قتلت محافظ عدن جعفر سعد وعدداً من مساعديه يوم الخامس من ديسمبر الحالي قد أضعفت موقف الرئيس هادي لدى القوى الدولية المفزوعة من إرهاب تنظيم الدولية.

تبنى تنظيم الدولة مسؤولية اغتيال محافظ عدن بعد وقت قصير من مهاجمة موكبه بسيارة ملغومة.

وربما ليست مصادفة أن ما يُدعى تنظيم الدولة ضرب ضربته الإرهابية في عدن بعد يوم واحد من بثه فيلماً يوثق عملية إعدام نفذها في أغسطس الماضي ضد عدد من مقاتلي الحركة الحوثية كانوا وقعوا أسرى خلال المعارك التي دارت في المدينة.

ليست مصادفة كذلك أن الهجمات الإرهابية في اليمن صارت تُوقع باسم تنظيم الدولة بعدما غدا هذا التنظيم المصدر الأول لإثارة فزع الحكومات الغربية وشعوبها على خلاف الهجمات التي كانت تُوقع باسم تنظيم القاعدة حين كان المصدر الأول لإخافة الأمن العالمي.

وإذا كان هجوم عدن وما سبقه من هجمات نسبها تنظيم الدولة لنفسه قد حققت أهدافاً فما من هدف واضح قد حققته مثل التشكيك في قدرة سلطة هادي على لجم الإرهاب.

قراءة 4257 مرات آخر تعديل على الأحد, 20 كانون1/ديسمبر 2015 20:37

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة