إذكاء أوار الحرب

  • الاشتراكي نت/ خالد عبدالهادي

الخميس, 07 كانون2/يناير 2016 17:49
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مع أن الحديث عن الهدنة وتمديدها بين قوات الرئيس عبدربه منصور هادي ومسلحي صالح والحوثي لم يبارح المنطقة الساخرة بالمقارنة مع ما كان سائداً في جبهات القتال خلال مدتها المفترضة, فقد أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية إنهاء تلك الهدنة التي لم تسرِ _في الواقع- يوماً واحدا.

هل كان ذلك إخطاراً بأن الأوقات الأشد صعوبة لمًا تأتِ بعد؟

هذا حقيقي؛ فلقد عادت الطائرات إلى سماء العاصمة ومحافظات عدة لتلقي قنابلها على أهداف مفترضة لقوات علي صالح وعبدالملك الحوثي بالمعدل الذي كانت عليه في الأشهر الأولى من الحملة العسكرية.

والسعوديون يعرفون أن كل الأصابع, وأولها أصابعهم, لم ترتفع عن الزناد خلال الوقت الذي أُطلق عليه هدنة لكنهم يقولون بإعلانهم الأخير مرحباً بالتحدي الذي ورد في خطابين لصالح والحوثي خلال الأسبوعين الماضيين وارتفاع معدل إطلاق الصواريخ الباليستية تجاه الأراضي السعودية.

كان صالح قال في خطاب له أمام موالين له في لجنة المؤتمر الشعبي العامة إن الحرب لم تبدأ, وذلك بعد أيام قليلة من قول الحوثي إن جماعته ستحارب إلى الأبد.

وبدا بالفعل أن الرجلين رفعا من وتيرة إزعاجهما للمملكة أخيراً؛ فخلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة أطلقت قواتهما صواريخ باليستية صوب الأراضي السعودية يفوق عددها ما أطلقته خلال أشهر الحرب التسعة المنصرمة.

على الرغم من أن أنظمة الدفاع الجوي العاملة لدى الجيش السعودي – وهي من طراز باتريوت الأميركية الفعالة- اعترضت الصواريخ المنطلقة من الأراضي اليمنية, لكن مجرد الإقدام على تصويب ذلك العدد من الصواريخ ناحية المملكة التي تحوز ترسانة ضخمة كما ضخامة احتياطياتها النفطية هو أمر لا يمكن التسامح بشأنه.

وإذا صحت رواية الحوثيين فقد أفادت سلطة صنعاء من صواريخ سام الروسية المضادة للطائرات, التي صارت عديمة القيمة بعدما استطاعت ضربات الحلفاء الأولى تعطيل منظومة الرادار التي توجه تلك الصواريخ.

وادعى الحوثيون قبل أسابيع أنهم عدلوا نظام صواريخ من طراز سام- 2 من أرض جو إلى أرض أرض ليصنعوا منها صواريخ أطلقوا عليها قاهر -1.

ومع أنه يصعب التحقق من كفاءة صواريخ سام المعدلة ومعيارية عملها, إلا أن إعلان السلطات العسكرية السعودية اعتراض منظومتها الدفاعية لصواريخ فوق السماء السعودية بالتزامن مع إعلان الحوثيين إطلاقها يعني أن بوسعها إيصال الأذى إلى أراضي المملكة.

ومن شأن هذا العامل الجديد أن يضع في يد قوات صالح والحوثي عدداً أكبر من الصواريخ في حال تمكنت من تحويل كل رؤوس منظومة سام إلى صواريخ أرض أرض.

سيغطي هذا التدبير لنظام صنعاء عجز قواته الشديد عن إطلاق ما بحوزتها من صواريخ أخرى بينها سكود التي لم تستطع أن تطلق منها سوى ستة منها منذ بدء الحرب بمعدل صاروخين اثنين في كل ثلاثة أشهر.

وبمقدور الجمهرة المؤيدة لتحالف صالح والحوثي أن تستقطع لنفسها أوقاتاً عاطفية مريحة كلما سمعت بإطلاق صاروخ جديد حتى دون أن تتحرى ما إن بلغ وجهته أم لا, إذ هذا هو أحد أهداف عمليات الإطلاق عند رواد إطلاق الصواريخ مع معرفتهم بحتمية اعتراضها.  

بتنشيط وتيرة إطلاق الصواريخ أخيراً, بدا أن سلطة صنعاء تدفع بآخر ما في جعبتها من أسلحة. ولعل هذه الصواريخ هي ما يجري بها شغل مصطلح "الخيارات الاستراتيجية" التي كاد أتباع السلطة ينسون شأنها, لطول الفترة التي تفصلهم عن اليوم الذي تعهد فيه زعيم الحركة الحوثية عبدالملك الحوثي بخوضها من أجل ردع المملكة.

 وعدا الصواريخ القديمة التي لا تكلف السعوديين كثيراً في ظل اعتراضها وتفجيرها في الجو, ما من خيارات متاحة وكفؤة لدى صالح والحوثي لحمل الراعي القديم على الالتفات إلى العروض التي يغازلانه بها خلال كل ظهور إعلامي لهما باستثناء الزج بمزيد من الأتباع إلى القفار الحدودية ليكونوا طرائد سهلة للمروحيات التي تقاتل بطريقة مخيفة.

ما هو جوهري أكثر من هذه التفاصيل هو أن الوظيفة المرجوة من حرب الجبهة الحدودية لدى صالح والحوثي تنقلب عليهما , تدريجاً, بفعل الاختلال الصارخ في ميزان القوة ونوعية السلاح الذي في يدي الطرفين.

فبدلاً من أن يستنزف المقاتلون الموالون لحاكمي نظام صنعاء جيش المملكة إلى حد يرغمها على مسالمتهما, تقلب ترسانة السلاح السعودي هذه المسألة محولةً القتال هناك إلى استنزاف بالغ الدموية للمقاتلين الذين يعيدون التذكير بالجيش المتوكلي الحافي كلما ظهروا ببزات رثة مهلهلة وأقدام عارية في المقاطع التسجيلية التي يحرص الإعلام العسكري الدعائي على بثها.

سيقود ثبات هذا المنوال من القتال على ذلك النحو إلى اقتصار تأثير المقاتلين عند الأطراف الجنوبية من السعودية على مجرد إزعاج لقيلولة الأمراء.

وقتال هؤلاء المسلحين داخل الأراضي السعودية وفق ما تذيعه صحافة صالح والحوثيين لا يشبه أياً من أنماط القتال التي استقرت عليها المنظمات المقاتلة أو الجيوش النظامية.

فليست هي حرب عصابات يخوضها مقاتلون داخل قواعدهم الشعبية فيحظون بالملاذ والاستطلاع ويضربون ثم يختفون  ولا هي حرب نظامية يخوضها جيش قادر على احتلال أرض والحفاظ عليها.

إنها حرب من ذلك النوع الذي لا يترك فرصة لأحد من المهاجمين للعودة إلى الديار كي يروي ما حدث, إذ يضع أي مجند في الحرس الجمهوري أو مقاتل حوثي حياته على المحك في اللحظة التي يقرر اجتياز خط الحدود بغية التوغل في الأراضي السعودية للقتال.

تخوض الجماعة الحوثية الحرب بمبدأ عدم الاكتراث للخسارات البشرية في صفوفها مهما جاءت فادحة وسيكون لهذا مفعوله في المستقبل, سواء في علاقات الجماعة الداخلية أو علاقاتها بحلفائها المحليين.

ففي الوقت الذي تشترك قوات الحرس الجمهوري المحتفظة بولائها للرئيس المعزول في القتال ضمن تقديرات محسوبة, دافعة إلى مسرح المعركة بأفرادها الذين يؤدون مهاماً قتالية وتشغيلية محددة, تدفع الجماعة الحوثية بغالبية المقاتلين المشاة ممن تقع في صفوفهم أكثر الخسائر.

وبينما تخسر الجماعة مقاتليها بلا حصر في جبهات القتال الداخلية كافة وتخسر مثلهم في الجبهة الحدودية, يسقط معظم المقاتلين الموالين لصالح في جبهة الحدود حيث يتطلب القتال هناك مستويات عالية من الإعداد والتأهيل.

حرب كهذه لا تُكسب أصحابها أرضاً ولا تستنزف قدرات الخصم مثلما لا توفر أبناء العائلات التي تتهيأ للاحتفال حالما يردها نبأ وصول المقاتلين إلى القصور الملكية, هي حرب تنبئ معطياتها بالخسران.

ولئن كانت الحرب قد وجدت سبباً جديداً يزيد من إضرامها فلربما أضيف إليه, حديثاً, سبب إقليمي.

فقد انهارت العلاقات السعودية الإيرانية, المتوترة أصلاً, بعد إعدام المملكة لرجل الدين الشيعي المعارض نمر باقر النمر يوم السبت الماضي إلى جانب 46 أدانتهم محاكم سعودية بالإرهاب.

ونشبت أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين البلدين بعدما هاجم متظاهرون إيرانيون سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد بعد تنديد النظام الإيراني بإعدام النمر.

وسرى الغضب, بالحدة نفسها, في دماء المنظمات الشيعية في البلدان العربية والإسلامية بما فيها الجماعة الحوثية التي نددت بالحادثة.

رد فعل طهران استدعى رداً خليجياً وعربياً مازال مفتوحاً على احتمالات التوسع, إذ قطعت الرياض والبحرين علاقاتهما مع طهران وخفضت الإمارات تمثيلها الدبلوماسي واستدعت الكويت سفيرها فيما طردت السودان السفير الإيراني لديها.

والسؤال الجدير هنا: إلى أي مدى سيلقي هذا التطور بظلاله على حرب اليمن, تأسيساً على أن طرفيه المباشرين هما طرفان في الحرب أيضاً وإن كان أحدهما طرفاً مباشراً والآخر غير مباشر.

لا مفر من أن تنعكس المواجهة الدبلوماسية بين اللدودين الإقليميين على الصراع في اليمن ضمن مجال أوسع تغذي فيه الرياض وطهران الحروب بالوكالة.

وسيظل المجال اليمني هو مركز المواجهة الساخنة بين العدوين الإقليميين لأسباب عدة, ليس أهمها موقعه الذي يترتب عليه تحدٍ وجودي للمملكة.

بين تداعيات إعدام النمر إذكاء نقمة الشيعة السعوديين الذين قد يجدون طريقة للاتصال بالحوثيين في صعدة والإفادة من تجربتهم لبناء تجربة مماثلة لمناهضة النظام السعودي على المدى الطويل, لكن هذا يظل مرهوناً بحال القبضة الملكية.

نقلا عن "الثوري"

قناة الاشتراكي نت على التليجرام

https://telegram.me/aleshterakiNet

 
قراءة 3451 مرات آخر تعديل على السبت, 09 كانون2/يناير 2016 19:38

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة