طباعة

الكتابة وترويض الموت

الخميس, 19 أيلول/سبتمبر 2019 20:34 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

كلما تجابهني بشاعة عمري القاسي

يعانقني جمال الموت وتأتي قوتي منه

(سلطان الصريمي)

قال واسيني الأعرج :

 (أنا أواجه الموت بالكتابة وأعظم حرب ضد الموت هي الأدب، انني أروض الموت من خلال الكتابة)

ودفع حكم إعدام الكاتب فيودور دوستوفسكي ومواجهته للموت بشكل مباشر وجها لوجه إلى إخراج أجمل ما يدور داخل عمق أعماق هذه النفس البشرية، وتصرفاتها مع الخير والشر والتعبير عن تناقضاتها بعد تجريدها من كل ما يعلق بها من شوائب وأخطاء في رواياته التي ملأت الكون ضجيجا ومنحته الخلود.

يمنح الموت الناس فرصة للعودة إلى تعبيراتهم الإنسانية كما هي بعيدا عن كل ما يطرأ عليها من عبث خلال مشوار الحياة بكل مافيه من خيبات وزلات وإنهدامات وإنتصارات ايضا.

صور فيكتور هيجو الموت إنه الطريق إلى الحرية والكمال الأعظم.

تولستوي ايضا كان مولعا بالموت، ومبهورا به ، وكان إحساسه العميق بالعدم كحقيقة أخيرة هي منبع إبداعه وإخراج ما يدور في رأسه من أفكار، وكانت حياته كلها معركة لتأخير الموت والسيطرة عليه والذهاب اليه، بل وإختيار لحظته، ويتجلى ذلك من خلال تصوير مشهد إنتحار (آنا كارينينا) في روايته التي تحمل نفس الأسم وذهابها إلى الموت بكل قناعة في مشهد بديع يصور  تخلي الإنسان عن كل رغباته في الحياة (المال، الزوج ، الأبناء ، المتعة ، الأصدقاء وكل شيء) وفي لحظة من أكثر اللحظات صدقا وتصالحا مع النفس، ولم تتذكر سوى نفسها وهي طفلة تلهو وتلعب في منزلها .

مطلقة في آخر لحظة من حياتها تلك الكلمات التي تحفر الذاكرة حفر وتهز وجدان ومشاعر البشر: 

(أين انا؟ ماذا أفعل؟ لماذا؟

ياإله السماوات إغفر لي كل شيء).

معركة الحياة والموت معركة دائمة ومستمرة والكتابة والتدوين والفن والعمل هي الأدوات والأسلحة التي تمنحنا الخلود والأنتصار على الموت وترويضه.

وأنا اكتب الأن تذكرت قصة الياباني الكهربائي (لا يحضرني إسمه) الذي أفلس والده ومات في السجن ثم طارد الموت كل أسرته واحدا تلو الآخر

وبقى هو مرعوبا من مطاردة شبح الموت له وخائفا ومرعوبا منه وأصبح موقنا إن الموت يتربص به في كل وقت واصبح يعمل ويعمل ليل نهار هروبا من الموت في لعبة مبهرة وحزينة   حتى وصل الى إنشاء شركة كهربائيات كبيرة على مستوى العالم.

قصص اللعب مع الموت والتصالح معه قصص مبهرة وتمنح الناس فرصة لإلتقاط أنفاسهم ومراجعه أنفسهم وتاريخهم وتصحيح أخطائهم، وإخراج أجمل ما في داخل نفوس البشر كما هي دون رتوش لترشد القادمين ...

نحن الأن في بلدنا اليمن يطاردنا الموت في كل مكان ويعبث بحياتنا وبمستقبلنا بشكل مخيف.

الأن كيف سنتمكن من ترويض كل هذا الموت؟؟؟

اعتقد الاجابة لديكم!!!!

قراءة 5603 مرات

من أحدث جلال احمد الشيباني