الحزب الاشتراكي اليمني.. الدرس البليغ

الأحد, 21 كانون1/ديسمبر 2014 18:28
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

 

قلب الحزب الاشتراكي اليمني، طاولة التوقعات على الذين اعتقدوا أن اجتماعه الأخير لن يسفر إلا عن بقاء وتأبيد للقيادة السابقة في موقعها، والبقاء في دائرة البيروقراطية السياسية المغلقة، والقائمة على رمزية شخوصها، لا بما يمكن أن تعنيه الحالة السياسية كأداء جمعي، بالرغم من العوار البادي في اختيار غير موفق لشخصيتين أو أقل في القيادة الجديدة. وكنت تساءلت بعد انتخاب عبدالله نعمان أميناً عاماً للتنظيم الناصري، هل سيفعلها الحزب الاشتراكي، وسيضحي برادكاليته السياسية لصالح رجل الشارع؟ ولم يخب الظن بهذا أيضاً. انتخب عبدالرحمن عمر السقاف، أميناً عاماً للحزب الاشتراكي، وللحق فإن السقاف من قيادات الحزب المثقفة تنظيمياً وفكرياً. وباختياره، استوعب الحزب الجذاب والحداثي إملاءات التغيير، واستجاب لها. فالسقاف إلى جانب كونه شخصاً متواضعاً، وزاهداً، فهو يجسد مثالاً حياً ورائعاً لما يمكن أن تقتضيه وتحتاجه المرحلة.

بالتأكيد؛ كثيراً ما تحاشيت الحديث عن أداء الدكتور ياسين خلال مرحلة توليه زمام الأمور في الحزب، ليس لشيء، سوى لأني أمقت تناول الشخصيات العامة، عندما يتعلق الأمر بكون هذه الشخصيات تمثل بشكل أو بآخر واجهة لنوع من أنواع النفوذ. ولا شك أن كاريزما المثقف والسياسي الحصيف، التي وصمت شخصية الدكتور ياسين، وصاحبت أداءه، أخذت بعد ذلك شكلاً آخر لدى مناصريه ونقاده، خليط من الفكري والسياسي واليوتوبي، ومن ثم حساسية مفرطة، إلى الحد الذي لم يستطع فيه المرء الفصل بين الذاتي والموضوعي في الأمر. كما بدأت الأمور تنحو عكس سياقاتها، أو تأخذ سياقين بدلاً عن السياق الواحد، فالذي كان يرى أن هناك عقلانية من جهة الحزب في التعاطي مع مجريات الأحداث، كان آخر يرى أن هذه العقلانية شكل آخر من العزلة والتقوقع، ومن ثم تفويت اللحظة التاريخية التي كان على الحزب أن يلتقط فيها المبادرة، ليمثل ملاذاً للحالمين بدولة النظام والقانون، في الوقت الذي أخفقت فيه كل القوى السياسية لشغل الفراغ، الذي تلاه توغل مشاريع حمل السلاح، وملاذات أكثر تطرفاً، وذهب آخرون بعيداً للحديث عن "إصلاحيي الاشتراكي" و"حوثيي الاشتراكي". لكن اتجاهاً آخر، رأى أن الدكتور ياسين حصّن الحزب أيضاً من الانزلاق في فوضى تحالفات وانحيازات لا تخدم أو تمثل مشروعه، وليس طرفاً فيها. وتحاشى أن يكون أداة بيد الأطراف التي أقام شراكة معها، وتورطت في النزاع المسلح القائم، بل تبنى خطاباً ناقداً، وحافظ على علاقاته معها، كما سار باتجاه خيارات واضحة من خلال ما تم طرحه في مؤتمر الحوار، أو الرؤى التي يطل بها الدكتور بين وقت وآخر، كمقالات ومقابلات صحفية. وطال النقد هذا شركاءه في "المشترك"، وأن الأخطاء التي بدت كأنها مرافقة لمسيرة الحزب، تحمل طابعاً فردياً، وتم اكتسابها من العمل المشترك في الساحات خلال العام 2011، والذي جعل من محسوبين على هذا الحزب العريق، أن ينخرطوا في تصرفات وسلوكات بدت كأنها تمثل في ظاهرها موقفاً للحزب.

وفي الموازي، هناك من يتحدث عن أن الخطاب الذي تبناه الدكتور ياسين عن الحزب، خطاب تبريري، وضعه ككيان غير فاعل، ونقله من كونه صانع سياسات وشريكاً، إلى كونه وسيطاً، وفي أقصى ما يمكن حالة لغوية وفكرية بليغة، وأن الحزب لم يستطع بوجوده على الخارطة السياسية، أن يبني تحالفات سياسية متينة، تخدم توجهاته وفرض شروطه، وكان المثل الأعلى في هذا الأمر بعض خيارات الحزب الاشتراكي التي وضعت على طاولة مؤتمر الحوار، كالأقاليم، والعدالة الانتقالية، والتي وجد فيها الحزب نفسه وحيداً. لكن في النهاية تجد هناك من يقول إن هذه الخيارات الواضحة مطروحة، ولكنها حالياً على أرضية سياسية مهتزة، ولا يمكن البناء عليها، وأن الحزب دخل بعد الثورة، ككل الأحزاب، في مرحلة انتقالية طويلة، وفي الأخير، فإن مهمته لا يمكن أن ينجزها إلا من خلال العمل السياسي، حيث تكون عجلة الديمقراطية قد دارت. ولذا مثل توقف العملية السياسية معيقاً أمام أدائه، وشوش على رؤيته، وكان عليه بذل جهد إضافي للبقاء في منحى ومسار واحد، وأن يقف مسافة خطوة من كل الأطراف، بدلاً من الزج بنفسه في بؤرة الصراع، ولنا في حزب الإصلاح مثل في هذا التغول غير المحسوب، والذي أدى إلى نتائج كارثية، كادت أن تعصف به.

هذا إلى جانب انتقادات تنظيمية، وأخرى تعلقت بأداء الجماعات، ودور الأفراد فيه، وأحاديث أخرى حول الاحتكار السياسي، والسلوك النخبوي.. إلا أنه من وجهة نظري -ولانتفاء ما يمكن أن يعتبر تزلفاً- فالدكتور ياسين قدم أداءً متزناً، خدم بقاء الحزب كحالة ثورية سلمية، كما أنه حصنه من الانزلاق إلى العنف، سواءً في مرحلة "الثورة"، أو الإرهاصات التي تلتها. ومثل تنازله عن أمانة الحزب خلاصة هذا الأداء.

وفي الأخير، ستجد أحزاب أخرى على الساحة نفسها أمام نفس هذه الاستحقاقات، وقد يمثل لها ما حدث، إن لم يكن استشعاراً للمسؤولية، فحرجاً، خلاصاً من حالة الفردانية، والتملك الحزبي.. وافهمي يا جارة.

 

قراءة 1795 مرات آخر تعديل على الأحد, 21 كانون1/ديسمبر 2014 18:48

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة