زجاج الدولة ومطرقة المليشيا !!

السبت, 10 كانون2/يناير 2015 17:40
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

الدولة  في ابسط تعريف لها  (هي مجموعة من الافراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين يتولى شؤون الدولة. وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية التي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الافراد فيها.)

وباستثناء الاعوام (1975 ـ 1977)، لم ينعم مواطنو ( الجمهورية العربية اليمنية) باي حضور واضح لدولة ناضل ابناؤها طويلاً، من اجل تجسيدها في حياتهم، على النحو الذي  يختزل ولو جزء يسير من المفهوم السابق.

فقد حاول شبان كثيرون، من ابناء المناطق الفلاحية في جنوب البلاد آنذاك، ومعهم اسماء عديدة من المركز، وبعض المنتمين الى المناطق  القبلية المضطهدة، من حكم الائمة في الشمال، ان يخلقوا لحظة مغايرة في حياة اليمنيين، ابتداءً من سبتمبر 1962 ،تستطيع فيها البلاد المنهكة والمعزولة، العبور من خلالها الى الدولة الجامعة ،التي توفر لجميع مواطنيها قدراً من المساواة والكرامة والاستقرار. الا ان تغذية الصراع، بين قوتي التنازع الرئيسيتين (الجمهورية/ الملكية) من دول الاقليم، والتي امتدت لقرابة سبعة اعوام  ال في نهاية المطاف الى سيطرة الخط الانقلابي لثورة سبتمبر  في  الخامس من نوفمبر من العام 1967 علي مقاليد الامور، وتمكن تماما في اغسطس من العام التالي من التخلص من حوامل التغيير الثورية، بعملية تصفوية لم تخل من  منزع طائفي واضح، كان ضحيته المئات من الكوادر العسكرية والسياسية ،التي فكت الحصار عن  العاصمة صنعاء في فبراير من ذات العام، في الوقت الذي هربت منها كل القيادات السياسية والعسكرية، لتعود هذه (القيادات) لإتمام  العمل التصفوي المريع، و الذي مهد الطريق لمراكز النفوذ (القوى التقليدية)  وبرعاية سعودية ،من انجاز  مشروع المصالحة مع القوى الملكية  في العام 1970 ،الذي انتج صورة من صور الحكم الهش والدولة الجوفاء، التي وصلت الى لحظة التحلل والرمية فكانت المحاولة (الانقاذية) لها في  يونيو من العام 1974 ،بانقلاب المقدم ابراهيم الحمدي .ومنذ اكتوبر1977 ـ بعد تصفيتها للحمدي ـ بدأت ذات القوى تطل برأسها وتتقوى، لتتمكن مرة اخرة من اعادة تطويع الدولة،  واخضاعها لمشروعها الابتلاعي ، الذي تجسد بامتلاك المجال العام بكل (مشغوراته السياسية والاقتصادية)،فلم يأت عام الوحدة الا وقد صارت سلطة عمياء، تتحكم بكل شيء ،وتقوم على تحالف العسكر والقبيلة ورجال الدين السياسي!!

وبالمقابل، عملت ومنذ العام 1968الحركات الثورية الراديكالية في الجنوب  ـ التي باتت بعد عشرة اعوام  تنظوي تحت جناح حزب واحد وهو الحزب الاشتراكي اليمني، الذي اعلن عن قيامه كحزب من طراز جديد في اكتوبر 1978 في عدن ـ على قيام دولة موحدة قوية على انقاض اكثر من عشرين سلطنة ومشيخة، كانت تتولى حكم  333 الف كلم ويتواجد عليها قرابة مليوني مواطن ،غير ان النظام الذي اعتمد المبدأ الاشتراكي في الحكم والادارة والاقتصاد ـ كنموذج مختلف في جنوب الجزيرة العربية  ـ تعرض في عقدين من الزمن لخضات كبرى  بتصارع اجنحة الحكم ،اشدها ايلاماً  احداث 13 يناير 1986  ،التي احدثت شرخاً  قوياً في المجتمع ،وتالياً سقوط المعسكر الاشتراكي الذي ظل سانداً قوياً لنظام الحكم ، فكان الذهاب الى الوحدة  في مايو 1990 خياراً مفتوحاً ،مستند على تلك التعبئة الايديولوجية والسياسية، التي ظل يضخها طويلاً الشعار المركزي للحزب ( لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية ) ومع الوحدة (بين الشمال والجنوب) ستبدأ التناقضات الحادة بين اتجاهين، الاول بإرثه الطويل العميق المعيق للدولة، والاخر الذي حمل على كتفه امل الملايين في بناء الدولة، وستؤول هذه التعارضات  الى حرب صيف 1994 ،وما ترتب عليها من اجتياح الجنوب من ذات التحالف، مضافاً الية حمولات ثأر احداث يناير!!

وعلى مدى عشرين عاماً، ستسيل مياه كثيرة ،ستعمل على خلخلة الهيكل الكلي لشكل الدولة، التي وصلت الى العام 2011 وهي عبارة عن اقطاعيات مقسمة على مراكز نفوذ متخمة، ارادت الاستثمار من جديد ـ في لحظة الربيع العربي ـ على موضوع الثورة ومضاداتها والتغيير ومآلاته الاستردادية، في ذات البنية لقوى الحكم المستدامة، التي ستعود لتدوير السلطة في اطارها،  بموجب المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011،متناسية قوة جديدة بدأت تتشكل على قاعدة المظلومية، وعلى فساد وهشاشة غيرها من القوى السياسية.

 وفي ثلاثة اعوام، ستدمر البلاد كلية شمالاً وجنوباً، بفعل المحاصصة التي انتهجتها الاطراف السياسية(اطراف المبادرة الخليجية) في تقاسم المناصب والثروات، دون الاعتناء بجوانب امن ومعيش المواطن، الذي سيجد نفسه مدفوعاً باتجاه شعارات القوة الجديدة المهملة، التي بدأت تزاود على معاناته بعد ان خذلته بقية القوى، وعلى رأسها (القوى المدنية)، لتصحو البلاد في صباح خريفي على هذه القوة، وقد ابتلعت الاخضر واليابس، مكرسة وقت جديد للمليشيا  ،التي وجدت مساحات شاغرة كثيرة لتنبت وتتكاثر فيها بدون عناء.

ميليشيا اصبحت  تمسك  بالمطرقة القوية،  لمجابهة الزجاج الهش للدولة والمجتمع، فارضة على الجميع امراً وقعاً ينبغي التعايش معه، وتحت مؤثراته، ومنها خلق مساحة للحكم والادارة والرقابة، بغير ذات صفات قانونية ،مستجلبة الى المساحة ذاتها اعداء كثيرين، يشتغلون على محفزات طائفية ومناطقية ،تتغذى من الرؤية الاحادية لها وسعيها الدؤوب لتملك بلاد، باتت اليوم اكثر عرضة للعرقنة، وما رائحة البارود والموت المجاني، الكامن في الطرقات  للأبرياء  الا من تباشيرها.

قراءة 1638 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة