11 فبراير.. عودة الروح

السبت, 14 شباط/فبراير 2015 18:21 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

بعد أربع سنوات على الثورة الشعبية السلمية اليمنية، أصبحت (جماعة) تتغول على (الدولة والمجتمع)، تحديداً لم تعد سياسات الدولة القديمة، وإنما سياسات ما قبل الدولة إذا جاز التعبير.

واحيا اليمنيون أمس الأربعاء، في معظم مدن البلاد، ذكرى ثورة 11 فبراير الرابعة، في ظل تغييرات كبيرة على الصعيد السياسي، أبرزها سيطرة ميليشيات جماعة «أنصار الله- الحوثيين» على السلطة، وبدء انهيار العملية السياسية.

 كان جريح الثورة سامي المصباحي في 11 فبراير 2011، يهتف بكل شغف الحرية وسط جموع غفيرة «الشعب يريد إسقاط النظام». لكنه اليوم يتألم منكسراً جراء الشهداء الذين سقطوا، و الحصانة التي منحت للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ، فضلاً عن الثورة المضادة وتحدياتها.

والحاصل أن اليمن تشهد تصفية حسابات سياسية وطائفية ضد كل من عبر عن ثورة فبراير. بينما كانت المرحلة الانتقالية مليئة بالعديد من الأسباب التي لا تدعو للتفاؤل وإنما للقلق والإحباط.

 من يصدق اليوم ان ساحة التغيير، أيقونة الثورة في العاصمة اليمنية، أصبح التظاهر فيها يقابل من جماعة الحوثي بالاعتقالات والاختطافات، وهم الذين كانوا في 2011 داخل الساحة «سلمياً» كجزء من مكونات الثورة.

يمكن الجزم ان الشارع اليمني الثائر على السلطة كان حينها قد تجاوز آفاق المعارضة التقليدية؛ كما كان للثورة أبعاد وطنية عليا، ولقد كانت ثورة عفوية ذات تمخضات وتراكمات موضوعية، لم يقم النظام بإصلاحات وطنية حقيقية ترضي جميع اليمنيين على اختلاف مناطقهم وتياراتهم.

جاءت الثورة بعد أن صار النظام عبئاً على اليمن تماماً. كانت الأسابيع الأولى للثورة دامية بمقابل تذبذب أحزاب المشترك المعارضة في الانتماء الحاسم إليها، في حين تعرض المتظاهرون السلميون لشتى أصناف البلاطجة والأمن، مروراً بإطلاق الرصاص الحي عليهم وسقوط قتلى وجرحى.

 في غضون ذلك استخدمت الورقة المناطقية ضد أبناء محافظة تعز التي انطلقت الثورة منها على نحو جارف وانتشرت في عموم البلاد، وذلك بعد رحيل الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم مباشرة، قبلها كانت بوادر ثورة تغتلي في صنعاء انطلقت من بوابة الجامعة، وذلك بعد رحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أي في منتصف يناير 2011، ومعظم شبابها من أبناء المحافظة ذاتها.

 غير أن كل أساليب التطويق سرعان ما تصدعت جراء مضي الشباب في كل ساحات التغيير بالجمهورية في إصرارهم على مواصلة سلمية مطالبهم بعناد ثوري فريد.

كانت القيمة السلمية أبرز التحولات على مستوى الوعي الجديد الذي يتخلق في بلاد مثخنة بالسلاح المنفلت، واستطاع الثوار الصمود ومواصلة تظاهراتهم السلمية، ما أحرج النظام أمام العالم الملتزم لمانحيه برعاية الدمقرطة وحقوق الإنسان، كما أمام العديد من مناصريه في الداخل، خصوصاً بعد العنف الواسع الذي شهدته عدن وتعز وأمانة العاصمة؛ هكذا شكلت البدايات الأولى للثورة زخمها المتميز الذي مثل عودة للروح اليمنية التي سلبت على مدى 33 عاماً من حكم صالح الذي كان يستعد لتوريث نجله «قائد قوات الحرس الجمهوري».

وفيما قويت شكيمة الثورة بالالتحام السياسي والمجتمعي الواسع فيها، كان رحيل النظام ضرورة محتمة، كما ظلت الإرادة الشعبية النقية تقاوم الاستلاب بجسارة مدهشة حتى رحيل صالح.

والشاهد أن قوائم قتلى وجرحى الثورة السلمية عبرت عن وحدة وطنية ملهمة، في حين يمكن الجزم بأن الشهور الأولى من 2011 كانت مرحلة مفصلية في حياة الشعب اليمني.

آنذاك كانت البلاد أمام مفترق تغيير حقيقي، بل من الممكن أن تفضي بنا اللحظة التاريخية التي لا تتكرر بسهولة إلى نظام سياسي عصري مسؤول اجتماعياً واقتصادياً وأخلاقياً، يعلي من شأن الفرد وحقوقه، كما يحمي الكرامة ويصون الحرية والمساواة والمدنية والمواطنة والوحدة الوطنية فعلاً لا قولاً.

غير أن استقلالية ثورة الشباب لم تدم طويلاً، نصف النظام صار في الثورة؛ وانشق الجيش، وطل شبح الحرب الأهلية، ودفع الثوار ضريبة صراع «الكبار». كذلك اتضحت الضغوطات الدولية للمحافظة على أهم مفاصل نظام صالح وفق تسويات وتفاهمات فيها من الخيانة الكثير، وحيث ظل المشهد ملتبساً لشهور؛ التهمت القوى الجاهزة الإنجاز وانحازت إلى مصالحها. بينما في السياق ثمة من كانوا يستمرئون في جعل الثورة - من داخل الثورة - تدمر نفسها بنفسها فقط، مصممين على هدم أواصر الروح الثورية بمختلف أنواع «استراتيجية الهدم من الداخل».

وإذ تفاقمت نذر الحرب أكثر من المتوقع؛ ماضية في طريقها الهستيري الذي أجبر الجميع على المثول لحل سياسي عبر المبادرة الخليجية وبرعاية الامم المتحدة والدول العشر، اعتقد اليمنيون انهم سيمضون عبر المرحلة الانتقالية وتسنم الرئيس عبد ربه منصور هادي للحكم نحو تأسيس دولة ديمقراطية حديثة قائمة على العدل والحرية والمساواة ومحاربة الفساد.

على أن المرحلة في غالب محطاتها كانت عبارة عن جولات صراع متأجج تحت الرماد «االسياسي والقبلي والمذهبي» ما بين أجنحة الحكم قادت الى خيبات شعبية متوالية. وبما ان القوى السياسية فشلت في التعاطي مع الأولويات، فقد فشل جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في غالب آداءاته التي لا تخلو من شبهة التواطؤ لصالح قوى بعينها كما يرى مراقبون.

بالمحصلة جرى الالتفاف على مطالب وحقوق الأكثرية الشعبية البائسة لصالح طغمة وزمرة نافذة وذات مصالح عميقة وأياد إقليمية وتحولات دولية في التعاطي مع الثورة وفق مصالحها الخاصة، كما تم إفراغ العدالة من معناها في مسألة الحصانة الممنوحة لصالح بالذات.

والشاهد أن اللعبة كانت عصية على التخيل والتصديق؛ فلقد تم تجيير التضحيات الجسام التي قدمها الشباب ما يعني العبث بالحلم اليمني الكبير.

وعلى الرغم من كل هذا؛ ظل قطاع واسع من الشعب مؤمناً في أن عبدربه منصور هادي هو السبيل الوحيد الذي بإمكانه أن يهيئ أهم الأسباب الموضوعية لانتقال اليمنيين من نظام الشخص إلى نظام الدولة والمؤسسة؛ إلا أن الخذلانات استمرت تتهاطل على رؤوس اليمنيين خلال المرحلة الانتقالية، بمقابل أن الفترة ذاتها كشفت للشعب الكثير من التباسات وخدائع قوى انتقامية كامنة كانت متربصة لإفشال العملية السياسية والتزاماتها، ومن ثم الانقضاض إلى الحكم بأعنف الطرق الجهوية والطائفية والمناطقية.

باختصار شديد: كثيرون كانوا يأملون أن تحل الذكرى الرابعة لثورة 11 فبراير وقد أفضت التضحيات إلى واقع مزدهر، على الأقل إنجاز دستور الشكل الجديد للدولة الاتحادية اليمنية الذي وصف بأنه سيكون الأكثر حداثة ومدنية في التاريخ اليمني المعاصر، لكن الدولة تشظت أكثر، وصارت اليمن على وشك التفكك، كما فجرت توسعات الحوثيين المسلحة غضباً عارماً على المستوى الشعبي، وصدم اليمنيون بتسهيل سيطرته على أهم معسكرات الجيش إلى أن دخل المسلحون الحوثيون قصر الرئاسة والرئيس الانتقالي أعلن الاستقالة وأصبح تحت الإقامة الجبرية، وهكذا انقلب الحوثيون على الحلم والشعب والدولة والعملية السياسية في وقت واحد بإعلانهم السياسي الذي وصفوه بـ»الدستوري» معززين بقوة الغلبة لفرض مرحلة انتقالية جديدة من عامين يتحكمون خلالها بمستقبل اليمن واليمنيين.

رغم ذلك يواجه الحوثيون رفض أغلبية السكان والسلطات المحلية في المحافظات الشرقية والجنوبية والوسطى والقوى السياسية.

فالشعب اليمني الذي رغم انه «كالأيتام في موائد اللئام» صار أكثر قدرة على الفرز والاستبصار والوعي الوطني الناضج، وتلك أهم ثمار ثورة 11 فبراير المعنوية والقيمية والأخلاقية على الإطلاق.

قراءة 1201 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة