تلمس طريق الاشتراكي في النضال (4 – 5)

الخميس, 03 كانون1/ديسمبر 2015 20:33 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تحدثنا في حلقة سابقة عن كيفية ان الاشتراكي فرط بتلك الميزة الجميلة، والتي عنينا بها ان هذا الحزب ظل دائما حريصا على تقديم توصيف دقيق للحالة العامة، وما يتبع ذلك من تكشف دروب النضال وتوضيح المهام الملحة، والتي وان لم يستطع ان يضطلع بها، فإن الجماهير الواسعة تستطيع تلمسها واكمال الدور وهنا يكون الاشتراكي قد أدى دوره على أكمل وجه. ربما لم اتحدث عن هذه الميزة بنفس هذه الدقة، لكننا تحدثنا عن تلك الميزة الأخرى والتي فرط بها الاشتراكي أيضا، وهي كيف أنه لم يسترشد بحركة الجماهير التي رفضت الانقلاب وجابهت الثورة المضادة من أول لحظة، رغم أنه اذا ما فكرنا بعقلية الجموع السائدة في الأوقات العادية، سنجد أنه لا يوجد لها مصلحة مباشرة وملموسة يحثها على هذا الاندفاع بعكس القوى السياسية.

الجماهير عادة لا تتجاوب إلا مع مصالحها الأكثر مباشرة، لكنها هذه المرة سبرت غور القادم الذي ينتظرنا وفجأتنا بهذا الوعي الذي لم نكن لنتوقعه. ليس هذا فقط بل ان الاشتراكي لم يسترشد بحركة جماهيره واعضائه الذين بادروا لإشهار الغضب ورفض الوضع الجديد الذي سعى ويسعى تحالف الانقلاب والثورة المضادة إلى فرضه.

سيقول أحد الأغبياء أو الساخرين، بأن جماهير الحزب منقسمة، جزء هنا وجزء هناك، لهذا حملت مواقف الاشتراكي وتعبيراته الاسترشاد الأنسب والذي تقتضيه هذه الحالة. الأمر ليس مضحكا وليس غبيا تماما، أنه يجعلنا نتساءل بخوف: هل حقا أن الحزب الاشتراكي اليمني الذي ظل عصيا في أسوأ الظروف، عندما فشل صالح في اختراقه أو تفتيته وهو يتربع على كرسي السلطة، هل حقا ان الاشتراكي أصبح جزء (ليس من أعضائه) من قراره الحزبي يخدم صالح ويسهر على رعايته؟ سؤال مرعب والاجابة عليه تحتاج إلى جهد عظيم ربما لا أمتلكه في هذه الأثناء، غير أن ما سيحمله الاشتراكي في قادم الايام لكفيل بإجبارنا على التوقف، فإذا كان لدينا شيء آخر نقاتل عليه إلى جانب هذا الوطن وعزته وكرامة ابنائه، فهو هذا الحزب الذي بنته الدماء والتضحيات طوبة طوبة.

هذا الحزب الذي كان ولا يزال الصورة المشرقة لليمن الحديث في زمن التشوهات العظيمة. لكن يمكننا بعد كل شيء أن نتحدث عن كل الأفكار التي تخطر على بالنا، ونحن نتلمس طريق الاشتراكي، ونجد كل هذا الالتباس وهذه الضبابية التي تحجب الرؤية في عز النهار. تقول أحد تلك الأفكار، طالما ونحن نرى كيف ان اعضاء الاشتراكي وقياداته الوسطى  يندفعون إلى ميدان النضال مقدمين ارواحهم في سبيل شيء لابد أنهم أمنوا به ولابد أنهم تعلموا الايمان به داخل هذه المدرسة النضالية العريقة، ونحن نرى ذلك ونلمس هذه الحالة المستعصية من التبذبذب، ربما سنفكر ان الاشتراكي لم يعد يعول على شيء قدر تعويله على انصاف المواقف.

سياسة انصاف المواقف هذه تحيلنا إلى الفتات، وتصرف عنا أي طموح حقيقي، لهذا يتعامل الاشتراكي مع حركة الجماهير العفوية بمثل هذا الاسترخاء اللذيذ. هل فقد الاشتراكي ثقته بالناس أم يريدهم أن يفقدوا ثقتهم به؟ يبقى هذا سؤال مشروع، لآن الاشتراكي الذي علينا ان نحتفظ بصورته، لا يمكنه أن يستهتر بحركة الجماهير، كما لا يمكنه الاطمئنان لعفويتها بل هو في مقدمة الصفوف موجها ومستثمرا فرصة ثمينة قد لا تتكرر في المدى القريب. "الجماهير عادة لا تبقى على حالة معينة يمكن وصفها بالثورية أو بالنشاط السياسي، كما أن خمول الجماهير ليس نهائيا". ان الحزب السياسي الذي يتشارك مع جماهيره الواسعة حالة الاستعداد الدائمة للتوثب الثوري، ان مثل هذا الحزب عندما يفضل حالة التكيف مع المستوى المتوسط من حركة الجماهير ووعيها، عندما يمسك العصا من النصف، فإنه بذلك يكون قد لعب "دورا كابحا لتفتح النشاط الثوري الذي لا يتم إلا في فترات محددة". مهمة الحزب، ذاك الذي يحمل تطلعات الغالبية وان كانت لا تنتسب إليه حاليا، ان يظل محافظا على جاهزيته لكي يتقدم الصفوف عندما تحين اللحظة الثورية، وفي الأوقات العادية يضل مخلصا لتلك الفكرة الثورية حتى وهو يقوم بنشاط سياسي لا يسعنا بأي حال أن نطلق عليه "نشاطا ثوريا"، لأنه بذلك يكون قد حافظ على مكاسب التجربة النضالية وعمل على نشرها، على النحو الذي تستطيع الجماهير تلمسها والانطلاق في الوثبة القادمة من عند هذه النقطة وليس من نقطة أبعد.

هذا هو الاشتراكي الذي في خيالنا، حزبا ثوريا وطنيا يحيا بالناس ومن أجلهم.  كما اننا نفهم أن الأحزاب التي تدعي وقوفها في صف الجماهير الكادحة في صف الفقراء، سيكون عليها ان تتواجد في مسرح الأحداث اثناء الأزمات الثورية اضعاف تواجدها في اثناء الثورة. تطرح الأزمات الثورية تعبيرات رجعية لحركة الجماهير، لنقل أن احد هذه التعبيرات هي الطائفية التي يحاول الصراع الحالي في بلادنا أن يتمظهر من خلالها. ان الانكفاء على الذات والتذرع بأن التعبيرات الموجهة للصراع غير وطنية أو ما قبل وطنية، لجدير في ان يترك الظاهرة تتمدد وتستفحل الى درجة انها قد تقضي على تلك المساحة التي يمكن ان يتواجد فيها حزب سياسي يتطلع إلى الحياة، اذا لم يكن في هذا اليوم المشمس لابد ان يكون غدا في ظلال وارفة. يقول ماركس "إن الإنسان ينبغي أن يكون قادرا على العيش حتى يتمكن من صناعة التاريخ. ولكن الحياة تعني قبل أي شيء آخر الطعام والشراب والمأوى والملبس وأشياء أخرى كثيرة". الأمر نفسه ينطبق على الحزب السياسي الذي لابد له من ارضية سياسية متكاملة هي بمثابة الغذاء ومقومات الحياء الأخرى للإنسان. بدون ذلك لن يقوى الحزب السياسي على البقاء عوضا عن امكانية تشبثه بتلك الفكرة التي تتحدث عن صناعة التاريخ. على ان هذه الارضية السياسية تفترض رعايتها وحمايتها دائما وفي مختلف الظروف من قبل الحزب السياسي المؤمن بوجوده كما يفعل الانسان وهو يكد ويكدح لكي يعيش. هذه مسألة. المسألة الأخرى، يشرحها جواب لينين على سؤال طرحه على رفاق له من أولئك الذي يهربون الى الاسترخاء ويبرعون في التبرير لوضعهم. كان يتحدث عن حركة العمال التي حملت تعبيرات غير اشتراكية ديمقراطية:

ـ  لماذا أفضت حوادث الربيع إلى انتعاش الاتجاهات الثورية غير الاشتراكية الديمقراطية، هذا الانتعاش الكبير، بدلا من أن تفضي إلى رفع نفوذ ومكانة الاشتراكية الديمقراطية؟ (لنستبدل الاشتراكية الديمقراطية بـ الوطنية)

 ـ ذلك أننا لم نكن أكفاء للمهمة، لأن نشاط الجماهير "..." قد فاق نشاطنا، لأنه لم يكن لدينا قادة ومنظمون ثوريون معّدون اعدادا كافيا ويعرفون حق المعرفة مزاج جميع الفئات المعارضة ويحسنون الوقوف في راس الحركة وتحويل المظاهرة العفوية إلى مظاهرة سياسية وتوسيع طابعها السياسي ....الخ واذا ما استثمرت هذه الحال (لا يزال الكلام للينين) فسيستغل تأخرنا حتما الثوريون غير الاشتراكيين الديمقراطيين، الأشد حركة والأبعد همة (ما العمل ص101).

 الحديث لم ينتهي ايضا...    

قراءة 2116 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة