تلمس طريق الاشتراكي في النضال (5 – 5)

الثلاثاء, 08 كانون1/ديسمبر 2015 20:34 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

"لسنا شيئا، فلنكن كل شيء". نشيد الأممية.

على الحزب السياسي، الاشتراكي تحديدا، ألا يكون حياديا إزاء صعود الفاشية، بل عليه أن يستميت في الدفاع عن الحريات الديمقراطية المكتسبة. "وعلى جميع الاحزاب التي تتشارك نفس المخاوف أن تشكل معا جبهة موحدة، بما في ذلك الأحزاب غير الثورية والأكثر اصلاحية، من أجل مجابهة الفاشية وسحقها وهي لا تزال في اطارها الأولي". هذا ما تمليه علينا التجارب التاريخية.

يبدو من المتأخر حقا طرح مثل هذه المسألة، فتحالف الحوثي وصالح، هو تحالف فاشي في جوهره. وكان يفترض ان الاشتراكي والقوى السياسية الأخرى قد تنبهت لهذه الطبيعة من وقت مبكر. يقول ماركس: "كما يميز المرء في الحياة الشخصية، بين ما يعتقده و يقوله إنسان عن نفسه، وبين حقيقته وحقيقة ما يفعل، فينبغي التمييز لدرجة أكبر في الصراعات التاريخية، بين مقولات وخيالات الأطراف المشاركة في هذه الصراعات، وبين تكوينهم الحقيقي ومصالحهم الحقيقية، وبين تصورهم لأنفسهم، وبين حقيقتهم". (الثامن عشر من برومير: لويس بونابرت).

ليس غريبا أنه تم منع طباعة آخر صحيفتين حزبيتين قبل ايام، (الثوري، والحدوي) بعد ان اصبح المجال العام كله تحت رحمة القبضة الأمنية للمليشيا. لا اعلام اليوم ولا سياسة أو حديث جانبي عن مخرجات الحوار الوطني التي صرح صالح أنه لن يسمح بتطبيقها. غير أن الأمل الوحيد المتبقي لدينا هو ان الظروف قد ساعدت على ايجاد طرف أقوى ممثل بدول "التحالف العربي" تجابه الانقلابين وتضعفهم كل اليوم. لدى التحالف اجندته التي بالطبع لن تكون اجندة السواد الأعظم من الشعب، ونحن نختلف معها الآن وفي المستقبل، لكننا لو أردنا استثمار هذه الفرصة، بدلا من الانكفاء، على الأقل سنكون قد عدلنا خيوط اللعبة إن لم يكن قلبها، وسنكون بذلك قد منعنا الفاشية من الحصول على فرصتها لكي تشب وتترعرع على حساب حياتنا. "في مواجهة صعود الفاشية، لا غنى عن الجبهة الموحدة، بغية الحيلولة دون ارتقاء القتلة والجلادين سدة السلطة، عن طريق عمل حازم وموحد تضطلع به الجماهير الكادحة". (مدخل الى الاشتراكية العلمية إرنست ماندل 1977).

اذا لم تكن هذه هي الفكرة التي في خيال (القوى الثالثة) فلنعد الى الاشتراكي الآن ولنهمس في اذنه بهذا الاستنتاج البسيط: في مثل هذه الظروف، يبدو أن خيار القوى الثالثة ليس بالخيار الوحيد أو حتى الأفضل.

ان تبني الحزب الاشتراكي سياسات واضحة تناهض الحرب، وتقارع الطرف الذي اشعلها (تحالف الحوثي وصالح) بكل الوسائل. ابراز مخاطر الحرب، والعمل في اوساط أولئك الذين يشكلون جماهير تحالف الحوثي وصالح لتوضيح الصورة لهم واخبارهم بأن هذه ليست حربهم وانما حرب قوى النفوذ والطامحين إلى السلطة، مع توضيح ايضا حجم الخراب والويل الذي تحمله لهم. ان كل هذا كفيل بإيجاد منفذ للتفكير بطريقة مختلفة، لأن تلك الجماهير حكم عليها أن تفكر في اتجاه واحد، وهو تفكير تدعمه ثقافة تاريخية متجذرة ويعززه جهل مستشري. أغلب من يقاتلون مع هذا التحالف هم بسطاء ومفقرين يجب أن تكون الحرب قد ارهقتهم طوال هذه الأشهر. على الضفة الأخرى، هناك المقاومة الشعبية التي فرضتها ردة الفعل وهي خليط غير منظم، كما لا يصح وصفها بأنها طرف في الحرب، ان ادراك مثل هذه النقطة والاشتغال عليها سيجعل الاشتراكي يقوم بدوره على أكمل وجه. وهناك قطاع واسع على الضفتين وفي الوسط لاشك أنه يرفض الحرب، قطاع واسع من الشعب يجب أن يكون هو الجمهور المستهدف من وراء سياسة الحزب الجديدة. على الاشتراكي الآن أن يؤجل كل ما يتعلق بـ "القوى الثالثة" والعمل منفردا، انطلاقا من رؤية واضحة تعبر عن سياسة جديدة وتجمع كل خيوطها، وفي الأثناء لن يكون معيبا ان الاشتراكي يفتح حوارات مع الاخرين ويجري تنسيقات مع الاطراف التي تقترب من توجهه، بشرط ألا يأخذ ذلك كل طاقته ولا حتى نصفها. لأنه يجب توجيه تلك الطاقة نحو الهدف مباشرة.

من شأن السياسة الجديدة التي تحدثنا عنها أن تستوعب كل الامكانات المهدورة، لأننا سنحتاج للقيام بالمهام المحدد من قبل السياسة الجديدة الى الكثير من الجهود والطاقات وايضا القدرات الضخمة، وهذا ليس متعذرا على الاشتراكي، كما ان هذا الوضع في حال اصبح واقعا يصح لنا اعتباره المدخل الجيد لمعالجة مشاكل الحزب واستعادة حياته الداخلية على أكمل وجه. حالة المراوحة هذه التي نعيشها، لن يكون لها نهاية قريبة، وهذا بسبب ان الحرب تمثل كامل المجتمع اليمني. المنخرطين في الصراع المباشر قلة، لكنهم قلة رشحها الجميع كل بطريقته لتضطلع بالأمر، وهنا مبعث القلق من كون الحرب لن تتوقف بسهولة أو في وقت قريب. تحدثنا ان هناك قطاع واسع يرفض الحرب، هذا القطاع موجود وهو ليس سلبي بالطبع، لكن بسبب انه يفتقر للطريقة التي سيعبر عن نفسه من خلالها، هو ايضا يدعم استمرار الحرب. يصلح العجز أن يكون بمثابة ممثل شرعي له. ايجاد تلك الطريقة كفيل بقلب المعادلة. وثمة طرف وحيد علينا التعويل عليه في هذا الميدان الجانبي المعقد. لاعتبارات كثيرة هذا الطرف هو الحزب الاشتراكي.

اذن يمكننا ان نقول في نهاية هذا الحديث الطويل، بأن ثمة خطين للحزب الاشتراكي لا يوجد لهما ثالث في المرحلة الحالية:

الأول: التسليم الحقيقي بأن المقاومة حق مشروع، ودعوة كل اليمنيين للانخراط فيها وتنظيم انفسهم، بالتوازي مع العمل الجاد من أجل أن يكون للمقاومة الشعبية رؤية واضحة، يشارك في بلورتها قيادات واعضاء الحزب الذين قبلوا ان يكونوا جزء اساسي من المقاومة، وذلك حتى تصبح الرؤية وطنية في المقام الأول، منحازة الى تطلعات الشعب التي عبرت عنها ثورة فبراير، ومتمسكة بكل الاستحقاقات التي تضمنتها مخرجات الحوار الوطني. هذا خط لا يستشعر الاشتراكي أي حرج في تبنيه ودعمه إلى أقصى حد، لأن تحالف الثورة المضادة هو من فرضه وليس نحن، كما أنه لن يعني أن الاشتراكي قد اعتزل العمل السياسي واصبح عمله عسكريا.

الثاني: رفض الحرب جملة وتفصيلا، مع التوضيح بأن المقاومة الشعبية طرف مدافع وليس طرفا رئيسيا في الحرب، (أتفق مع الاستاذ قادري أحمد حيدر حول هذه المسألة) بمعنى أن هذا الرفض يتوجه دون مؤاربة إلى الطرف الذي اشعل الحرب والذي هو مستمر فيها حتى هذه اللحظة، لأن ايقافها من طرف واحد سيعني ان المقاومة الشعبية لن تجد من تقاتله لهذا هي ستتوقف على الفور. واذا لم تتوقف المقاومة الشعبية عن القتال الذي تحدده كثير من الشروط وفي مقدمتها إحدى الفقرات التي اوردها قرار مجلس الأمن 2216 والذي طالب تحالف الحوثي وصالح بـ "تسليم السلاح للدولة والانسحاب الكامل من المدن". اذا تحقق هذا ووجدنا فعلا أن المقاومة قد اندفعت نحو مزيد من القتال أو أي طرف آخر، عندها فقط يمكننا الحديث عن طرفي الحرب. رفض الحرب لا يتوقف على اصدار البيانات واطلاق المبادرات، بل هو نشاط متكامل، اساسه الأول تعرية الطرف الذي اشعل الحرب، ومصارحة الشعب بأهدافها وبكل ما تنطوي عليه وقبل ذلك بالأسباب والأهداف التي من أجلها اشتعلت وحولت حياتنا إلى جحيم. رفض الحرب يعني ايضا أننا ماضون في طريق ايجاد بؤر حقيقية تتبنى نفس الهدف والاشتغال عليها وتأجيج رفضها، مع ادانة يومية لكل الجرائم التي تسببت بها الحرب وشملت نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتوضيح هذا بالأرقام الدقيقة وايضا باللغة التي يفهمها الناس، مع اخبارهم عن الطرف الذي يتحمل مسئولية كل ذلك، وعن ممكناتهم لوقف هذه الجرائم.

ختاما...

من المهم أن نكرر بأنه لا يوجد خط ثالث الآن، ولا يمكن الحديث عن فكرة من قبيل (القوى الثالثة)، ومهما كان لدينا اعتراضات حول الفكرة أو ثمة من يرحب ويتحمس لها، علينا أن نترك ذلك لوقت آخر. عندما تعود الحياة الى طبيعتها والعملية السياسية الى كامل حيويتها، فلن يكون لدى أحد الاعتراض عن طرح أي أفكار من هذا النوع. طالما وأن الفكرة هي تحالف سياسي مدني في ظروف عادية. أما الآن فنحن لا نمتلك ترف الحديث في الهواء والتعلق بالأوهام، لسنا سطحيين وسذج إلى الحد الذي سيجعلنا نتقبل ذلك.

أعجبني

قراءة 1975 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة