محمد علي محسن

محمد علي محسن

الجمعة, 21 تشرين1/أكتوير 2022 21:54

قصتي مع تسمية (الجنوب العربي)

قصتي مع تسمية (الجنوب العربي)

"انا جنوبي عربي لست يمني"

ــــــــ

مع بداية الحراك الجنوبي كنا نقضي معظم اوقاتنا في غرف البالتوك وفي منتديات الجنوب العربي الحر تابعة لتاج كانت  تأخذنا احاديث رواد غرف الدردشة والمنتدى والقائمين عليه غالبا الى موضوع هوية الجنوب العربي واليمننة  وتناول القضية من الستينيات والنيل من اكتوبر التي يمننت على حد زعمهم  الجنوب العربي ، تفاعلنا مع هذا الاتجاه لمدة على انغام اغاني عبود خواجة الحماسية وبدأنا نحاول ترسيخ فكرة اننا جنوب عرب ولسنا يمنيين واننا تعرضنا ليمننة من عام 1967م..

وعلى شأن تأكيد الفكرة ليصدقها العقل والقلب وتصبح قضيتي دولة وهوية لم يكن كافيا الاكتفاء والاتكاء على احاديث المنتديات وغرف الدردشة والصفحات وجلسات المقيل  كان ينتابني الفضول دائما  البحث عن المواضيع ذات العلاقة  في المكتبات عن اي شيء يتحدث عن الجنوب العربي وتاريخه وهويته لترسيخ الايمان بقضية الهوية (جنوبي عربي لست يمني)  وجدت كتب عربية واجنبية تتناول تاريخ الجنوب العربي

يالله كل هذه المجلدات عشان تاريخنا الجنوبي

التي تحاول اليمننة طمسه واول ما فتحت احد الكتب وهو بعنوان الأنظمة السياسية لممالك الجنوب العربي لكاكي محمد استاذ مساعد قسم العلوم الانسانية كلية الاداب واللغات والعلوم الاجتماعية الانسانية جامعة زيان عاشور يتحدث الكتاب عن نظام حكم مملكة سبأ وحضرموت ومعين وقتبان واوسان وحمير

سألت نفسي اين مواقع هذه الممالك في خارطتنا الجنوبية؟ تفاجأت ان سبأ في مأرب الى صنعاء،  ومعين تحكمها عائلة حاكمة حضرمية في الجوف  وقتبان من شبوة الى البيضاء وصل نفوذها الى الساحل الغربي واوسان من اطراف شبوة والبيضاء وابين وعدن وحمير خطت عاصمة امبراطوريتها في يريم اب وتوسعت شمالا وجنوبا وشرقا وغربا واثناء شرح تعاريف الممالك كان يصفها بالممالك اليمنية وتارة بالعربية الجنوبية لم يجد الدكتور اي مشكلة في تكرار تسمية الجنوب العربي واليمن عند الاشارة الى جغرافيتها وانظمة حكمها ومسميات ملوكها.. وكلما اطلعت على مراجع اخرى عربية واجنبية تتحدث عن الجنوب العربي اجد نفسي اثناء الشروحات اقراء عن اليمن ومناطقه هذا فيما يخص التاريخ القديم...

- نرجع للعصر الحديث حاولت جاهدا احصل على وثيقة او سجل في زمن حكم السلطنات قبل الاحتلال البريطاني تتحدث عن سلطنات الجنوب العربي لم اجد ..

- ذهبت لحقبة الاحتلال ووثائقه من عام 1839 الى عام 1950..حاولت ايجاد اي وثائق تتحدث عن مسمى الجنوب العربي لم اجد غير اسماء سلطنات ومحميات شرقية وغربية  ومناطق مثل لحج وعدن وحضرموت مع خرائط ترسم جغرافية النفوذ البريطاني وإشارة لأسم اليمن  في عدن عام 1918م حيث قامت بريطانيا بتأسيس اول كتيبة عسكرية من السكان الاصليين ( النيتف ) في عدن اطلقت عليها الكتيبة اليمنية الاولى..

- اتضح لي بعد البحث ان اسم الجنوب العربي  اسم استشراقي علمي جهوي لدراسة تاريخ وجغرافية ومأثر وحضارات وأثار  كل بلاد جنوب جزيرة العرب  متداول الى الان  في كل الدراسات والدوريات العلمية والجامعات العربية والاجنبية

ودائما ما يشار الى اسم اليمن  وتارة الجنوب عند تعريف المصطلحات والاماكن والمسمياات..

- وجدت اول توظيف سياسي لمسمى الجنوب العربي كان عام 1951 م..

- كان حزب الرابطة بقيادة محمد علي الجفري  وشيخان حبشي ورشيد حريري اول من استخدم اسم الجنوب العربي سياسيا بتسمية حزب رابطة ابناء الجنوب العربي وهو اول حزب سياسي  اهتم بكل  الجنوب..

- اسس شيخان حبشي كيان حضرمي عام 1948باسم رابطة ابناء حضرموت ثم تغير اسمه وبحلة وقيادة جديدة وحزب سياسي  عام 1951 سمي حزب رابطة ابناء الجنوب العربي.

- قبل عام 1948م وجدت نشاط سياسي لشيخان حبشي مع جماعة الإخوان وقد انتدبه الفضيل الورتلاني لدراسة الاوضاع في صنعاء ومدى امكانية القيام بعملية انقلابية ضد الإمام يحيى وقد عمل مع الزبيري والنعمان وامراء من البيت الامامي لتنفيذ الخطة وهو ماعرف بثورة الدستور عام 48م من نتائجها اغتيال الامام انما المحاولة فشلت وتبعتها عملية اعدامات داخل العائلة المالكة بينما الاخرون تمكنوا بالفرار بإنفسهم عبر عدن الى الخارج بينما شيخان حبشي تفرغ للعمل السياسي في حضرموت واسس فيها اول كيان هو رابطة ابناء حضرموت عام 1948م وهو ذات الحزب بنسخته الجديدة عام 1951رابطة ابناء الجنوب العربي برئاسة محمد علي الجفري ..

- استمد المؤسسون التسمية ( رابطة) من الاربطة الدينية الهاشمية الصوفية التي كانت منتشرة في البلاد واضافة اسم اليمن الطبيعية بتعريفه الجهوي الجنوب العربي ليكون مسرح نشاطه ثم ان المؤسسون من عائلات دينية هاشمية تنتمي ثقافيا ومذهبيا لمرجعيات الاربطة الدينية لهم طموحاتهم الشخصية في ان تتحول المرجعية الهاشمية الباعلوية الدينية التاريخية النشطه في الجنوب  الى كيان سياسي بإسم حزب الرابطة..

- كان للجفري ورشيد حريري منذ مطلع الاربعينيات نشاطهم السياسي في مصر ايام دراستهم في الازهر وقد اسسوا برفقة الزبيري والنعمان الكتيبة الاولى للشباب اليمني ثم تغير اسمه بطلب من حسن البناء زعيم الإخوان الى ( كتيبة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ) 

- عرف حزب الرابطة  في ادبياته ولائحته عام 1951م  الجنوب العربي بإنه اليمن الطبيعية وبداية نشاطه كانت محاربة التغريب والتوطين الاجنبي في عدن ومحاربة دعوات انفصالية تطالب بضم عدن للكمنولث " "عدن للعدنيين "  ودعت الرابطة الى الحفاظ على الهوية العربية من التغريب وتوحيد كل المحميات الشرقية والغربية والمستعمرة عدن ..

- في البدء نشاطه الحزبي ازعج الاحتلال البريطاني وتعرضت قياداته وناشطيه الى اعتقالات ومحاكمات ونفي..

- ضم في عضويته من كل الفئات مشايخ دين ورجال قبيلة وشباب

- 1952 م انطلقت الثورة القومية الناصرية وتحمس لها شباب الرابطة وتدفقت موجاتها الى الجنوب وكل البلدان المستعمرة..

- 1954 م بدأت فكرة توحيد المحميات في اتحاد لدى سلطات الاحتلال  اذ دعاء حاكم عدن هيكنبو ثام  حكام المحميات الغربية  الى اجتماع والقى فيهم خطاب يدعوهم الى تأسيس اتحاد برئاسة السامي البريطاني

- 1955م بريطانيا تدرس فكرة الرابطة وترى في اسم الجنوب العربي اسما مناسبا لدولة اتحادية تضم المشيخات وتعذر اعلان الاتحاد حتى عام 1959م ..

- قرار السامي البريطاني في توظيف مسمى  #الجنوب العربي بداية اغضب الرابطة واصدر بذلك عدة بيانات رفض وإدانة ودعاء الى اسقاط السلطنات انما في النهاية تماهت القيادات التقليدية للرابطة مع الامر بينما تمردت قواعده الشبابية وكان سبب سيطرتها على مكاتب الحزب في القاهرة والانشقاق وتشكيل حركة القوميين وعلى رأسهم قحطان وفيصل .

- 1958 تم اعلان الوحدة بين سوريا ومصر تحمست الرابطة زيادة  ودعت في بيان الى توحيد الجنوب العربي ( اليمن الطبيعية) وضمه للجمهورية العربية المتحدة وتعني توحيد المملكة المتوكلية والمحميات ..

- 1959مع توقد الشعور القومي وحركة التحرر العربية ضد الاستعمار  وتدفق موجاتها الى اليمن جنوبا وشمالا  من مصر والعراق ولبنان  وسوريا  اعلنت بريطانيا قيام اتحاد امارات الجنوب العربي من ست سلطنات ومشيخات برئاسة السامي  انتهى في ابريل 62 ، منشقيين شباب عن حزب الرابطة يختلفون مع قياداته التقليدية القبلية والدينية التي بدأت تتقرب لسلطات الاحتلال ويؤسسون حركة القوميين العرب  ويسيطرون على مكتب رابطة ابناء الجنوب العربي في القاهرة..

- 1960م  الرابطة يحرض ضد الشباب المنشق عنه و يصدر بيان بخصوص جهوده الوحدوية مع المملكة المتوكلية الهاشمية ومع العروبة ويؤكد اننا جميعا من الجنوب الكبير وحق هذه الرقعة الجغرافيا من بلاد العرب ان تتوحد على  طريق تحقيق وحدة الامة العربية ويذكر الناس انه له شرف في اول من دعاء الى توحيد بلاد اليمن الطبيعية و لا يزايد عليه احد وبذات الوقت حذر من تعاظم النزعة القومية اليمنية ووصفها بالانفصالية والاقليمية تفصل الجنوب العربي الكبير عن الاكتمال مع الامة العربية والاسلامية في مشروعها الوحدوي..

- 1962 م اعلن اتحاد الجنوب العربي من المحميات الغربية وانضمام عدن في عام 1963م

- 1962 بلوغ المد القومي العربي ذروته في اليمن ليفجر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وتطايرت شراراتها الى الجنوب لتندلع ثورة 14 اكتوبر..

- في مارس 1963م تأسست الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل من سبع تشكيلات ثورية..

- وقوف الاتحاد الجديد عام 62 م  وحزب الرابطة وبريطانيا موقف الضد من ثورة 26 سبتمبر شمالا  والوجود المصري وتعالت المخاوف من قرب اندلاع شرارة الثورة في الجنوب وهو ماتم في صبيحة ال 14 من اكتوبر 63 م.

- في حقبة الاتحاد  التي لا تتعدى خمس سنوات 62 - 67 كانت مرحلة نضال وثورة لاباؤنا الاماجد تفجرت في عهدها براكين الغضب الشعبي في كل الجنوب وتضامن اليمانيون  الجمهوريون والمصريون وكل الشعوب الحرة مع الثورة بقيادة التنظيم الطليعي الجبهة القومية وانضمام القطاعات الامنية والعسكرية كالجيش الاتحادي وجيش البادية الحضرمي الى صفوف الجبهة ليسود نفوذها كل الخارطة الجنوبية انتزعت الاستقلال واعلنت اول دولة مستقلة في تاريخنا وهي جمهورية اليمن الشعبية وعاصمتها عدن في ال 30 من نوفمبر عام 1967م لترتبط هويتنا السياسية الحقيقية بأول ثورة واستقلال يستحقه شعبنا بفعل نضالاته وتضحياته وهي الهوية اليمنية بمفهوم قومي ينتمي لإرث العربية الجنوبية التاريخية وليس التقليدية التي تختزل الجنوب العربي في مشيخة وسلطنة وحقبة استعمارية كما اختزل الإمام اسم اليمن  في خلفيته المذهبية والسلالية الهاشمية الإمامية ...

 

الأربعاء, 12 أيار 2021 03:37

وترجَّل الفارس الأمين!!


رحل الصديق الجميل، ترجَّل الفارس الصلب، ذهب القائد الفذ الجامع لكل الفرقاء ، توقف خفقان الأمين الصالح . . تبًا لك من فيروس لعين ، أدميت قلوبنا ، وأوجعت مُهجنا ، وانزفت دمع مآقينا ، وأثكلت أمانينا ، ووأدت ابتسامة فرحنا بالعيد.

يا لغدرك وخبثك ودناءتك ، فما من رصاصة وزنزانة وحرب وجبروت إلَّا وأذعنت لرغبة الأمين في البقاء . فكيف تسللت أيها الوباء غيلة كيما تنال من روح تخلَّقت من فولاذ لا يكسر أو يصدأ أو يلين ، مهما كانت الظروف عصية وقاسية.

حزني عليك أيها الأمين وقعه ثقيلًا وقاصمًا ، فلقد كنت أخًا وصديقًا ورفيقًا وأبًا حانيًا لطالما اشعرني بالتفاؤل والأمان وفي مختلف الأحوال التي عشناها وكابدناها معًا ، وبرغبة وإصرار وإيثار ومثالية كنت وحدك من حاكها وجسدها في ذواتنا الآتية من عوالم متعددة.

جميعنا ، كلَّنا ، نهلنا من نبعك الزاخر بالقيم والمبادئ الوطنية النقية المتجردة من أنانية الذات ، أستفاد  من استفاد وأبى من أبى ، كما وتعلمنا منك ؛ فأدركنا  لؤم ومكر سباع الساسة الانتهازيين العابرين فوق دمنا وكُلمنا ومُهجنا ، ومن أجل بلوغ السلطة والجاه والنفوذ.

جُل من عرفتم ذهبوا بعيدًا أو سقطوا ، باستثناءك  أيها الإنسان المتوج بأكاليل غار محبتنا وثقتنا بك ، إنَّك نسخة لن تتكرر في حياتنا وتاريخنا ، وكم هو التاريخ الإنساني يُخلَّد عظمائه ، فما من عظمة تأتي بالقوة الغاشمة أو الجبروت والطغيان أو السلطان.

ويكفيك شرفًا وفخرًا أنك من صنع ذاتك وبجهد وانَّاة وحُلم ، فلم تتكأ على إرث صاغه غيرك أو تسطو على مجد غابر مثلما هو ديدن البعض ممن ركبوا موجة النضال إنابة عن أسلافهم أو أنهم هكذا ورثوا الكفاح بحكم رابطهم الجيني أو فهموه خطاءً كوسيلة للفيد والتكسب والربح.

فكل مأساة وأحلام وكفاح وطننا رأيتها في وجهك ، وفي تصرفك ، وفي ذهنك النقي الخالي من الحقد والغيرة والبُغض والجشع والغرور ، فلم تزدك الظروف القاسية إلَّا لمعانًا وجاذبية وقيمة ، مثل الذهب الخالص الذي لا يفقد قيمته أن أهمله النسيان أو طمره التراب.

بفقدك اليوم فقدنا جوهرة طالما أضاءت لنا دروبنا الحالكة بالعتمة ، فلكم كنت لنا نسمة صافية عبقة تملأ رئتينا بإكسير النجاة ، وفي لحظات اوشكنا فيها على الموت اختناقًا أو قهرًا ، فلا فرق بين الموتين ، بين زخام بارود يفتك بنا ، وبين تكميم أفواهنا وصدورنا.

عرفتك في أشد الأوقات خوفًا وانكسارًا وقتامة ، كان ذلك قبل ربع قرن ويزيد قليلًا ، وتحديدًا في مسكن احمد الصبيحي ، الإنسان الطيب الذي احتضن ديوانه البسيط في مدينة الضالع في العام 1995م ثلة من محاميي الدفاع عن المناضل الجسور العم محمد ناجي سعيد ، عضو مجلس النواب وقتئذ ، والقائد العسكري والسياسي المعروف ، والذي تم حبسه في السجن الاحتياطي ، وفي قضية وقعت أثناء الحرب وكان منتهاها صلحًا قبليًا مشهودًا مثلما أريد له أن يكون  .

ومن تينك اللحظة العصيبة وإلى قبل مرضك ووفاتك وصلتي بك ظلت وثيقة وقوية ، إذ بقت علاقتنا وطيدة ودونما يعتريها فتورًا أو استرابة أو جفاء أو عتاب ، فعلى اختلاف دربينا في الأعوام القليلة الماضية ظلَّ بيننا الود والاحترام المتبادل ، فأنت من الصنف الذي لا يقطع ودًا أو يفجر بخصومة.

ظللت ذاك الطود الشامخ الذي يظلنا في الشدائد والكروب ، كما وكنت قبلة لكل منهك وضال ووجف ، فحيثما كنت وذهبت فلم تتردد لحظة كيما تمنح الآخرين قبسًا من أمل وحق تاه في لجة شريعة الباطل والخوف ، فلكم كنت مصغيًا إلى قاصديك وبسكينة ووقار أهديت الكثير منهم لسبل الطمأنينة والسلام ، وهذه عطية سخية لا يدركها إلَّا المؤمنين الأتقياء.

خلال الأعوام الفارطة طفحت كثير من الانفعالات والمكنونات الخبيئة عن عقالها ، كما وسادت الخصومات وزادت الأنانية والانتهازية ضيقًا وتربحًا ، بعيد أن تاهت الحكمة وغاب العقل وتهتَّكت الوشائج والصلات ، ووسط هذه الحالة الشاذة بقيت صامدًا ، صبورًا ، مُنصفًا ، حافظًا للخصم والصديق كرامتهم وحقهم كاملًا في الوجود والرأي وبلا نكران أو نقصان أو خذلان.

الحديث عنك أيها القائد العصامي يستلزمه أكثر من تناولة مرثية ، ومع عظمة النازلة أجدني اكتب شيئًا ربما تنفيسًا عن صدري ، أو قولوا تخفيفًا من هول الفاجعة.

أبامصطفى وفاروق ووائل لم تكن صديقًا مقربًا فحسب وانما رأيت فيك سياسيًا فريدًا  ينبغي أن يعيش لهذه البلاد البائسة ، فلديك سمات قلَّ أن تعثر عليها في ساسة الحاضر أو الماضي ، وحين نقول إنك السياسي الناضج والمتسامح والرافض لكل أشكال العصبية والفوضى وعسكرة الحياة المدنية والتبعية العمياء ، فذاك أنك صنيعة أربعة عقود زمنية في الساحات وبين الجماهير.

ولهذا أعد رحيلك خسارة ليس فقط للمجلس الانتقالي ، بل لكل المكونات والأحزاب في الساحة اليمنية قاطبة ،فلقد كنت قيمة سياسية وفكرية وكفاحبة لكل هذه البلاد وشعبها الواقع فريسة لحرب وأزمات إنسانية وجائحة وباء ،ما فتأت حاصدة لأرواح اليمنيين وبلا رحمة أو شفقة أو أمل يلوح في الأفق.

قد يتساءل البعض كيف أن قدرك لم يُعرف غير بعد رحيلك ، وهذا ليس بغريب ولا جديد ، فأنت مثل كل رجل عظيم بذل وأعطى وبأيثار وصمت في حياته ، وما نراه الآن من مشاعر الأسف والحزن والتضرّع ليست إلَّا دلالة وبرهان لمقدار الفُقد وأستحقاق صاحبه لمحبة الناس وأسفهم وحزنهم ورجائهم ، فما من نجاح وألق ومكانة عظيمة دون تضحيات عظيمة.

نعم ، كنت نتاج تجربة كفاح ونضال ومعاناة اختلطت جميعها بالألم والحُلم والجَلَد ، إنَّك من القلة القليلة والنادرة ممَّن نحتت اسمها بدم وعرق وجهاد وإيثار وبساطة وصبر ، ولا أعتقد أن أحدًا يمكنه إغفال حقيقة بلوغك لذرى النضج السياسي ، وهذه المرتبة بكل تأكيد صاغتها وصقلتها تجربة طويلة حفلت بالاخفاقات والنجاحات والانكسارات ، وكذا بالحوارات والنقاشات المنفتحة على الاخر.

هذا اذا لم نقل أنك كنت ثمرة تاريخ زخر بالكثير من الألم والضيم والجبروت والجنون والمزايدات والتضحيات والانتصارات وعلى ضآلتها..

ليرحمك الله يا أمين الإنسان النبيل ، وليتقبلك الله مع الشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، ويلهم أبنائك وأهلك وذويك ورفاقك وأصدقائك الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الأربعاء, 04 آذار/مارس 2020 21:00

لا ولاية ولا خلافة..

لماذا هذا الإصرار الفج والمتزمت بكون الإسلام ليس إلَّا ولاية شيعية أو خلافة سنية؟ أربعة عشر قرنًا ونصف ومجتمعاتنا غارقة في خضم صراع عبثي عنيف وبلا منتهى بسبب الحُكم وأحقيته وسُبل الهيمنة عليه واستخلاصه لشخص من بني هاشم أو من قريش..

أصدقكم أنني وكلما أوغلت في قراءة تاريخنا الإسلامي فلا أعثر على مبرر أخلاقي أو ديني أو إنساني يمكنه تفسير وتبرير حالة الصراع التاريخي الطويل بين الطوائف والجماعات الإسلامية حول الحُكم.

كما وتنتابني حالة من الهلع والألم على مجتمعاتنا المتناحرة منذ وفاة رسول الله محمد بن عبدالله، عليه أفضل الصلاة.

فبرغم إنَّه رسول الله وخاتم النبوة ورسالته أكبر وأعظم من أن تختزل بنطاق مكاني أو بعصبة عرقية، إلَّا أن أُمَّته التي يفترض أنها خير أمة -ليس بالمعنى البيولوجي الأثني وإنما هي أفضلية معنوية أخلاقية إيمانية- عجزت عن فهم واستيعاب رسالة الإسلام الإنسانية الكونية.

للأسف تم فهم هذه الأفضلية بكونها أفضلية عرقية اصطفائية عنصرية لا صلة البتة لها بالرسالة التبليغية الروحية الإنسانية، فهذه الرسالة هي لكل البشر ولا تختص بفئة وشعب مثلما آلت إليه اليهودية بُعيد حصرها بنسل النبي يعقوب وبطائفة بالغت في غلوها بكونها الفئة المختارة والمتمايزة عن سائر الفئات البشرية.

ما أفهمه وأدركه هو أن جوهر رسالات السماء جميعًا تتشارك في إرساء العدل والحق والفضيلة والمساواة والسلام والتسامح، كما وترفض الظلم والطغيان والفساد والتمييز والعنف والبغي والعدوان.

أتأمل الآن ما يجري في العراق ولبنان، وقبلهما، اليمن وسوريا، فلا أجد غير الدم النازف والقتل والتكفير والإرهاب والخراب، وكل هذه المشاهد المروعة لا أساس لها أو باعث غير السلطة والسطوة ولو بالجبروت والقهر والإذلال للمجتمعات.

فلا علاقة للإسلام بهذا النزاع الدموي، فمنذ سقيفة بني ساعدة ونحن في خضم حروب وصراعات باسم الله والرسول والدين وخلافه، بينما هي في الحقيقة حروب وصراعات غايتها السلطة والنفوذ والاستئثار بهما ولا شيء سواهما..