في رفض منطق الثورة الاجتماعية

الأحد, 07 كانون1/ديسمبر 2014 20:57
قيم الموضوع
(1 تصويت)

قراءة في مقال الدكتور ياسين: بقع البارود على جدارية الحلم بوطن.

يتقدم الدكتور ياسين، بقراءة جديدة لمستجدات المشهد اليمني، نجدها مهمة في نقاط عدة، تكمن أهميتها بالنسبة لنا في موضعين، إفادة للقارئ، خصوصا المتبنين من رفاقنا الأعزاء لذات الخط الفكري الذي يتبناه الدكتور، والثاني: هو أننا نسند وجهات نظر وتحليلات ندعي علميتها، من نقاط نتفق والدكتور ياسين في جوانب كبيرة منها، لنعزز موقفنا الفكري في جدلنا مع المختلفين معنا من الذين يتبنون ذات الخط الفكري للدكتور. خصوصا ما يتعلق بالصراع الاجتماعي.
وبالتأكيد يستمر الأمل في إذكاء الجدل والنقد، كميزة خاصة لاشتراكيتنا، وهذا منطلقنا الوحيد في النقد.

المقال، من وجهة نظرنا، يحمل ثنائيات متضادة في التوصيف النظري، وليس اتساقا نظريا ومنهجيا: مثالي، ومادي جدلي...، فهو يصل إلى حقيقة اجتماعية، في نص معين، ويرفضها في نص آخر، أو يناقض حلها، الذي  هو نفسه يطرحها على الأٌقل ضمنياً في ما يقدمه من مبررات لفشل المسار السياسي منذ العام 2011م.
كثيرا ما يعمد بعض المفكرين -ولسنا نشير هنا إلى الدكتور بالضرورة- ، إلى اتخاذ تموضع سحري، علوي، يجتهدون في آلية إحداث الدهشة، والإحساس بالعجز والمواكبة لدى الآخر، وربما لديهم أيضا، تتطلب من القارئ، أن لا يكون متلقيا عاطفا، مندهشا بنصوص وصور جمالية، يلمسها، فيصورها كإعجاز، وبمتناهية التصديق والإيمان يسترشدها فيما لا يدرك أنها هلاكه. فلا حقيقة في تضليل الأيديولوجيا ولا في تجنبها، في واقع منقسم طبقيا، تتخذ فيه كل طبقة أيديولوجيا تبرر فيها ممارستها السياسية ومصالحها المادية. الحقيقة في المعرفة العلمية، والأيديولوجيا الثورية، هي تلك التي تجعل من ميادين العلوم ميدانها، ومن أجل الإنسانية قضيتها.

في البدء نورد هذه المقدمة الشاعرية، في أجمل صورها الأدبية النثرية: "يتصدع الحلم ببناء دولة المواطنة ، وتعتور المسار نحو تحقيق هذا الهدف فجوات ضخمة، ويطرح سؤال هو : هل فشل الحوار وانتصر السلاح؟ 
تراكمت على صعيد تحقيق هذا الهدف (الحلم) عوامل إيجابية مواتية وأخرى بطبيعة الحال سلبية غير مواتية . وما يحدث في اليمن منذ زمن هو احتكاك وصدام بين منظومتي هذه العوامل. "...
هنا نجد أنفسنا مجبرين على استنطاق هذا النص، استنطاقا ثوريا علميا، لنخرجه من سردابه الأدبي الساحر، وبالأدق من مثاليته التي تصوره عند البعض، كذات واعية منفصلة عن الصراع الاجتماعي، إلى ساحة الصراع الأيديولوجي، وبالتالي إلى معترك الواقع الاجتماعي، أي إلى التربة الاجتماعية التي نشأت فيها هذه "العوامل الإيجابية المواتية وأخرى بطبيعة الحال سلبية غير مواتية".
هذه (العوامل) لم تتواجد بمعزل عن الصراع الطبقي في اليمن، أي هي نتيجة لهذا الصراع الاجتماعي في البنية الاجتماعية، وهي (عوامل إيجابية مواتية) للتحويل الاجتماعي، أي للثورة الاجتماعية، ومنها (سلبية غير مواتية) هي عائق أمام هذا التحول، يتطلب منا كثوريين طليعيين اشتراكيين علميين، أن نغيرها، بنضالنا المعرفي والعملي الدائب، لصالح هذا التحول الاجتماعي.
هنا، لا أعتقد أن الدكتور يخالف استنطاقنا هذا لنصه المكثف الصورة.
لكن الدكتور، إذ يقول بالصراع الطبقي (الاجتماعي)، لكنه في الوقت ذاته، يرفض منطق هذا الصراع، أي حله: تطور قوى الانتاج مرهون بتغير علاقات الانتاج، الخلاص من الاستبداد والاستغلال والبؤس التي تقبع في ظله الطبقات المسودة في المجتمع يتحقق بزوال السبب، انتفاء الطبقة المسيطرة ومصالحها المادية والتحول الاجتماعي من شكل قديم إلى شكل جديد. والنفي هنا هو نفي جدلي..
"
هل فشل الحوار وانتصر السلاح؟"
فحله، ليس الضرورة الاجتماعية التي تفرضها حدة التناقضات الاجتماعية، ولكن بما يمكن أن تتوافق عليه القوى السياسية، بمضامين هذه القوى، بكل سوئها، في (مسار الحل على قاعدة التوافق والتي تشكل "القوة المهدرة" التي لا يزال باستطاعتها أن تنتج فرص هذا الحل) .

إن هذا المنطق، هو منطق البرجوازية الصغيرة: تعترف بالصراع الطبقي، لكنها ترفض الثورة الاجتماعية، كحل للتناقض حتمي، وتطرح الحل في التوفيق بين الطبقات، أو تقليص الفوارق الطبقية، في مرحلة اجتماعية وتاريخية، لم تعد تتقبل هذا الطرح، ليس في الواقع وحسب وحتى في الأقفاص الزجاجية للتنظير، فلو كان ذلك ممكنا لكان، ليس لأن السلطة لم تفعل، بل على العكس، بل لأنها بلغت ذروة أزمتها، واستنفذت كل مراحلها الزمنية، ولم يعد بمقدورها إنتاج واقع مغاير، ولأن تركيبتها وارتباطاتها، وتبعيتها البنيوية بالإمبريالية لا تسمح لها بذلك، فهي كطبقة لم تتكون كرأسمال إنتاجي، مر بمراحله الكلاسيكية على الشكل الأوروبي مثلا، أو بمراحل مشابهة لنا كالشكل اللاتيني، بل كان بفعل العولمة أن تكون كرأسمال مالي أو تجاري، وليس بفعل التراكم الاجتماعي اليمني، أي بالشروط التاريخية لمجتمعنا، ليغدو لنا هذا الشكل الطفيلي الفاسد. هذا النمط السائد في مجتمعنا، لا يجد شروط استمراره إلا باستمرار تبعيته البنيوية بالإمبريالية وبفعل السيطرة الطبقية، كطفيلي يعتاش من عرق الطبقات الشعبية المسحوقة، وليس بشروط أخرى. إذا، فلا يمكن هنا، في هذه الظروف، أن يتم إصلاح منظومة الحكم السياسي، في المنظومة ذاتها، أي بقوى المنظومة نفسها، أو معها، ولا يمكن إجراء إصلاح اقتصادي، في ذات البنية الاقتصادية، التي تكمن أزمتها، ليس في أدواتها وبرامجها...، بل في تركيبتها البنيوية نفسها...، وبالتالي فإن الإجراءات الراديكالية، أي الجذرية، هي السبيل لمعالجة الأزمة الاجتماعية الشاملة التي نعيش. بأدوات جديدة وبقوى جديدة؛ لأنها وكما يطرح الدكتور بنفسه، ويناقض نفسه: "لأنه بطبيعته السياسية وبنيته الاجتماعية والاقتصادية ، ومع ما أنتجه وما ورثه من كوارث ، لم يكن مهيئا إلا لإنتاج هذا النوع من العوامل" وهو يقصد بـ: التذكير، النظام، والنظام هذا هو بنية، من تكوينها هذه القوى التي يسعى للتوافق معها. !!
هل بإمكان، تعايش الجسم الحي مع مرض السرطان؟ على أحدهما أن يتمكن من الآخر.
لسنا هنا بصدد مقاربة غير واعية، لكننا نقدمها كتبسيط لذهن القارئ
(
هذا المنطق) يعي هذه الإشكالية، التي تقف عائقا كبيرا بين ما يطرح وبين ما هو واقع يُستَمرُ تجاهله، الحل له، هو الرغبة الذاتية، الغير موضوعية والغير علمية، وليس الحل في مقتضى الصراع نفسه، أو في منطق الواقع الموضوعي، والدكتور لا يجد ما يصل به الهوة بين منطق هذا الفكر وبين الواقع الموضوعي، فهو يجتهد للبحث عن الحل، لكن في ذات الحقل الفكري، الذي هو هو مكمن الإشكالية، فالحل في حوار، لم يكتب له مقدما أن يرى نورا بسيطا، اتخذت فيه الأشكال السياسية بمختلف انحيازاتها الطبقية أدوارا مسرحية عدة، في دراماتيكيا سياسية كلفت ملايين الدولارات، وحصدت انتكاستها في رقم قياسي
ليس هنالك من تضليل أسوأ من التغاضي عن حقيقة اجتماعية علمية: أن كل طرف سياسي يمثل مصالح طبقية معينة، هي مصالح البنية التي ينتمي لها والتي يحافظ عليها ويراكمها، وصراعه هو في ارتباط مباشر بل وأوحد بهذه المصالح الطبقية.
إن الخيارات والقرارات، البعيدة عن الضرورة التي يفرضها الواقع، أي الثورة الاجتماعية، هي سبب لانتكاس الاتفاقات، والحوار، وقيم "الشراكة والتعايش والقبول بالآخر"، والتي أصبحت مجرد شعارات ضوضائية مطاطية ودغمائية في الظرف الراهن.

إن رفض الثورة، والذهاب إلى تسويات، هي على حسابها، أي الثورة، هو سبب رئيس للانقسام الاجتماعي الأفقي (المناطقي والعشائري والديني...) الذي تشهده بلادنا، فالمطلب الجمعي والرغبة الجمعية والإرادة الجمعية، والخروج الجمعي، المتفجر في لحظة تاريخية اجتماعية معينة هي 2011م، كان نضوجا طبقيا في ممارسة الصراع بامتياز، نضوجا نشأ بشكل ذاتي لدى هذه الطبقات، أي دون توجيه القوى السياسية لهذا المسار النضالي الثوري خلال السنوات الأخيرة السابقة لهذه الانتفاضة الشعبية الجمعية والتي لم تكن بمعزل عن السياق التاريخي لنضالات الحركة الوطنية في اليمن منذ الثورتين والاستقلال.
لكن هذا النضوج تمثل في وحدة ممارسة الصراع، وليس في تكتيكات إدارته، أي أن التأزم الاجتماعي والاحتقان الشعبي الواسع، إضافة إلى التأثر بالأحداث في مصر وتونس والتأجج العاطفي الحماسي لدى الجماهير، كان المفجر للانتفاضة، لكنه لم يكن وعيا سياسيا وثوريا ونظريا، لممارسة الصراع وقيادته، ذلك لغياب الدور الطليعي الثوري القيادي منذ فترة زمنية سبقتها، وأيضا بسبب التركيبة الاجتماعية المعقدة والواقع الاجتماعي المعاش.
إن هذه الانتفاضة الشعبية وحدت حِرَاكَات اجتماعية متفرقة، وعت في لحطة تاريخية معينه عدوها، لكن ليس باعتباره بنية واحدة، بل توجهت ضد جزء منه -واجِهَتَهُ فقط- دون أن تدرك تكويناته العميقة ومصالحه المختلفة، والأشكال الاجتماعية المتعددة التي يتلبسها في محاولته إخفاء صورته الحقيقية. أتى هذا التجزيء بفعل عكسي مضاد لمسار الانتفاضة، قطعت أمامها الطريق من أن تصير ثورة اجتماعية حقيقية، ومع مرور فترة ركود ثوري وحصار داخلي للانتفاضة وللتجمع الشعبي العارم في الساحات الثورية، استطاعت قوى الثورة المضادة أن تتسيد الموقف تماما وتتملك زمام الأمور.
كل هذه الانتكاسات في المسار، التي كان لغياب الدور القيادي الطليعي لليسار النصيب الأكبر فيها، ولدت انتكاسا اجتماعيا مرة أخرى في أحد أهم العوامل الثورية، وحدة الحركة الاجتماعية ضد عدوها، حصول تقهقر اجتماعي والعودة إلى الأشكال الاجتماعية القديمة للانتفاضة، بل لأشكال اجتماعية ما قبل التاريخ اليمني الجديد بشكله المشوه الإمبريالي، أي ما قبل سبتمبر وأكتوبر.
إذا، نخلص على أن رفض منطق الثورة، والعنف الثوري في لحظة تاريخية معينة تستدعيها الضرورة الثورية لضرب أدوات السيطرة الطبقية، وعرقلة أي توجه ثوري شعبي في هذا الاتجاه، كان هو السبب الأول في هذا الواقع اليوم.
خالص القول: الثورة والحوار .. طريقان، تغطيهما "بقع البارود"، بقع اليسار وبقع الرجعية.

 

قراءة 2392 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة