مثقفون أم كتبة سلطة

الخميس, 13 آذار/مارس 2014 19:23 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مثقفو السلطة أوكتبة الحاكم واحد من أهم المفاهيم المصاحبة لتاريخ الثقافة الإنسانية وبتطور المعرفة تطور المفهوم ليصبح مصطلحا في نقد الثقافة.
وقد تداولته الحقب المعرفية بوصفه انجازا لثقافة خاصة منمطة بذات الحاكم عبر أدوات مشوهة يمثلها نخب ثقافة إنشائيون كتبة . تخلقوا في رحم السلطة الحاكمة للبشر وترعرعوا في بلاطها شأنهم شأن غلمان القصور ..هؤلاء هم بالقياس للموقف مما يعتري الإنسانية من ظلم وجور حكامهم مجرد مزايدين محتالين أوغاد طالما أسهم تصدرهم لمشهد الثقافة في تدجين الوعي وتخدير إرادات الناس تسهيلا لمرور سيف الحاكم وأكباله وزنازينه في وعي محكوميه ورقابهم بلا اعتراض.
عبر تاريخه نقد مثقف السلطة نقدا مهينا وأدين بفقدان كرامة ذاته وإهدار سلطته كمثقف ..حدث ذلك في اشد الحقب الثقافية قطيعة بين ثقافة السلطة وسلطة الثقافة الناقدة..
في الجاهلية أدين النابغة الذبياني في التفريط بفحولته الشعرية بذبحها على مسفك بلاط الملك المفرط في البغي : النعمان بن المنذر ..اهدر نابغة قومه كرامته وكرامة قومه وكرامة شعره في بلاط الحاكم وانتهى به الأمر تحت ضغينة هذا الحاكم وبطشه مطاردا مشردا ثم غريبا مقتولا بسيف ملكه النعمان ذاته...
في المقابل هناك معادل لنموذج النابغة يتمثل في نخب ثقافة هي من حيث موقفها انموذج  للمثقف المحترم بصرف النظر عن تقييمها في سياق تاريخي واجتماعي وعقدي معين كالشعراء الصعاليك وشعراء الخوارج والمعتزلة وظاهرة المعري...
ظل النموذج الثقافي بأنواعه من فكر فلسفي وديني ومن آداب وفنون أسيرا لصورة السلطة الحاكمة وظلت هذه الصورة في الوعي المشوه والمنحرف لمثقفي السلطة في حالة تصور دائم في وجوب تماهي المثقف في السياسي حد الذوبان فيه والغياب وان الثقافة مجرد وحدة خادمة وسياق هامشي في المؤسسة السياسية هذا الوعي السطحي المتسلسل امتد حتى منتصف القرن الماضي.. 
مع ظهور الفلسفة الاشتراكية ابتدأ وعي المثقف بجوهر المشكلة الإنسانية وحاجاتها يتصدر توجهات الثقافة المعرفية والإبداعية كما ابتدأ هاجس المثقف في الفصل بينه وبين السياسي فيما يشبه وعي الوليد المتدرج في فصل كونه عن كون ما حوله ..وتخلق عن ذلك نشوء سلطة المثقف المستقلة المتجاوزة في فاعليتها واهدافها سلطة الحاكم, نجم عن ذلك بروز مفهوم المثقف العضوي او الملتزم في شتي ضروب الثقافة المعاصرة.
ليس شرطا ان يقاس دور المثقف بمدى التطابق مع الايدولوجيا السياسية مهما كانت مسيسة الصلة بالقضية الإنسانية فكلما تبناها المثقف وتصورها بمنأى عن تصور السلطة وأدواتها كلما كان اكثر نجاحا في تمثله الناجح والخلاق لدوره الثقافي وتمثيله له في آن.
السياب احد صناع الثقافة الشعرية العربية المعاصرة تبادل وحزبه السياسي . الحزب الشيوعي العراقي فك الارتباط وأعلن الطرفان إنهاء العلاقة بل والقطيعة ليس لتضارب المصالح الشخصية بين السياب والحزب بل للتباين الذي رآه السياب بين رؤية قصائده ورؤية الحزب الشيوعي حول مفهوم الصراع الطبقي بين الفئات الاجتماعية.
تلك حالة والثانية من حالات المثقف العضوي أنموذج اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين قبل ان تطاله سلطة المؤسستين السياسية والأمن سياسية. وتدجنه بذاتها لصالح ذاتها.
ولد اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في رحم نضالات اليمنيين ومعاناتهم في الشمال والجنوب عبر تاريخه ظل الاتحاد إحدي المؤسسات النقابية المدنية المعنية بإنتاج الفعل الثافي وحماية هوية المثقف ودوره المستقل ..الاتحاد انتصر لأحلام اليمنيين وآلامهم .وآمن وساند تطلعات اليمني الي الحرية والعدالة الاجتماعية في شطري اليمن سواء...
غير إن ما يمكن ان يكون شاهد حسم هنا هو ان الاتحاد قبل الوحدة اليمنية . مايو ١٩٩٠ أعلن عن نموذج سلطة المثقف العصية عن الكسر والمستقلة العاصية لدوائر سلطتي القمع في الشمال والجنوب ..الاتحاد المؤسسة اليمنية الوحيدة التي لم تشطر ظلت موحدة رغم انف نظامي الشطرين ..هذا الموقف يكشف عن احترام المثقف اليمني لذاته ولدوره اولا . وثانيا بلورة موقف عملي حي علي دور هذه المؤسسة في الانحياز الى مطالب اليمنيين واستجابة لاحلامهم .عبر الاتحاد برهن المثقف اليمني على أنه لم يخذل اهله..
في السنوات التي أعقبت الوحدة لا سيما عقب حرب صيف ٩٤ تغولت السلطة السياسية في خيلائها ملتاثة بأبد الحكم وداء الاستبداد تدرجت محاولة السلطة في استهداف الاتحاد بانشاء نوادي ثقافية بديلة ..ولما اخفقت استعملت الياتها المعروفة لصنع قيادة بديلة من حلفائها الكتاب في سبيل تسيير الاتحاد باتجاه صنع ثقافة تمثل هوية الحاكم وتعكس سلطته...
ربما نجحت السلطة السياسية في اليمن بايجاد نماذج كتبة يعبرون بإيحاء من نشرة اخبار التاسعة علي شاشة التلفزيون ويصورون منجزاتها كما تصوره صحافتها الرسمية ...ويفوقون في الخوف من ان يتزلزل عرشها خوف قادة جيشها وامنها
محصلة ذلك هو اختزال المنجز الثقافي في منشور سياسي ...غير ان الاخطر من ذلك هو ان يكون هذا المنشور بدافع الانتصار لسلطة الحاكم ما يزال الي الان يمثل حالة من رد الفعل غير المقتصر علي دعم سلطة غاشمة بل يتجاوز الى فعل انتقامي يستهدف هوية الثقافة اليمنية وتاريخها . ويتجاوز الي الإساءة الي هوية اليمنيين وتاريخهم والاستهانة بالامهم واحلامهم في الحرية والكرامة والعدل ..ولا يحتاج الامر الي كبير عناء فمجرد نظرة خاطفة يمكن رؤية ذلك الطفو العبثي الناعم ..النائم علي سطح ماء الثقافة اليمنية ..ذلك الماء الذي كان وسيكون شلالا من الصفو الهادر,,,,

قراءة 2174 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة