الحروب وتعطيل العملية السياسية

  • الاشتراكي نت / خاص - • كتب/ المحرر السياسي:

الثلاثاء, 01 تموز/يوليو 2014 23:32
قيم الموضوع
(1 تصويت)

 

الثابت أن ما تشهده البلاد من أحداث ومواجهات عسكرية سببه الأساس هو عدم القدرة على تحويل الحوار إلى منهج للحياة السياسية، انتهى مؤتمر الحوار بوثيقة ممتازة، لكنه فشل في أن يجعل الحوار منهجاً بديلاً للحروب والصراعات العسكرية.

أما فشله في هذا الجانب فإنه يعود في الأساس إلى عاملين:

الأول يكمن في أن القوى التي تحمل السلاح ظلت ترى نفسها فوق الحوار وترى أن مشاريعها لا تنسجم مع الحوار أو التوافق وإنما تتحق بالقوة.

والثاني هو التعامل السطحي مع جوهر ومضمون الحوار بتحويله إلى مجرد فعالية أنتجت وثيقة بلا روح حقيقية لتنفيذها. فلم يعمل مؤتمر الحوار على توفير البيئة المناسبة لتنفيذ مخرجات حواره، بل إن هناك من عمل على تعطيل إنتاج هذه البيئة من خلال الإصرار على بقاء هيئات الدولة السابقة للحوار على ما هي عليه لتتولى التعامل مع مخرجات الحوار سواء في صورتها القانونية أو الدستورية.. وهو أمر غريب بكل المقاييس ولا يسنجم مع المعنى الجوهري للحوار.

خرجت كثير من القوى التي صاغت وثيقة الحوار من معادلة ما بعد الحوار ليبقى المشهد محصوراً في الهيئات التي سبقت الحوار بقوامها المعروف والقادر على تعطيل كل مخرجات الحوار.

في ظل هذه الظروف التي بدا فيها الحوار مجرد عمل طارئ جرى فوق أرضية تزخر بقوة التناقضات، القوة التي حكمت علاقة بعض القوى ببعضها، وأنه – أي الحوار – لم يستطع أن يخترق هذه الأرضية ليعيد ترتيب الأوراق فيها بروح جديدة تقوم على التفاهم والتعايش والقبول بالآخر، فإن الأمور قد سارت في الاتجاه الذي بدا فيه السلاح عنصراً حاسماً في إنتاج معادلات مختلفة عما أنتجه الحوار، وأخذ يعيد استقطاب الحياة السياسية على نحو مختلف عما بشر به الحوار المنجز، حتى أن القوى المتحاربة أخذت لا ترى محيطها السياسي غير ملحق بها، فإذا لم تكن معي فأنت ضدي. وشاعت مقولة تقسم القوى السياسية السلمية بين أطراف الصراع بصورة فيها من السخف ما يجعل الأمر يبدو وكأن البلد كله مستقطب في هذه الحروب والمواجهات الدامية.

ومع الفراغ السياسي الذي تزداد رقعته بسبب تعطيل العملية السياسية نتيجة التأثير السلبي الذي تتبادله جملة من العوامل على مسارها والتي من أهمها هذه الحروب التي استغرقت جهد الدولة في مواجهات ومشاورات مستمرة مع أطرافها دون نتائج إيجابية توحي بإمكانية حلها أخذت الحروب والفوضى وأعمال العنف تمليأ هذا الفراغ.

تراجع زخم الحوار بسبب ترتيبات ما بعد الحوار والتي طوت صفحة الحوار بعد أن سُلم للمجهول ولم يعد للمتحاورين أي دور في هذه العملية التاريخية. فاللجنة الدستورية التي أقصيت منها بعض أطراف الحوار تعمل دون إشراف من قبل أي جهة ضامنة كما هو متفق عليها، والحكومة أعادت الحوار حول قانون العدالة الانتقالية مجدداً، ويرفض المعترضون تسجيل ملاحظاتهم حول القانون لرفعها إلى الرئيس ورئيس الوزراء لحسم الخلاف، ومجلس النواب يعطل توسيع مجلس الشورى المقر وفقاً لمخرجات الحوار لفترة طويلة وعندما يقر التوسعة يقصي منه الشباب بواسطة العمر، وفي الوقت نفسه يحدث أزمة مع الحكومة كادت تفضي إلى كارثة.. وتتصاعد من هنا وهناك أصوات تكفير الدستور والحوار بصورة متزامنة مع أحداث يوم الأربعاء "الانقلابي" في مشهد يبعث على الحيرة ويطرح أكثر من سؤال. وتتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية للناس وتزداد سوءاً ويتردد الجميع عن اتخاذ الخطوات التصحيحية لمواجهة هذه الأوضاع.

تشتد المواجهات في عمران فتحترق سيئون أو عدن، ويقتل شخص ما في حجة ويتم الانتقام في رداع.. كل هذا والأحزاب والقوى السياسية تشاهد ما يجري ولا تحرك ساكناً وكأن هناك ما يقيد حركتها ويدفعها إلى خارج المشهد.

يسيطر نقيض الحوار على المشهد بصورة شبه كاملة، وفي هذا السياق يتجاوز الواقع في حراكه المستمر، محكوماً بنتائج هذا النقيض، كلما بقي من آمال للسير نحو بناء الدولة. وما لم يتنبه الجميع إلى خطورة هذا التجاوز بتصحيح مسار العملية السياسية وإصلاح الفجوات والتمسك بمخرجات الحوار ووضع آلية جادة لضمان التنفيذ من خلال الإسراع بتنشيط الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار بعد تصحيح لائحتها الداخلية والدعوة إلى اجتماعات فورية للقوى السياسية يدعو إليها الرئيس خلال الأيام القادمة فإن الأمور ستزداد تعقيداً وربما تكون كلفة إصلاحها بعد ذلك باهظة الثمن. لا توجد أي مصلحة لإبقاء القوى السياسية خارج المسؤولية وخارج الحل. إننا نجدد مقترحنا بأهمية أن يدعو الرئيس القوى السياسية كلها (على الأقل المتحاورة) إلى لقاءات مكاشفة وبحث في طبيعة وحقيقة المشهد السياسي ويستمع الجميع إلى بعضهم البعض بمسؤولية ولوضع معالجات كاملة بما في ذلك على نحو أساس وقف المواجهات العسكرية وتحميل الطرف الذي يرفض المسؤولية.

إن الأمر يبدو معقداً لكن لا طريق آخر غير أن يتحمل الجميع مسؤولية إزاء هذه الأوضاع التي تنذر بشر مستطير.

قراءة 1060 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 01 تموز/يوليو 2014 23:42

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة