من الذاكرة الوطنية: الشهيد محمد مهيوب الوحش (2) مميز

  • الاشتراكي نت/ الثوري - سام أبو اصبع

الجمعة, 20 تشرين2/نوفمبر 2015 19:54
قيم الموضوع
(0 أصوات)

فـي عدد «الثوري» قبل الماضي تناولنا فقيد الحركة الوطنية وشهيدها محمد مهيوب الوحش، وحشدنا فيه بعض المعلومات والشهادات التي استطعنا ان نضع أيدينا عليها فـي محاولة ارتأينها ضرورية لتسليط الضوء على الجانب المجهول من تاريخ الحركة الوطنية وتاريخ رجالاتها الابطال الذين لفهم النسيان وسقطوا سهواً وتقصيراً من ذاكرة رفاقهم، وعمداً من ذاكرة السلطة. وحقيقة فقد أثار الموضوع على قلة معلوماته حفيظة بعض رفاق الشهيد ومعاصريه منهم، ورغم استحسانهم لتناولنا موضوع الشهيد فـي ذكرى استشهاده إلا أن البعض اعتبره غير كاف وأبدى استعداده لمدنا بالمزيد من المعلومات والمواقف عن الشهيد التي دفعتني لكتابة الشهيد الوحش مرة أخرى متناولاً هذه المرة سيرته الذاتية ومراحل حياته المختلفة وقد كان للرفيقين محمد غالب الخليفي والدكتور عبدالعزيز الوحش الفضل فـي مدي بالمعلومات المطلوبة.

ولد الشهيد محمد مهيوب سيف الوحش في قدس بقرية الكدرة مديرية المواسط محافظة تعز في العام 1942 من أسرة فلاحية بسيطة، تلقى تعليمه الأولي في كتاب القرية وبعد عودة والده من حرب فلسطين عام 1948 والذي شارك فيها ضد الاسرائيليين بمعية 900 متطوع يمني التحقوا للقتال في فلسطين ضمن إطار الجيش العربي السوري آنذاك، وكان العائدون يأملون في الالتحاق بجيش الإمام مرفقين أملهم ببرقية من القيادة السورية تطلب من الإمام ضمهم للجيش وكان أن ردّ الامام على القيادة السورية ببرقية نصها: (من كان في الخارج ليس من عرب اليمن بل من يهود اليمن)، فما كان من والد الشهيد الوحش إلا ان عاد الى القرية وقد اعتزم السفر الى السعودية. وقد كان ذلك، فقد غادر والد الوحش قريته إلى السعودية مصطحباً الشهيد معه للدراسة فيها، لكنه وتحديداً في منتصف الخمسينيات ما لبث ان عاد الشهيد مرة أخرى الى القرية، وتحت وطأة الظروف الاقتصادية غادر مرة أخرى الى عدن باحثاً عن عمل وفيها واصل دراسته الإعدادية وانخرط في حركة القوميين العرب التي نشطت كثيراً منذ آواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، وعند سماعه بقيام ثورة 26 سبتمبر 1962 ترك العمل والدراسة معاً وغادر عدن متجها إلى تعز ثم إلى صنعاء وكان ضمن آوائل المتطوعين في الدفاع عن الثورة والجمهورية عام 1962 في إطار الحرس الوطني، حيث كان المتطوعون والمجندون في الأشهر الأولى لقيام الثورة يتم إلحاقهم في هذا الإطار ومن ثم يوزعون على مناطق مختلفة، وعندما تشكلت أول كتيبة مظلات يمنية كان «محمد مهيوب الوحش» أحد الذين تم توزيعهم من الحرس الوطني على هذه الكتيبة وتلقوا تدريبهم على يد قوات المظلات المصرية التي وصلت صنعاء مع غيرها من القوات التي أرسلها عبدالناصر للمشاركة في الدفاع عن الجمهورية الوليدة، وكان شهيدنا أول يمني يقفز من الطائرة بمظلته في أول استعراض لقوات المظلات اليمنية في فبراير 1963 واقفاً على قدميه قبل أن يلف مظلته، وأدى التحية العسكرية للمشير عبدالله السلال رئيس الجمهورية العربية اليمنية. كما قام الشهيد بتأسيس أول فرقة انتحارية على مستوى الجيش اليمني آنذاك في سلاح المظلات وحقق معها أهم الانتصارات الجمهورية على الملكيين في جبل الطويل إبان حصار السبعين، والتي كان هو أحد أبطالها الحقيقيين وقد لقبه الضباط والجنود المصريون بالوحش لطريقته الجريئة في الاقتحام الناجح لعدد من مواقع القوى الملكية وكان في كل اقتحام يطلق صرخته الشهيرة المدوية التي تربك الخصم وتشل فعاليته.

وفي موضوع التحاقه بالحركة الوطنية يقول أخو الشهيد الدكتور عبدالعزيز الوحش: التحق بحركة القوميين العرب تقريباً في بداية الستينيات، ومن المؤسسيين للحزب الديمقراطي الثوري اليمني في صفوف الجيش كما أخبرني الأستاذ المرحوم مالك الارياني عند لقائي به بعد الوحدة 1991، أيضاً أخبرني الأستاذ محمد احمد سلمان (وزير الكهرباء بعد الوحدة مباشرة) عندما التقينا في القاهرة بعد حرب 1994 أن صالح مصلح قاسم كان على تواصل مع الوحش، وأعتقد أن الوالد الأستاذ احمد قاسم دماج يعرف في هذا الموضوع أكثر مني.

وفي شهادته على أحداث أغسطس يقول الدكتور الوحش: بعد أحداث أغسطس، وتنفيذاً لمخطط قوى في الصف الجمهوري كانت تنسق في إطار حوار مع الجانب الملكي للتخلص من القوى الوطنية، تم نفي أبرز القيادات العسكرية إلى الجزائر وفي مقدمتهم الشهيد النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب رئيس هيئة الأركان العامة، والفقيد النقيب عبدالرقيب الحربي، والنقيب حمود ناجي سعيد، وغيرهم من القيادات التي لولا صلابة وتماسك مواقفها في الدفاع عن صنعاء والنظام الجمهوري لسقطت صنعاء والنظام الجمهوري منذ الوهلة الأولى للحصار -كما يعلم الجميع- ثم تلا التخلص من هذه القيادات سلسلة من الاغتيالات والطرد والاعتقال لمن تبقى في معسكرات الصمود، وكان الشهيد الوحش واحداً ممن تعرض لمحاولة اغتيال ومطاردة في معسكر المظلات، غادر على إثرها المعسكر متوجهاً إلى نقم الذي كانت تسيطر عليه قوات المظلات بينما كانت الصاعقة تسيطر على عيبان، وظل في نقم مع الملازم فؤاد العبسي قائد الموقع لمدة أسبوع تقريباً، فحدث نوع من العصيان في المعسكر على إثر محاولة الفريق العمري تعيين قائد لمدرسة المظلات غير مرغوب فيه من معظم جنود وصف ضباط وضباط المعسكر مطالبين بالكف عن مطاردة الوحش وعودته إلى المعسكر، كما طالبوا بأن يكون قائدهم منتخباً بالاقتراع السري، وهو أمر قد يكون غير معتاد في المجال العسكري إلا أن هذا ما حدث بالفعل كما سمعت حينها، فأرسل العمري خمسة من رجاله يحملون أمراً مكتوباً بخط يده وتوقيعه بإحضار الوحش إلى القيادة العامة للقوات المسلحة حياً أو ميتاً، وعندما خرج الوحش والملازم فؤاد من الخيمة تمترس أربعة منهم ووجهوا أسلحتهم نحوه، بينما كان مرتدياً بدلته العسكرية حاملاً سلاحه على كتفه وتقدم الشخص الخامس منهم يطلعه الأمر -وكنت أتوقع في هذه اللحظات أن يقتل الوحش- ولكن بعد أن تواصل الملازم فؤاد بجهاز اللاسلكي مع القيادة العامة للقوات المسلحة ومع قائد سلاح المظلات آنذاك النقيب علي نصيب، تم الاتفاق بعد حوار أن يعود الوحش بسيارته العسكرية ومرافقين من الموقع إلى معسكر المظلات بينما يعود هؤلاء إلى القيادة العامة، وفي اليوم التالي أصدر القائد العام للقوات المسلحة قراراً بتعيينه قائداً لمدرسة المظلات بعد أن كان قد فاز في الانتخاب الذي أجري في المعسكر في الليلة نفسها التي نزل فيها من نقم، ويبدو أن قوى مختلفة كانت تتصارع داخل المعسكر بينها جماعة التحرير التي كانت تعتبر أن الوحش مدعوم من بعض القيادات داخل المعسكر، والحقيقة أن محاولة اغتياله قد انعكست سلباً على أعدائه لأنها أدت إلى التفاف معظم جنود وضباط المعسكر حوله، ومارست حقاً ديمقراطياً ربما لم يشهده التاريخ العسكري اليمني من قبل، وفي اعتقادي أن هذه الخطوة هي التي أدت إلى إصدار القرار بتعيينه قائداً لمدرسة المظلات، مع إبقاء فكرة التخلص منه ومن غيرة من أبطال السبعين غير المرغوب فيهم قائمة.

زار الفريق العمري يوم الاثنين الموافق 29 أكتوبر 1968 معسكر المظلات الذي كان بجوار مصنع الغزل والنسيج واستقبله الملازم أول محمد مهيوب الوحش قائد مدرسة المظلات -نشر هذا الخبر في إذاعة صنعاء يومها واستمعت إليه مع الوحش وبعض زملائه عند الساعة التاسعة والنصف مساء -، وفي اجتماع ثنائي بينهما في مكتب الوحش بالمعسكر دار حوار ثنائي استغرق ثلاث ساعات، ومن ضمن ما دار من حوار في هذا الاجتماع قال الفريق العمري للوحش يقال انك شيوعي ماركسي وانك تعلم الجنود الشيوعية هل هذا صحيح؟، فرد عليه الوحش لا وجود للشيوعية لدينا إلا إذا كانوا يعتبرون أن محو أمية الجنود التي تبنيناها في معسكر المظلات شيوعية (وبالفعل كان الوحش قد فتح بعض الثكنات العسكرية لمحو الأمية بين صفوف جنود المظلات وهو ما لم يحدث في أي وحدة عسكرية منذ قيام ثورة سبتمبر، الأمر الذي لم يزعج فقط الفريق العمري بل غيره من القوى في الصف الجمهوري)، فقال العمري مبتسماً: وما أنتم؟، فرد عليه الوحش: تستطيع تقول وطني، ثوري، ديمقراطي، ولكن يا فندم هل صحيح ما سمعناه أنكم وجهتم بإيقاف مرتبات جميع أفراد المظلات وإلقاء القبض عليّ شخصياً أو قتلي؟، فرد العمري إن ذلك غير صحيح وستستلمون مرتباتكم وأنتم تمارسون مهامكم. وشكره على اليقظة بعد إحباط معسكر المظلات محاولة تسلل بعض أفراد من الملكية لحرق مصنع الغزل والنسيج، وتم بالفعل اشتعال النيران في المصنع غير أن المظليين تمكنوا من إخماد الحريق كما تمكنوا من أسر بعض الملكيين الذين نفذوا العملية وبقي هؤلاء في الأسر بالمظلات إلى ما بعد استشهاد الوحش.

ويختم الدكتور شاهدته بالمشهد الختامي في حياة البطل قائلاً: في فجر يوم الثلاثاء الموافق 30/10/1968، غادر الوحش صنعاء متوجهاً إلى معسكر الحديدة، قيل إنها زيارة للمعسكر، وفي يوم الخميس 1/11/1968، عاد إلى صنعاء قادماً من الحديدة، وأثناء هذه العودة تعرض لإطلاق نار وهو في عصر، ونجا من محاولة اغتيال، وعند وصوله ميدان التحرير الساعة الرابعة والنصف عصراً، جلس مع رفاقه لشرب الشاي في بوفية التحرير التي كانت تبعد قليلاً عن المساحة التي يشغلها الآن مارد الثورة، وفي هذه اللحظة قدم إليهم أحد أفراد التحرير الفارين من المعسكر بسلاحه، وجلس معهم يشرب الشاي، وطلب منه الوحش العودة معهم إلى المعسكر، فقال له إن لديه بعض الأمور سينجزها وسيعود، فتركه الوحش ورفاقه وصعدوا سيارتهم التي كان عليها رشاش 12/7 بالإضافة إلى أسلحتهم الشخصية، وعند بدء تحرك السيارة خرج ذلك الفرد من البوفيه وقال اليوم يومك يا وحش الآوامر تقضي بقتلك، وهرب فقال الوحش لاثنين من مرافقيه امسكوه، وهما أمين فيصل، وعلي محمد قايد الشيحان، رحمهما الله، وجريا خلفه باتجاه مطعم التيسير (أمام سارية الأعلام بميدان التحرير) -والحقيقة أقول إن هذين البطلين من أبطال السبعين هما من أفراد الفرقة الانتحارية التي كان لها شرف الدفاع عن صنعاء وقد خاضوا معارك مشرفة ضد فلول الملكيين في أكثر من موقع بل إنهم كانوا ينفذون عملياتهم البطولية مع باقي رفاقهم أحياناً مرتدين ملابس القبائل، وما على التاريخ إلا أن ينحني لتسطير بطولاتهم بإيجابياتها وسلبياتها وبموضوعية- وعندما شاهدتهم يجرون خلفه باتجاه مطعم التيسير كانت أسلحتهم على أكتافهما بينما كان سلاح ذلك الفرد في قبضة يديه ويوجهه من وقت لآخر نحوهما ولكن دون أن يطلق النار، وبينما هما سيدخلان ممراً كان بجانب المطعم أقبل الوحش مع بقية رفاقه بالسيارة ووقف ينظر إليَّ لثوان مبتسماً كما لو كانت لحظة الوداع الأخير، ثم تحرك ونظر في ذلك الممر الذي دخلوا منه، واستدار بالسيارة الذي كان لحظتها يسوقها بسرعة قصوى ودخل من بداية شارع 26 سبتمبر بجوار البنك اليمني، واكتشف أن هناك مجاميع من أفراد التحرير يطلقون الرصاص من المكان الذي خصص بعد ذلك لشؤون القبائل، ونزل الوحش ورفاقه من السيارة باستثناء أحد رفاقهم الذي كان على الرشاش المحمول على السيارة والذي رد على إطلاق النار بالرشاش المحمول على السيارة أثناء نزولهم وتحولت المنطقة كلها إلى نيران كثيفة من اتجاهات مختلفة هرب حينها كل من كان يتواجد في المكان وقتل خمسة من أفراد التحرير بينهم العدني الذي ذكره الكاتب، الذي كنت أعرفه شخصياً، وهرب الباقون بمن فيهم ذلك الذي جرهم إلى هذا الكمين، وهدأ إطلاق النار حينها استدار سعيد المجنون - أحد رفاق الوحش - بالسيارة كي يتحركوا، وبينما كان الوحش باتجاه الصعود إلى السيارة، أطلق قناصة عليه النار فأصابته رصاصة في مؤخرة الرأس فسقط، ولما شعر رفاق الوحش بتجدد إطلاق النار من أسطح المنازل المجاورة للبنك، عادوا إلى معسكر المظلات لإحضار قوة إضافية، وعند عودتهم من المعسكر إلى ميدان التحرير وجدوا المدرعات والدبابات منتشرة في المنطقة كلها، وقيل إن الفريق العمري بنفسه كان قد وصل إلى ميدان التحرير مع تلك القوات المنتشرة. حينها عادوا إلى معسكرهم دون مواجهة.

أما بخصوص الوحش فقيل إن العميد عبدالله دارس - الشخصية الوطنية المعروفـــــة لدى الجميع بصلابة موقفه الوطنية وبسالته وتضحياته إبان الحصار هو الذي أسعفه إلى المستشفى الجمهوري، وعند الساعة العاشرة مساءً أسلم الوحش روحه الطاهرة إلى بارئها، وفي يوم 2/11/1968، شيع جثمانه في مسيرة جنائزية مهيبة إمتدت من ميدان التحرير إلى مقبرة الشهداء اليمنيين في باب اليمن، وأطلقت المدفعية 21 طلقة وداع لمن حمل صنعاء في ثنايا قلبه النابض عبر مسيرته النضالية منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 حتى نالت منه أيادي الغدر والخيانة.

قراءة 3234 مرات

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة