الواقع العربي في رواية "علم نفس الأغنام"

  • الاشتراكي نت / هيثم ناجي

السبت, 10 شباط/فبراير 2018 18:56
قيم الموضوع
(2 أصوات)

 

 

    تنتهي عزلة القراءة؛ فيصبح من الضرورة أن يهب القارئ ما يستطيع للآخرين مما منحته الكتب؛ وبأي وسيلة إما صوتا أو كتابة، وها أنا أخرج وفي جعبتي قراءتي هذه لواحدة من الروايات التي كانت موضع اهتمامي.

      فقد رافقتني فكرة كتابة هذه القراءة منذ حدقت إلى عنوانها وقبل ذلك اسم كاتبها، الأديب السوري محمد بن يوسف كرزون صاحب  التجارب الكثيرة في الأدب اللاتي  صقلنه فكان قلمه عطاءً مسخراً للكتابة عن قضايا شغلت الشارع العربي، وتناوَلَها بحرية وبأسلوبٍ بسيط يجعلها أكثر تأثيراً، وهذا يتضح في جل كتاباته ومؤلفاته متعددة الأجناس الأدبية.

     ولعل قارئ رواية" علم نفس الأغنام" الصادرة عن دار الماهر للطباعة والنشر والتوزيع في مدينة سطيف الجزائرية 2018،  سيلحظ أنها حوت إشكالية مهمة شغلت – وما زالت- تفكير الأغلبية المطلقة من المواطنين في الدول العربية.  فظاهرة مثل البطالة، خلقت مادة شبه مكررة في وسائل الإعلام العربية_ قبل انشغال الرأي العام الحالي بالمحتوى السياسي الذي أوجدته الأزمات المتتالية في بلداننا_ و قد أثقلت هذه الظاهرة كاهل الشباب بالبؤس، ولم تحوِ وسائل الإعلام مضامين جادة قادرة على إبراز وجه المشكلة، بل أظنها فتحت للشباب الطرق للتيه والتحول عن هدف التنشئة الاجتماعية..

   محمد بن يوسف كرزون شغلته هذه المشكلة كثيراً، وانعكس تفكيره بها على محتوى روايته، وحاول –ما أستطاع- النظر إليها من أبعاد مختلفة، منها: تكون البطالة وإبراز جذورها على السطح، وأسباب تحولها إلى ظاهرة، والآثار المترتبة على هذه الإشكالية كإعاقة الرقي ثم التطور؛ على اعتبار أن الاهتمام بالإنسان والاستفادة منه وسيلة للتطور الحضاري.

 الديكتاتورية خطوات إلى الوراء

    يعمل الديكتاتور وحاشيته دائماً على حجب النور عن الشعوب المتطلعة إلى الشمس.. إن الديكتاتورية تجدف ضد التيار، فتعود بمركبها إلى الخلف، موهمةً الجميع بالسوط أنها تتقدم.

استطاع محمد بن يوسف كرزون عرض صورة طموحة مغايرة للواقع العربي في ظل الأنظمة الديكتاتورية؛ الذي يعد فشلها في إدارة البلاد سبباً من أسباب المشكلات السياسية والاجتماعية..،  يقول في الرواية على لسان ضمير السرد المتكلم حسن ، أن أحدا سأله بعد محاضرة له في كليته التي تخرج منها:  "كيف أمنت لك الدولة هذه الفرصة للتفرغ للبحث العلمي ؟"

فيرد عليه ويخالجه شعور بالخوف من إيضاح الحقيقة؛ فالجدران تحولت إلى آذان صاغية،  وقال: أمنت لي البطالة بكل جدارة...

يحضر بعد أسبوع رجل أمن يريد معرفة قصده من قوله السابق، معللا بأن الظروف التي تمر بها البلاد تساعد على تقصير الحكومة، ويعرض رجل الأمن عليه قرارا بتعيينه معيدا في الجامعة، فيرفضه حسن  بتاتا، ويقول: أنا سعيد مع رعيتي. وقد استخدمت كلمة "رعيتي ومثيلاتها في الدلالة "  في جمل كثيرة تتوزع على صفحات الرواية، مثلا، عندما حدث حسن الحاج عارف، تضمن حديثه له:  " أتمنى ألا أكون ديكتاتوراً على رعاياي" ..

إن الديكتاتورية بالنسبة للأديب عديمةُ الرؤية، وجذور مشكلات الشعوب وسبب هجراتها، وعديم الرؤية يغرق في السراب.

 بديل البطالة

   حسن، لم يخنه حلمه ولا ثقته، وكانت فكرة أن يجد عملا لا صلة له بتخصصه قائمة،  وقد تسنى له _ فيما بعد_ تحقيق ذاته عندما سانده الحاج عارف والذي لم تكن مساعدته انتفاعا من حسن، بل تعاونا، فصار  أبسط أنواع التخطيط والجهد مصدر دخل.

الرواية ممتعة واستطعت التنقل بين صفحاتها بكل سهولة بما منحته لي من زاد التشويق وبساطة الطرح..

 وقد حملتني الرواية رسالتها إلى كل قارئ:  (لن نجيد إلا إذا جدنا، ولن نصل إلا إذا اجتهدنا، ولن يبقى الطغاة على الصدور جاثمين، فلكل طاغية نهاية وللشعوب ما جادت به سواعدهم).

قراءة 2142 مرات

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة