انعطافة نحو المجهول "تقرير"

  • الاشتراكي نت/ الثوري - خالد عبدالهادي:

الخميس, 26 شباط/فبراير 2015 23:55
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

في لحظة انكسار شعبية جراء سلسلة من الخيبات الصاعقة, تحول الرئيس عبدربه منصور هادي إلى حاجة وطنية على الرغم من صفحة الرجل المغطاة بالخذلانات والضعف خلال الأعوام الثلاثة التي قضاها في الحكم.

فلقد غدا هادي الذي كسر الحصار المضروب عليه من قوات الحوثيين مطلع هذا الأسبوع بعد نحو شهر كامل من إخضاعه لإقامة قسرية في منزله عقب التطويح بسلطته بطل التظاهرات التي تخرج في عدد من المدن دعماً لشرعيته ورفضاً للسلطة الحوثية المفروضة بقوة السلاح.

كذلك, صار اختراقه للحصار الحوثي  وانتقاله إلى عدن نصراً كاملاً في حسبان كثيرين, دون تمييز أن هذا التطور لا يعيد الأمور حتى إلى ما قبل السادس من فبراير حين أكمل الحوثيون استيلاءهم على الحكم, فضلاً عن 22 يناير ثم 21 سبتمبر 2014.

ويمكن تفهم هذا التقدير الذي انتقل من مجرد انفعال شعبي إلى أداء سياسي, بفعل تعاظم القهر الشعبي ولهفة الشعور العام إلى بصيص أمل في الخلاص, نتيجة العجرفة والتسلط الدنيء اللذين أمعنت الحركة الحوثية العنيفة في حكم الشعب بهما خلال وقت قصير.

لكن الحاسم هو ما سيترتب على تحركات الرئيس خلال الأيام القليلة المقبلة لصنع فارق معنوي وعملي, ينقل الدولة الشرعية من حالة الأفول والاستضعاف إلى قدرتها على تفكيك الدويلات المصغرة وإذابتها في جسم الدولة الجامعة الواحدة.

بأداء الرئيس الذي لمسه الجميع خلال ثلاثة أعوام وتصورات السياسيين المتحلقين حوله, لن يستطيع هادي إحراز شيء يُذكر أمام عبء ضخم وتحد مصيري.

ولهادي أيضاً شخصيته التي ليس في الإمكان تثويرها أو الإضافة إليها ما ليس فيها, لذلك يصعب تصور الرئيس الانتقالي يخرج من معتقله ليخطب في حشود غفيرة ويبدأ الزحف نحو القصر الرئاسي كما فعل الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو تشافيز بعدما حاصرته المعارضة المسلحة وكادت تقلب نظام حكمه عام 2002.

لذلك, تشبه قدرة هادي على استرداد حكمه الذي قوضه المقاتلون الحوثيون قدرته على دحرجة صخرة عظيمة من مقر إقامته الحالية في مدينة عدن الساحلية إلى صنعاء المرتفعة عن مستوى سطح البحر بأكثر من ألفي متر.

سيكون الرئيس بحاجة إلى أداء ثوري, بما هي الثورية أساليب عمل  صارخة وغير عادية, ولن يتحقق هذا إلا بواسطة فريق مختلف لا تمت تقديراته وقدراته بصلة إلى الفريق السابق, ثم إنه لا بد من خطة واضحة ومجدية لتحركات تثمر إنجازات واقعية وعملية.

وبأقل من صيغة وطنية, تهدف إلى جمع شتات الدولة المتصدعة وتنظيم القوى الشعبية والسياسية والائتلافات الاجتماعية في إطار عام لتحقيق هذا الهدف فسيان بين شرعية هادي وعدمها.

ما هو مفيد من إفلات هادي بشرعيته إلى عدن, حتى الآن, لا يتجاوز كثيراً نفاذه الشخصي من محنة الاعتقال والعثور على فرصة للاستطباب من متاعبه الصحية, إضافة إلى فتح نافذة أمل كانت قد أُغلقت أمام القوى المتمسكة بالعملية السياسية السلمية لتعمل مع رئيس ما زال يحظى باعتراف المجتمع الدولي ودول الإقليم, وهذا أفضل من أن تعمل وحيدة.

أما الاستثمار الحقيقي لهذا الحدث, فله أوجه كثيرة تبدأ من العمل خلف الشرعية التوافقية الرئاسية وتوظيفها في خدمة أهداف هذه المرحلة الدقيقة.

ومع تمسك المجتمع الدولي بشرعية الرئيس وحصر التعامل معه سيزداد ارتباك الجماعة الحوثية وتخبط قراراتها في محاولة لدفن حقيقة أن هادي عاد إلى واجهة المشهد في أقصر وقت ممكن, مثلما أن تخلصه من اعتقالها بحد ذاته شكل ضغطاً نفسياً وعملياً لقيادة الجماعة التي لا تريد  لصورة المحارب المنتصر أن تبارحها.

ذلك أن إفلات الرئيس من قبضة الحوثيين  قلص خياراتهم كثيراً واضطرهم إلى خانة الدفاع بعدما كانوا قد أخذوا يرتبون وضع سلطتهم.

ووجدت الجماعة نفسها في مأزق سياسي بعد مرور أربعة أسابيع من استيلائها على السلطة دون توفير غطاء شرعي لها في ظل رفض الأحزاب السياسية الكبيرة لانقلابها, إلى جانب المجتمع الدولي ودول الإقليم.

في إطار هذا التخبط, جاءت قرارات الجماعة المسلحة خلال اليومين الأخيرين مشفوعة بالخيالات الثورية الفاقعة والاستعراض الفهلوي.

وكان قرار أعلى هيئة اصطنعها الحوثيون لإدارة الحكم بعد استيلائهم عليه وتدعى «الهيئة الثورية العليا» بإحالة الرئيس هادي إلى النيابة العامة يوم الثلاثاء هو الأكثر ملهاة بعد ساعات من بيان للجنة ذاتها, حذر موظفي الدولة والدبلوماسيين الأجانب من التعامل معه وتوعد بمساءلة من يتعاملون معه.

أضاف البيان «هادي فاقد الشرعية لأي تصرف كرئيس للجمهورية اليمنية، وبتصرفاته الطائشة والمتخبطة قد أضر بالشعب اليمني وأمنه واستقراره واقتصاده وحياته».

والاثنين الماضي, أطلقت هذه اللجنة وعيداً بمحاكمة وزراء يرفضون أمراً من الجماعة المسلحة لحكومة خالد بحاح المستقيلة بتصريف أعمال الدولة.

لن يتوقف الحوثيون عند هذا الحد من دفع الأمور إلى الانفجار باستخدامهم لسياسة حافة الهاوية في التعامل مع كل الأطراف الوطنية, بل لن يتورعوا عن شن مزيد من الحروب وإخضاع مناطق جديدة بالقوة.

ولعل سيطرة مقاتليهم على معسكر القوات الخاصة في منطقة الصباحة, غرب صنعاء, بعد هجوم ليلة الأربعاء هو المثال الناصع لسياسة الجماعة المتبعة في التعامل مع خصومها وحلفائها على حد سواء.

أتى الهجوم بعد مباحثات بين تيار الرئيس السابق علي عبدالله صالح في المؤتمر الشعبي والحوثيين غير أن ذلك لم يمنع من مهاجمة المعسكر الذي ظل يُصنف على أنه موالٍ لصالح.

بعد القضاء على واحد من أقوى تشكيلات الجيش وأكثرها تأهيلاً, لا بدً أن الجماعة ستشرع في التعبئة لحروبها التي قد تتجه جنوباً في ظل إصرارها على إحباط تحركات هادي وإنهاء حالة الانشطار في القرار السلطوي.

كانت السمة الأبرز للفترة الانتقالية التي تخطت الأعوام الثلاثة أنها توافرت على العوامل الكافية لصناعة أمراء حرب معدودين, هم من سيقودون المنازلات المقبلة تحت عناوين طائفية وجهوية في الأصل لكنهم سيستعيرون يافطات شعبوية شتى لاجتذاب المقاتلين وتسعير حروبهم.

وبينما أضافت حزمة الوثائق بدءاً من ضمانات تطبيق مقرررات الحوار الوطني حتى إعلان الحوثيين الهازل مدداً مختلفة لإكمال الفترة الانتقالية, يلوح أن تلك المدد ستشكل المرحلة التي يستغرقها أمراء الحرب في حروبهم البينية قبل رضوخهم لحقيقة عجز أي منهم عن حكم الوطن كله واقتناعهم بالأجزاء المفتتة من بلاد جزأوا نواحيها.

موقع القوى الشعبية وموقفها, فحسب, هما من سيدع هذا السيناريو الكارثي يمر أو سيمنعه.

قراءة 2010 مرات آخر تعديل على السبت, 21 آذار/مارس 2015 15:10

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة