الحرب تستقطب السياسة

  • الاشتراكي نت / خالد عبدالهادي

الخميس, 05 آذار/مارس 2015 17:55
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

لمًا تسكت المدافع بعد.. مع ذلك تنحشر السياسة فـي الفجوات التي تتركها الحرب, وعلى مدى تاريخ الحروب تبتدئ السياسة نشاطها فـي أعقاب الحرب لتنظيم المكاسب التي عادت بها على أطرافها.

الجماعة الحوثية ماضية فـي خطة واضحة للقضاء على أي سلطة مشروعة تزاحمها فـي الحكم, والحوار لن يكبح جموحها الحربي فـي حال أحست أن الوضع الذي رتبته فـي صنعاء فـي فبراير الماضي يتعرض للاهتزاز.

ليست المعضلة فـي الحوار بحد ذاته بل فـي أن الحوار الراهن يجري فـي هامش ضيق من الحيز الكلي الذي تشغله أدوات العنف وتتحكم فـي مسار وقائعه.

ثم إن الحوار يجري بين غالب ومغلوبين, ما يعني أنه يقود بالضرورة إلى خدمة أغراض الغالب وأشبه ما يكون بالحوارات التي كان يعقدها نظام الرئيس المعزول علي عبدالله صالح لترتيب أحوال نظامه حتى إنه انقلب مراراً على جولات من الحوار حين أخفق فـي تطويع أحزاب المعارضة لتوفر له بغيته من تلك الحوارات.

والحوار الجاري بين الأحزاب السياسية و جماعة الحوثيين هو حوار منفصل عن الواقع الذي تقرر وقائعه آلة الحرب الحوثية ولا يبحث هو سوى في إشكالات هامشية تنجم عن تقدم الآلة الحربية التي لا تلوي على شيء ولا تمس تلك الإشكالات جوهر القضية الوطنية في محنتها الراهنة.

والواقع أن إنقاذ القضية اليمنية بأفقها الوطني الاجتماعي الديمقراطي بحاجة إلى نوع آخر من التحركات ذات السمة الشعبية المسنودة بتنظيم دقيق محكم وإبداع سياسي, كتلك التحركات التي وأشكال المقاومة التي أبدتها الأمم عبر التاريخ حين شعرت بخطر الانهيار والتشرذم.

 لا مفر من الحوار لتخفيف وقع الارتطام بالهاوية أو منع هذا الارتطام في أحسن الأحوال, غير أنه صار يجري لذاته في حين تتخلله الحروب واقتحام المدن وشن حرب شعواء على حريات الشعب وحقوق مواطنيه في وقت لم تستطع الأطراف التي تجلس على طاولة المحادثات في مواجهة مندوبي الجماعة الحوثية العنيفة على كبح أيٍ من أفعالها العدائية.

وعقب انتقال الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مدينة عدن في فبراير الماضي بعد اختراقه للحصار الذي كانت قوات الحوثيين تفرضه عليه في صنعاء بعد الإطاحة به, زادت المخاوف من أن تشن الجماعة المسلحة حرباً جديدة في المحافظات الجنوبية في ظل تهديداتها الجدية بذلك فيما غرق هادي في نشاطات تأكيد شرعيته وترميم هيبة موقعة.

وتوالى الدعم الدولي والإقليمي لهادي مع دخول الأسبوع الثاني لفكاكه من الإقامة الجبرية التي أخضعه الحوثيون لها داخل منزله في صنعاء.

يبرز دعم دول مجلس التعاون الخليجية للرئيس الانتقالي في المقدمة, بعدما نقلت دول التجمع النفطي نشاط سفاراتها إلى مدينة عدن باستثناء سلطنة عمان التي تتمسك بسياساتها المتحفظة الحذرة ودأبت على تقديم نفسها وسيطاً في المنطقة خلال أكثر من قضية.

فقد التقى هادي ,مطلع الأسبوع, السفير السعودي محمد سعيد آل جابر في عدن حيث استأنفت السفارة السعودية نشاطها بعد أيام من إغلاقها في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون.

ونقل فرع وكالة سبأ الحكومية في عدن عن السفير السعودي قوله إن سفارة بلاده تعمل حالياً بكل أقسامها من المدينة الساحلية.

وجدد آل جابر دعم المملكة السعودية للرئيس هادي ووقوفها الدائم إلى جانب الشعب اليمني.

 أتى لقاء السفير السعودي بهادي بعد يوم واحد من استئناف سفارتي الإمارات العربية المتحدة والكويت نشاطاتهما في عدن لتنضما بذلك إلى سفارتي السعودية وقطر.

من جهتها, صرحت وزارة الخارجية البحرينية أن سفيرها غير المقيم في اليمن سيستأنف أعماله من عدن دعماً لشرعية الرئيس هادي.

وجاء في بيان لخارجية مملكة البحرين أن استئناف عمل سفيرها في عدن يأتي «دعماً وترسيخاً للشرعية الدستورية المتمثلة في رئيس الجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي وحكومته المقيمة حالياً في مدينة عدن، وذلك بعد تعليق أنشطة السفير بسبب الانقلاب الحوثي وما أحدثه من تداعيات وتطورات خطيرة».

كان مصدر في وزارة الخارجية الكويتية صرح أن استئناف نشاط السفارة الكويتية في عدن نهاية الأسبوع الماضي يأتي في إطار دعم الكويت للشرعية الدستورية في اليمن وما نصت عليه المبادرة الخليجية.

وتزامن استئناف نشاط السفارة الكويتية من عدن مع استئناف نشاط السفارة الإماراتية.

وقال الدكتور وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة أنور بن محمد قرقاش إن استئناف نشاط سفارة بلاده في عدن هو دعم للشرعية الدستورية وترسيخها.

كذلك, التقى هادي السفير القطري محمد الهاجري الذي عبر عن موقف بلاده الداعم لشرعية الرئيس الانتقالي.

يكشف الإسناد الخليجي الصريح لهادي عن مدى الورطة التي استشعرتها دول مجلس التعاون بزعامة الجارة السعودية بعدما أفاق قادتها على خاصرة الخليج الجنوبية تكاد تدور في فلك الخصم الإقليمي اللدود؛ إيران فيما باتت المبادرة الخليجية التي وضع أسسها القادة الخليجيون من الماضي.

ووجدت الممالك الخليجية في شرعية الرئيس هادي آخر قشة لتتعلق بها, وتبدأ العمل من النقطة التي فر فيها بشرعيته من الاعتقال إلى عدن لبناء استراتيجية جديدة في التعامل مع الشأن اليمني الذي بلغ مستوى يشكل تحدياً وجودياً لهذه الممالك.

فبقدر ما كان اختراق هادي للحصار الحوثي وفراره بشرعيته إلى عدن خلاصاً شخصياً له ولمواطنيه الباحثين عن شرعية للعمل خلفها لمقاومة تغول الميليشيا, كذلك جاء خلاصاً للخليجيين الذين يكادون يفقدون عمقهم الاستراتيجي التاريخي وبوابة أمنهم القومي.

لذلك, يمكن ضمن هذا الإطار فهم الاندفاع الخليجي بزعامة السعودية لدعم هادي الذي كانت المملكة قد جافته خلال أشهره الأخيرة من حكمه في صنعاء, وذلك بالمقارنة مع تعامل الدول الكبرى المتأني مع التطور الأخير مع أنها أسهمت بأدوار أساسية في تصميم التسوية السياسية لما بعد 2011, بيد أنها تستطيع التكيف مع أي طور تعيشه اليمن.

 ولعل في مآل الحالة اليمنية هذا درساً للممالك الخليجية, يقود قادتها وساستها إلى التحلي بالتواضع ومراجعة تاريخية لسياساتهم حيال الجار الفقير ووضع استراتيجيات جديدة, تتيح لمواطنيه حرية تقرير مستقبلهم وتساعده لينهض من عثراته ويعرض عن عروض القوى الإقليمية البديلة.

في تمايز الموقف الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية عن الموقف الخليجي من الوضع اليمني الحالي, يتجلى كيف أن البلدان الكبيرة تملك ما يكفي من المرونة والاستشراف لخدمة مصالحها حتى في البلدان التي تصعد فيها أنظمة حكم غير مرغوبة.

فمع أن السفير الأميركي ماثيو تولر التقى الرئيس هادي يوم الأحد الماضي في القصر الرئاسي بعدن وصرح بدعم بلاده لشرعية الرئيس, إلا أن الولايات المتحدة أحجمت عن نقل نشاط سفارتها إلى عدن.

والثلاثاء, ذكر مسؤول أميركي رفيع أن سفير بلاده لدى اليمن سيتابع الوضع اليمني من مدينة جدة السعودية, حيث للولايات المتحدة قنصلية هناك.

ونقلت وكالة رويترز عن المسؤول الأميركي الذي تحدث إلى الصحفيين عبر الهاتف من سويسرا قوله إن واشنطن لا تريد إعطاء أي إشارة تأييد لتقسيم اليمن.

أضاف المسؤول الذي لم تذكر الوكالة اسمه أن «السياسة الأميركية تدعم يمناً موحداً والحفاظ على سلامة أراضي اليمن ولم نرغب في عمل أي شيء قد يشير إلى مراقبين آخرين بأننا ربما نفكر في تقسيم اليمن».

علاوة على ذلك, قضى هادي أسبوعاً مزدحماً بالاجتماعات وأصدر أول قرار رئاسي منذ انتقاله إلى عدن عين بموجبه العميد ثابت مثنى جواس القائد الميداني خلال جولات الحرب الأولى في صعدة قائد لقوات الأمن الخاصة في عدن خلفاً للعميد عبدالحافظ السقاف الذي كانت تدور شكوك حول ولائه للحوثيين.

كذلك, التقى الرئيس محافظي مارب والجوف وتلقى مزيداً من الدعم السياسي من جامعة الدول العربية التي هاتفه أمينها العام نبيل العربي, مجدداً دعم الجامعة لشرعية هادي.

وشكلت دعوة الجامعة العربية لهادي ووزير خارجيته عبدالله الصايدي حضور القمة العربية والاجتماع الوزاري التحضيري لها دفعة جديدة من الدعم السياسي, أثارت حفيظة الحوثيين الذين انتقدوها وعدوها تدخلاً في الشأن اليمني الداخلي.

إضافة إلى ذلك, أعلن المؤتمر الشعبي العام في محافظة عدن تمسكه بشرعية منصور هادي «الدستورية والتنظيمية» في موقف مناقض لما اتخذته لجنة المؤتمر العامة التي يسيطر الرئيس السابق علي صالح على قرارها, مما يزيد من الانقسام داخل الحزب الذي حكم .

وأدان اجتماع لقيادات اللجنة الدائمة الرئيسة والمحلية للمؤتمر في محافظة عدن وجامعة عدن يوم الأحد ما وصفه «التماهي الواضح للجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام مع الانقلابيين الحوثيين والذي تعزز برفض نقل الحوار إلى منطقة آمنة».

وهذا أول موقف مساند للرئيس من حزبه الذي يتحالف رئيسه مع الحوثيين الذين أطاحوا بهادي في يناير الماضي.

بينما مضى هادي في تدبر شؤون حكمه المنبعث من تحت الحصار, أخذ الحوثيون يرسخون سلطتهم في صنعاء وردوا على دعم الإقليم المحيط لخصمهم بتوقيع اتفاقية في مجال النقل الجوي مع الحكومة الإيرانية, فُتح بموجبها خط ملاحة جوي لتسيير رحلات مباشرة بين البلدين.

وبالفعل, هبطت أول طائرة مدنية إيرانية في مطار صنعاء يوم الأحد تابعة لشركة ماهان اير.

في غمرة هذا الدعم الدولي والإقليمي لهادي, ينبغي على الرئيس ألا يكرر خطيئته بإدارة ظهره مجدداً للشعب الذي راهن عليه كثيراً, وحتى بعدما خذله خلال الأعوام الثلاثة المنقضية, ها هو يندفع إلى الساحات والشوارع مؤيداً لشرعيته ومستنهضاً إياه.

وفي ظل التركيز على الشق السياسي من المحنة الوطنية الراهنة, تتواصل انتهاكات وفظاعات تقترفها الجماعة الحوثية المهيمنة بحق معارضيها.

مطلع الأسبوع, قضى المحامي الناشط في حقوق الإنسان عبدالرحمن معوضة إثر مضاعفات صحية بعد أيام من إفراج الجماعة الحوثية عنه من أحد معتقلاتها السرية في صنعاء حيث قضى عشرة أيام.

وخطف مسلحو الجماعة يوم السبت خمسة نشطاء في منطقة السحول بمحافظة إب وأودعوهم معتقلاً تستخدمه الجماعة هناك قبل أن يخلوا سبيلهم في وقت لاحق.

في صنعاء, خطف المسلحون الحوثيون أربعة أعضاء قياديين في حزب الإصلاح يوم الأحد بعدما دهموا مقراً للتجمع في مديرية معين, قبل أن تنشر الجماعة العنيفة تصريحاً في وسائل الإعلام الحكومية التي تسيطر عليها بأن المخطوفين مرتبطون بتنظيم القاعدة مع أنهم نشطاء وسياسيون معروفون.

 

قراءة 2193 مرات آخر تعديل على السبت, 21 آذار/مارس 2015 15:06

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة