أخـــر الأخبــــار

 

الاشتراكي بين مكائد الساسة وتخرصات امراء الحرب

  • الاشتراكي نت / وسام محمد

الثلاثاء, 21 تموز/يوليو 2015 19:14
قيم الموضوع
(0 أصوات)

عشية عيد الفطر المبارك خرج لنا المخلوع علي صالح بموقف غريب يطالب من خلاله بإيقاف الحرب! وكأنه ليس الطرف الأساسي فيها. هذا الموقف من غير شك كان مبعثه الانتصارات التي حققتها المقاومة الشعبية في كل من عدن وتعز خلال الايام السابقة. وهو موقف بقدر ما يكشف عن محاولة صالح القفز المبكر من سفينة الحرب التي اشعلها والتي ستقوده الى الجحيم كما تشير المعطيات على الأرض، يكشف ايضا أن الرجل بذلك يريد ان ينفي عن نفسه ـ بطريقة ساذجة طبعا ـ أنه المتحكم الأول بقرار اشعال الحرب والأكثر قدرة على اعلان ايقافها اذا ما اراد ان ينهي التمرد والانقلاب.

 لو أن سياسي آخر غير صالح المعروف بمراوغته ومسئوليته المباشرة عن كل الدماء التي سفكت لعد هذا الموقف بأنه ممارسة للسياسة في أوقات الحرب. قبل الدخول الى موضوعنا الرئيسي كان من المهم ان نتوقف عند هذه النقطة، لأن الملفت في موقف صالح أنه لم يأتي من فراغ بل جرى تأسيسه على مقدمات أخرى سابقة على اشتعال الحرب وفي اثناء اشتعالها واستمرارها؛ فمن المعروف ان الحزب الذي يتزعمه المخلوع (المؤتمر الشعبي العام) لم يعلن رسميا اشتراكه في الحرب، كما لم نسمع بشكل رسمي ايضا ان هناك قيادات عسكرية تنتمي لعائلة صالح ومن المقربين منه أو حتى قيادات الصف الأول والثاني قد أسند إليها قيادة المعارك العسكرية، رغم أنها تقودها فعلا، ولكن من خلف الستار.

 اذن موقف المخلوع يستند الى كونه حرص منذ البداية على اشعال الحرب دون ان يكون مسئول مباشر عنها، أو على الأقل كان يعي أنه قد يصل الى هذه اللحظة التي سيقول فيها ان الحرب تدور في كوكب آخر وهو يراقبها كغيره وبدافع انساني سوف يطالب بإيقافها. مهما بدى ان المخلوع اراد بذلك ان يغطي على عين الشمس بمنخل كما يقول المثل، يبقى ان لدى الرجل ألاعيبه السياسية ومراوغاته في أعقد الظروف.

يحيلنا هذا الحديث الى التخرصات التي يواجهها الحزب الاشتراكي من قبل أولئك الذين يطالبونه بإعلان اشتراكه في الحرب رسميا، لأن أي موقف آخر حتى وان كان رفض الحرب بشدة، لن يجعله متواطئا مع عدوان الحوثي وصالح ضد اليمنيين، بل وبكثير من الخفة متحالفا. في كل الظروف، يبدو أن النيل من الحزب الاشتراكي اصبح هواية لدى البعض، لم يعد الأمر مجرد نقد؛ فقد تحول هذا الحزب بقدرة شيء خارق بالنسبة لأولئك الهواة الى كونه شماعة يعلق عليها كل اخطاء السياسة وجميع خسارات الحرب.

في خضم ما تمر بها بلادنا من عواصف وتقلبات كارثية، يصبح الوقوف أمام أي نوع من المكائد أو التخرصات ترف يجد الاشتراكي أنه ليس من الأفضل ممارسته. هناك ما هو أهم: المسئولية التاريخية التي يعيها الاشتراكي جيدا ويعمل جاهدا على ان يكون بحجمها، سواء في أوقات السلم أو الحرب. نحن هنا لا نريد ان نمارس ذلك الترف الذي تغافل عنه الحزب الاشتراكي متعمدا، ولكننا فقط نريد أن نتوقف عند بعض النقاط المهمة التي نرى أنه من الجيد توضيحها، وتتعلق بالأساس حول مواقف الحزب وليس فقط بذلك النقد المرضي والخالي من أي مضمون نقدي.

 سنتعرض لهذا الذي يسمى نقدا طالما وهو يأتي في سياق الحديث فقط. من المتعارف عليه أن صوت السياسة يخفت عندما تعلو اصوات الرصاص. يصبح صوت الحرب هو المهيمن على ما عداه، لهذا نجد ان الاشتراكي قد رفض الحرب بشدة منذ أن كانت لا تزال خطط عسكرية في رؤوس اصحابها، وحذر مرارا من المألات الكارثية التي ستنتجها، والويلات التي ستحملها لشعب منهك لا يقوى على حملها.

وقف الاشتراكي أمام مسئوليته التاريخية، متجردا من أي مصالح ذاتية، وهي المصالح التي لا يتخلى الأطراف الأخرى عنها، بل ويشعلون الحرب من أجل ان تظل قائمة، حتى وان كان على حساب دمار الوطن وهلاك الشعب. في كل مرة كانت تستفحل فيه الأزمة بين أطراف الصراع، واولئك بحسب توصيف الدكتور ياسين سعيد نعمان هم الطامحون لاستعادة السلطة والراغبون في الحصول عليها، فإن الحزب الاشتراكي كان يتبنى موقفا وطنيا، يرفض ان تصل بنا الأزمة الى الحرب التي ستمس كل يمني، وبالتزامن مع ذلك كان يتشبث بالعملية السياسية، وأكثر يتشبث بالاستحقاقات التي سعى لها اليمنيين في ثورة فبراير وترجمتها مخرجات الحوار الوطني.

سنجد أن الاشتراكي لم يتوقف في بياناته ورؤاه المنشورة، عن اعلان تمسكه بالحلول السلمية المستندة الى مخرجات الحوار الوطني ومجمل الاتفاقات السياسية السابقة، وبالمقابل محذرا من مغبة توريط البلد في حرب ستأتي على الأخضر واليابس.

اذا كنا نفهم ماذا يعني أن يكون هناك حزب سياسي، فسنعرف أن الحزب الاشتراكي قد قام بدوره على أكمل وجه، لم يتخلى عن السياسة للحظة، وعندما اندلعت الحرب، فإنه التزم حدود هذا الدور، ورفضها ورفض أن يتورط فيها، مبقيا بذلك على أمل العودة الى الحلول السياسية.

لا يمكن أن تستمر الحرب الى النهاية، ولكن سيكون من المؤسف أن تتوقف في لحظة معينة، ثم نجد أن الأطراف السياسية قد تحولت الى مليشيات مسلحة تستهوي لغة الحرب فاقدة للغة السياسة وادواتها. نحن لا نقول ان السياسة يجب ان تظل بعيدة عن الصراع لمجرد ان شكل هذا الصراع قد تغير وأصبح يتمظهر من خلال الحرب ولغة الحرب، بل من المهم أن تظل السياسة في عمق الصراع، وعليها أن تجد لنفسها دورا لتلعبه ويخدم أهدافها، هذا بديهي، لكن أحدا لم يقل من قبل، أن الحزب السياسي يكون مجبرا حين تشتعل الحرب على أن يتحول الى مليشيا، ليحارب الى جانب أو ضد الطرف الذي آخل بقواعد اللعبة.

يقول الفيلسوف الفرنسي اندريه سبونفيل* أن السياسة تفترض "مواجهات، لكن منظمة، تسويات، لكن مؤقتة وأخيرا توافق حول كيفية الخروج من اللاتوافق، وإلا لن يكون هنالك من مخرج سوى العنف، وهو ما يتوجب على السياسة، لكي توجد، أن تعيقه أولا.

وذلك أن السياسة تبدأ حيث تتوقف الحرب". سيكون من الطبيعي اذن أن مهام السياسة في حال نشوب الحرب هو العمل الدؤوب على ان تتوقف، دون ان تصادر حق الناس في الدفاع عن انفسهم وكرامتهم. وهذا ما قام ويقوم به الحزب الاشتراكي، فهو يرفض الحرب من حيث المبدأ ويدين الحوثي وصالح بصفتهم مشعليها، وقال في أكثر من مرة أنه من حق الناس ان تدافع عن نفسها وعن مكتسباتها العامة التي يراد مصادرتها بقوة السلاح. يقول سبونفيل ايضا، أن "السياسة، مثل البحر، لا تتوقف أبدا عن البدء مجددا. إنها صراع وذلك هو السلام الوحيد الممكن. وهي نقيض الحرب، ولنكرر ذلك، وهو ما يعبر عن سموها". هذه مقدمة لحديث طويل سيأتي تباعا، ليناقش مواقف الاشتراكي من مجمل الاحداث التي تشهدها اليمن، وسنقف من خلاله بشكل تفصيلي أمام مسئولية الاشتراكي التاريخية وأدواته في العمل من أجل هذه المسئولية وطريقة التعبير عنها، دون أن ننسى أن نفند المزاعم التي يطلقها هواة الكيد المجاني أو حتى مدفوعي الأجر، مسعري الحروب أولئك الفائضين عن أي دور أخر.

 

 *فيلسوف فرنسي معاصر، والاقتباسات مأخوذ من مقالة له عن السياسة ترجمها عن الفرنسية الأديب والكاتب اليمني محمد عثمان.

قراءة 5260 مرات آخر تعديل على الأحد, 02 آب/أغسطس 2015 21:07

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة