أخـــر الأخبــــار

 

تعز في انتظار ساعة الصفر

  • الاشتراكي نت / وسام محمد

الجمعة, 31 تموز/يوليو 2015 20:41
قيم الموضوع
(0 أصوات)
صورة من الارشيف صورة من الارشيف

 اذا كنت قادما الى مدينة تعز من الجهة الشرقية، كما فعلت يوم السبت الماضي، ستعتقد لوهلة بأن كل تلك الاساطير التي قيلت في مكان ما بعيدا عن هنا، وكلها تتحدث عن ويلات الحرب، بأنها اساطير لم تكن تماما محقة. فالحوثيون ومليشيات صالح من يفترض انهم مسيطرون على هذا الجزء من المدينة لا اثر لهم وكأن الارض قد تبتلعتهم.

هناك شابين بملابس نصف عسكرية نصف مدنية ينظرون بكسل صباحي الى داخل السيارات المارة والتي اعتادت ان تخفض سرعتها امامهم دون ان تتوقف بشكل كامل. هنا في المدخل الشرقي للمدينة بعد ان تكون قد اجتزت الطريق المؤدي الى عدن ستجد ان هذه هي السلطة الوحيدة للحوثين.

شابين اخرين قبل ان تصل جولة القصر يجلسان تحت شجرة صغيرة على الرصيف الفاصل بين خط السيارات القليلة الذاهبة نحو تعز والخط الاخر شبه الفارغ.

يبدو ان الناس رغم كل ما يقال عن اشتداد المعارك لم تعد تفكر بالهروب من الحرب أكثر، كما فعلت طوال الاربعة الاشهر الماضية بل بالعكس اصبحوا يعودون بعد ان تردد الحديث عن اقتراب ساعة الصفر لتحرير المدينة. تحت الشجرة يتعاطى الشبان القات رغم اننا لا نزال في الصباح (كانت الساعة تشير الى التاسعة و11 دقيقة ).  في جولة القصر تبدأ معاناة الحرب ترتسم في البداية على ملامح القادمين.

 جميع الطرق مغلقة وهناك اسلاك شائكة واحجار تمنع السيارات من المرور. لا يوجد مسلحون ولكن من يتجرأ على المرور سيكون هدفا للقناصة التابعين لمليشيات صالح والحوثين فهم يتمركزون على اسطح المباني المرتفعة ويراقبون كل شيء. لقد اجبروا سكان تلك المنازل على اخلائها تحت تهديد السلاح. قال لنا سائق الحافلة ذلك بعد ان اتفقنا معه على ادخالنا المدينة بالسعر الذي حدده لأنه سيمر بنا من تلك الطرق الضيقة التي تزدهر في اوقات الحرب.

قال السائق وهو شاب في مقتبل العمر  انه حاول في احدى المرات المرور من شارع يحظر فيه مرور السيارات فاطلق احد القناصة، لم يشاهده، رصاصتين على مؤخرة حافلته الجديدة.(انها السلطة الاشد بلاغة بالنسبة لتلك المليشيات) احد الركاب هو من اصر عليه المرور من ذلك الشارع لأن الحوثين اصبحوا يسمحون بذلك. عاد ادراجه عندما سمع صوت الرصاص ثم ركن حافلته جانبا وعندما راى ان الرصاص قد اصبت مؤخرة الحافلة اندفع في عراك مع ذلك الراكب.  

رائحة المدينة    

وصلنا الى وسط مدينة تعز عبر طرق ملتوية. مررنا من الجهة الغربية اسفل جبل صبر وقبل ان ندخل من طريق اشبه بزقاق كنا قد وصلنا الى امام قلعة القاهرة في الجهة الغربية من المدينة. جميع تلك المناطق شبه خالية ويتقاسها مسلحو الحوثي وصالح بشعاراتهم ونقاطهم من جهة. يتمركز في تلك النقاط شبان بزي عسكري كامل هذه المرة ثم انهم يمضغون القات بافراط اكثر من سابقيهم رغم اننا لا نزال في الصباح ايضا. المناطق الاخرى القريبة من مركز المدينة يتواجد فيها شبان مسلحين ينصبون نقاط تتبع المقامة.

كانوا يتفحصون القادمين على متن الحافلة بعناية. فتشوا حقيبة ملابسي وطلبوا من احدهم ابراز هويته. باستثنا اثنين من مسلحي المقاومة كانا ملتحيان فإن البقية يرتدون ملابس شبابية وشعر رؤوسهم منكوشة او مصففة بحسب ما تقتضيه الموضة. عندما اصل الى المركزي وقبل ان ادفع لسائق الحافلة، فإن رائحة كريهة بشدة كادت ان تخنق انفاسي.

اردت البحث عن مصدر الرائحة فوجدت اكوام خائلة من النفايات اصبحت تملأ الشوارع. بعد يومين ستبدأ تلك الاكوام تتضائل بفضل جهود منظمة اطباء بلا حدود والصليب الاحمر بحسب ما يشاع. جهود اخرى للصليب تكفلت باعادة الكهرباء بعد توفير كمية من الوقود وهذا بدوره ساعد على عودة المياه والتخفيف قليلا من معاناة السكان. في العادة فإن المعاناة الاساسية في مدينة تعز تكون المجاري الطافحة وتلك الرائحة الكريهة التي باتت تميز تعز عن غيرها من المدن. ربما ان هذه المعاناة قد توقفت مؤقتا بسبب النزوح الكبير للسكان وايضا ازمة المياه المستفحلة.

مقابل ذلك هناك معانات لا تحصى. صحية وبيئية وايضا خدمية واشدها المعاناة الاقتصادية.  

سير المعركة  

ميدانيا هناك ثلاثة اشياء مهمة تتحكم بسير المعركة وتؤجل حسمها. لصالح المقاومة بالطبع. الشيء الاول هو ان مليشيا صالح والحوثي تستخدم القناصة للاحتفاظ بالاماكن التي تسيطر عليها.

هناك قناصة يتم زرعهم على اسطح البنايات المرتفعة في جميع مناطق التماس. مدربون بشكل عالي ويقال انهم يتبعون قوات النخبة. اما دورهم فهو عرقلة اي تقدم حقيقي للمقاومة. ليس قبل ان يقتل الكثير من المقاومين الشجعان.

 يقول شاب يقاتل في صفوف المقاومة: القناص يمثل ثلث الجيش في الاعراف العسكرية. لكن في معركتنا مع مليشيات الحوثي والمخلوع صالح يسند للقناصة اكثر من نصف المهمة.

هناك قصص عديدة تتحدث عن القناصة الذين جعلوا المقاومة تدفغ ثمنا باهظا لكي تتقدم. الكثير منهم يقتلون في النهاية وقبل شهر رمضان كان احد اولئك القناصة يتمركز في سطح فندق الشريف (بناية عالية في شارع التحرير الاسفل) قتل اكثر من خمسة مقاومين لكنه حصل على قتلة بشعة في النهاية وانسحب المسلحين الاخرين لتسيطر المقاومة. الشيء الثاني الذي يتحكم بسير المعركة هو القصف العشوائي الذي تلجأ إليه مليشيا الحوثي وصالح ويستهدف الاحياء السكنية. يكون هذا القصف ردا بشعا على اي تقدم قد تحرزه المقاومة.

ويأتي من الاماكن المرتفعة التي لا تزال تحت سيطرة تلك المليشيا. هذه الاماكن تتساقط كل يوم وتبقى القليل منها، ابرزها قلعة القاهرة غير ان القذائف التي تطلقها الدبابات ومدافع الهوزر منها تخلف ضحايا كثر من المدنين وترعب من تبقى من السكان وتحملهم على النزوح. الشيء الثالث هو التوقعات من تكرار مليشيا المخلوع صالح والحوثي للسيناريو الدموي الذي انتهجته في عدن قبل دحرها. هنا ايضا الدافع انتقامي بوحشية ممعنة.

احراق المدينة بصواريخ الكاتيوشا يثير مخاوف الناس، وهذا بدوره يعاظم منمن مسئولية المقاومة الاخلاقية، لهذا تحركاتها باتت توصف مؤخرا بالحذرة جدا. ما عدا ذلك ستجد الجميع في تعز يحدثك عن اقتراب ساعة الصفر. يبتسمون بفرح ويقولون بأن طرد المليشيا بات وشيكا.  

ماذا بعد؟  

الاسئلة القلقة كشيء آخر يميز تعز لم تختفي. مع الايمان العميق بانتصار المقاومة والحديث عن اقتراب ساعة الصفر. ستجد ان الجميع يتسائل بخوف ماذا بعد دحر المعتدين؟ عندما وجدت ان المقاومة تحظى باجماع شعبي غير مسبوق وايضا باسناد غير محدود من قبل المكونات السياسية والمجتمعية المختلفة في اماكن أخرى والمتفقة هنا.

 تبادر الى ذهني تساؤل قلق حول ان كانت كل هذه الجهود مسنودة بتحرك سياسي ينظر الى ما بعد المعركة بحيث لا تذهب تضحيات هؤلاء الناس هدرا.

عندما قابلت اول مجموعة شبابية مساندة للمقاومة تتحدث بنفس القلق عن تلك المخاوف غير انه اصبح لديهم مسودة رؤية لايجاد حامل سياسي للمقاومة يعتزمون تقديمها للقيادات السياسية والعسكرية.

اما ملخص تلك الرؤية فيمكن التعبير عنها بعبارة واحدة بأن كل هذه التضحيات الكبيرة والعزيزة التي تقدمها تعز وابنائها لا يمكن ان تذهب ادراج الرياح في النهاية. بعبارة زائدة ومختصرة: هناك استحقاقات مشروعة يجب عدم التفريط بها.

يعتقد هؤلاء الشباب ان وجود حامل سياسي للمقامة سيكون له دور كبير في ترجمة تلك الاستحقاقات الى واقع، وايضا عدم التفريط بالافق الوطني الذي تنطلق منه المقاومة لان هذا سيعني ترك المجال للمشاريع الاخرى المجهولة التي وجدت لنفسها اساسا في واقع الفوضى الحالي لكنها ستستفيد بدرجة رئيسية من غياب المشروع السياسي الوطني الاخذ في اعتباره استحقاقات هذه المحافظة. بالطبع مبعث هذا القلق يعود الى المخاوف المتعلقة بوضع المسلحين بعد الحرب. هذا اولا.

وثانيا: الاستحقاقات والحامل السياسي للمقاومة. لكن ما يبعث على الطمأنينة بحسب ما يشير الشاب صلاح احمد هو ان هوية المقاومة في تعز هي هوية الرفض كامتداد لثورة 11 فبراير التي انطلقت من هذه المدينة. يؤكد صلاح وهو ناشط سياسي واحد المساندين للمقاومة ان من يسعى الى صبغ تعز بلون واحد الان او بعد انتهاء المقاومة سيواجه بنفس الرفض. طوال السنوات الكثيرة الماضية، عانت تعز دائما، وفي سبيل التخلص من ذلك قدمت تضحيات كبيرة.

والان رغم كل شيء ثمة جو يوحي بان تعز على مشارف عهد جديدة. على الاقل لن تبقى الحياة رتيبة ومملة كما هو حالها طوال عقود مضت.    

قراءة 6063 مرات آخر تعديل على السبت, 01 آب/أغسطس 2015 21:37

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة