أخـــر الأخبــــار

 

على مشارف التضاريس الوعرة

  • الاشتراكي نت/ خالد عبدالهادي

السبت, 08 آب/أغسطس 2015 20:08
قيم الموضوع
(0 أصوات)

ألقت معركة عدن بظلالها وتأثيراتها شمالاً إذن.

فقد حسمت قوات الرئيس عبد ربه هادي والمقاومة الشعبية معركة ثانية في قاعدة العند الجوية، لا يقل تأثيرها عن معركة عدن التي رسخت أقدام المناوئين لتحالف الحوثي وعلي صالح على الأرض.

تنبع أهمية قاعدة العند من موقعها الذي يشكل نقطة سيطرة فائقة الإحاطة نتيجة توسطها لمحافظات عدن ولحج والضالع وأبين توسطاً مباشرة فيما يمتد نطاق تأثير موقعها إلى تعز والبيضاء وإب.

وعدا عن أنها أضخم قاعدة عسكرية في البلاد,  تكتسب "العند" سمعة مهيبة جعلت من السيطرة عليها خطوة كبيرة في مسار أي حرب, وهي هيبة مردها إلى نوعية التسليح الذي وضعه الاتحاد السوفييتي فيها إبان حقبة الحرب الباردة في إطار تطويرها بمعايير قاعدة إقليمية.

واكتسبت "العند" سمعة إضافية خلال حرب صيف 1994 إثر الدعاية العسكرية التي صورت سقوط هذه القاعدة أنها نهاية عملية للحرب في مقابل الدعاية العسكرية لقوات الحزب الاشتراكي اليمني التي صورت سقوطها أمراً مستحيلا.

مع أهمية سيطرة قوات هادي على "العند" لكن سقوطها هذه المرة لن يثمر نصراً سريعاً وحاسماً مثلما كان يحدث حينما تسقطه القوات القادمة من جهته الشمالية كما في صيف 1994 وربيع 2015.

فما يلي العند من جهتها الجنوبية غير ما يليها من جهتها الشمالية حيث تبدأ وعورة التضاريس على نحو تدرجي وصولاً إلى صنعاء, وكذا تتعقد ظروف القتال وتزداد المجاهيل مثلما تكبر المخاوف الباعثة على استماتة سلطة صنعاء في القتال دون المناطق الواقعة فيها.

وإذا كان تأمين عدن لا يكتمل إلا بالسيطرة على العند فكذلك لا يكفل تأمين هذه القاعدة الشهيرة جيداً إلا السيطرة على معسكر لواء لبوزة في منطقة المسيمير بما يشكله من حامية متقدمة لها من ناحية الشمال, إلى جانب تعزيز خطوط القتال في الضالع وإحراز تقدم ملموس في أبين.

وفي حال تقدمت قوات هادي شمالاً, من المتوقع أن تبدأ أشد المعارك احتداماً بدءاً من تعز إذا قررت قوات الجيش الآخذ في التشكل استعادتها رسمياً واستيأس صالح والحوثي من إعادة القتال إلى المدن الجنوبية.

فعلى الرغم من وضع المقاومة المريح في تعز وإحرازها مكاسب ميدانية متواصلة, غير أن كثيرين من فلول مقاتلي صالح والحوثي تسربوا إليها قادمين من العند بعدما أتاحت لهم القوات المهاجمة ممراً للهرب, إضافة إلى أن تحالف صنعاء دفع بمزيد من التعزيزات القتالية تحسباً لمعركتها.

وعلاوة على موقع تعز المتميز بتوسطه بين المناطق الشمالية والجنوبية وثقلها السكاني الذي ستحوله السلطة التي تحسم السيطرة عليها إلى نسبة رقمية لترقية رصيد شرعيتها الشعبية فلهذه المحافظة سلطتها المعنوية الخاصة التي تستمدها من كونها قاعدة للحركة السياسية باتجاهاتها المختلفة من أقصى اليسار حتى أقصى اليمين, فضلاً عن تسميتها عاصمة ثقافية للبلاد.

وحتى إذا لم تستميت قوات صالح والحوثي في القتال لمنع سقوط تعز بما من شأنه تسعير معركتها, فستلجأ إلى أسلوب قتالي عابث وإجرامي لإنزال أكبر قدر من الدمار وإثخان سكان المدينة بالجراح لأن لكليهما ثأره الخاص منها.  

فتعز قدحت شرارة معظم التحركات الجماهيرية التي أفسدت على الرئيس المعزول علي صالح لذة السلطة إلى أن انتهت بإطاحته من الحكم إثر ثورة فبراير الشعبية التي انطلقت في 2011 من ساحة الحرية وسط المدينة.

وحرمت تعز الحركة الحوثية من شهادة الشرعية الشعبية, مبرزة سمتها الرئيسة كجماعة طائفية عنيفة, حين تظاهر آلاف المحتجين في شوارع المدينة في مارس الماضي رفضاً لانتشار مسلحي الجماعة هناك.

وحين تطورت المواجهة في المدينة إلى الصدام المسلح, خسر الحوثيون منفردين مئات القتلى حتى الآن وتكاد تكون الجبهة الوحيدة التي يلزمون فيها وضعاً دفاعياً بعد عجزهم عن إحراز تقدم يُذكر خارج المربعات التي انتشروا فيها قبل أن تتشكل المقاومة المسلحة باستثناء تنفيذهم عمليات قصف مدفعي على الأحياء السكنية.

كان من شأن إظهار الرضا بانتشار الحوثيين في تعز بما تشكله من ثقل سكاني وفاعلية سياسية مدنية أن يمنح الجماعة المسلحة شهادة قبول شعبي في سائر أصقاع البلاد وفئاتها الاجتماعية والسياسية لكن الرفض الذي كلف المتظاهرين بضعة قتلى ومئات المصابين أكد تعريف  الجماعة في جذرها الأصلي.

هذا السيناريو المتوقع لاستعار القتال في المناطق التابعة للجغرافيا الشمالية, لن يخترقه أو يعدل في مساره إلا وقائع خارج حسابات القوتين المتحاربتين.

ولعل جبهة الحوثيين وصالح مرشحة لهذا النوع من الوقائع التي قد تأتي في صورة انهيارات سريعة في صفوف مقاتليهم, خصوصاً إذا استطاعت قوات هادي والمقاومة الشعبية كسب معركة ثالثة بعد معركتي عدن والعند.

في سياق المواجهة السياسية, وصل رئيس الحكومة نائب الرئيس خالد بحاح إلى عدن يوم السبت الماضي في أول خطوة سياسية رمزية لفريق الرئيس هادي من استعادة المدينة الساحلية منتصف يوليو الماضي.

تأتي زيارة بحاح مع بضعة وزراء لعدن التي غادروها بعد ساعات من وصولهم لدحض دعاوى سلطة صنعاء التي تجهد لتصوير أن المدينة التي اتخذها الرئيس هادي عاصمة مؤقتة بعد إطاحة حكمه مطلع 2015 ما تزال مسرحاً للقتال وغير مستقرة.

من جهة ثانية, ذكرت حكومة هادي على لسان وزير النقل بدر باسلمة أن الحكومة بتحويل حركة الملاحة البحرية إلى ميناء عدن بدلاً عن ميناء الحديدة الخاضع لسلطة الحوثيين وصالح.

ومن المتوقع أن تتخذ حكومة هادي مزيداً من الإجراءات لعزل سلطة صنعاء وخنقها اقتصادياً بما من شأنه توسيع حدة السخط الشعبي تجاه هذه السلطة التي هوت بمعيشة المواطنين إلى درك المجاعة ونسفت أمنهم بإشعال حرب إقليمية, تدفع مدنهم كلفتها.

غير أنه يجدر بسلطة هادي مراعاة محاذير قد تجلب نتائج عكسية إذا لم ترافق تلك الإجراءات تدابير موجهة تحول دون انقسام المجتمع وإحساس القسم الخاضع منه لسلطة صنعاء بأن الحرب الاقتصادية موجهة ضده.

ولن يتسنى لسلطة هادي مخاطبة الرأي العام في سائر مناطق البلاد إلا بإنشاء قنوات تواصل إعلامية, يستطيع المواطنون التعرض لرسائلها في الظروف الاستثنائية الحالية.

في المقابل, هون عبدالملك الحوثي على أتباعه انتزاع عدن من سيطرتهم ووصف سيطرة قوات هادي عليها في خطاب طويل له يوم الأحد الماضي بإنجاز محدود واختراق عابر.

لكن ما حاول الحوثي التقليل من قيمته, كان الأسبق إلى التأثير في معنويات الحوثي نفسه وأفصح عنه خطابه بما اشتمل عليه من مواساة نفسية لأتباعه وعودته إلى الخوض في سجال فارغ المضمون حول أسباب الحرب الدائرة ومواقف أطرافها, وكذا إطلاقه إشارة إلى إمكانية الحل السياسي.

وخمدت الحدة التي كانت تطبع خطابات الرجل السابقة بعدما أنزلته وقائع الحرب من سماء أحلامه إلى أرض الواقع.

ما من مستمع لخطاب الحوثي الأخير بحاجة إلى عناء ليلحظ التضعضع الذي خالط لهجة الرجل وطريقة إلقائه التي قدمت عبدالملك الحوثي هذه المرة شخصاً, روضت يوميات الحرب جموحه الانفعالي الذي كان يبلغ ذروته في منتصف خطاباته ومع كل جملة وعيد أو تلويح بالقوة.

ولقد استخدم أمثلة تاريخية للمقاومة الشعبية استخداماً مقلوباً وتعسفياً فاستشهد بالمقاومة الفيتنامية الأسطورية ضد الجيش الأميركي متعامياً عن أن المقاومة الشعبية التي نهضت للدفاع عن حق اليمنيين في تقرير مستقبلهم الذي أراد هو أن يستبد به هي التي ينبغي إحلالها في موضع المقاومة الفيتنامية في حال التشبيه أو الاستدلال.

حين كان في ذروة قوته بعدما ابتلع إمكانات الدولة, خاض الحوثي حروبه بعصا الشرعية ودعوى مسؤولية الجيش في محاربة الإرهاب ولمًا أحس بالضعف عاد سنوات إلى الوراء متذكراً يافطة المظلومية وحق المستضعفين في الدفاع عن أنفسهم.

خطاب طويل مسهب في عرض القناعات الإيمانية مجدداً, ومع أن صاحبه يعلم أن اليمنيين قد حسموا خياراتهم فأتباعه يقاتلون قتال اليائسين المنتحرين أو يضعون النقود في صناديق جماعته وخصومه يقاومون مشروعه سلماً وحرباً, غير أن خطابه يلح في الاستقطاب المدرسي الساذج ولا صلة له بالطريقة التي ينظر بها السياسيون في العالم كله إلى الأحداث أو طريقة عرض قراءاتهم لها.

وكسمة فاشية أصيلة باختزال الشعب في الأتباع وإلغاء المعارضين تماماً, قال الحوثي إن المعركة الراهنة هي معركة اليمنيين.

لن يكون ذلك حقيقياً البتة إلا في حال عنى بها معركة اليمنيين الحقيقية في مواجهة المشروع المشترك بين الجماعة الحوثية وعلي صالح بما تنطوي عليه من دفاعهم عن إرادتهم في تقرير مستقبلهم ومقاومتهم للارتداد إلى الماضي؛ سواء ماضي الدكتاتورية الفردية العسكرية القريب أو ماضي الثيوقراطية البعيد.

ومن الفرع الثاني في تحالف سلطة 21 سبتمبر, قال الرئيس المعزول علي صالح لصحيفة هافنغتون بوست عربي وهي صحيفة مغمورة تصدر في الولايات المتحدة الأميركية إن الرئيس هادي لا مكان له في اليمن مستقبلاً, وطالب بمحاكمته دوليا.

بصرف النظر عن مستقبل هادي السياسي الذي ينبغي للرجل ذاته الاستعداد لقضائه خارج موقع الرئاسة, بيد أن مضمون حديث صالح الذي بعزله عن واقع الحال يظهر كأنه يصدر عن رجل ما زال يملك الكلمة العليا في تقرير مآل الأحداث.

لكن بعقد مقارنة بين حديث الرئيس السابق وواقعه يبدو مجرد تحميس ذاتي من رجل لنفسه وهو يرى تماسكه يتداعى فيما لا يستطيع فعل شيء لإنقاذ تداعياته سوى قوله إن حل الأزمة مرهون بحوار في الخارج ترعاه روسيا.

وبقدر ما يشير هذا الاقتراح التبسيطي للحل وتحديد الدولة الراعية له إلى أمنية كامنة في وعي صالح بالعثور على طريقة للنجاة فهو لا يثير سوى الضحك وصاحبه يحاول الإيحاء كما لو أن الحل ما يزال محض اختيار لما يروق أمير حرب يتهالك.

نقلا عن "الثوري"

قراءة 3814 مرات

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة