أخـــر الأخبــــار

 

"حرب عادلة" أو سلام مشروط بالإذلال

  • الاشتراكي نت/ الثوري - خالد عبدالهادي

الخميس, 05 تشرين2/نوفمبر 2015 19:18
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تبرهن الأحداث الجارية والتجارب التاريخية أن حلف علي صالح وعبدالملك الحوثي لن يعطي اليمنيين في أي حال من الأحوال إلا خيار الحرب أو السلام المشروط بالإذلال وإخضاعهم لخياراته, مما يجعل انتظار سلام طبيعي من هذا الحلف منطقاً مختلاً ومطاردة للسراب.

***

يعتقد وزير الخارجية السعودي الذي تقود بلاده قوات التحالف العربي في الحرب على قوات علي عبدالله صالح وعبدالملك الحوثي أن عمليات التحالف العسكرية تقترب من نهايتها.

ونقلت وكالات الأنباء عن عادل الجبير قوله خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره البريطاني فيليب هاموند في الرياض يوم الأربعاء الماضي إن إحدى المؤشرات على اقتراب الحملة من نهايتها هي "حقيقة أن علي عبد الله صالح والحوثيين يقبلون قرار مجلس الأمن الدولي 2216 ويدخلون في المباحثات على هذا الأساس".

عامل آخر يراه الجبير باعثاً على قرب نهاية الحملة العسكرية هي "المكاسب التي تحققت على الأرض" قائلاً إن "معظم أراضي اليمن التي استولى عليها المتمردون قد استعيدت".

هذه هي المرة الثانية التي يطلق فيها الوزير السعودي تصريحاً معاكساً لاتجاه الأحداث بعد أسابيع من إدلائه بتصريح مماثل قال فيه إن الحل في اليمن لن يكون إلا سياسياً.

لكن بالمقارنة بين اتجاه الأحداث على الأرض والتصريح السعودي, في الإمكان تلقي التصريح على أنه محاولة من الجبير لإبقاء الحرب الجارية في اليمن نائية عن الاهتمام العالمي الذي قد يؤدي تركيزه إلى إفساد التهيئة الشاملة التي مهدتها الدبلوماسية الخليجية لتمكين جيوشها من خوض حرب بلا منغصات أو مآخذ دولية.

ولا بأس من قراءة هذا النوع من التصريحات في سياق تطمين المملكة للمجتمع الدولي الذي يحافظ على دوره الانطباعي بإبداء تحفظات حيال اتساع الصراع وإطالة أمده في اليمن.

 ولعل من وظائف الدبلوماسية السعودية المرافقة لحرب اليمن, العمل على عدم تجذر  انطباعات عالمية عن النظام السعودي كواحد من الأنظمة التي تسهم في زعزعة استقرار المنطقة وتغذية الحروب.

من جهة أخرى, في التصريح السعودي مدخل مناسب لإنارة زاوية يقطنها سؤال حول مدى إمكانية وقف الحرب التي لما تضع بعد قواعد جديدة تهدم القواعد التي مكنت المركز الحاكم من شن الحروب العدوانية على أطراف البلاد وقواها السياسية والاجتماعية إلى جانب تغييب مصالح المواطنين في تلك الأطراف والمركز على حد سواء.

ينادي خليط واسع من المثقفين والسياسيين والنشطاء المدنيين بوقف الحرب, وكذلك يتعالى صوت الحلف المركزي الذي شن الحرب الداخلية بوقف الحرب الخارجية التي تستهدفه دون إبداء أي استعداد من لدنه لوقف حروبه.

وباستثناء شمول الصوت الأول المنادي بوقف الحربين الداخلية والخارجية فهو يتلاقى – بدون قصد وبدون وعي أيضاً- مع الصوت المتعالي من حلف الحرب الداخلية, في اقتصارهما على المطالبة بوقف الحرب دون إيضاح الأسس التي ينبغي أن تحكم وقفها ولا الوسائل المقترحة لذلك ومستقبل المتورطين في شنها.

السلام غاية سامية وأزلية, لكن الغناء له أمر والتضحية في سبيل فرضه وتثبيته أمر آخر, غير أن الأصوات الكثيرة المنادية به تذم الحرب الداخلية وتذم معها التضحيات الوطنية المبذولة لإنهاء الحرب وفرض السلام في خلط مبدئي عجيب لمجرد أن تلك التضحيات تأتي في سياق حربي.

وكما في تراث الحضارات والأمم القديمة والحديثة فالحرب التي تقوم لإنهاء حرب عدوانية وفرض السلام هي حرب وطنية, تعلي الشعوب من قيمة الانتصار فيها وتمجد ذكرى من قضوا فيها.

بل إن فلاسفة السياسة والقانونيين قد استفاضوا في مفهوم "الحرب العادلة" لتمييزها بحدود واضحة عن الحرب العدوانية وشرعنتها طالما لم تنحرف عن المبادئ التي تسبغ عليها الصفة العادلة.

تقوم "الحرب العادلة" للقضاء على الحرب العدوانية وإرساء السلم بعد. ولكي تكون حرباً عادلة, ينبغي أن تتمتع بجملة من المعايير أبرزها أن تشكل الوسيلة الوحيدة والأخيرة لصد العدوان بعد استنفاد الوسائل السلمية وتستند إلى قضية عادلة, رامية إلى تحقيق هدف عادل وأن يأتي قرارها من حكومة شرعية.

 وهذا بخلاف الحروب الثورية والحروب الوطنية التحررية التي تخوضها الجموع المقهورة أو الشعوب الرازحة تحت الاحتلال الأجنبي للتخلص من الأنظمة المستبدة الفاسدة والحكومات المحتلة, فهي لا تحتاج إلى تلك المعايير لكي تكون عادلة.

لا يلغي هذا الاستدعاء التاريخي, بالطبع, حق إدانة الأخطاء العسكرية التي تصدر عن مسلحي المقاومة الشعبية أو قوات التحالف وتتوافر على أدنى قدر من العمدية والتساهل حيال حياة المدنيين الأبرياء في الحرب الدائرة حاليا.

ثم إن التحجج بشعار السلام في الوقت الذي لم تجد القوى السياسية والاجتماعية سبيلاً لدرء الحرب الإجرامية وإحلال السلم سوى خوض حرب دفاعية مضادة يعكس مثالية حالمة مفرطة في التنطع والمساواة بين حرب دفاعية مفروضة وحرب عدوانية إجرامية.

يمكن التعبير بصيغة أخرى عن هذه القضية بالقول إنها مسألة تتصل بحساسية التوقيت الذي يهلل فيه الناس للسلام وذاك الذي يهللون فيه للقوة التي تصد الحرب العدوانية وتوقفها.

على سبيل المثال, اندفع معظم مواطني الاتحاد السوفياتي إلى جبهات القتال لصد الغزو النازي خلال الحرب العالمية الثانية وقدموا تضحيات بشرية هي الأعلى في تاريخ الحروب, تجاوزت 26 مليون قتيل وفق التقديرات السوفياتية الرسمية.

لكن بعدما وصل الجيش الأحمر إلى برلين وكتب هزيمة النازية ثم صنع القنبلة النووية بعد سنوات قليلة لتؤمن له قوة ردع في مواجهة المعسكر الغربي, اتخذ الاتحاد من السلام إحدى قضاياه الرئيسة وعممها في دول المنظومة الاشتراكية التي غنت فرقها الموسيقية للسلام العالمي بإطناب.

وتبرهن الأحداث الجارية والتجارب التاريخية أن حلف علي صالح وعبدالملك الحوثي لن يعطي اليمنيين في أي حال من الأحوال إلا خيار الحرب أو السلام المشروط بالإذلال وإخضاعهم لخياراته, مما يجعل انتظار سلام طبيعي من هذا الحلف منطقاً مختلاً ومطاردة للسراب.

ولن يتأتى السلام الطبيعي أو الدائم إلا بردع حلف صالح والحوثي وتدمير القوة التي في يديه أو تجريده من أدوات الحرب وإمكاناتها التقنية والمالية والسياسية, ثم معاقبته على شن حرب 2015 المدمرة.

أما وقف الحرب بدون معاقبة هذا الحلف العدواني المغامر بمقتضى القانون أو بالقوة الرادعة فمن شأنه إبقاء الباب مفتوحاً لحروب أهلية مستقبلية ستفضي لتقسيم البلاد وإذكاء نزعات استقلالية متعددة في الوسط والأطراف على شاكلة النزعة السائدة في مناطق الجنوب بحثاً عن الخلاص من طغمة المركز الحاكم التي تشن الحروب وتسرق الثروة الوطنية وتحتكر القرار.

ذلك أن ما كان يسد هذا الباب من محاذير كالخشية من تفكك الكيان الوطني وإراقة الدماء وانقسام المجتمع قد انفتح, ولن يقبل المواطنون في المناطق التي يعتقدون تعرضها لإقصاء تاريخي بالبقاء ضمن كيان واحد إلا بعد تدمير طغمة المركز الحاكم وإقامة نظام حكم بديل يعبر عن روح الشراكة الوطنية ويمثل مصالح المواطنين كافة.

وحتى بعد دخول الحرب شهرها الثامن, لا تطرق الدعوات المنادية بوقفها مسألة معاقبة الجناة المتورطين في شنها بما في ذلك المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة وترمي إلى وضع حد للحرب وإحياء العملية السياسية فقط.

وحدها, تقريباً, مبادرة الحزب الاشتراكي اليمني في أبريل الماضي من أجل وقف الحرب اقترحت إخراج القادة المتورطين في شن الحرب وارتكاب جرائم ضد المدنيين من العملية السياسية.

غير أن هذا المستوى من العقوبة مرتبط بالتوقيت الذي ورد فيه, أما وقد بلغت الحرب حداً متعاظماً واشتملت على جرائم فظيعة ومتنوعة بحق المدنيين فلم يعد مكافئاً جزائياً مثلما أن طبيعته ابتداءً لا تمنع من أشعلوا الحرب من استئنافها, إذ أن طردهم من العملية السياسية لا يعطل قدرتهم على شن الحرب مجدداً لأنه لا يسقط الشروط والظروف الكلية التي وضعت في أيديهم قرار الحرب وأدوات تنفيذه.

تشير هذه الحيثيات بوضوح إلى أن القدرة على معاقبة حلف الحرب الداخلية وتقويضه مرهونة بالوضع الذي سيكون عليه الحلف حينما تضع الحرب أوزارها, فإذا ما انتهت بفعل مفاوضات سياسية فسيكون طرفاً فيها وقوة سياسية لها ما لباقي القوى في المستقبل.

أما  في حال انتهت الحرب بهزيمة صريحة له فهو يملك من النفعية وعدم المبدئية ما سيضطره إلى الانسحاب فور أن تلوح مؤشرات الهزيمة كي يميعها ويجعلها غير مشروطة, بيد أن هذا مرهون بمدى مراس المقاومة الشعبية وحلفائها الإقليميين.

وفي هذه المعطيات تحريض لأفراد المجتمع وقواه المستهدفة بحروب صالح والحوثي على مزيد من الاتحاد والصبر لإلحاق الهزيمة الواضحة بهذا الحلف الذي لا تستطيع سيرته الدموية أن تقدمه للناس بأكثر من أنه مجرد ائتلاف بغيض لإراقة الدماء وإشاعة التخلف.  

عقب إنجاز هذه المهمة فقط, سيكون حرياً بمن خاضوا "الحرب العادلة" ودعاة السلم أن يتغنوا بالسلام معاً بعد أن يكونوا قد أطفأوا نار الحرب وقضوا على غولها.

وهذا التفوق النظري الذي يميز قضية غالبية اليمنيين المستهدفين بحروب صالح والحوثي سيبقى شأناً دعائياً مهملاً ما لم تتوافر قوى تتحلى بقدر معقول من الجاهزية والوعي بطبيعة القضية التي تقاتل في سبيلها كي تترجمه إلى حقائق مادية. 

 

قراءة 5211 مرات آخر تعديل على السبت, 07 تشرين2/نوفمبر 2015 18:28

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة