أين أنتم من تقاتل المليشيات؟

الثلاثاء, 22 نيسان/أبريل 2014 18:07
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

التقاتل الذي جرى ويجري بين المليشيات المسلحة، ابتداء من دماج وكتاف في صعدة وقبلهما في الجوف وحجة وحرف سفيان ومروراً بأرحب وببعض مناطق حرض وانتهاء بمحافظة عمران، هذا التقاتل يحتدم الآن على مرأى ومسمع من كل قوى المجتمع اليمني التقليدية منها والحديثة، وكأن أمره لا يعنيها!!، وتقف منه موقف المتفرج المنتظر لنتائجه لترى من الذي سيظفر بالآخر!! وعلى طريقة شاعر حصن الظبيتين في خولان الذي قال ذات حرب بين قبيلته وبين دولة الإمام:

«إن فازوا اصحابي فأنا من قوم حصن الظبيتين

وان فاز مولانا فقلنا يا إمام القبلتين»

اختزال الصراع بنظرة سطحية على أنه بين الحوثيين وحلفائهم وبين التجمع اليمني للإصلاح وحلفائه سيفضي عن جدارة إلى يمن العنف الشامل والتدمير الشامل، وحين يضع أوزاره بعد اكتمال مهمته التدميرية سيضع الفائز فيه أصابعه في عيون السلبيين المتفرجين الجالسين على الكراسي المتكئين على متاكئ مجالس القات، لا بل سيضع سباباته في عيونهم ويسملهما ويفرض عليهم ما يريد ويحب من الشروط، بل وسيقتلعهم من على كراسيهم البائسة. ولا يظنن أحد أن هذا التقاتل الجاري سيؤدي إلى إضعاف أحد طرفيه، إن لم يؤدِ إلى إضعاف الطرفين ليتسنى للدولة فرض سيطرتها على البلد خارج هيمنة المسلحين، كما يحلمون، لا يظنن أحد أن ذلك سيحدث، العكس هو الصحيح، فهذا التقاتل لن يؤدي إلا إلى استقواء وعنفوان طرف بعينيه وبالتالي فرض هيمنته وفكره وآرائه وعقيدته التي ستنطلق بقوة نحو الماضي السحيق، وحينها لن نرى ونلمس ونعايـــش إلا القهر الشامل والغبن الصريح والاستعلاء الفاضح غير المستتر وبالتالي الخضوع الذي سيعود بنا إلى عصور مضت من القهر والاستبداد المتستر بالدين السياسي، وسيصبح مجرد الحديث عن الدولة المدنية والديمقراطية والتعددية مجرد أضغاث أحلام، أو سـراب ليس إلا أو أماني في أحسن الأحوال، وإنني هنا أتساءل:

أين قوى الحداثة مما جري من تقاتل بين المليشيات المسلحة في أكثر من منطقة؟ أين هذه القوى التي تصف نفسها بقوى الحداثة والمجتمع المدني مما يجري الآن في عمران ولا يهدد فقط النظام القائم، بل يهدد أمن ومستقبل المجتمع اليمني برمته، يهدد وحدته الوطنية وسلامه الاجتماعي الذي ظل مستتباً بين مكوناته، وما يزال كذلك في الغالب الأعم؟ أين الحزب الاشتراكي بتجاربه التاريخية المعروفة التي عاصرناها في الحكم وبناء الدولة وتحقيق السلام الاجتماعي في ظل الدولة المدنية؟ أين تجربته في بناء الإنسان وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية والاستقرار وهيبة الدولة والقانون؟ أين هذا الحزب ورؤاه النظرية التي تتكئ على إرث وطني عروبي إنساني أممي؟ أين التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وتاريخه النضالي وتضحياته وتجاربه وفكره الوطني العروبي الإنساني؟ أين البعثيون العروبيون القوميون الذين اتجه فكرهم إلى آفاق الإنسانية ليبنوا مجتمع العدل والكفاية في ظل الدولة الوطنية القوية المهيمنة؟ أين تاريخ هذه القوى مجتمعة وتجاربها بكل ما اشتملت عليه؟ أين المناضلون الذين قارعوا الاستعمار البريطاني والنظام الإمامي وفجروا ثورتي السـادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشـر من اكتوبر؟ أين هم من هذا التقاتل الذي يهدد الثورتين بالزوال، لا بل يتوعدهما؟ أين هم مما يجري؟ هل نفجع فيهم فنرى بعضاً منهم يتجه للتمحور حول أحد طرفي الحرب ويتبنى شعاراته؟ أين قوى المجتمع المدني التي تقول أن هدفها الأسمى هو بناء الدولة المدنية وسيادة المجتمع المدني ورؤاه وأفكاره وتوجهاته؟ أين مئات المنظمات التي تلتهم مليارات الريالات ومئات ملايين الدولارات بدعاوى أنها تناضل لإرساء دعائم المجتمع المدني والديمقراطية والتعددية والقبول بالآخر ؟ أين كل هذه المنظمات مما يجري من تقاتل يختزلونه بتسطيح «مستحكمٍ» بين طرفين رئيسين وحيدين؟ ثم وهذا هو الأهم، لماذا توافق هذه القوى مجتمعة على فكرة استضعاف الدولة والتبرير لها باعتبارها غير قادرة بقواتها المسلحة والأمن على منع هذ التقاتل، ووقف المتقاتلين عند حدهم، وتجريدهم من السلاح؟ لماذا توافق هذه القوى على ألا تكون الدولة هي التي تحتكر امتلاك أدوات القوة والإجبار والقمع الحاسم لكل عنف خارج القانون والدستور؟ لماذا يظن بعض هؤلاء أن هذه الحرب بين الطرفين المسلحين ستكون الوسيلة المثلى للتخلص من كليهما؟ وأنها ستفسح الطريق لبناة الدولة ليحققوا أهدافهم؟ ما هي حيثيات هذه النظرة القاصرة البليدة التي لا تعيش الواقع ولا تستفيد من أية تجربة؟ وفي المقابل لماذا نرى ونسمع من يدعو إلى التحالف مع هذا الطرف أو ذاك؟ على أي أساس ومن أي منطلق وما هو مسوغ من يرى في أي منهما نصيراً أو حليفاً قادماً مؤتمناً؟ أو أنه نصير أو أداة مساعدة على تحقيق هدف بناء الدولة المدنية؟.

إن المصيبة الكبرى في قوى الحداثة أو من يظن نفسه كذلك أن بعضاً من قادتها ومن يدعون تمثيلها يراهنون على قوى ما تزال عالقة بقوة بين كراسات صفراء تتضمن فتاوى ودعاوى متقابلة أو متضادة بينها، في مجملها، وبين العصر الحالي ومقتضياته ومتطلباته طلاق نافذ، طلاق «خلوع ليس فيه رجوع» يراهنون على قوى لا يعرف قادتها الطريق إلى المستقبل، قوى تتجه بقوة وعنف وإجبار نحو الماضي لأنها لا تؤمن بأي بديل له مهما قيل ويقال، ورغماً عن منجزات الإنسانية التي تفوق الخيال، ولا ترى فيها إلا عبثاً بالدين وخروجا على الفطرة!!!!.

إن على قوى المجتمع المدني بكل ألوان طيفها وعلى الرجال العقلاء من قبائل اليمن أن تقف متراصة في وجه هذا التقاتل وأهدافه ونواياه، عليهم أن يقولوا لكل قوى القتل ومن يخططون له ويغذونه من وراء الكواليس الحالمين بالعبور من خلاله إلى السلطة، عليهم أن يقولوا لهم: «يكفي ما فعلتموه باليمن، إلى هنا وقفوا عند حدكم، يكفي سفكاً لدماء اليمنيين» على هذه القوى المعول عليها أن ترفض أن تكون أداة لتحقيق أهداف الطامحين في السلطة بطرق غير مشروعة، أو أن تكون بمثابة الحاضن لأي منهما، على رموزها وكبرائها أن يبينوا حقائق وتداعيات هذا التقاتل السلبية على الوطن والمواطن بدلاً من أن يحرضوهم للوقوف مع طرف ضد آخر، عليهم أن يغلفوا مناطقهم في وجوه المسلحين وسيسهمون بذلك في منع الحرب المدمرة، وإن هذا والله لهو زمن اختبار صدق ادعاء الوطنية وحب الوطن، وإن من ينصر حامل سلاح في مواجهة خصم سياسي له خارج دائرة التحاور والجدل الاجتماعي السلمي الديمقراطي لهو، بحق، عدو أكبر للوطن مهما كانت دعاواه وأكاذيبه.

إن السلام والحوار السلمي حول كل القضايا المختلف عليها لهو الطريق الأمثل لمستقبل أكثر إشراقاً لليمن واليمنيين.

 

قراءة 2015 مرات

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة