ثورة سبتمبر الاخلاقية

الثلاثاء, 27 أيلول/سبتمبر 2016 18:26 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

قبل قرابة أربعين سنة، تمكن شاب يمني مجهتد من الذهاب إلى رومانيا لدراسة الطب البشري، ونجح في مساعيه وعاد طبيبا.

تعرفت قبل عامين ونصف على إبن ذلك الطبيب، شاب متدين نقي وذو بديهة وأخلاق، كان ينتوي أيضا دراسة الطب. تعرفت عليه سريعا والتقطنا صورا للذكرى. علمت قبل يومين أنه عاد لليمن موقفا دراسته وقاتل مع الحوثيين وقتل قبل أيام.

هذا الفارق بين جيلين في أسرة واحدة يلخص وجها من وجوه ثورة سبتمبر 62 ومصائب إهتزاز ركائزها رغم كل ما نالها من تدمير طوال ثلث قرن.

لا  وجود لمضمون أخلاقي ووطني لأي مشروع أو حراك سياسي إن لم يفتح بابا أمام المجتمع وطبقاته المحرومة. كل حراك سياسي يبتغي العدالة والحرية ويخلق الفرص للمواطنين لفهم أنفسهم كمواطنين محفوظي الكرامة لهم حقوق وبإمكانهم تجاوز ظروفهم وتحسين شروط حياتهم_ هو حراك وطني ديمقراطي، وبغير هذا لا وجود  لملمح أخلاقي لأي مشروع سياسي ولا معنى حتى للدولة المعاصرة بغير توفيرها لهذه الفرص وضمانها لأساساته -لم تعد الفكرة التنظيرية القديمة لوظيفة الدولة كمانعة للفوضى كافية ومقنعة-  لأن الأخلاق في جوهرها نقد للواقع وتطلع إلى واقع أفضل.

لهذا، ثورة سبتمبر نظريا كانت فتحا أخلاقيا بمعنى الكلمة، كانت رفضا للواقع وتطلعا ومحاولة سفر لواقع أفضل يبعد عن ذلك المرفوض مسافة مهولة.

ما يهمني هنا هو الإشارة إلى أن استحضار التراكم التاريخي عند إحياء اليمنيين لذكرى سبتمبر مهم للغاية، لأن الاعتراف والإجلال لتلك اللحظة التاريخية ليس له معنى كذلك بدون عصرنة  لتجليات القيم التي قامت عليه تلك الثورة.

في كلام آخر، من المستحيل أن تكون سبتمبريا ورافضا للديمقراطية في ذات الوقت حتى لو كان قادة سبتمبر انفسهم غير ديمقراطيين، أو ترى قطاعا من المجتمع أفضل أو أقل من قطاع آخر أو ان تتبنى فهما متخلفا للهوية.

هناك نغمة كارثية نسمعها منذ فترة من أناس يتحدثون عن "القحطانية" و"الحميرية" وما شاكل من مصائب، ويعتقد كثير من هؤلاء أنهم بهذا ثوريون ووطنيون.

يا جماعة الخير  ما يسبرش انك تكون سبتمبري وبنفس الوقت ترى الدنيا والمجتمع والهوية من منظار قحطاني وحميري وهاشمي و..الخ.. هذا ما يسبرش مهما حاولتم.. هذا  مجرد كلام فاضي شجعت عليه بالتحديد الانظمة العربية المتخلفة نفسها في مصر (الفراعنة!) ولبنان (الفينيقيون!) والعراق (البابليون!) وتونس (القرطاجيون!) واليمن وغيرها.

نحن عرب، عرب بالثقافة والتراكم التاريخي وليس بالعرق ولا بالهيئة والجذور.

لن يبنى مجتمع حديث بتصورات كهذه، ولكن يمكن بسهولة بناء فاشيات وتقسيم مجتمعات إلى كانتونات عبرها.

حتى التوقف عند لحظة سبتمبر كتمظهر للانحياز لها هو كارثة حقيقية، لأنه يسهل على كثيرين من أعدائها الفعليين التحدث باسمها واحتكار قيمها. فيأتي مجموعة من اللصوص مصاصي دماء الفقراء وساحقي المعوزين ليتحدثوا عن الثورة، او ممجدي المشيخ القبلي والمناطق الجغرافية أو من يبحثون عن خلافة إسلامية.. كل هؤلاء يقسمون المجتمع إلى طبقات وناس احسن من ناس ويفرزونه على أساس اشياء لم تولد معهم وليس لأحدهم يد فيها.

بينما الانحياز للقيم في أحدث تجلياتها ومواصلة مشوار رفض الواقع لأجل مستقبل أفضل للإنسان اليمني والعربي هو الانحياز الفعلي لثورة سبتمبر ولكل تلك التضحيات الجسيمة والكبيرة التي قدمها ذلك الجيل الممتاز، فالأحلام المستقبلية الجسورة هي التكريم الرفيع للحظات الماضي العظيمة.

كل عام وانتم بخير..

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

قراءة 1225 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة